حوارات عامة

القاص المغترب (جيكور) يقلب حواري معه الى قصيدة نثر طويلة

3598 علي صالح جيكورجيكور:

- في كوابيسي الإنضباط يطاردوني من شارع الى شارع ومن سطح الى سطح

- السياب عشقي الأزلي الأبدي، أول قصيدة قرأتها له (بويب)

- قال لأمي: يبدو أنك رميتِ سرته في ساحة المدرسة، غطت أمي وجهها بعباءتها، خجلاً وفرحاً

- كانت امي تصاب بالدوار ما ان يغلق المصعد بابه الحديدي القبيح

- تعلمت القراءة والكتابة والرسم والحدادة والنجارة وعزف العود وغيرها كثير

- أسندت رأسي الى الحائط وإستسلمت لإغفاءة لذيذة، صحوت على صفعة وركلة

- أنا مثل الشجرة التي أقتلعت من أرضها وغرست في أرض أخرى

- اخبر اهلي عن مقتلي ومقتل اخي،اثناء عبورنا النهر، بعد ان اطلق الجيش.

***

جليسي اليوم ظريف لا يمل حضوره وهو احمر لكنه لا يشارك الحمران مناسباتهم ولايرتدي المعطف في هولندا عندما تنخفض درجة الحرارة في ساحة الحمراء له طيبة البصرة وحنان العمارة وسباعية أولاد (الملحة) وشطارة أهل (الثورة) نؤاسي المشارب عراقي الهوى إنساني النزعة .. صبور .. غفور لزلات الصديق وربما عناه القريشي يوم قال : (اليوم خمرا وغدا أمرا) يعني بمنطق جيله (ذابها على الساطور) كاتب قصة جميل يتابعه قراؤه بشغف ومحبة هرب من جحيم حكم المنظمة السرية تاركا كل شيء خلفه وكان يكفيه ان يحد نفسه خارج حدود سلطة البعث مهما كانت النتائج وكان له ما أراد بسفرة ماراثونية من مطار بيروت حتى أمستردام بصحبة أخيه .

ورحلة الخروج من العراق التي امتدت لعامين بدأها بعبور شط العرب سباحة إلى عبادان وهناك في إيران اعتقل حتى تمكن من الهرب إلى شمال العراق ومن ثم سوريا وإقامة في لبنان لمدة عام ويغادر مطار الحريري فيها بجواز سفر مزور حتى حط رحاله في هولندا .. تعالوا لنرافقه في رحلة هروبه من الجحيم إلى امل منشود في دردشة لا تخلو من خفة دمه وطرافته.

* ماهي قصة سيطرة القادسية؟

* قد لاتصدق إذا قلت لك بأن هذا الأسم مازال يبعث الهلع في قلبي بعد أكثر من ثلاثة عقود ونصف وعلى مبعدة خمسة الآف كيلومتر، وأني مازلت رغم هذا البعد الزمكاني، أرى في كوابيسي الإنضباط يطاردوني من شارع الى شارع ومن سطح الى سطح، فأستيقظ متعرقاً مذعوراً، بريقٍ جاف ووجه شاحب، ولا أظن بأني الوحيد الذي عانى من أجلاف تلك السيطرة، التي ظلت توزع المنغصات على العابرين لسنوات طويلة.

* ماذا يعني لك الرقم (٤٧)؟

* هههههه سؤال جميل، من إعلامي متمرس وجميل، يعرف كيف يضرب على الأوتار.. سبعة وأربعين، هو رقم القطّاع الذي ولدت فيه بمدينة الثورة، هذه المدينة العجائبية الدافئة، و رغم أن سنوات طفولتي فيها لم تتعدى الثمان، لكنها شكلت الجانب المشرق من ذاكرتي وروحي، إنها المعين الذي أرد إليه كلما مضّني الحنين، فأغترف منه، مازلت أشم عبق تلك الشوارع والسطوح والبيوت، الى حد هذه اللحظة، لاافهم سر عشقي وولهي وحنيني الى ذلك المكان!

