حوارات عامة

حوار مع الكاتبة المصرية هالة البدري

ولدت في القاهرة، مصر في عام 1954. حصلت على بكالوريوس تجارة، جامعة القاهرة، قسم إدارة الأعمال عام 1975 ، ثم على دبلوم صحافة، كلية الإعلام عام 1988. نشرت كتابها الأول حكايات من الخالصة عن مؤسسة روز اليوسف ووزارة الاعلام العراقية 1976 عن تجربة انتقال الفلاحين المصريين لتملك أراضي قرية عراقية حيث كانت تعمل في ذلك الوقت مراسلة لمجلتى روز اليوسف وصباح الخير في العاصمة العراقية بغداد.

نشرت رواية مُنتهى في عام 1995، وهي قصة تجرى أحداثها في قرية خيالية على ضفاف دلتا النيل. أما رواية امراة..ما، فهي العمل الرابع لهالة البدري وقد حصلت على المركز الأول كأفضل رواية في معرض القاهرة الدولي عام 2001 حصلت على جائزة الدولة للتفوق الأدبى عن مجمل أعمالها عام 2012.

كرمت في العديد من الدول ودرست أعمالها في عدد من أهم الجامعات في العالم منها جامعة متشجن وجامعة شيكاجو والقاهرة وعين شمس. وكانت أعمالها محورا لعدد من الرسائل العلمية.

أجرينا معها هذا الحوار

* " تبدو هالة البدري في "نساء في بيتي" مؤرقة برواية تتكئ صراحة على سيرتها ولكن لم تواتها الجرأة الكافية بعدُ لكتابتها، على الرغم من قولها لنفسها: "لن أبقى خائفة من الحقائق إلى الأبد". صـ 21 . أهو الخوف من المجتمع أم الخجل ام؟

- يا عزيزي السن يعطي حصانة جميلة وما كان كبيرا جدا في الشباب لا يعود كذلك الان وقد تميزت كتابتي بالجرأة منذ البداية. الفن هو غايتي وحدها ولا تشغلني أحداث حياتي فقد عشتها كما أردت ولم أندم أبدا على افعالي ولم أكن مشغولة يوما بالكتابة عن نفسي بل بمشروعات كبرى أمثل فيها نقطة صغيرة في وسط موج يضرب الصخر ليتحرر من أسر الارض المحيطة. لا تشغل بالك بالبحث عن حياة الكاتب داخل أعماله. تعجبني فكرة اللعب في الكتابة ‏سيرتي ليست أكثر من صوت داخل العمل ‏حتى وأن اعتمد على حقائق. ‏ ‏في روايتي نساء في بيتي أنا ذكرت صراحة وجود هالة البدري ‏وما كتبته عنها ‏وظفته في إطار الرواية نفسها ‏ ‏ليلعب دور تخيلي كما فعلت مع باقي الأبطال وبنفس الكيفية.4228 هالة البدري

* كيف تحققين التوزان المطلوب بين الحقيقة والخيال في كتابتك؟

- ‏لا أحتاج لعمل أي توازنات الحقيقة لا شكل واحد لها ‏هناك آلاف الحقائق وآلاف المرايا ‏والزوايا وقراءة الحقيقة تختلف من شخص ‏لآخر الفن يقدم حقيقة أخرى ‏في إطار من وهم لذيذ وممتع قد تكون المغامرة في كل عمل روائي جديد مطلوبة ..وعندك اتكون محسوبة النتائج ام انها مفتوحة على كل الاحتمالات ‏بالطبع رغبتي الأولى هي الاحتمالات المفتوحة، لكن الاحتمالات ‏لا تتوقف على رغبتي وحدها ‏هناك عوامل داخلية وخارجية تتحكم في الكتابة دون أن نشعر بها ‏منها: المرجعيات الثقافية على سبيل المثال ‏ ‏والتابوهات ‏والرقيب الداخلي. ‏ الكاتب يدرك هذا ويمارس ‏اللعب على كل الأصعدة ‏والمكر كذلك ‏مع نفسه ومع القراء. ‏طبيعي وبشكل عنتري سأجيب إني أريد كل الاحتمالات المفتوحة ‏ ‏وقد لاحظت ‏أن التقدم في العمر يعطي مناعة وشجاعة ويفتح احتمالات أكثر مغامرة.

