حوارات عامة

مائدة حوار مع د. هشام الحمامي

د. هشام الحمامي، قلم يغرّد في صمت، وحرف متفرّد ينشد الفكر وينشر الوعي، تشمّ فيه رائحة البِشري والمسيري، وتعتز به ككاتب أصيل يقف على أرضية صلبة من تاريخنا وحضارتنا الإسلامية.. وُلد في دمنهور عاصمة محافظة البحيرة عام 1963، وتخرج في كلية الطب جامعة الإسكندرية، ثم التحق بالإدارة الطبية في إحدى شركات البترول قبل ثلاثين عاما. يدير المركز الثقافي باتحاد الأطباء العرب، ويتمتع بعضوية المؤتمر القومي العربي بسيدة العواصم العربية بيروت، وعضوية تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، وكذلك منظمة (ثينكينج فوروارد) بالمملكة المتحدة. يكتب المقالة الأدبية والسياسية والاجتماعية، وله فيها نتاج وافر تعج به الصحف والمجلات العربية مثل العربي الناصري والشروق والمجتمع الكويتية، وموقعَي عربي 21 والمصريون وغيرهما. له موقع الكتروني خاص بمثابة البنك المركزي لحصيلة قلمه، عنوانه (حكايات الدنيا والناس). وعمّا قريب تتمخّض المطبعة عن كتابيْن هما باكورة مؤلفاته: "مصر/ الثلاثون المجيدة (1920- 1950)، "ماذا فعل الإصلاحيون بالإصلاح". ورغم معرفتي القريبة به من خلال صفحته على الكوكب الأزرق، إلّا أنه بدا كريما وحميما عبر تواصل سمح يسير أثمر هذا الحوار المكثَّف الكاشف عما يدور برأسه ويختلج به صدره..

* الدكتور محمد كامل حسين هو نموذجي للطبيب الكاتب المفكر

* حريص على أن تكون كتاباتى تثقيفيه وليست انطباعية فقط

* دورنا هو المستقبل

* ثورة 1919 لم تكن ثورة استقلال فقط

* أزمتنا أزمة(إنسان) لا أزمة إدارة ولا أزمة موارد

***

1- ما الذي بقي في الذاكرة عن البدايات الأولى مع الكِتاب والقلم؟

* البراءة والبساطة في التعبير، والحماس الشديد المصحوب بكل الانفعالات الوجدانية والعقلية.. دائما البدايات لها ذكرياتها الحنونة المشاغبة.. أما الكتاب فقل إن المذاكرة والتحصيل والحفظ والتسميع كان لهم دور كبير في فكرة أهمية أن تقرأ.. والتي تحوّلت بعد سنين الى ما أمتع أن تقرأ.

2- ما ملامح الجنين الذي يُنتجه زواج السمّاعة باليراعة، وأيّ الأطباء الكتّاب تشير إليهم بالبنان؟

* دائما الطبيب له رؤية وقدرة على الاستنتاج والتتبع وترافق المتشابهات والمتباينات.. وضرورى أن يؤثر كل ذلك على من يكتب ويهتم بالثقافة والتثقيف... د /محمد كامل حسين عندى نموذج للطبيب الكاتب المفكر..

3- رغم مقالاتك التي تغزو الفضاء الالكتروني بكثافة، أراك حتى الساعة عازف عن طباعتها في مؤلّفات، هل هو احتجاج صامت على سوق النشر؟ أم وجهة نظر خاصة آن الأوان للإفصاح عنها؟

* لم أفكر حقيقة في النشر.. وان كنت سأبدأ سواء بترتيب المقالات أو في فكرة واحدة كبيرة أتوسع في طرحها.

4- مَن يطالع خريطة مقالاتك، يراك تنصف الفكر والتاريخ والأدب والدين والسياسة، ولكنك تظلم الطب حتى لا تكاد تطرقه إلّا لماما؟

* هذه هي مكونات الحياة ودثارها الثمين.. والطب التثقيفى نادرا ما أتعرض له إلا في نطاق الأهل والأصدقاء.

5- وسط صخب يفتعله الإعلام الرقمي حتى كادت بوصلتنا تتيه وتضيع، برأيكم، ما أبرز القضايا الفكرية التي ينبغي التركيز عليها قراءة وكتابة ونقدا؟

* ربط الإنسان بالمجتمع وربط المجتمع بالإنسان.. وهذا لا يكون إلا بفكرة أفقية عريضة تظلل الوطن كله.. وتكون هذه الفكرة متصلة بوجدان الأمة تاريخا وحضارة وواقعا وحياة.

6- من أين تستمدّ حماستك البادية للكتابة، والقرّاء كما نرى تتخطّفهم وسائل التواصل الاجتماعي حتى انتكست القراءة وتراكمت الكتب فوق رفوف دور النشر والمكتبات كالتلال؟

* الكتابه بالنسبة لي حياة.. وهى الوجه الآخر للقراءة، ليس قراءة المكتوب فقط، ولكن قراءة المنظور والمعاش بينك وحولك.. ولابد أن يترجَم ذلك في موقف ورأى وتصوّر ورؤية..فليس أمامنا الا الكتابة التي ستٌقرأ اليوم وغدا..و وأنا حريص على أن تكون كتاباتي تثقيفيه وليست انطباعية فقط.. وحريص على أن يجد ما يقرأها ما يفيده فعلا في نطاق الفكرة والرأى والمعلومة أيضا..