* من هي الحمدانية؟

* هي المدرسة الإبتدائية التي تعلمت فيها أول حرف وكتبت فيها أول حرف، وكانت تفصل بينها وبين بيتنا، ساحة ترابية، تتحول في الشتاء الى بحيرة مليئة بعلب الصفيح والحجارة وإطارات السيارات، بالإضافة الى (أبو دبيلة) وهي صغار الضفادع بطور نموها الذي يشبه السمك، كانت رحلة الذهاب والإياب الى المدرسة في فصل الشتاء، تستغرق نصف ساعة أو أكثر، أما في الصيف، فثلاث دقائق كافية للذهاب و دقيقة للعودة، لأننا نكون جائعين، فنركض بأقصى مالدينا من سرعة، صوب بيوتنا.

أتذكر أول يوم دخولي اليها صحبة أمي، وكان هناك جمع غفير من الأطفال رفقة أمهاتهم، كانوا يتعلقون بعباءاتهن ويبكون، وحينما اشار المعاون الى الصف الذي يتوجب علينا المضي اليه، أفلت يد أمي وركضت باقصى سرعتي صوب الصف الأول (ب)، ضحك المعاون وقال لأمي: يبدو أنك رميتِ سرته في ساحة المدرسة، غطت أمي وجهها بعباءتها، خجلاً وفرحاً.

قد تتعجب إذا أخبرتك بأن الحمدانية وساحتها وصفوفها ورحلاتها، وبائعوا الحلويات والسميط والمكاوية واللبلبي المتجمعين خلف سياجها، هي أجمل وأدفأ من المدارس هنا، في عيني!

* من التقط لك اول صورة شمسية؟

* مصور بمنطقة شارع فلسطين، في الرصيف المقابل للمحكمة، وكنا انا وامي وجارتنا وولديها سليم ورحيم، إذ سندخل خريف ذلك العام 1973 الى ابتدائية الحمدانية للبنين.

* ماهي علاقتك بالسياب؟

* السياب عشقي الأزلي الأبدي، أول قصيدة قرأتها له (بويب) كانت في المنهج الدراسي وكان يتحتم علينا حفظ بضعة أبيات منها كواجب مدرسي، لكني إسترسلت في القراءة وحفظت القصيدة كلها، وتمنيت أن تطول أكثر وأكثر، ومنها بدأ بحثي عن أشعاره، فقرأت، شناشيل إبنة الجلبي وغريب على الخليج وسفر أيوب، وأحبيني وستار وغيرها، ثم جمعت 12 ديناراً بشق الأنفس، وكان مبلغاً كبيراً على طالب متوسطة، في وضع مثل وضعي، وأشتريت ديوانه بجزئيه الأول والثاني، طبعة دار العودة.

زرت قرية جيكور في العام 1986 ووقفت على نهرها الصغير (بويب) الذي تغنى به السياب، لكني صدمت وتفاجأت، إذ لم أجد ماقاله عنها

(نافورة من ظلال من أزاهير

ومن عصافير

جيكور جيكور يا حفلا من النور

يا جدولا من فراشات نطاردها

في الليل في عالم الأحلام و القمر)

فلقد كانت مهجورة وشاحبة، جفت سواقيها وأصبحت بساتينها مواضع للجنود والعجلات والآليآت، في زمن الحرب اللعينة .

* كم مرة اضعت امك في السوق؟

* كثيراً، لكن المرات التي تركت الماً وحزناً في قلبي، هو ضياعي في سوق إعريبة وسوق الشورجة وفي ضريح الإمامين الكاظم والحسين عليهما السلام، ومرة ضعت في مدينة الطب، إذ لم يكن لأهلنا المعرفة الكافية آنذاك، بتلك التكنلوجيا العجيبة المتمثلة (بالمصعد) فكانت امي تصاب بالدوار ما ان يغلق بابه الحديدي القبيح، ذات مرة كنا في زيارة لقريبة لنا ترقد في المستشفى، وكان المصعد ممتلئاً بالناس، فدفعني السيل النازل في احدى الطوابق وظلت امي في المصعد، تصعد الى الطابق الأخير وتنزل الى الدور الأرضي، وصراخها يُسمع في الجانب الآخر من الكرخ،

* من هو الغريب الذي حملك على ظهره وطاف بك أزقة شارع الرشيد؟

* لا أعرفه، لكنه أحد أولاد الحلال الكثر، في بلدنا الجميل آنذاك.

