مدارات حوارية

مدارات حوارية

hamodi alkenanisalwa farahفي هذه الحلقة من مدارات حوارية تستضيف المثقف الأديبة سلوى فرح وحوار أجراه معها الأديب حمودي الكناني، فاهلا وسهلا بهما في المثقف

 

هي السلوى وهي الفرح وهي النسمة العليلة التي تفرش جناحيها على مساحة الشوق الى وطن يعبق بشذا الياسمين، العصفورة الدمشقية التي لا تضمر في نفسها إلاّ الحب والمودة للجميع فالحب بالنسبة لها حياة والحياة حب .. ولدت في غمرة الياسمين الشامي وتربت في عائلة محبة للأدب ونهلت من رحيق الليلك .. تتذكر الطيبة والتنور وهمسات عطر الليمون. سلوى فرح الشاعرة الدمشقية المغتربة تُحبّ دائما أن تُنادى بالنسمة .. لأنها فعلا نسمة. حاورتها مباشرة عبر النت فكنتُ اسأل وهي تجيب بكل عفوية وبلا تردد وتفيض طيبة وبساطة وبشاشة، فأهلا وسهلا بالنسمة في مدارات حوارية في المثقف الغراء.

 

س1: حمودي الكناني: أين ولدت سلوى فرح؟

ج1: سلوى فرح: ولدت في سوريا في غمرة الياسمين الشامي، وتربيت في أسرة محبة للأدب والشعر والعلم، ونهلت من رحيق الليلك، وأتذكر الحب والطيبة والتنور، وهمسات عطر زهر الليمون.

 

س2: حمودي الكناني: وماذا بعد؟ أترابك والأزقة والمدرسة والصبية سلوى ذات الضفائر وهي ذاهبة إلى المدرسة كالفراشة؟

ج2: سلوى فرح: يغفو الحنين على شاطئ الأمل .. ويهدأ الحلم بين رموش العاشقين .. اسهر وحيدة.. استرجع ذكريات القرية، والتنور .. وعبق ألليلك الفواح من تلك القرية الدافئة يوقظ براعم النرجس الغافية في نبض قلبي .. وتبرق عيناي دمعاً، ولوعةً .. تداعب زخات المطر الناعمة شفاه الأرض .. فتزدهر أحلام القرنفل وتفوح رائحة التراب عطرا سحريا فواحا..لا عطر يشبه عطر التراب الممزوج بحبات المطر كما عطر بلادي .. وحفيف أشجار التفاح من تلك البساتين يهامس ذاكرتي.. فيزيد صباحي عذوبة وأملاً .. وترتشف أمسياتي منه دفئاً لطيفاً كنت أنتقل بين زهر الجلنار إلى طريق المدرسة وأرفل كفراشة وكل العصافير كانت تتراقص على أغصان الشجر وتغازلني بحنان زقزقتها .

 

س3: حمودي الكناني: سلوى فرح الشابة الجميلة ذات العينين الخضراوين والوجه الصبوح كم مرة صاحت آه من الحب وعمايله؟

ج3: سلوى فرح: الحب حياة والحياة حب.. أنا اتنفس الحب ولا أحيا بدونه

 

أَنْا عصفورتُكَ الدَّمشقِيَّةُ

705-salwaليس لي مأوىً

خارجَ مقلَتَيكَ

أَنا جوريَّتُكَ اَلاِسْتثنائيَّة

ليس لي ندىً إلاَّ من شفَتَيكَ..

لأَجْل آهاتكَ أَنا مُعجَمُ حَنينٍ

لأَجْلِ خَفق ِ قَلبِك

أَنْا مَملَكةُ أنوثَةٍ..

لأنَّك مُعَتَّقٌ

بِنبيذِ الأُسطورةِ

أَنت ملحَمَتي

لأنَّكَ تَمْخُرُ عُبابَ البَحرِ

بأَجنحَة النوارس

أَنْا "ماريا" الحُلم

ولأنَّكَ تَنحَرُ اَلرِّيحَ أَنتَ فارِسي..

لأَنَّكَ قُربانُ المحبةِ أَنْتَ وَطَني..

ولأنَّكَ حبيبي أنا أَحيـا

 

(من قصيدة نداء الروح)

كم أحتاجُ إلى كلمة أحبُّكِ

من جِمارِ روحِكَ

دَعِ الحُبَّ يتَحرَّر على شِفاهِكَ

في كلامِ الحبِّ تكمُنُ منابعُ الحياة

في البَدءِ كانتِ الكلمةُ

فغَدت حياةً حَقيقَةً

قُلْ أُحبُّكِ كَي تتفجَّرُ براكينَ الإبداعِ

وتَنطلقَ بَلابلُ الحُرِّيَّةِ

قُلْ أُحبُّكِ فأكونُ ذاتي

فيُزهِرُ الغارُ في دروبِ العاشِقيْن

قُلْ أُحِبُّكِ بدون حُبِّكِ لا أُريدُ طريقاً

أَحتاجُ نَدى روحكَ ليَفوحَ

عَبقُ السَّوسنِ من أنفاسِيَ

ولدِماءِ فُؤادِكَ... ليَتَفتَّقَ الحَبقُ من عُروقِي

 

س4: حمودي الكناني: ما الذي ورثتِهِ من المرحوم والدك، وكيف تستحضرين ذكراه؟

ج4: سلوى فرح: كان والدي مدرساً للغة العربية، وشاعراً، ويكتب الزجل الشعبي أيضا، وكنت أراقبه وهو ينظم الزجل والشعر، وتأثرت كثيراً بروحه وحبه وتفانيه لذلك، وكنت دائما أكتب وأطلعه على كتاباتي، وكان أثره فعالاً في تدفق موهبتي وإبداعاتي. وما زلت أشعر بالتواصل الروحي معه ومع إلهامه الذي يغذي كتاباتي محبة وإبداعاً.. لقد أورثني روحه الخالدة..

 

س5: حمودي الكناني: يسكنك الشعر الموشى بالورد والمعطر بشذا الياسمين، متى بدأت حكايتك مع الشعر؟

ج5: سلوى فرح: بدأت أكتب القصص وأنا في العاشرة من عمري .. وأرسمها بأناملي البريئة.. وأحوِّلها إلى أشكال كرتونية كأنني أجسِّدها أو أصوِّرها تصويراً..

كانت أول قصيدة كتبتها في سن المراهقة بعنوان "مناجاة السماء" وأذكر أن والدي كان يتعجب من حروفي الخيالية و منذ نعومة أظفاري، كنت أسابق الريح، وأشعر تارة، بأنني حصانٌ أبيض، له أجنحةٌ يطير بها نحو السماء والقصيدة تبرق وميضاً أبيضاً محلقاً ألحق به.

الياسَمينُ يبكي الياسَمينْ

اللَّيلُ يجلدُ النَّهارَ الحَزينْ

وأنا أميرةٌ شاميَّةٌ لاعرشَ لِي

أرقدُ كيمامةٍ في حُضنِ الغُروبْ

أرتجفُ مِن سيلِ الشَّقائِقْ

اِغْتالوا فضائِيَ عَشيةَ أمسْ

قمري يَنتَحبْ

السَّماءُ غَدَتْ قريبةً جداً

لا لونَ لي ... لاظلَّ لي

تساقَطتْ عَناقِيدي

وجَفَّ نَبيذِي

يا قمري الدَّامعْ

يعتَصِرُني الحنينُ إلى تلكَ الليمونة

الغافيةِ على كتفِ أمّي

 

س6: حمودي الكناني: أين تجد سلوى فرح نفسها أكثر في الشعر أم في السرد؟

ج6: سلوى فرح: الشعر هو الحالة الأسمى الذي أجد نفسي فيه، لكنني أكتبُ أحياناً نصوصاً قصصية من واقع الحياة، أجد نفسي في الشعر وفي النثر معا أيضاً، حسب ظروفي النفسية والروحية والإجتماعية والسياسية والأوقات المناسبة لجو الكتابة.

أُريدُ أَنْ أَشرَبَ النَّارَ ثانِيَةً

أريدُ بعضَاً من الشَّمس

وكأسَاً تَجْتاحُكَ

لا تَتَسَكَّعْ في مَسَامَّاتِي حائِراً

اِرْحَلْ بِدَمي

اِجرحْ شَمْسي وهي تَفِكُّ أَزْرَارَها

خُذْ منِّي كُلَّ خَليَّةٍ وعَصَب

غَيْمَةٌ أنا

تَحْتاجُ إلى الرَّحيل ِ أبْعَدَ مِن عَينَيكَ

مَوجَةٌ أنا

تَحتاجُ إلى الإبْحار ِ أَعْمَقَ في شَفَتَيكَ

مَجْنونَةٌ تِلكَ الغُيومِ التي

لا تَمْطرإلا في الشِّتاء

مسْكِينَةٌ تلك الأرواحُ التي

لا تُعانِق الفردوس

 

س7: حمودي الكناني: متى تحتوشك القصيدة؟ هل تحتلك احتلالا مباغتا من غير استحضار؟

ج7: سلوى فرح: بداية القصيدة هي الومضة الالهامية تأتي في خيال الشاعر وتلح عليه في مكان ما في زمن ما للتعبير عن حلة وجدانية او روحية ذات أحاسيس مقرونة بالخيال لولادة القصيدة

وتتملكني الرغبة في الكتابة عندما يصادفني مشهد من مشاهد الحياة، أو عندما تخطر في بالي فكرة من الواقع المعاش، أو عندما يصادفني حدث هام أو موقف معين يستدعي الكتابة، وأحيانا تشع في ذهني القصيدة فأبدأ بكتابة الأفكار التي يجب أت تتضمنها القصيدة ثم أبدأ الكتابة مرات ومرات اكتب وأحذف وأعدل وأغير حتى تنضج،

 

س8: حمودي الكناني: هل سبق وحاولت عمود الشعر أم أنك تجدين قوالب الخليل مقيدة لخيالك؟

ج8: سلوى فرح: لا لم أحاول بعد كتابة الشعر العمودي لأنني أجد الشعر الحر النثري أقرب لروحي ولأسلوبي وخيالي الذي ليس له حدود، رغم ان الراحل والدي كان يكتب بالعمودي... وعلينا ان لا ننسى ان الشعر الحديث فيه صور جمالية رائعة، فضلاً عن الإيقاع الموسيقي الضروري في بناء القصيدة العمودية او الحرة.