7- بوصفكم عضوا نشطا في اتحاد الأطباء العرب، كيف رصدتم هذا النزوح شبه الجماعي للأطباء المصريين تجاه العمل في الغرب؟ وما الدور الذي يلعبه الاتحاد في الارتقاء بالمنظومة الطبية العربية؟

* النزوح العلمي بوجه عام الى الغرب، بدأ بعد هزيمة 1967م، فقد تبين لهذه الفئه من الناس – وأقصد أهل العلم والوعى- أن هناك خطأ عميقا قد حدث في البلاد وإصلاحه سيحتاج وقتا طويلا ومراحل لا قبل لهم بها كعلماء.. وما توقعوه حدث وأصبحت المنظومة العلمية بكل هيئاتها بدءا من الجامعة وانتهاء بمراكز الأبحاث وحتى المستويات الفرعية أصابها خطل كبير..

8- هل توافقني على أن ثمّة رابطة خاصة بينكم وبين قافلة البشري والمسيري وفهمي هويدي وابن خلدون؟

* هؤلاء أساتذة بالمعنى التام للكلمة.. ليس لي فقط ولكن لجيلين على الأقل.. تجاربهم وأفكارهم وآثارهم ستظل تقرأ قراءة مرجعية لزمن طويل وستكون جذورا لباسقات الشجر الفكري والإصلاحي لقرن قادم على الأقل.. ونحاول ما استطعنا أن نقتفى آثارهم ونمدد خطوط أفكارهم في كل اتجاه..

9- من خلال عضويتكم في منظّمتَي التفكير للمستقبل البريطانية وتحالف الحضارات الأممية، ما الدور المتوقَّع لحضارتنا الإسلامية ضمن هذا الإطار الاستشرافي؟

* المستقبل.. كلمة وحيدة للإجابة على هذ السؤال.. دورنا هو المستقبل.. الغرب الحضاري انطفأت أنواره ولم تعد تلبى حاجات (الإنسان)، القصور الذاتي فقط والتقدم التكنولوجي هو ما يجعل الغرب الآن فيما هو فيه.. وقصة الإرهاب التي بدأت وتستمر بتنويعات مختلفة ما هي إلا لحصر الإسلام في صورة اللحية والقنبلة والنقاب..

10- هل ترى في الانتماء إلى الأحزاب والجماعات قيدا أم التزاما، وهل يخسر المثقّف بهكذا انتماء أم يكسب؟

* الانتماء الحزبي التزام شرطي وضروري وهو ما قد يحاصر المثقف الذى يستشرف القادم ويغرد به مبكرا..الحزب سياسة يومية واشتباك إجرائي في المشكلات وهو ما يستنزف طاقة المثقف ووقته..

11- لماذا تضع الفترة من 1920 إلى 1950 ضمن سياق المجد في تاريخ مصر، وذلك حسب عنوان كتابكم المزمَع طبعه عمّا قريب ؟ وفي أي سياق تضع ما تلا هذه الحقبة؟

* هي الفترة التي لازلت مصر تعيش على ثمارها الى الآن.. وانظر الى كل ما يخطر بخيالك من مجالات التقدم الفكري والثقافي والعلمي والتعليمي والفني..وحتى الإداري والحزبي كل ذلك غُرست جذوره في هذه الفترة المجيدة.. ثورة 1919م لم تكن ثورة استقلال فقط.. كانت ثورة نهوض وإصلاح واستعادة قامة مصر التي أضاء حولها محمد على أنوار الإصلاح وأتت ثمارها في قفزة حضارية واسعة.. الى أن انتبه الغرب الى نواياه فاجتمع عليه سنة 1840م وحاصره وبدأ خط الصعود في الانكسار.. والباقي معروف.. ثم أتت ثورة 1919م لتستعيد هذه الأنوار ثانية، لكن سرعان ما تحايل عليها الإنجليز وبعض الأحزاب السياسية وحاصروها لكنهم لم يستطيعوا قتلها.. فأثمرت ما أثمرت في العلم والفكر والفن والثقافة...وهو ما تراه حتى الآن.

12- بعد خبرة طويلة في الإدارة الطبية، ومن منظور أشمل، هل حقا نعاني من أزمة إدارة أم أزمة موارد، وما ملامح الإدارة الناجحة التي نفتقدها وبشدّة؟

* أزمتنا أزمة(إنسان) لا إدارة ولا موارد.. الإدارة إجراءات والموارد خامات.. ولا مشكلة في الاثنين.. المشكلة في الإنسان تكوينا وتربية واعدادا.. عقلا وروحا وجسدا..

* * *

أجرى الحوار: د. منير لطفي

طبيب وكاتب

في المثقف اليوم