* هل أحببت أحد أفراد الانضباط العسكري يوما؟

* أجل، ذلك الشاب الذي أنقذني، عندما كنت نازلاً دون إذن، قبل يومين من رأس السنة الجديدة، وذكرته في إحدى نصوصي، كان إستثناءً حقيقياً.

* متى وجدت نفسك تجيد كتابة القصة القصيرة؟ .

* لا أدري إن كُنت أجيد كتابة القصة أم لا! لأني أكتب دون ضوابط أو شروط، إنها نصوص بسيطة ومتواضعة، بعيدة عن التكلف والغموض.

* ماهي مشكلتك مع ربطة العنق؟

* تعلمت القراءة والكتابة والرسم والحدادة والنجارة وعزف العود وغيرها كثير، لكني لم أفلح بتعلم شد ربطة العنق، لا أعرف اين تكمن المشكلة؟ ربما لأني لا احبها، اشعر بالضيق عندما ارتديها، أتصور بأن الأنظار كلها مصوبة نحوي، تشعرني بأجواء رسمية خانقة. عملي يحتم علي إرتداءها يومياً، زوجتي من يقوم بهذه المهمة، لدي أكثر من واحدة مربوطة وجاهزة في خزانة الملابس، يعني (سبير)، أما خارج العمل، فلا أقربها إطلاقاً.

* هل تكره النظام او السيدة المدير؟

* ههههه، أبداً، أحب النظام، الذي يضمن سلامة وكرامة الناس، كنت فوضوي بعض الشيء، لكني غيرت الكثير من سلوكي بمرور الوقت، أما عن مسؤولتي السيدة (آنيا) التي ذكرتها في بعض نصوصي، فهي إنسانة طيبة، تمتلك شخصية قوية، شكلها يوحي بالقسوة، لكن في داخلها طفل لاتظهره، وحسناً تفعل، فهي مسؤولة عن أكثر من مئتي سائق وموظف من مختلف الثقافات والملل، ولولا جديتها في التعامل معنا، لأصبحت الشركة فوضى و لأفلست من زمان.

* ماهي واجبات صبي السمكري؟

* في الأوضاع الطبيعية واجبات صبي السمكري، هي جلب السباين والجواكيج ووايرات اللحيم وتبديل الكاربون لأوكسجين اللحيم وغيرها من الأمور، لكن عندما تكون الورشة مثل التي عملت فيها بصغري، لدى قريبنا خلف الساعدي، مكتظة بالصبية والفتيان أثناء العطلة الصيفية، سيكون للصبي وظائف أخرى، مثل كنس المكان ورشه، أو جلب الشاي والماء للأسطة وضيوفه الخ، في إحدى المرات، كانت مهمتي ملأ مبردة الهواء بالماء، أثناء قيلولة خلف النهارية، كانت ظهيرة شديدة الحر، بللت جوانب المبردة المحشوة بالحلفاء، مرات عديدة، فأخذ الإرهاق مني مأخذه، جلست تحت قوائم المبردة، فسرت نسائم الحلفاء في أوصالي، أسندت رأسي الى الحائط وإستسلمت لإغفاءة لذيذة، صحوت على صفعة وركلة من خلف، بعد أن إحترقت المبردة، كرهت هذه المهنة ولم أتعلم أي شيء منها.

* كم استمرت علاقتك بفتاة الدورة؟

* ولا يوم، لأنها من نسج خيالي.

* من اين تأتي بشخوص قصصك؟

* أغلبهم من الواقع، وأقلهم من الخيال.