 

س9: حمودي الكناني: هل أنت مع من يقسم الأدب إلى نسائي ورجالي أم أنك ضد هذا التقسيم؟

ج9: سلوى فرح: ليس هناك أدب نسائي وآخر رجالي .. هناك فقط ابداع وابتكار في الادب .. شعراً او قصة أو رواية .. توجد نساء أديبات مبدعات ومبتكرات وكذلك يوجد رجال

وأعتقد أن بعض الرجال هم الذين قسّموا الأدب إلى نسائي ورجالي ولسنا نحن النساء،أما بالنسبة لي فلا أرى فرقا بينهما سوى في الكيفية التي يطرح كل واحد منا همومه، لكننا موحدون تجاه هموم الوطن بشكل عام.

 

س10: حمودي الكناني: ما الذي أضافته الغربة إلى تجربتك الشعرية وهل هناك ما يعكس الحنين والشوق إلى ربوع الوطن الأم؟

ج10: سلوى فرح: الغربة هي التي دفعتني للكتابة، وهي التي وسّعت مداركي وعشت حالة الاختلاط الثقافي الغربي والشرقي معا بحسناتها وسيئاتها، وكذلك الحنين للوطن أشعل نار الغربة في جسدي والاشتياق إلى حاراته وجباله وسهوله وسواحله الرملية الذهبية الساحرة والأقارب والأهل وحياة الطفولة بكل حذافيرها.. هذا الاحتكاك صقل موهبتي وحفّزني مثلما حصل مع شعراء المهجر.

الغربة هي المنفى البعيد عن ملاعب الطفولة والأصدقاء... ولقد أضافت كثيراً الى تجربتي الشخصية والشعرية كذلك ... وكثير من قصائدي فيها رموز اللوعة والحنين الى الوطن، كيف وهو القلب ....

 

س11: حمودي الكناني: هل أنصفك النقاد؟

ج11: سلوى فرح: لا أعتقد .. وربما لم يطلعوا على ديوانيي الاثنين ومجموعتي القصصية، رغم انني انشر قصائدي في مواقع عديدة، فضلاً عن صفحتي في الفيسبوك.

لكن الحمد لله لقد نشرت العديد من القراءات النقدية حول إنتاجي الأدبي من قبل الإخوة النقاد والكتاب، في الصحافة المطبوعة والإلكترونية، والمسموعة وغيرها، ولا بد لي في هذا المقام إلا أن أوجه لهم كل التحية والإكبار والشكر الجزيل لهم ولجهودهم المشكورة.

 

س12: حمودي الكناني: هل أثر الفيسبوك على المواقع الإلكترونية الأخرى؟

ج12: سلوى فرح: نعم الفيسبوك يجعل تواصلك مع الاخرين مباشراً وسهلاً وقد أثر على المواقع الالكترونية، رغم أهميتها أيضاً.

 

س13: حمودي الكناني: من برأيك يتسيد قصيدة النثر من الرجال والنساء الآن؟

ج13: سلوى فرح: لا يوجد من يتسيد القصيدة، الابداع الشعري هو الذي يتسيد ورأي الجمهور هو الذي يحدد من هو المبدع ومن هو غير المبدع.

 

س14: حمودي الكناني: وماذا يحمل اصدارك الجديد، هل ينبض بروح سلوى فرح الشفيفة؟؟

ج14: سلوى فرح: خلال الربع الأول من هذا العام، أصدرت معا ديواني الثاني (لا يكفي أن تُجنَّ بي) ومجموعة قصصية (سوار الصنوبر)، صدرا عن دار الفرات للنشر والتوزيع في بيروت، لقد كانا وسيلةً للتعبير عما جال ويجول في خاطري من احاسيس ومشاعر وتجربة غنية اختزنتها ذاكرتي لأحداث مرت في حياتي ومازالت تمر .. الحياة هي نهرٌ جارٍ لن يتوقف فمن هذه الحياة نخلق الشعر والنثر .. نحوّل كل هذه الاحاسيس والمشاعر سواء الفرح او الألم الى قصائد موسيقية ذات ايقاعٍ خاص، تحمل نسمات الهواء العليل وقطرات ندى الفجر، وشرارة نار تدفئ قلوبنا خلال أيام الشتاء الطويل، وقصص نستلهمُ منها العِبَر .. بالتأكيد لولا هذه المشاعر لما تمكنت من تحويلها الى قصائد فهي تنبض من أعماق روحي لتحلق في السماء كطيورٍ مهاجرة لتبحث عن السلام والسعادة والفرح ...

 

س15: حمودي الكناني: ماذا تمثل لك الأسماء التالية:

ج15: سلوى فرح: الماغوط شهيد الشعر

ادونيس: هو شاعر سوري متمكن وفريد في الشعر العربي الحديث

دريد لحام: الفنان الكوميدي الأول في الوطن العربي صرخة الشعوب العربية في وجه الظلم والفقر وهو الابتسامة الحزينة

صباح فخري: مغني القدود الحلبية صوت فرح الانسان العربي

يحيى السماوي: إيقونة السماء وزمردة الشعر،،

سمر محفوض: وردة دافئة فواحة بالابداع تزين خصلات وطني

احمد فاضل: المحبة والعطاء يحمل كل معاني الانسانية في قلب طفل بريء نقي..يرف في سماء الابداع عالياً.

سامي العامري: التميز والابداع فريد في حروفه وأفكاره،عميق جداً وله فلسفة رائعة يدرك من خلالها المعنى الحقيقي للحياة .

 

سلوى فرح: في النهاية شكراً جزيلاً للكاتب الطريف المبدع حمودي الكناني إبتسامة الأدب الدائمة.

 

حمودي الكناني

صحيفة المثقف

hamodi alkenaniالدكتورة نيفين ضياء الدين القصبي .. النيل يسكنها ويجري في عروقها .. وُلدت في القاهرة ومازالت تتنفس نسائم ضحكتها المشرقة حيناً والدامعة العين أحياناً وتركتها تتحدث عن نفسها بنفسها في اجابة السؤال الاول ولهذا بدأت مرحبا:

الدكتورة نيفين ضياء الدين اهلا وسهلا بك في صحيفة المثقف، مدارات حوارية، ويشرفني ان اكون محاورك الذي يحدوه الامل ان يكون حوارا ذا لون وطعم ورائحة .....!!

 

س1: حمودي الكناني: اعتدنا ان نرى سؤالا بعينه يُفتتح به كل حوار مع اديب او اديبة وأنا هنا عجزتُ عن كسر هذه القاعدة ولهذا أجدني مضطرا لتكرار ذات السؤال:

من هي نيفين ضياء الدين قبل وبعد " الدكتورة نيفين وهل تنحدر من عائلة دينية، وما هو اختصاصها الدقيق تحديدا وأين تقيم الآن؟

ج1: د. نيفين ضياء الدين: أولاً أحبُ أن أتوجهَ بخالص الشكر والتقدير للأديب المتميز على المستويين الإنساني والفكري حمودي الكناني الذي أتاح لي فرصة المشاركة فى حوار بمدارات المثقف، تلك الجريدة التي أكنُ لها كل إحترام وتقدير شخصي لأنها كانت المنارة التي خطوت خطواتي الأولى من نافذتها هذا غير تقديري لها على المستوى المنهجي لدورها التنويري فى مجالات الأدب والسياسة والفلسفة. يصعُب على أي إنسان أن يقومَ بتعريف هويته من الناحية النفسية أو الفكرية لأن هذا الجانب لا يُمكن رسم خطوطة العريضة أو قولبة مفتاحه الرئيسي وهذا بخلاف التعريف الشخصي المُعتاد وهو الجانب البسيط والمُتعارف عليه فى بطاقة الهوية والأوراق الرسمية. سأبدأ أولاً بالتعريف الشخصي المُبسط. اسمي هو نيفين ضياء الدين حسن القصبي وقد وُلدتُ فى مدينة القاهرة وهي العاصمة المصرية ونشأتُ فيها وفى أحيائها. والدي هو ضابط مُتقـــــاعد وقد ترعرعتُ فى محيط أسرة مسلمة ومتدينة بطبيعتها فوالدتي وهي بروفيسيرة ودكتورة جامعية متخصصة فى أداب الرواية الإنجليزية تحفظ أجزاء من القرآن الكريم وجدتي رحمها الله وقد عملت كمديرة مدرسة ومُعلمة متخصصة فى لغتنا العربية، كانت حافظة للقرآن الكريم ودأبت فى سنوات طفولتي الأولى وقبل إلتحاقي بالمدرسة على تحفيظي العديد من صِغار أيات القرآن هذا غير إهتمامها بثقافتي الدينية فقد كانت تهتمُ بسرد قصص الأنبياء على مسامعي بطريقة سلسة ومبسطة تتناسب مع عقلية طفلة يتراوحُ عُمرها بين الرابعة والخامسة كما أنها كانت إماماً لي فى صلواتي الأولى من عُمري.لا تعرفُ أيها الأديب صاحب القلم المشرق كيف أشتاقُ إليها وأتمنى أن تسعدَ روحها الطاهرة بحديثي هذا عنها ويكفي أنها كانت أمي الثانية التي أحبتني فى كافة أحوالي ولم تكن تقوى على فُراقي ولو لبضعة ساعات وشاركتني هي ووالدتي رحلة الحياة ومافيها من خير وشر. لم تتغير نيفين تلك الطفلة الإجتماعية المتفتحة للحياة التي مازلتُ أراها وهي راكضة على كوبري قصر النيل وقلادة الفُل أو القدّاح، كما تقولون باللهجة العراقية، تتدلى على صدرها قبل أو بعد الدكتوراة. والمُتأمل يُلاحظ جوانب كثيرة تتسمُ بها هويتي حتى هذه اللحظة منذ أيام الطفولة وسأضربُ مثلاً على ذلك وهو إهتمامي بتصوير الورود بأنواعها كالياسمين وبنت القُنصل وعباد الشمس والحمائم والطيور وحياتها ونسج القصص عنها بل واللعب معها وتشخيص تلك المخلوقات كأفراد وبشر ينطقون ويسمعون ويفهمون حديثنا هذا غير أفراس النهر التي تنتمي لفصيلة الفراشات وتنتشر بكثرة على ضفاف نهر النيل. مازالت تلك النواحي الطفولية البريئة هي مُفتاح هويتي وقلبي فنيفين الدكتورة هي تلك الطفلة ولا خلاف بينهما. وأما عن مجال التخصص فقد تخصصت فى الشعر الإنجليزي والكندي وفى دراسة تعددية الثقافات والعِرقيات ولاسيما فيما يتعلقُ بأمور الأقليات العِرقية التي تعيشُ فى البلاد الغربية وبالتحديد السود الأفارقة وأعمل بمجال التدريس . وعن محل إقامتي الحالي فهو فى مدينة القاهرة التي وُلدت فيها ومازلت أتنفسُ نسائم ضحكتها المشرقة حيناً والدامعة العين أحياناً.