‏في العادة أترك نفسي على سجيتها ‏وتتحكم الرواية نفسها في اختيار شكلها ‏طبعا أنا أفضل الخيال كثيرا على الواقع ‏واخذ الواقع وأطير به ‏وكلما زاد الخيال خيالا كان أقرب إلى نفسي وإلى ‏متعتي في الكتابة.

* انت من جيل عايش هزائم متلاحقة من 67 إلى 73 وكان لتلك الهزائم وقع الصدمة القاسية على المجتمع العربي حينها كيف استطعت تجاوز صدمات تلك الهزائم؟

- ‏بس كنت صبية في فترة 67 ‏ويحتمل الجيل الذي قبله كل تبعات النكسة ‏وقام هذا وربما يعني من المعروف أن جيل ستينات هو الذي يتعامل مع التنبؤ به وقوع النكسة بسبب أخطاء اجتماعية حول حرية التعبير في بلادنا جينا بعد هذه التجربة لنا تأمل اكثر ولا تكون لدينا مواقف أكثر وضوحا لم ندفع ثمنها بل دفع ثمنها الجيل السابق لنا ‏وضعنا كل همنا في المطالبة بالحرب ‏وقد كان وازيح جيل السبعينات من كل المناصب ‏و تمت محاربته على كل الأصعدة ‏ ومن الجيل السابق أظن عن عمد ‏كان المطلوب نماذج أخرى وأجيال ‏أخرى ‏تتخذ من الاستهلاك وسيلة حياة ‏للتبشير بالعو‏لمة ‏لكن المثابرة وحدها ‏‏هي من أنقذ إنتاج جيلنا ‏والقدرة على التنبؤ أيضا ‏ومحاسبة الماضي ‏بشجاعة في رواياتهم ‏نحن اكثر الاجيال إنتاجا الآن ‏تأثر إنتاجي بكل ما قارة في العالم العربي و أدركت ‏إن المحو ‏مطلوب كي ننسى تاريخنا ‏فقررت أن تكون ‏الذاكرة هي همي ‏ورحت استصرخ الناس ‏لينتبهوا ‏والأطر البراقة اللامعة ‏التي تخفي الحقيقة ‏واذكرهم بما كانوا عليه ‏وما حدث معهم ‏نعم ما حدث في العالم العربي لا يغيب عن كتاباتي أبدا.

* كيف تعرفين الرواية بعيدا عن كل التعريفات النقدية والأكاديمية؟

- ‏الرواية فإن لم يتشكل نهائيا بعد ‏يعتمد السرد والشعر أحيانا ‏ليصف الصراع ‏الذي يعيش الإنسان من أجل الحياة ‏لتحقيق ذاته ‏يعتمد على الحوار ووصف الشخصيات ‏والمنولوج الداخلي ‏لتوصيف الحدث ‏أو الحكاية التي لم تعد مركزية الآن بعد ان ‏فقد الإنسان الفرد ‏دوره المركزي.

4229 هالة البدري* هل فعلا أصبحت الرواية ديوان العرب؟ وحققت جماهيرية القراءة؟

- ‏نعم هي ديوان العرب الآن ‏وحققت الجماهيرية المطلوبة ‏بتحويلها إلى فنون أخرى ‏مثل التلفزيون ومسلسلاته والسينما وأحيانا المسرح ‏هي المعبر الوحيد الآن عن الجنون الذي يجتاح العالم ‏الذي هو اجن من كل خيال ‏ولم تعد الواقعية الاشتراكية ولا الواقعية السحريه ‏ولا الواقعية القذرة ‏قادرة على التعبير عما يجري ‏وعلى الكتاب البحث عن شكل آخر ‏تعبر به الرواية عن الجنون المتاح حولنا ‏بإفراط.