* هل كتابة القصة ترف او ضرورة او طريقة لاثبات الوجود؟

* يمكن أن أقول، بأنها طريقة الكاتب للتعبير عن هواجس داخلية وذكريات ومواقف وصور وإلتقاطات، أثرت به بشكل أو بآخر، كتابة القصة هو مشاركة الآخرين آحزانهم وأفراحهم، آلامهم وأحلامهم.

* لدي خمسة اسماء علق عليها بما يناسبها

* سعدون الساعدي

* اخبروه انها اصبحت خمسة بالف وليس كالسابق

* سلام كاظم؟

* مسعر معارك على صفحات المثقف مع صائب خليل

* صائب خليل؟

* صديقي الذي البسه سلام كاظم (عمة) الاخوان

* حمودي الكناني؟

* اشهر عازب حاليا

* محمود برغل؟

* هو مفتاح كل سر في العزيزية

* هل تجيد الغناء وأي الأطوار احب اليك؟

* ورثت الصوت الجميل من أبي، لكني لا اجيد الغناء، الغناء فن عسير وإجادته تتطلب موهبة، وأنا لا امتلك هذه الموهبة، أما احب الاطوار الى نفسي، فهو الغناء الريفي الجنوبي، متمثلاً بالمطرب الكبير الراحل عبادي العماري والمطرب هاني الكرناوي، أما مطربو الريف الأخرين، فسماعهم يجلب لي الصداع. وبعيداً عن الريف، أنا من عشاق ام كلثوم وليلى مراد ووردة الجزائرية وأنغام وفيروز وماجدة الرومي ومحمد فوزي.

* لمن تكتب وماذا تحوي رسائلك؟

* أكتب للجميع، بدون رسالة محددة، أحب أن أرسم قدر المستطاع، البسمة على وجه القاريء.

* ماهو طعم الغربة وهل يختلف عندما تستطيل؟

* مرارة الغربة لايعرفها إلا من يتذوقها، لا اقول هذا ترفاً او بطراً، لي في الغربة واحد وثلاثين عاماً، سنتين من التشرد الحقيقي بين ايران وسوريا ولبنان، وتسعة وعشرين عاماً في هولندا، أنا مثل الشجرة التي أقتلعت من أرضها وغرست في أرض أخرى، تعيش، لكنها شاحبة ونحيلة، لاتورق في أي فصل من الفصول. إستطاع البعض التأقلم والإنصهار التام في البلدان التي آوتهم، أحياناً أغبطهم وأتعجب من قدرتهم على النسيان.

* منذ متى بدأ هوسك بالقراءة وهل تذكر حادث طريف بسبب هذا الهوس؟

* بدأ عشقي للقراءة، منذ تعلمت ربط الحروف وتهجؤها، كانت تسحرني الرسوم الجميلة في القراءة الخلدونية وتأخذني الى عوالم بعيدة، كنت أحلم بتلك الألوان الزاهية والبيوت الانيقة والأشجار والحيوانات، فحببت لي تلك الصور، الحروف والكلمات، وأصبح لكل حرف في خيالي لون ورائحة وصوت، كنت لا أملُّ من قراءتها في البيت والمدرسة،

بعدها صرت أقرأ مجلتي والمزمار ومن ثم قصص روكامبل وباردليان وأجاثا كريستي وغيرها، ومن ثم حصل لي تحول ومنعطف مهمين في نوعية قرآءاتي، عندما أعارني الاستاذ اكرم وكنت حينها في الصف الثاني المتوسط، المجموعة القصصية (موت سرير رقم 12) للرائع غسان كنفاني ومنها دخلت الى هذا العالم الساحر الذي مازلت أحلق في فضاءه الشاسع.