 

س2: حمودي الكناني: عندما أقرأ لك نصاً أجدك تحومين حول شيء كبير، كبير جدا، هذا الشيء مفقود لكنك تمرين عليه وكأنك تتحسرين على افوله او ضياعه وتحاولين الوقوف على اثره فما هو هذا الشيء المفقود، هل هو حب لم يتحقق؟

ج2: د. نيفين ضياء الدين: نعم أتفقُ معك تماماً حول وجود منحى روحي حزين تتسمُ به مُعظم أعمالي الأدبية ويعودُ بصورة أولية إلى كوني طفلة وحيدة ودائماً نجد الطفل الذي ينشأ فى أسرة متعددة الأخوة والأخوات يكونُ إجتماعياً بطبيعته فى معظم الأحيان.أما السبب الرئيسي لذلك فهو يتمركزُ حول ضياع مفهوم الحُب فى حياتنا كما أراهُ وأرسمهُ. الحُب ذلك المفهوم الذي يمتزجُ شرياناً مع مجرى نهر النيل من حيث التمدد والإتساع بل وحتى اللون !. وهنا أنا أعني ما أقولُ فالحب عندي ينسجمُ تماماً مع ألوان النيل الذي أهواهُ منذ طفولتي الباكرة. وإذا تأملنا معاً نهر النيل: فضة الصباح ورماد الظهيرة والعصر وسواد الليل سنجد لوحة متكاملة الأطراف لمفهوم الحُب. فالفضة هي ميلاد الحُب ذلك الشعور الذي أنسجهُ لوناً للحياة وغذاءً للروحِ . نعم الفضة هي باكورة رواية الحُب كما تبدأ وتنشأ بين المُحبين ثم تتطور العلاقة لتتخذَ إطار اللون الرمادي الذي يعكسُ قضايا متعددة ومنها الفتور بين المحبين أو الخلافات التي تبدأ فى الظهور بينهما دون أن يُحاول كل طرف فهم الطرف الآخر أو التضحية من أجل من يُحب حتى وإن كان الحبيب هو شريان الحياة عند حبيبه وأخيراً قد يعكس هذا اللون رمادية الغروب وهنا أعني أموراً كثيرة ومنها أفول الحُب أو غياب الحبيب وهو شعور مؤلم لا تُطيقه النفس أو الفراق التام بينهما وربما تباعد أرواح المحبين حتى وإن كانوا متقاربين ظاهرياً إلا أن البُعد الروحي قد ينشأ نتيجة رحيل مفهوم العطاء أو لبُعد الحبيب عن الإنصهار القلبي فى روح حبيبته وهكذا ينتهي الحُب ليدخلَ فى دائرة اللون الثالث وهو سواد النيل ودمعتة الحزينة التي تنسابُ حرارتها فى جوف الليل وتلك هي القضية التي أهتم بتصويرها فى أعمالي الأدبية. وذلك ليقيني التام بأن مفهوم الحُب الذي أراهُ وهو التقارب والعطاء والتغيُر بمعنى أن يتغيرَ الحبيب من أجل من يُحب والتغيير الذي يرنو إلى إعادة تشكيل الهوية بعد تجربة الحُب الحقيقي والإنصهار الكُلي بين الحبيب والحبيبة لا وجود له فى عالمنا هذا رغم عدم خوضي لتجربة الحُب على المستوى الشخصي.

 

س3: حمودي الكناني: وجدتُ نزعةً صوفيه في معظم النصوص التي قرأتها لك في المثقف ماذا تقولين في وجهة النظر هذه؟

ج3: د. نيفين ضياء الدين: أتفقُ معك إلى حدٍ ما حول وجود نزعة صوفية غير عميقة المنحى فى بعض أعمالي وهنا أنا لا أقصد أني لا أميلُ بطبعي لصوفية العِشق الألهي، وفى مصر نجدُ الكثير من المذاهب الصوفية وأشهرها طريقة الحامدية الشاذلية، ولكني أقصد أن كينونة المذاهب الصوفية تتعددُ شِعابها الروحية والفلسفية ويعجزُ القلم الأدبي على توصيل تلك التجربة الروحية بكامل صورتها مهما حاول الأديب. فالصوفية كما أراها تقومُ على إنفصال الروح عن الجسد دونما الموت الحسي الملموس وغيابها فى طرائق عشق الحبيب وهنا الحبيب هو الذات الإلهية . وتتجلى هذه التجربة التي لمستها بنفسي أثناء تأدية الصلوات المُختلفة وقراءة القرآن،وهذه هي أبسط نماذج هذة التجربة الصوفية التي تلتحمُ فيها الروح بعشق الخالق وممالك الغيب والكون، لتنعكسَ شِعابها فى رضى وهدوء قلب الحبيب الذي لا تسكن نفسه ولا تستقر إلا برضى المحبوب وبديمومة العِشق الروحي الذي لا ينقطع . وقد ساهمت نشأتي خاصةً وأني قد أمضيتُ جزءاً من طفولتي فى مكة المكرمة إلى أخذي بروح المذهب الصوفي من حيثُ تصوير تجربة الحب المتبادل بين المعبود وخالقه،الذي إذا أحبهُ أفاض على وجههِ نوراً ووضع له القبول فى الأرض بين البشر، وقمتُ بنسجها كما أراها على أنها رحلة غيبية من غياب الروح ورحيلها عن الجسد لتحلّ فى روح وفكر الحبيب بمعنى أن قلب المُحب يغيبُ عن جسدهِ ليحلَ فى جسد حبيبه فِكراً وحضوراً ومن هنا تنشأ العلاقات الروحية. ولذلك نجدُ الحبيب يشعرُ بالطرف الأخر إذا كان مريضاً أو فى ظرف سئ قبل أن يُخبرهُ حبيبه بما وقع له ولا تستقر روح الحبيب إذا كان حبيبه بعيداً عنه أو إذا شبَ بينهما خِلاف ولا يعرفُ السكينة إلا بنيل رضى المحبوب وهذا هو قلب جميع المذاهب الصوفية على إختلاف طرائقها وأنواعها.

 

س4: حمودي الكناني: كأني أراك تجيدين العزف على آلة البيانو فماذا يتشكل في رؤاك عندما تغرقين في توتر موسيقي مزدحم الضرب على الاحساس؟

ج4: د. نيفين ضياء الدين: نعم أجيدُ العزفَ على ألة البيانو وأميل لعزف الأغاني القديمة وأنسجمُ مع أصابع العزفِ لأرتحلَ بعيداً فى أبواق اللحنِ الذي تأسرني طوابقه بين الصعودِ والهبوطِ وتداخُل النغمات الرفيعة والغليظة . والعزف بصفة عامة يُغذي الروح ويعكس ملامح شخصية العازف من ثبات ودقة أو حماس أو حتى إنطواء وتقُوقُع ذاتي أو تسرُع وتشنّج نفسي. كما يرسمُ اللحن ما يشعر به العازف لاسيما الحبيب من حُزن لغياب المحبوب أو شوق ربما للقاء حبيب أو من يُحب ومن هنا يتميز العازف الفنان عن العازف التقليدي المحترف فالعزف هو روح الإنسان والروح تعكسُ الصحة والمرض والحُب والبُعد والوفاء والخيانة. وتتداخل الروح مع نغمات الموسيقى والموسيقى هي حروف عوالم التجربة الشعرية والإنسانية.

 

س5: حمودي الكناني: ماذا تقول لنا الدكتورة نيفين ضياء الدين عن المسميات التالية؟

أ - مصر

حبيبتي الضاحكة الباكية وحلاوة عِناق الروحِ وحرارة دمعة الفراقِ فى أنٍ واحدٍ.

 

ب - ام الدنيا

القاهرة التي تأسرك بجمال عيونها وتُبهرك بسحر حُبها وتجذبك عميقاً لعوالم عِشقها دون أن تُدركَ ذلك . تُحبها وتشتكي منها فى ذات اللحظة، تهواها وتتمنى هجرها إذا قست عليك وعندما تغيبُ عنها لا تنسى حنان قلبها وحُبها الأوليّ ولا تعرفُ مذاق وحرارة الحُب والشد والجذب إلا عندما تعود إليها من جديد ! . وهذه الرحلة السحرية التي تأسرك بإرادتك وتخطف قلبك فى دائرة متكررة هي قوة قلب الحبيبة القاهرة أم الدنيا.

 

ج – المحروسة

عُرفت مصر بهذا الإسم الرمزي الذي يعكسُ عراقة تربتها وقوة تأثيرها فى النفوس . فهي الأم التي لا مثيل لها الخاطفة لأبصار من يراها والحبيبة التي تسرقُ عيون المحبين .ولذلك فقد لُقبت بالمحروسة من عين الحاسدين لها والمحروسة بقوة العناية الإلهية التي تحفظها وتحرسها لأهلها وتحميها من طمع من يُغير عليها أو يُحاول مسها بسوء ولذلك هزمت مصر كل جيوش الإحتلال التي خطت على تراب أرضها فهي المحروسة.

 

د - ابو الهول

كبرياء فى جسد القوة . وشموخ يشتعلُ بحرارة الشمس ويضوي فى ليل القمرِ. ومن وجهة نظري فأبو الهول هو قلب الحبيب الذي يذوبُ قوةً فى حضرة محبوبته وهي القاهرة قلباً ورمزاً لحبيبها بقوتها وحبها.

 

هـ - سيد درويش

أصالة التاريخ وملحمة حماس فى حب الوطن وأغنية تذوبُ بساطة حروفها ولهجتها فى نخاع ضحكة وألام وحياة الأسرة المصرية .

 

و – الناي على الشط غنى

الناي هوالنيل حبيبي الأوليّ الذي لا أملُ رؤيته . مرات أراهُ عازفاً لبسمة الطفولة وفرحتها ومراتٍ أخرى أراهُ باكياً حزيناً يُعانقُ دموع المطر الذي أعشقهُ . إنه الناي، ناي النيل . والنيل وتر القلب وبسمة الروح وصندوق النفس على تنوع حالتها ومواويل حكاياتها.