* الرواية من حكاية تتشكل في خيال الكاتب إلى حياة كاملة على الورق...بينها يعيش الكاتب حياة أخرى بتفاصيلها الخاصة أثناء هذه الرحلة ولا تظهر للقارئ؟

- ‏أعيش مع أبطالي ‏في حياة كاملة ‏ ‏اتعرف عليهم عن قرب ‏دقائق حياتهم ‏رغباتهم الخفية ‏الوانهم ‏أمزجتهم ‏طعامهم ‏فلسفاتهم ‏أحايلهم حتى اصل إلى قلبهم ‏احادثهم ليلا ونهارا ‏يشاركونني الطعام ‏ويسهرون معي أمام التلفزيون ‏وإستدعئهم للجلوس معي ‏بعد نشر الرواية ‏وأحيانا للدخول في رواية أخرى ‏كما حدث في رؤيتي نساء في بيتي ‏حيث استضفت ناهد بطلة امرأة ما لتجلس مع أبطال روايات أخرى ‏لكتاب آخرين ‏هذا عالمي الذي أحبه و‏افضله عن كل العالم الواقعي ‏اغير ملامحهم أحيانا ‏وأعيد تشكيلهم عشرات المرات ‏وحين تستقيم الشخصية امامي ‏اصاحبها إلى الأبد ‏وتصبح جزءا مني

* من قلق الفكرة إلى الخوف من الفشل يعيش الكاتب؟

- ‏القلق حالة دائمة أنا إنسان قلق بطبيعته ‏لا اكف عن القلق حول كل شيء ‏لا تشغلني الخيبات كثيرا ‏استمتع بالكتابة ولا أريد لها أن تنتهي أبدا مع الكتابة ‏ابدأ القلق حين افكر في النشر ‏ساعتها يتحول كل شي الى وهم ‏وتنتابني رغبة ‏ ‏في تمزيق كل ما كتبت ‏كي أبدأ من جديد ‏اصعب لحظات حياتي ‏هي قرار النشر ‏والنقطة التي أضعها ‏لنهاية عمل

* يقول يوسف ادريس "توفيق الكاتب الحقيقي هو في قدرته على أن يجعل القارئ يرى المكان ويتجول فيه" ما هي نسبة حضور المكان في نصك؟

-  ‏بعض رواياتي روايات مكان بامتياز ‏مثل رواية منتهى ورواية مطر على بغداد ورواية ليس الان. ‏أحارب النسيان بالكتابة ‏والمكان هو الوطن الملموس ‏حيث تراب الأجداد ‏والتاريخ ‏المطلوب محوه ‏لنقع في فخ تحويلنا إلى قوالب ‏لنتوافق مع متطلبات السوق. ‏بعض الروايات الأخرى يحضر المكان ولكن ‏ ‏ليس كعنصر رئيسي ‏لكنه موجود دائما ‏يوفر الامان ‏والحماية والفضاء الممكن ‏في روايتي مدن السور ‏تحرك الزمن بين الأماكن في الماضي والحاضر والمستقبل ‏وكان التنبؤ ‏الذي لا يمكن إيجاده بدون مكان. ‏في روايتي الجديدة وادي الكون ‏المكان هو التاريخ والأسطورة ‏والفلسفة والسؤال ‏يمتزج الكل ‏فتكتمل اسئلة مصير الإنسان عبر الأزمان.