سأذكر لك هذه الحادثة التي حصلت معي بسبب ولهي بالكتب، غادرنا والدي مبكراً في بداية الثمانينيات، فأنتقلت الى الدراسة المسائية وعملت سائق تنكر في مديرية مجاري بغداد، وعند إستلامي لأول راتب وكان تسعون ديناراً آنذاك، أشرت فوراً الى سيارة اجرة نقلتني الى سوق السراي، دخلت الى إحدى المكتبات الكبيرة،فاسكرني عبق الكُتب، ورحت أقلب الصفحات وأتنقل بين الرفوف مثل المهووس، أشتريت بسبعين ديناراً روايات ودواويين شعر ومجاميع قصصية. حملتها بصندوق كارتوني، كنت منتشيئاً وكأني أحمل الدنيا بأسرها بين ذراعي، بعد بضعة خطوات، تنبهت الى أن الراتب قد تبخر، جلست على الرصيف لاادري ما افعل، أحسست بوخزة في قلبي وضميري، عندما تذكرت أمي وأخوتي الصغار، وبينما كنت أتأرجح بين أعادتها الى صاحب المكتبة وبين إقتنائها، قفزت فكرة شيطانية الى رأسي، وهي ان اذهب الى حانة رخيصة وأحتساء بضعة كؤوس من العرق لعلها تخفف من توبيخ امي وتقريعها المرير لي. تركت قبل هروبي الى الخارج مكتبة كبيرة، لم أجد منها ولا حتى غلاف كتاب!

* هل لك في العراق حاليا اصدقاء غير الفيسبوكيين؟

* للأسف لا، كان لي أصدقاء كُثر، خلق البعد المكاني والزماني بيني وبينهم هوة عميقة، إلتقيت بعضهم في زياراتي الى الوطن، وكنت في غاية اللهفة لعناقهم، لكني أحسست بالغربة بينهم، فهم مازالوا يحملون في رؤوسهم صورتك وانت بعمر العشرين، وعليك أن تتصرف على هذا الأساس وهذا الأمر لايمكن أن يحدث، ففي هذه العقود الثلاث تكون قد قرأت وأطلعت وسافرت وأختلطت بثقافات متنوعة ومررت بتجارب كثيرة، فلابد من ان تحدث تغييراً كبيراً في رؤيتك ونظرتك للحياة والتعاطي والتعامل مع الآخرين، وللأسف وجدت الكثير منهم قد جرفه الهوس التديني الزائف أو العشائري أو الطائفي.فلم تعد هناك مشتركات بيننا سوى ظلال للذكريات القديمة.

أما بعض أصدقاء الفيس بوك فهم أصدقائي الحقيقيون، لأنك في هذا العالم الشاسع تمتلك حرية أختيار الصديق على أسس ومشتركات يحددها كلا الطرفين،منها التقارب الفكري والثقافي والإنساني والإنسجام الأخلاقي والروحي.

* كم صديق في سجلات قلبك لم تراهم بشكل مباشر؟

* كثيرون، أغلبهم يمكن ان اسميهم اساتذتي وأصدقائي، ومنهم: ألاستاذ محمد خضير، إبراهيم البهرزي، كامل عبدالرحيم، سلمان كيوش، يحيى السماوي، مصدق الطاهر، راضي المترفي، حمودي الكناني، مصدق الحبيب، وكثير من الاحبة الذين استميحهم عذراً لعدم ذكرهم، لكنهم جميعاً في القلب.

* صف لي ليلة عرسك؟

* لم تكن ليلي عرسي كالأعراس العادية التي نعرفها، فقد حكمت علينا الظروف الزواج في سوريا، لأَنِّي كنت هاربا من العراق ولااستطيع الدخول اليه، فجاءت زوجتي وعمي وخالتي، وكان هناك بعض الاقارب المقيمون في سوريا، وعملنا حفلة بسيطة ومتواضعة، لم تكن هناك سيارات وطبول وموسيقى، وعدت زوجتي بحفل زفاف يليق بحبنا في هولندا، وصرت أرجيء الموضوع عاما بعد عام بسب الظروف، ولم اف بوعدي الى هذا اليوم.

* لماذا كل ابطال قصصك من قاع المجتمع؟

* لأَنِّي احدهم، وهم اكثر من يستحق الكتابة عنه.