 

س6: حمودي الكناني: آخر ما كنت اتوقعه كمواطن عربي عاش ويعيش في خضم احداث كبيرة غيرت الكثير في حياة امة العرب هو ما حصل في مصر من تغيير وهنا اريد أن أعرف من الدكتورة نيفين ضياء الدين كمواطنة مصرية ماذا حققت الثورة الشعبية العارمة التي مازالت تفور وتغلي؟

ج6: د. نيفين ضياء الدين: ما حدث فى مصر وبالتحديد فى تاريخ الثلاثين من يونيو، حُزيران الماضي كان مفاجأة كبيرة. وقد حدث إنقسام شعبي بين مؤيد لما حدث بوصفه كثورة شعبية وبين مُعارض يرى أن ما حدث هو إنقلاب عسكري. وفى كل الأحوال لم تتحق حتى هذه اللحظة الأهداف التي قامت من أجلها ثورة الخامس والعشرين من يناير، كانون الثاني. فعلى سبيل المثال وليس الحصر لم يتحقق مبدأ العدالة الإجتماعية بمعناه المكتمل ومازال الشباب يعانون من عدم توافر الوظائف المناسبة لهم بالجامعات المصرية هذا إلى جانب الركود الإقتصادي وإرتفاع الأسعار وقضية النسبة والتناسب بين الأجور وأسعار السلع المختلفة وفى كل الأحوال نأمل الخير لمصر والتقدم والرخاء.

 

س7: حمودي الكناني: الذي حصل في مصر هو حلمٌ شعبي كبير لتأسيس عقل جديد يهمه رفاهية وسعادة الانسان وهذا الحلم ساهم به الفقير والمتعلم وغير المتعلم وأنا هنا اتساءل هل كان لشريحة المثقفين الكبار دور في تحقيق هذا الحلم أم أنهم ركنوا جانبا وانتظروا لمن تكون الغلبة؟

ج7: د. نيفين ضياء الدين: هذا السؤال له طابع نسبي وقد يتفق معي القارئ الكريم فيما أراه وقد يختلف. ولكني أرى أن دور المثقفين كان مُتجلّياً فى ثورة الخامس والعشرين من يناير حيث تجلت الحماسة الأدبية فى مجالي النثر والشعر وتم توظيف القلم الفكري لتصوير آمال الديموقراطية والعدالة الإجتماعية والحرية. ونذكر جميعاً الكتابات التي أفرزتها الثورة الأم للعديد من الكتاب كعلاء الأسواني وهو روائي مصري وللعديد من الشعراء ولاسيما شعراء العامية المصرية كعبد الرحمن الأبنودي وهشام الجخ. أما عن الدور الأدبي والثقافي فى الوقت الحالي فلا يمكن أن يتم مُقارنته بالدور الحماسي الذي شاهدناه أيام الثورة الأولى ولا أعرفُ لذلك تفسيراً ربما لأن طبيعة الأجواء السياسية فى مصر حالياً مُركبة ودائماً يحتاج الدور الثقافي والتنويري إلى وقت كافي كي يتشكل ويُوصّف الأحداث بصورة سليمة.

 

س8: حمودي الكناني: هل انت من بين الذين يرون أن المثقف العربي يمر بأزمة بسبب ما يطغى على الساحة الاجتماعية والسياسية من تقلبات كبيرة غير محسوبة؟

ج8: د. نيفين ضياء الدين: لهذا السؤال جانبان الأول سلبي والثاني إيجابي. يتأثر دور المثقف وهنا أنا أقصد فقط الباحث الجامعي والدارس بكثرة ما يحدث على الساحة العربية والمحلية من التقلبات السياسية وعدم إستقرار الأوضاع الأمنية مما يتسبب فى إغلاق مستمر للجامعات وبالتالي تعطيل عملية البحث العلمي. أما عن الكاتب والأديب فلا أعتقد أن التقلبات السياسية قد تتسبب له فى أزمة تمنعهُ أو تحولُ دون أن يستمرَ فى رحلته الأدبية أو السياسية بل على العكس تماماً دائماً نجد أن الثورات الشعبية تتزامن معها فترة من الإزدهار الأدبي والنشاط السياسي التنويري المؤيد والمُعارض لأجواء الساحة السياسية. ولو نتذكر سنجد أن الأدب المصري والنشاط السياسي الثقافي كان مزدهراً فى عصر الإحتلال البريطاني لمصر.وكانت الساحة المصرية تعجُ بالمئات من الأقلام الأدبية الراقية للعديد من الكتاب كطه حُسين وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم وغيرهم.هذا غير النشاط السياسي الملحوظ الذي تزامن فى عهد الملكية المصرية وقد شهد العديد من الإضطرابات السياسية. وهنا نذكر الدور السياسي الذي قام به العديد من الرموز الفكرية والسياسية فى هذه الفترة كمصطفى النحاس ومكرم عبيد وغيرهم. بل ولم يتوقف البحث العلمي فى مصر فى تلك الفترات بل على العكس شهدت مصر العديد من الإنجازات العلمية الباهرة على أيدي علمائها كعلي مُشرفة وسميرة موسى وكذلك كان الأمر بالنسبة للمجال الفني الموسيقي والسينمائي حيث شهدت مصر فى تلك الفترات أزهى عصورها فى مجال الأغنية العربية ونذكر جميعاً أغاني محمد عبدالوهاب وسيد رويش وغيرهم.

 

س9: حمودي الكناني: هل نالت المرأة العربية المثقفة نصيبها المستحق في سفر الثقافة العربية وما هي المقترحات التي ترينها مطلوبة للأخذ بيدها الى افاق أرحب وأوسع؟

ج9: د. نيفين ضياء الدين: لا أعتقد أن المرأة العربية قد نالت حتى هذة اللحظة نفس المكانة التي نالها الكاتب الرجل ولذلك أسباب عديدة منها فى نظري ما يعود إلى طبيعة بعض الكتابات النسوية المتطرفة المنحى والتي تُركز على إتجاه واحد فقط وهو المساواة مع الرجل من حيث التركيز على نواحي الحريات الجنسية وتعدد العلاقات مع الجنس الآخر . وهذه النوعية من الكتابات لا يميلُ لها الرجل الشرقي المتدين الذي يراها تُخالف الفطرة السوية وخارجة على مبادئ الأديان. وهي نمطية الفكر بالنسبة للرجل الغربي الذي ينظر لهذه الأمور على أنها قضايا مُسلم بها ومُتعارف عليها فى المجتمع الغربي الذي يُبيح الحرية الجنسية لأقصى الحدود.ومن هنا تبدأ المشكلة التي لا تتداركها بعض الكاتبات العربيات من حيث التعمُق فى مجال الكتابات الآيروسية وعدم التطرق للمشاكل التي تُعاني منها المرأة العربية وهي كثيرة جداً كمشكلة مفهوم العنوسة الذي يُطوّق المرأة ونظرة المجتمع السلبية لها دونما ذنب على عكس النظرة التي لا تُهاجم الرجل غير المتزوج أو المُطلق والأرمل هذا غير عدم السماح للمرأة بالعمل فى بعض الوظائف كقيادة سيارات الأجرة بل والأخطر من ذلك تهميش فاعليّة دور المرأة كطبيبة أو محامية وتفضيل الرجل عليها وكأن المرأة هي مخلوق قاصر وغير قادر على النجاح وللأسف لا نجد التركيز الكافي فى العديد من الكتابات النسوية على هذه القضايا الشائكة.أما السبب الثاني الذي يؤدي إلى ضعف إنتشار الكتابات النسوية العربية بصورة عالمية وهو الفكر النمطي الذكوري المُتعصب فى بعض المجتمعات العربية كما هو الحال فى اليمن وغيرها من المجتمعات المغُلقة التي لا تُتيح الفرصة للمرأة العربية كي تُمارس كافة حقوقها من التعبير عن رأيها أو الكتابة الأدبية وتنظر لها بصورة سلبية وتعتبر أن المرأة لا يُمكن أن تُمارس دوراً فى الحياة غير الأمومة والحياة الزوجية .ويجبُ علينا أن نقضي على هذة الإتجاهات المتطرفة كي تنتشر الأعمال النسوية العربية عالمياً وتنال نصيباً متميزاً ككتابات الرجل.

 

س10: حمودي الكناني: للشعر تعاريف كثيرة جاءت على لسان كبار الشعراء والكتاب والنقاد ولو سألني احدهم ما تعريفك للشعر لقلت هو كلام جميل لحروفه اجراس ذات نغم، يهزني ويطربني عندما اترنم به ويثير المشاعر والاحاسيس وما عدا ذلك ليس بشعر، فما ردك على هذا القول؟

ج10: د. نيفين ضياء الدين: هناك أنواع مختلفة من قصيدة الشعر كشعر التفعيّلة والشعر النثري وتتولد الموسيقى فى قصيدة الشعر إما عن طريق المُحسنات البديعية كالطباق والإستعارة على إختلاف أنواعها والكناية وإما عن طريق الوزن والقافية وبحر الشعر وهو ما تتميز به القصيدة التقليدية ويجعلها تختلف عن قصيدة الشعر المنثور . ولكن تبقى الموسيقى هي إحدى أركان القصيدة الناجحة وليست محوراً أساسياً والدليل على ذلك هو نجاح الكثير من نماذج القصيدة النثرية كما أنه فى بعض الأحيان قد تكون القافية مُفتعلة مما يؤثر سلباً على جودة القصيدة ويجعل المعنى مُصطنعاً.لذلك أرى أن قصيدة الشعر الناجحة هي التي تضربُ كلماتها فى القلب وتُركز على التجربة الإنسانية وإثارة المشاعر والأحاسيس وترتحلُ بك بعيداً للغوص فى أعماق الشاعر ومشاركته فى بحور التجربة التي تصورها القصيدة لدرجة الألتحام التام معها والقصيدة التي تُحقق ذلك سواءً كانت نثرية أو من قصائد الوزن أو التفعيّلة تكون ناجحة ومكتملة الأركان. فالشعر يضربُ فى شعور الروح والروح هي قالب سفينة الشعر ومكنونه الأساسي.