* " تحولات اي مدينة لابد أن تؤدي إلى تحولات مماثلة في الخطاب الذي يصدر عنها ويطمح إلى التعبير عن متغيراتها " إلى اي حد تغيرت اللغة الروائية مع غزارة الانتاج الروائي؟

- ‏تغيرت لغة الكتابة ‏لتعكس لغة العصر ‏رأينا الجمل القصيرة ‏المقتصدة ‏والإيقاع اللاهث ‏وتبادل الأدوار ‏بين المتن والهامش ‏وكسر الوهم ‏و اشراك القارئ ‏في صناعة الرواية نفسها ‏و تغيرات في تركيب البنية ‏واختلاف ملامح الأبطال ‏وغياب اسمائهم ‏وكسر التابوهات ‏والتعبير بحدة عن الإغتراب ‏و الفردية التي تعاني منها المدينة.

* مابعد النفط ليس كما قبله في الارض العربية ..هل استطاعت الرواية طرح اسئلة التحول المجتمعي وتشريح الواقع المتغير؟

- ‏ما بعد النفط ‏ما بعد الاستعمار ‏ما بعد الثورات ‏ما بعد النكسات ‏ما بعد الحروب ‏ما بعد العولمة ‏نعم استطاعت الرواية ‏أن تعكس التغيرات ‏المجتمعية العربية ‏بل أنها ‏حلت محل مؤرخ ‏السلطة ‏وقدمت صوت الشعب ‏ليسمع بوضوح ‏وعرفنا لأول مرة ‏تاريخا آخر

* النص الروائي هل تجد ان من مهمته أو من واجبه ان يطرح الاسئلة ويسائل الواقع فقط ام انه يجب ان يبحث عن اجابات؟

- ‏مهمة الفن عموما وضع الأسئلة رمي حجر ‏في الماء الراكد ‏الكشف الذي يساعد القارئ ‏على رؤية المشهد ‏وأعمال العقل ‏لقراءته ‏مثل الطبيب الذي ‏يفتح ‏الجرح لينظفه ‏لهذا يحلو للروائي ‏أن يكتب عن المسكوت عنه ‏ويكشفه للنور ‏ويترك للمجتمع ‏كيفية التطهر

* ما الذي صنعه " الواقع العربي، المصنوع من خيبات كثيرة ونجاح قليل،"بالرواية؟

‏- تحولت الرواية إلى فن العربية الأول ‏بسبب هذه الخيبات ‏الصراع الموجود في العالم يحتاج إلى ‏فن يناسبه ‏وقد حققت الرواية هذا الصراع ‏بتعبيرها عنه وابتلاعها كل أنواع ‏التعبير الأخرى مثل الشعر ‏والقصة القصيرة ‏وحتى المسرح ‏لم تعكس الخيبات وحدها ‏بل عكست الآمال أيضا ‏ودقت ناقوس وعي القارئ ‏وحركت وجدانه ‏ودفعته لتتأمل واقعة

* لماذا لم تحقّق الرواية العربية رهان العالمية رغم فوز نجيب محفوظ بنوبل منذ عدة سنوات؟

- ‏لم تحقق الرواية العربية منجزا كبيرا ‏حتى الآن لأنه هذه الصناعة لم تحقق شروط ‏صناعة النشر في البلدان الأخرى ‏النشر العلمي يحتاج إلى 60,000 ‏نسخة كحد أدنى حتى يصير عالميا ‏ودعاية منظمة وندوات وتوكيلات للكتاب ‏وتوزيع له نظام خاص ‏وترجمة حقيقية ‏لا تعتمد على الترجمة الأكاديمية وحدها ‏الترجمة التي تتم من اللاتينية ‏سريعة جدا من الإيطالية من الفرنسية عكس العربية

* الاطمئنان إلى المنجز الماضي واليقين الا يقتل ولادة الاسئلة الجديدة؟

- ‏لم اطمئن إلى المنجز أبدا ‏على العكس كأني بكتب روايتي الأولى ‏كل كتابة جديدة بالنسبة لي كأنها كتابة ‏لأول مرة وبالتالي بحس إني ‏عملت بروفة علشان ابتدئي كتابة ‏لأني لم اكتب بعد ما أريد

***

حاورها: محمد القذافي مسعود / كاتب وصحفي مستقل

من ليبيا

في المثقف اليوم