* صف فرحة الجندي باستلام نموذج الإجازة؟

* مثل فرحة الطير الذي يفتح باب قفصه، مثل فرحة السجين حين ينادوا عليه بقرار العفو، مثل انعتاق السهم من القوس

* حدثني عن ليلة هروبك من العراق؟

* كنت واخي وشخص ثالث، في فندق بشارع الوطني في البصرة، وهذا الشخص، جبن وعاد الى بغداد، دون ان يخبرنا، سمعت بعد سنوات بانه اخبر اهلي عن مقتلي ومقتل اخي، اثناء عبورنا النهر، بعد ان اطلق الجيش علينا وابل من الرصاص، في فجر اليوم التالي وكان المطر ينهمر بشدة، ركبنا سيارة اجرة من ساحة سعد الى منطقة السيبة، نزلنا في المكان المحدد وسرنا في اتجاه شط العرب بين البساتين المهجورة، خلعنا ثيابنا ورميناها في النهر لقطع اي أمل بالتردد او العودة، فعلناها مثل طارق بن زياد يوم احرق السفن، كان الماء باردا. وراح يحز بأجسادنا مل شفرات من النار، صاحبنا الموت الى الضفة الاخرى، والحكاية طويلة سأكتب عنها، ان كتب لي العمر.

* ماذا جرى في رحلتك من مطار بيروت حتى الصول الى بلد الغربة؟

* كانت اجمل وأرعب اللحظات في ذات الوقت، اجتزنا تفتيش المطار بجوازات سفر مزورة، سكر اخي المرحوم هادي وأحدث فوضى عارمة لكن لحسن الحظ بعد إقلاع الطائرة بساعة او اكثر،كتبت فصل من رواية عن هذه الحادثة.

* هل قفص عليك احد عن زيارتك لمصر؟

* نعم، كنت ضحية نصب احدى مكاتب الخطوط، وغشني صاحب محل بيع الاَلات الموسيقية فقد باع لي عود لايساوي ثمن تختة لثرم البصل.

* كم مهنة مارست يوم كنت عراقي؟

* تقصد كم مهنة مارست وانا في العراق، لأَنِّي كنت وماازال وابقى عراقيا، روحا وقلبا وضميرا. لم اتعلَّم اي مهنة، كنت أهرب من أي ورشة نجارة او حدادة او غيرها ترسلني اليها امي أو أبي، هذه المهن في بلداننا تحتاج الى صبر كصبر ايوب لتعلمها، أكره تفاهة الاسطوات وتبجحهم ونزقهم فهم يكيلون الضرب والإهانة لصبيانهم بقدر مانالوا منها في صباهم وأكثر، لكني عملت سائق تاكسي وباص ومن ثم جندي هارب ههههه.

* من واحد مخه تخين (يوغف) على قلبك اشلون تدفعه؟

* إذا كان قريباً مني، يعني في جلسة مشتركة، لا اضحك ولا أتبسم على اي نكته او طرفة يلقيها، أحاول أن أتجاهله، حتى يمل ويتركني بلا عودة.

اما اذا كان على الهاتف، فأسير الى باب البيت وأقرع جرسنا، واقول له، آسف هذه جارتنا ماادري شتريد مني!

* كم احتجت من الوقت لتتعلم اللغة الهولندية؟

* في البداية سنة واحدة كانت كافية لتعلم المباديء البسيطة التي تُمكنك من تمشية امورك، وكنت وقتها صغيراً في العمر 24 سنة، وكان دماغي يستوعب ويحفظ، أما الآن فليس بمقدوري حفظ كلمتين جديدتين في شهرين.

* هل دخلت مزاج إحدى شقراوات هولندا وماذا فعلت؟

* ههههههه هذا السؤال يؤدي الى المقصلة، بس راح اجاوب. عندما يصل الشرقي الى الغرب، أكثر لون يجذبه هو اللون الأشقر، لشحته في الشرق، في البداية كنت معجباً بالشقراوات، ولكن بمرور الزمن أيقنت بأن الشعر الغامق والعيون السود أو العسلية، هي الأجمل، وتبقى المسألة نسبية طبعاً.

* عند زيارتك لدمشق هل تجولت بباب توما؟

* لا أعرف اين تكون باب توما بالضبط، لأني زرت سوريا مرتين فقط.