 

س11: حمودي الكناني: احتلت قصيدة النثر مساحة كبيرة في ادبنا العربي وخاصة في السنوات الاخيرة وكثر كتاب هذا الجنس الادبي ولقد ساهمت الشبكة العنكبوتية في اتاحة الفرصة للكثيرين والكثيرات في نشر نتاجاتهم من هذا اللون فما هي سمات قصيدة النثر المستوفية للشروط من وجهة نظر الشاعرة الدكتورة نيفين ضياء الدين وهل هي البديل عن العمود كما يدعي البعض؟

ج11: د. نيفين ضياء الدين: لا يُمكن أن نقومَ كأمة عربية تزخر بتاريخ أدبي عريق يعجُ بأشكال متنوعة من القصائد الشعرية كالغزل والهجاء والرثاء وعصور أدبية مختلفة مروراً بالعصر الجاهلي والفاطمي وصدر الإسلام وحتى عهود الشعر الحديث والمُعاصر بتقويض الأنماط الأدبية وذلك بتفضيل جنس أدبي معين على جنسٍ أخرٍ أو بالإنصراف كُليةً نحو نمط أدبي معين كقصيدة النثر لتحلَ محل أنماط قصائد الشعر المختلفة. ولذلك لا يُمكن أن تحلَ قصيدة النثر كبديل أدبي عن العمود بل يجبُ أن نعمل على إثراء جميع أشكال القصيدة العربية إلى جانب إحياء أنماط القصيدة العربية المختلفة والتي أندثر بعضها أو شحَ وندُرَ فى عصرنا الحديث لأن هذا هو جزء هام من هويتنا العربية.وهناك مقومات كثيرة تؤدي إلى نجاح وبناء قصيدة نثر فعّالة من وجهة نظري وأذكرُ منها:

1- قوة التجربة الشعرية التي تنعكس على كلمات القصيدة لتبدو وكأنها حروفاً نُسجت بقلب ودم ونبض الشاعر.

2- تقسيم قصيدة النثر إلى أجزاء مختلفة وربما مُعنونة مما يُساعد على دقة بناء القصيدة وتطوير الأفكار .

3- أن يجد القارئ نفسه داخل القصيدة بمعنى أن تمسَ التجربة الشعرية ألام وجراح القُراء وتجارب الحياة الإنسانية فيتفاعلون معها ومع موضوعها أو قضاياها وما يُعرف باسم ثيماتها الأدبية وكأنهم يعيشون فى أحداثها ويُرافقون الشاعر فى تأملاته الفكرية وإرتحاله النفسي والروحي وربما الجسدي.

4- ترابط أجزاء القصيدة على إختلاف موضوعاتها وتدرجها بين الألوان السلبية والإيجابية وربما تعدد أماكن وقوع الحدث فيها. فمثلاً قد نجد الشاعر يسترجع فى إحدى أجزاء القصيدة رواية حُب لم تكن ناجحة أو فراق لحبيبة ثم يتحدث حول جمال إمرأة أخرى أحبها وتعرف عليها أو حول السفر والرحيل . والناقد المُتأمل يجد أن الرابط بين هذة الموضوعات على إختلاف نسيجها الظاهري هو فكرة الصدمة الأوليّة أو فشل قصة حب فى حياة الشاعر الذي حاولَ أن يتناسها فكرياً وروحياً من خلال الرحيل الجسدي مرة ربما لبلاد وأماكن أخرى لا تُذكره بفقد حبيبته وعبر الرحيل الفكري والروحي فى مراتٍ أخرى وذلك بإندماجه فى قصة حُب جديدة يُحاول عن طريقها أن يتناسى جراح الحُب القديم.

5- وجود جرس موسيقي داخلي بين كلمات أو سطور القصيدة لا يكونُ مُفتعلاً ويخرجُ من رحم وقلب الفكرة الجزئية الواحدة مما يُصيب القارئ بجرح أدبي ونفسي فيكون حزيناً أو سعيداً أو حتى غاضباً نتيجة قضية إستفذاذية مُعينة لا يتفقُ معها مما يدلُ على نجاح تجربة الشاعر وقوة أجواء القصيدة.

 

س12: حمودي الكناني: ما ردك على من يقول ان السرد عندنا نحن العرب ليس مبتكرا وانما جاء كتحصيل حاصل وكتقليد لما كتبه الروس والأوربيون والأمريكيون في القص القصير والرواية وأن هذا الجنس طارئ على واقع العرب الثقافي لأنهم أمة شعر اساسا؟

ج12: د. نيفين ضياء الدين: تأصلَ فن الرواية والسرد الأدبي والنثر فى نخاع المجتمع العربي منذ قديم الزمان. وجميعنا يعرفُ روايات ألف ليلة وليلة لشهرزاد وهي ذات نمطية عربية وصبغة شرقية الأصل. هذا غير فن المقامة العربية كمقامات بديع الزمان الهمداني والحريري وبعض كتابات المنفلوطي المُعاصرة ذات الصبغة الإجتماعية المصرية وتطوير فن النثر لمزاوجة الشعر والمسرح ومثال ذلك مسرحية مأساة الحلاّج الشعرية لصلاح عبد الصبور. ولا ننسى الكتابات المصرية والعربية التي تُعالج قضايا إجتماعية شديدة الخصوصية ومرتبطة بعالمنا العربي كالفقر والجهل وختان الأناث . وتتجلى خصوصية الكتابة العربية من حيث ذاتية العادات والتقاليد ولاسيما المصرية فى كتاب الأيام لطه حسين ونزعة بعض الكتاب لتصوير الريف لاسيما المصري على خصوصيته كما فى بعض كتابات يوسف أدريس هذا غير تصوير الحارة المصرية كما فى روايات نجيب محفوظ كزقاق المدق وبين القصرين وغيرها.ولا يجبُ أن ننسى فن الرواية السياسية العربية والمصرية المُعاصرة والتي تُناقش قضايا محلية وإقتصادية ترتبط بالمجتمع العربي والمصري كروايات صُنع الله إبراهيم وعلاء الأسواني وبهاء طاهر وغيرهم وهذا أكبر دليل على إرتباط فن الرواية بالنكهة العربية الأصيلة ولا سيما المحلية التي تتشكل بقضايا وأحوال الشعوب. ولا يجبُ أن ننسى الحديث حول فن الرواية الدينية كقصص الأنبياء وروايات أولياء الله الصالحين ورواية الفوازير والأحاجي وكلها دلائل كافية على إختلاف الرواية العربية من حيث القالب والشكل والمضمون عن غيرها من النماذج الغربية كالرواية الروسية والأوروبية.

 

س13: حمودي الكناني: متى يزدهر الادب ويربو، في ظل الفاقة والعوز والقهر أم في ظل الرخاء والانتعاش ولماذا؟

 

ج13: د. نيفين ضياء الدين: الجنس الأدبي شأنه كشأن الكائن الحي يحتاجُ إلى بيئة مناسبة وتُربة خصبة كي ينمو بطريقة صحيحة وسليمة وينضج جسدياً وفكرياً ولا يكونُ عليل البنيه ربما لضعف الأمة وتخلفها نتيجة إنتشار الفقر والجهل والمرض أو لعجز تلك الأمة الفقيرة على تسويق ونشر أدابها وألامها الفكرية والمادية نتيجة عدم توافر الأمكانيات الكافية والأدوت والوسائل أو ربما نتيجة العامل المادي.و الدليل على ذلك أن الشعوب الأفريقية الفقيرة والتي تُعاني من المجاعات والأمراض والأوبئة لا تزدهر فكرياً أو أدبياً إلا بهجرة بعض ابنائها للبلاد الأوروبية الغربية وإندماجهم فى ثقافة مجتمعية مُغايرة توفر لهم فرصة التعليم حتى وإن كان ذلك على حساب ما يتعرضون له من تهميش عِرقي أو ديني أو من إضطهاد نتيجة لإختلاف اللغة والبيئة فى تلك البلاد.وقد كان التمييز العُنصري عاملاً هاماً لإبداع الكتاب والشعراء السود فى بلاد المهجر هذا إلى جانب ولادة أنماط أدبية وشعرية جديدة نتجت من رحم الغربة وفراق الوطن وتزاوج الأجناس الأدبية والرغبة فى إعادة توصيف صورة الوطن الأم وإسترجاع الذكرى وتهجير التاريخ العِرقي.وقد أبدع شعراء المهجر والكثير من العقليات الفكرية العربية بعيداً عن البيئة المجتمعية الأولى والتي قد تكون أصابتهم بالضيق أو واجهوا فيها شُحاً فى العطاء.كما أن آداب الأقليات العِرقية المضطهدة التي عانت من الحروب الأهلية أو العرقية كالبوسنة والهرسك أو من الفتن الطائفية لم يعرف الإزدهار الحقيقي أو الإنتشار إلا فى ظل هجرة عقوله الفكرية لبيئات مختلفة.ومن أمثلة ذلك على الساحة المُعاصرة إبداع بعض عقول أبناء الشعب السوري فى ظل الهجرة لبيئة مُغايرة توفر لهم حُرية الفكر والتعبير وتنحى بهم بعيداً عن ويلات الدمار والحروب.

 

س14: حمودي الكناني: عدنان الظاهر شاعر باهر وكاتب ضاحك يجعل من الحكاية أي حكاية مشهدا دراميا مثيرا فمتى تعرفت على ابي القراطب وماذا يمثل لك وما تقييمك لكتاباته؟

ج14: د. نيفين ضياء الدين: لعبت الصدفة دوراً هاماً فى معرفتي بالأديب والناقد الدكتور عدنان الظاهر وكان ذلك فى صيف عام 2010 وبالتحديد فى الثامن من شهر آب، أغسطس لذلك العام. وقد كان لمعرفتي بالدكتور الظاهر أثر هام إدى إلى تغيير فى مجرى حياتي من حيث دخول عالم الكتابة الأدبية بشكل إحترافي وذلك لأن أديبنا هو من إنتبه لوجود موهبة أدبية يتميزُ بها أسلوبي فى فن الكتابة كما قال لي ذات مرة بل ونصحني بضرورة تذليل قلمي فى مجال الكتابة الأدبية من شعر ونثر وساعدني كي أخطو خطواتي الأولى نحو نشر أولى قصائدي الشعرية وقد كانت بعنوان " الفصول الأربعة".و يُمثل لي الدكتور الظاهر شخصية الوالد والأستاذ الذي ساهمت توجياهته الأوليّه فى تطوير النمطية البنائية لقصائدي الشعرية ولأعمالي النثرية هذا غير بعض توجيهاته من الناحية اللغوية وكلها كانت تنصب فى عملية تمحوّر وتطوير لبنة الكتابة الأدبية وركيزتها فى عمودي الفقري. ساهمت أعمال وكتابات الدكتور الظاهر فى تغذية مُخيلتي الشعرية والنثرية من حيث فتح أفاق فكرية جديد أرحب وأوسع أمام عقيدتي الأدبية على الرغم من قيامي بإعادة تشكيل وقولبة وصبغة تلك الأنماط والأفكار بما يُناسب ويتحد مع شخصيتي الفكرية والإنسانية على كافة مستوياتها وأمتدت عملية التأثر والتأثير إلى مخيلة كاتبنا الذي ساهمت بعض أنماطي الفكرية بدورها فى إضفاء نزعة فكرية جديدة على مُخيلة أديبنا.قرأتُ الكثير من أعمال الشعر والقص والنقد لأديبنا الظاهر وهو ملحمة أدبية تتنوعُ مذاهبها وفى مُعظها عُمق فكري وتجربة ذاتية صادقة وحتى ما يجنح منها جنوح الخيال فأن لكاتبنا المقدرة على تطويع الحواريات الخيالية كما فى حورايات المتنبي وجعلها وقائع ملموسة نتفاعل معها لدرجة تصديق واقعيتها. وعندما أقرأُ قصيدة للظاهر فإن شأني يكون كشأن القارئ الذي يجدُ نفسه فى بعض أبيات القصيدة الواحدة ويتفاعل معها حسياً ووجدانياً ولا يجدُ نفسه فى أبياتٍ أخرى.وهناك تنوع فكري وإختلاف أيديولوجي ومنهجي بين قصائد الدكتور الظاهر وأسلوبه فى القص والسرد والرؤية وبين قلمي الأدبي من حيث مُعالجة القضية الواحدة والإختلاف لا يؤدي إلى تنافر الأعمال الأدبية وإنما هو تذكرتها نحو النمو والثراء.وقد تابعت بعض كتابات ابنة الدكتور الظاهر، الأستاذة قرطبة التي أكن لها كل إحترام وتقدير كوالدها رغم عدم المعرفة الشخصية ولمست فيها نزعات فلسفية وقلم سياسي وتاريخي ومنحى ديني نابض بالتطور والنُضج والقراءة الواعية. وفى الختام أوجهُ الشكر والتقدير أيضاً لأديبنا الراحل المرحوم خزعل المفرجي الذي أمن هو الأخر بموهبتي الأدبية وعرضَ عليّ نشر بعض قصائدي الشعرية فى إحدى الجرائد العراقية.

 

س15: حمودي الكناني: كيف تقرأ الدكتورة نيفين ضياء الدين الاسماء التالية وهل تتكرر؟

1. شوقي

أصالة اللغة العربية والعبارة الجذلة وموسوعة تاريخية وملحمة أدبية من التراث العربي والمصري الحديث والإسلامي .

 

2. طه حسين

فكر فلسفي له منهجية ورؤية ورحلة كفاح مع الإعاقة البصرية وبيئة ريفية أدت إلى الإبداع الذاتي والفكري والإنساني.

 

3. نجيب محفوظ

الحارة المصرية وتصوير خصوصيات الحياة فيها وفى محيط تلك البيئة مع وجود جنوح أدبي نحو التركيز على فكرة الإنحراف الإنساني وتعدد العلاقات الجنسية وضياع الذات بصورة لا تُطابق بالضرورة الواقع هذا غير وجود جنوح أخر قد يصل إلى حد التطرُف فى مهاجمة الدين بصورة رمزية.

 

4. صلاح جاهين

الحكمة المصرية والمثل الشعبي وقولبة الأفكار العميقة التي تخص الشأن المصري فى إطار نقدي ساخر أحياناً ونابع من البيئة أحياناً أخرى ويُلامس الذات بقافية متلازمة لا تضر المعنى.

 

5. ام كلثوم

رصانة الكلمة المرتبطة بغناء القصيدة الشعرية والغناء الديني وقوة الصوت وجزالة العبارة الغنائية فى إنسجام تام مع الطبقات الموسيقية المختلفة والمُعقدة وملحمة تنسجُ العديد من خبايا الحُب وروايات البشر على تعدد التجارب الإنسانية .

 

6. سيد مكاوي

نغم خفيف على الروح، رنان المعنى وتلقائي النبرة يدفعُكَ لترديد الكلمة المصبوغة بروح الدُعابة المصرية فى قالب خفيف قد يصلُ إلى حد الفُكاهة.

 

7. محمد عبد الوهاب

ملحمة لإرتباط الروح بالحب والموسيقى نبتت فى جوف النيل المُمتد على مرمى البصر رمزاً للصبر وسكون أجراس الليل وأوبرا مصرية عريقة.

 

8. حافظ ابراهيم

شاعر النيل والحداثة.

 

9. العقاد

رحلة من الكفاح والتثقيف الذاتي والفكري وفلسفة القلم.

والمـتأمل يجدُ عواملاً مشتركة بين هذة الأسماء من حيث التجربة الإنسانية.

 

حمودي الكناني: كل الشكر والتقدير للدكتورة نيفين ضياء الدين ونتمنى لها دوام الصحة والعافية والتألق

 

خاص بالمثقف

 

         حمودي الكناني

صحيفة المثقف – مدارات حوارية

hamodi alkenaniradya-alshihaybiكأنني ارى فيها تونس الخضراء البلد الذي كثيرا ما تبهر العين خضرتُه وتسر القلبَ دماثةُ خلق انسانه

.. ومدينتها التي تُعرف بجوهرة الساحل الممتد على طول 170 كم، سوسة، التي تبعد عن العاصمة تونس بحوالي 140 كم، والامطار النازلة فيها تتراوح بين 250 و400 ملم .. جوها معتدل وارضها صالحة لزراعة الزيتون، معلومات تعلمناها في الابتدائي عن جغرافية الوطن العربي الكبير، وسوسة مركز ثقافي انجب الكثير من المبدعين تركوا بصمتهم في سفر الثقافة. والحديث مع راضية الشهايبي يعني الحديث مع عنقاء تفرش جناحيها محلقةً في فضاءاتِ هذا الوطن الممتد من المحيط الى الخليج لترسم اوجاعه التي تكاد تكون متشابهة برشاقة .. ولِمَ لا فالشعور هو نفسه اينما تنزل في ديار العرب

وراضية الشهايبي مشروع ابداعي كبير ما زال يتوسع عموديا وأفقـــــــيا، فالتوسع العمودي في عديد الجوانب التي قامت بها وكل جانب منها يتوسع افقيا على امتداد مساحة كبيرة من الانشطة ويظهر ذلك جليا فيما يلي:

1- أسست الصالون الثقافي بسوسة حيث يحتفى الصالون بعدة وجوه فنية إبداعية تونسية ومغاربية وعربية من المغرب ومصر وليبيا وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق.... ومن الوجوه العراقية الفنية التي تشرّف الصالون الثقافي بالاحتفاء بها الفنانون التشكيليون أحمد هاشم / مهند الشاوي / د جواد الزيدي

 2- في سنة 2008 فازت في مسابقة القصيد الفرانكوفوني التي أقيمت في كندا بمناسبة مرور 400 سنة على تأسيس الكيباك ونُشر نصُّها ضمن مجموعة شعرية  ضم النصوص الفائزة مترجمة إلى اللغة الفرنسيّة

3-  تُرجمت قصائدها الى عدّة لغات أهمها: الفرنسية حيث ترجم المترجم التونسي عبد المجيد يوسف كل نصوص مجموعتها الثانية "ما تسرب من صمتي" .

الإيطالية"  حيث ترجم الشاعر والمترجم دجوزابي نابوليتانو مختارات من مجموعتها الثالثة "تراتيل الترحال" وصدرت في إيطاليا

الإنجليزية حيث ترجم الشاعر والمترجم الفلسطيني المقيم برومانيا منير مزيد كامل نصوص مجموعتها التي هي قيد الطباعة الآن بعنوان - ديوان القهوة - والتي أخرج غلافها الرسامان العراقيان أحمد هاشم ومهند الشاوي - قيد الطباعة إلى جانب "ديوان القهوة" كتاب " الوميض " ويحتوي قصائد الومضة......وغير ذلك الكثير !

 

ومع رنة فناجين القهوة ابتدأنا، فاهلا وسهلا بها في صحيفة المثقف – مدارات حوارية:

س1: حمودي الكناني: شاعرتي الجميلة لنفترض راضية الشهايبي واحدة ثانية وطلبتُ منها أن تتحدث عن راضية الشهايبي فكيف تتحدثين عن هذه الراضية الانسانة وليس راضية المنكبة على صياغة الحروف بحرفية الصائغ الماهر؟

ج1: وراضية الشهايبي: .. راضية الشهايبي إمرأة أتعبتها رهافة حسها والتي لا تعرف تحديدا أسباب كل هذه الرهافة التي تجعلها تعيش معاناتها الخاصة ومعاناة الآخرين وحتى معاناة الحيوان والنبات فهي تتألم لكل وجع تحسّه أصاب موجودات الله على الأرض

 تؤمن بالله بالحياة وبالإنسان حيثما كان تؤمن بالاختلاف  وتعوّل على قدرتها على التقبل وقدرة الآخر كي لا يتحول الاختلاف إلى خلاف  فالاختلاف رحمة وجمال وما التكرار إلا ملل ورتابة فقط تتمنّى ألّا يصاحب الاختلاف عنف يفرض على الغير مهما كان نوع هذا العنف أو طريقته فالحريّة تراها راضية الشهايبي أساسيّات كرامة الإنسان للكل  وكيف يريد ما لم يفرض قناعاته على الآخر وما لم يكرّس هذه القناعات في إيذاء الآخر معنويّا أو ماديّا

 

س2: حمودي الكناني: قال لنا التاريخ صغاراً أن القيروان أنشأها القائد العربي المسلم عقبة بن نافع سنة 50 للهجرة 670 للميلاد، فكيف تتحدث لنا الشاعرة راضية الشهايبي عن القيروان وماذا تعني لها هذه المدينة؟

 ج2: وراضية الشهايبي: القيروان رابعة المدن المقدّسة هي موطني فيها ولدت ونشأت على حب الدراسة والأدب وهي المدينة التي عرفت ومنذ تأسيها بالأدب والعلم والثقافة  والأصالة والانفتاح أليست هي موطن الشاعر الكبير الحصري وابن رشيق وأبي زمعة البلوي وأبن الجزار وأسد بن الفرات والإمام سحنون وهو أشهر فقهاء المالكيّة في شمال إفريقيا وغيرهم من العلماء والشعراء والفقهاء وقد عرفت بفسقيات الأغالبة وبيت الحكمة وعدد المساجد اللافت  دليل على الحضارة  الذي وصلت إليها القيروان منذ تأسيسها  ومازالت إلى الآن تعتبر من أهم المدن التراثية التاريخية في العالم فالقيروان متحف مفتوح حالما تدخلها يغمرك عبق الفاتحين القدامى من القادة المسلمين والصحابة الأجلاء

 

س3: حمودي الكناني: لقد احتل الفرنسيون تونس سنة 1881 حتى نالت استقلالها سنة  1956 ومدة 75سنة مدة  زمنية ليست بالقليلة فما هو تأثير المحتل الفرنسي على حياة الانسان التونسي؟