* ايهما تستجيب لك أسرع الابتسامة او الدمعة؟

* كلاهما..

* كم مرة زرت الشورجة وماذا اشتريت؟

* لا أعرف عدد المرات، لكنها كانت صحبة أمي دائماً.

* هل انت رياضي؟

* نعم، مارست الملاكمة في العراق وبضعة سنوات في هولندا، السباحة، الجري، شاركت في ماراثون روتردام عام 2017 مازلت أركض للحفاظ على لياقتي، الكرش أكثر شيء يرعبني ههههه.

* لمن يأخذك الحنين في العراق؟

* الى ملاعب طفولتي البعيدة، الى بيتنا في الثورة وسطحنا المغمور بالشمس في الضحى والنسائم الباردة في الليل، الى السماء الصافية المرصعة بالنجوم الكثيرة، الى مدرستي الإبتدائية، الى أفران الصمون وأصوات الديكة والمآذن، الى إصطفاق الأبواب في الصباح الباكر، الى خفق أجنحة الحمام الأزرق والاحمر والأصفر، الى المقاهي والحانات إلى...

* هل لك ذكريات مع أيام المحرم في مدينتك القديمة؟

* أجل، كانوا يقيمون التشابيه في الساحة القريبة من مدرستنا، كنا نشعر بالخوف عندما يركضون والسيوف بأيديهم، فيتعالى صراخ النساء ونحيبهن، كنا نظن أن مايحدث هو حقيقي، أذكر كيف أن أبو الياس خضير الأعور، هرب والنساء والأطفال يلاحقونه بالحجارة والسب واللعن، بعد أن أجاد بكل مايمتلك من موهبة (دور الشمر)، المسكين ظل اللقب واللعنة تلاحقه الى آخر عمره .

* هل كنت متفوقا في المدرسة؟

* نعم، كنت متفوقاً جداً في كل المراحل، كان الجميع يتعجب كيف أنجح بهذا الشكل، رغم قلة تحضيري للإمتحانات،؟ للأسف الشديد لم أدخل الى الجامعة، بسبب فصلي في السادس الأدبي، مازالت غصة دخول الجامعة تؤلمني.

* ماهي قصة جيكور؟

* الإسم الذي أحببته وأخترته لنفسي، وهل هناك أجمل من جيكور؟، كنت أكتب في بعض الصحف قبل سقوط النظام السابق، وكنت أخشى أن يطال اهلي الأذى، لذلك كان اسمي المستعار وسيبقى وحتى إذا طبعت قصصي سيكون بهذا الاسم ايضاً.

* هل تعرف ابو تريكات؟

* لا، لم أسمع بهذا الإسم.

* هل زرت الكحلاء يوما وماذا تعني لك؟

* لا، للأسف.

* من تذكر من معلميك في الابتدائية؟

* في الإبتدائية: أستاذ زهراوي عبدعلي، أستاذ خيرالله، أستاذ عيد، أستاذ نصيف، أستاذ مقداد، أستاذ عطا، أستاذ كريم وغيرهم.في المتوسطة: أستاذ سامي، استاذ ابو خلدون أستاذ صبيح، استاذ عادل وغيرهم.

* ماذا يعني لك التقدم في العمر؟

* الأفول، الخريف، الحسرة على أيام الشباب. لا أعتقد، لم يبق في العمر مايستحق أن يُهدر في ظل هذه الحكومات السافلة، ستظل جذوة الحنين مستعرة، لكننا أمام واقع أقوى من أحلامنا وأمانينا.

* أ ين مضت الليالي بالحب الأول؟

* اصبح شريكا لآخر

* هل في بالك شيئا لم تصرح به؟

* في بالي الكثير الكثير الذي لايسعه هذا الحوار، سأكتب عنه، إن كتب لنا الله العمر، شكري وأمتناني لك أخي وصديقي الوسيم، صاحب القلم الرشيق والقلب الذي يسع الكون، راضي المترفي.

***

حوار راضي المترفي

في المثقف اليوم