ج3: وراضية الشهايبي: ككل الدول العربيّة عانت تونس من الاستعمار وناضل التونسيّون رجالا ونساء لأجل استقلالهم والحفاظ على هويتهم الأمازيغيّة العربيّة المسلمة واستقلت تونس الاستقلال التام سنة 1956ولأن التونسيّ ذكيّ بالفطرة ويتمتّع بقدرة طبيعيّة على التأقلم دون التفريط في مكوّنات شخصيّته أخذ من المستعمر الحداثة والتمدّن وأبقى على أصالته  وتعلّقه بجذوره الضاربة في التاريخ وإلى الآن  يحتفي التونسيّون بتقاليدهم وعاداتهم وشعائرهم بكل فخر وتشبث بالهوّية التونسيّة

 

س4: حمودي الكناني: نحن العرب تكاد تكون السياسةُ شغلنا الشاغل فالكل يتحدث بالسياسة وعن السياسة وهذا ربما لأننا لقرون عديدة تسلط علينا حكام عتاة قساة لم يهتموا الا بأنفسهم وما يثبِّت سطوتهم.....ومع إعلان الجمهورية التونسية في 25 يوليو 1957، أصبح الزعيم الحبيب بورقيبة أول رئيس لها وفي عام 1987 تولى الحكم زين الدين بن علي فأين أوجه التشابه والاختلاف بين حكم الرجلين؟؟

ج4: وراضية الشهايبي: المقارنة بين الزعيم بورقيبة وبن علي طبعا ستكون لصالح الأول من حيث الدرجة العلميّة والتاريخ السابق لاعتلاء كليهما، الحاكم فبورقيبة ترأس تونس بعد تاريخ نضالي كبير ونفي وسجون بينما اعتلى الثاني الكرسي إثر انقلاب سلميّ وبورقيبة يتمتع بحضور وقوة شخصية وبداهة وبلاغة وخطابة بالغتين العربية والفرنسية بإتقان وباللهججة الدارجة بطريقة ممسرحة تخطف الألباب وتقنع المتلقي بسلاسة وانبهار بينما كان بن عليّ والذي أيضا يتمتّع بشخصيّة قوية يقرأ الخطاب من الورقة وقد واصل نهج بورقيبة ولكن بكثير تعثر وباعتماد كلّي على القوّة الأمنية فبورقيبة كان يؤمن بالثقافة أكثر ويعتقد أن أساس التوازن الاجتماعي بين فئات  الشعب هو امتداد الطبقة الوسطى بينما تقلصت هذه الطبقة في فترة حكم الثاني إذ اتسعت الهوّة بين الشريحة الفقيرة وبين الطبقة الميسورة طبعا ككل الحكّام ارتكبا أخطاء ولكن بورقيبة كانت أخطاؤه نتيجة تقدّمه في السنّ وتشبّثه بالحكم وأخطاء الثاني عدم الأخذ بزمام الأمور إثر تفشي الفساد المالي والبطالة والفقر وكلاهما لم يجازف  بديمقراطية حقيقيّة كخيار لحكهما بما في ذلك التداول الطبيعي على السلطة وعاش الشعب في كبت سيّاسي أدّى إلى انفجار ناتج عن تراكمات كثيرة من بينها نضالات  من اليسار ومن اليمين ومن المجتمع المدني ومن اتحاد الشغل وكذلك من المثقفين والفنانين وتحركات عمّال المناجم كلها ساهمت من بعيد أو من قريب في الثورة التونسيّة جان في 2011

 

س5: حمودي الكناني: بوعزيزي كان الكبسولة التي فجرت البركان، بركان ما يعرف بالربيع العربي، وكان هذا محض صدفة فما الذي حول هذا الربيع الذي كنا نحلم به جميعا الى خريف ذي اجواء عاصفة متربة، هل هو سرقة الثورات من اصحابها الحقيقيين؟

ج5: وراضية الشهايبي: الربيع العربي وإلى الآن لا أعلم من أين سقطت علينا هذه التسمية  نعم سرقوا الثورة العربية الحقيقية وحوّلوا وجهتها إذ بدأت ثورة كرامة وحرية قرّبت بين كل الشعوب العربيّة وانتهت إلى ثورة طائفية فرّقت الشعوب العربيّة ونعلم جميعا أن العرب قوّة خامدة تخيف إن ظهرت ولنا كل عوامل التوّحد من قرب الحدود إلى وحدة اللغة إلى الخيرات الموجودة في أرضنا إلى الطاقة الكامنة في أعماق أرضنا إلى الطاقة الكبيرة في شمسنا وحتّى ريحنا وغير ذلك من العوامل التي تسهّل وحدتنا  وتجعلنا من أثرى الأمم وأقواها وهذا هاجس يُرجف عدوّنا الأكبر ولذلك وجب التيقظ لكل حركات الثورة والتوحّد والقضاء عليها بكل الوسائل

 

س6: حمودي الكناني: سأعيشُ رغم الداء والاعداء .. كالنسر فوق القمة الشماء .. هكذا قالها الشابي وهكذا رددتها بعده جموع الشعب التونسي من اجل الحرية، ما هي برأيك رسالة الشاعر وهل الشاعر نبيٌ من غير وحي؟

ج6: وراضية الشهايبي: فعلا ردّد الشعب التونسي ومن بعده شعوب أخرى ""إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر"" وهو بيت من قصيد  - إرادة الحياة- للشاعر التونسي الكبير - أبو القاسم الشابّي-

فالشاعر هو أصدق ناقل لما يعيشه المجتمع إذ هو ينظر بمجهر فكري وحسيّ  وبقدرة متفرّدة على الملاحظة وعمق الإحساس ثم يُنظّر بروح محبّة للسلام مناصرة للجمال مدافعة عن كل ما يخصّ كرامة الإنسان وحريّته وبذلك يؤرّخ أحسن من مؤرخين مختصين قد ينحازون لطرف دون آخر حيث يكتبون يأكاديميّة المؤرّخين التي تُسقط تفصيلات دقيقة يرونها غير مهمّة ويراها الشاعر عميقة الأهمية ويصّوّرها شعرا وبذلك يتوفّر الكل الذي يميّز شهادة

الشاعر على عصره ولذلك تظل كل الأنظمة تحاول إما استمالة الشاعر ليكون من أتباعها أو تهمّشه ماديا ومعنويّا كي تطفئ شعلة الكتابة فيه ولكنّ الشاعر الحقّ هو الذي ومهما همّشوا دوره وعرقلوا مسيرته وصعّبوا عليه نشر دواوينه يستمرّ يكتب للحرية للحياة للحقّ للإنسان للجمال

 

 

س7: حمودي الكناني: وجدتك شاعرةً متراميةَ الاطراف.... مواضيعك متشعبة ولوحاتك مثيرة رسمتها بقلم رشيق صدوق، ومعروف للجميع ان عنوان اي نص وأي عمل هو نصٌ آخر مختزل ومنزاح بصورة توحي بأنه نصٌ آخر و(ديوان القهوة) عنوان مثير وفيه ابعادٌ ذات دلالات عميقة فلماذا الديوان ولماذا القهوة؟

ج7: وراضية الشهايبي: ديوان القهوة هو عنوان مجموعتي الجديدة والتي ترجمت للأنقليزية من طرف الشاعر الفلسطيني الروماني منير مزيد وإلى الإيطاليّة من طرف الأستاذة  فيفيان إسيرنيا  وإلى الفرنسيّة من طرف الأستاذ إبراهيم الدرغوثي وقدّمت المجموعة الناقدة والروائية الدكتورة آمنة الرميلي لماذا القهوة بالذات؟ هي في الحقيقة مذكرات لجلسات قهوة أيام الثورة التونسيّة حين كان الحديث فقط عن أحداث الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن فكانت القصائد رجع صدى لكل ما قلنا وعبق للمكان وللزمان وطبعا كلها قصائد تصف في عمقها مدى تعلّقي بفنجان القهوة في رمزيّة الرفقة

 

س8: حمودي الكناني: الناقد يرى مالا يراه الشاعر وأحيانا يستخرج الناقد المنقب كنوزا مغطاة باحكام فهل هذا اغطاء تقصدته الشاعرة راضية شهايبي كما ورد في الومضة التالية؟؟ ""الكبرياء أن نحتفي معا بحرق الأقنعة "" وهل ترين انها محنتنا جميعا؟

 ج8: وراضية الشهايبي: أحب النقد وأراه فنّا على الفنّ وأرى الناقد كما المنقّب عن الذهب وكما المرآة التي تعكس لنا صورتنا فنفرح بما بانَ جميلا ونحاول تحسين ما يستدعي التحسين للوصول إلى الجمالية التي يحلم بها كل شاعر والناقد أيضا كعاشق المرأة الجميلة التي تحتفي بتغطية جمالها ويأتي العاشق ويرفع الغطاء ليحتفي بعرييها وهنا لا بدّ من مسافة وسط بينهما كي يصل كل إلى ذروة احتفائه فلا الشاعر يطنب في التهويم والتغطية والترميز حدّ الغموض والضبابيّة ولا الناقد يعريّ كثيرا حدّ فداحة العري والأجمل أن يقف كلاهما على حافتيّ جدول الجمال اللغوي فيطلقان معا طائر المعنى ليحلّق مصوّرا كل هذه المقاصد صورا يمكن لخيال المتلقيّ أن يصوغها بسينمائية سلسة  عذبة غير متعبة أو منفّرة

 

س9: حمودي الكناني: الأدب بكل اجناسه مرآة عاكسة لهموم اية أمة من الامم فما هو الاكثر تعبيرا عن هذه الهموم الشعرُ أم السرد أم الدراما ولماذا؟ وهل طرقت الشاعرة راضية شهايبي ابوابا غير الشعر؟

 ج9: وراضية الشهايبي: الإبداع الفنّي أراه ضروريّا للإنسان وإلا لما خلقه الله وميّز به أناسا معيّنين عن غيرهم من البشر فكأنه حمّلهم رسالة إنسانيّة جماليّة إذ أن الفنّ عامل أساسيّ من عوامل التوازن النفسي الفكري الوجدانيّ  الاجتماعي للإنسان وكل فنّ وطريقته في تحقيق ذلك وكل فاعل في الفنّ وموهبته التي خصّه الله تعالى بها وكشاعرة أرى أن منذ البدء كانت الكلمة فالكلمة حمّالة المعنى بكل التأويلات الممكنة وللشاعر مساحة أكبر للتصوير اللغوي الجماليّ حيث يكون أكثر أهميّة من الحدث نفسه في حين يكون التركيز في الرواية على الحدث ولو أن كلامها يلتقيان في  جمالية اللغة وسحر المجاز والأدب في مجمله حارس للغة ومُجدّدها ومحييها وكل الفنون الأخر تبقى محتاجة للكلمة للغة فلا سينما دون لغة ولا مسرح دون لغة ولا طرب دون لغة وحتى الموسيقى نحتاج لوصفها للغة وقد حاولت تنويع تجربتي الأدبيّة حيث كتبت النص الشعريّ الممتدّ ونص الومضة والقصّة القصيرة ولي رواية في الطريق باعتبار أن كل الأجناس الأدبيّة تحقق لي احتفائي باللغة وبالحركة وبالإنسان

 

 

س10: حمودي الكناني: أين ومتى يتقاطع الاديب مع السياسي وهل من الممكن أن يتبوأ الاديب المناصب العليا ولا ينسى رسالته الادبية؟

 ج10: وراضية الشهايبي: لا أرى تقاطعا ما بين المبدع والسيّاسي إذ أن السياسي يبنى انتصاراته على انهزام الآخرين في حين يبنى المبدع وجوده من سعادة الآخرين وأحيانا ينهزم هو لينتصر الجمال والإنسان وبالتالي لا أرى مكانة للمبدع الحقيقيّ في صفّ الكراسيّ السياسيّة فالكرسيّ زائل إنما القصيد أو الأثر الإبداعي باق ولو رحل المبدع ولكن قد تؤثّر السياسة في النص الإبداعي بما أن المبدع يتأثر  بما حوله وبمن حوله كما قلنا في بداية الحوار

 

س11: حمودي الكناني: الشعرُ يمنح الشاعر مساحة غير محدودة ولغة الشعر غير اللغة التي يتداولها الناس في الحياة اليومية فأيهما برأيك أوسع مساحة الشعر الكلاسيكي ذو الوزن والتفعيلة ام شعر النثر، ولماذا؟

ج11: وراضية الشهايبي: كل قصيد ومميزاته فالقصيد العمودي يتطلب إحساس عال بالإيقاع وتبحّر في البحور العروضيّة وتدفق لغويّ ونفس شعري كبير والقصيد النثرى  يعتمد أساسا على الصورة والقدرة السينمائية التصويريّة لخيال الشاعر ثمّ على الإيقاع الداخلي وعلى التموسق العام للقصيد وأومن أنّ لا نوع  ينفي  النوع الآخر فهي متغيّرات حصلت في القصيد العربي بالأساس والعالميّ عبر حركة تجديديّة عاديّة جدّا ضمن كل متحوّلات التقدّم البشريّ وقد كتبت النص الموزون ثم بدأت أكتب النص الشعري النثري وأحببته ثم جرّبت كتابة الومضة وككلّ عشّاق اللغة العربيّة جربت أن أكتب في كلّ الأنماط لعلّني أصل إلى النص المشتهى

 

س12: حمودي الكناني: ولادة قصيدة مخاض عسير فكيف تصف الشاعرة راضية شهايبي هذا المخاض في لحظة صيرورة القصيدة، هل هناك حالة استطيع ان اطلق عليها حالة التوتر الشعري؟؟

ج12: وراضية الشهايبي: التوتّر الشعريّ ليس ظرفيّا مناسباتيّا بل هو ملازم لحياة الشاعر وبذلك يُلاحظ عليه رهافة الحسّ وسرعة الانفعال والمزاجية أحيانا وبعض الحزن أو الشجن الغالب على صوته أو نظرته فالشاعر يعيش شاعرا ولكن لا يكتب إلا القليل ممّا يعيشه نظرا لعدّة أسباب أهمّها التشويش الذي يحيط به إجمالا والظروف التي يعيشها وهي تؤثر سلبا في غزارة إنتاجه ولكنها قد تؤثر إيجابا في تحفيزه على الكتابة بعمق وبحساسيّة فكلّما تألّم الشاعر كلّما كتب أجمل فالحزن عميق والفرح عابر وقد تتهاطل على الشاعر مشاهد لغوية عديدة ولوحات تصويريّة كثيرة لكنه لا يتمكّن من قنصها كلّها بفعل الظروف وتكون فرصة القنص أكثر حين يكون مختليا بنفسه مستلقيا على بساط خياله عائما في انساب روحه

 

س13: حمودي الكناني: متى يسقط الشاعر؟

ج13: وراضية الشهايبي: يسقط الشاعر حين لا يكون شاعرا وأعني بذلك حين يسمح لكل ما يمس جانب الشعر فيه بالتأثير عليه فالشاعر أناقة الكلمة وأناقة المعنى وذلك أناقة التصرّف وعليه أن يحافظ على بعض النرجسيّة والعلوّ حتى لا ينحدر لكل ما يلوّث قصيده ويسقط أيضا حين يبالغ في التكبرّ والغرور أو يسقط في التملّق ويسقط الشاعر حين يكون هو في الأصل ليس بشاعر

 

س14: حمودي الكناني: هل أثرّ التغيير ايجابيا على الحراك الثقافي في تونس وماهو دور المرأة تحديدا؟

ج14: وراضية الشهايبي: أكيد الأدب يتأثر بأحداث الزمن الذي كتِب فيه والمبدع كأي مواطن  بل أكثر يتأثر بهذه الأحداث فالمبدع قبل الثورة ليس هو نفسه بعد الثورة وفعلا بدأت الإصدارات الخاصة بالإنتاجات الأدبية حول الثورة تظهر ولكن حسب اعتقادي هناك من استعجل ردّة الفعل الأدبيّة ولم يعط الوقت كي ينضج هذا التغيّر بما يكفي في مخياله ولكن على كلّ حال هذا أمر لا بد من ظهوره إثر كل حدث كبير لا بد أن تتبعه حركة أدبيّة كبيرة ومازالت عديد التجارب الأخرى التي ستظهر بعد حين والتي كتبها أصحابها عن الثورة أو تأثرا بها وأساسا المرأة في تونس تتميّز بوعي شديد وبقوّة شخصيّة وإصرار وصلابة موقف تجعلها باستمرار في الصفوف الأماميّة سواء أدبا أو نضالا أو عملا وخاصة أمام ما بات يهدّد ما حقّقته على مدى خمسين عاما على مستوى القوانين وكذلك كمكانة في المجتمع التونسيّ

 

س15: حمودي الكناني: هل قصيدة النثر قصيدة نخبوية أي بمعنى أن متلقيها يجب أن يكون على قدر من الفهم والادراك حتى يتفاعل مع ما يسمع؟

 ج15: وراضية الشهايبي: لا أرى أن هناك قصيدا نخبويّا فالقصيد كلّ من الجمال معنى ولغة وإلقاء وبالتالي حتّى وإن لم يفهم المتلقّي في السماع الأول المعنى فسيستمتع بجمالية اللغة وإن لم يفهم اللغة فسيستمتع بالإلقاء وضروري أن نعتني بطريقة إلقائنا حتى نضمن نسبة من الاستمتاع للمتلقّي مهما كان هو قد يكون نخبويّا في مستوى القراءة أو النقد ولكن إلقاء لا بد من ضمان نسبة نجاح القصيد في كسب إعجاب المتلقيّ

 

س16: حمودي الكناني: ألا ترين معي أن الومضة الشعرية هي التي ستطغى على الساحة لأن روح العصر تفرض هذا التوجه؟

ج16: وراضية الشهايبي: أتفق معك حيث أن الومضة هي القصيد القادم فإيقاع الحياة السريع جعل الإنسان الآن مستعجلا في كل الأمور وحتّى صعوبات الحياة وما نراه من حروب وكوارث ومصاعب ساهمت في كسر المناعة العصبيّة النفسيّة للإنسان فصار سريع الغضب سريع الملل متوّترا ولذلك وجب مجاراة كلّ هذا وتقديم نص شعريّ يساير تغيّر نوع المتلقيّ والومضة تضمن الموضوع المختزل واللغة المكثّفة والتصوير الممتع والنهاية المدهشة كل ذلك في اقتصاد لغويّ كبير وفي وقت قصير جدّا سواء قراءة أو سماعا

 

س17: حمودي الكناني: من من الشعراء والشاعرات يستحوذ على اهتمام شاعرتنا راضية الشهايبي؟

ج17: وراضية الشهايبي: أسماء كثيرة تهمّني وليست بالأساس هي أسماء معروفة ولو أنّ هناك اسماء معروفة أقدّر جدا تجربتها وأتعلّم منها  ولكن عيب هذه الأسماء الكبيرة أنها من حيث تقصد أو لا تقصد غطّت على أسماء أخرى تتميّز بتجربة شعريّة لافتة ومميّزة ولذلك تشدّني القصائد أكثر من الأسماء فيمكن أن نقرأ قصيدا كبيرا لشاعر صغير ويمكن أن نقرأ قصيدا صغيرا لشاعر كبير ولذلك يبقى انحيازي لكل كتابة تلفت انتباهي وتستبدّ بي استعذابا

 

س18: حمودي الكناني: أين تضع راضية الشهايبي تجربتها الشعرية، اقصد في أي طبقة؟

ج18: وراضية الشهايبي: أضع نفسي في قصيدي وهو بعد ذلك ينزلني منزلة أستحقها ومنزلتي لا أتصوّرها مالا أو جاها أو حضورا إعلاميّا وإنما آهة إعجاب من قارئ لا يعرفني بل رآني في ومضة أو قصيد  

 

 حمودي الكناني: ختاما شكري وتقديري للشاعرة التونسية الجميلة راضية الشهايبي التي منحتني هذا الوقت الجميل بالاستماع والرد على اسئلتي متمنيا لها دوام الـتألق والصحة والنضارة.

  

          حمودي الكناني

صحيفة المثقف – مدارات حوارية

 

hamodi alkenanikarem merzaالحلقة الثانية من مدارات حوارية مع الاديب والباحث الاستاذ كريم مرزة الاسدي، فأهلا وسهلا به في صحيفة المثقف.

 

س9: حمودي الكناني: استاذي العزيز الشاعر والباحث كريم مرزة الاسدي أعرف ان موضوعة البحث تستهويك جدا وتأخذ من وقتك الكثير وكتبت الكثير من البحوث والكتب في مجالات الادب واللغة والتاريخ .. ولقد خرجت علينا ظاهرة الكتابة الايروسية او (الايروطيقيا) ولربما يظن البعض ان هذا ما جاءت به الحداثة .. ولما نقرأ معلقة الامير الضليل امرؤ القيس وما نسب الى ابي نؤاس نجد ان العرب هم اول من اوجد هذا الضرب من الادب .. فهل بحثت في ذلك وماذا تقول عنه؟

ج9: كريم مزرة الاسدي: لماذا؟: خرجت علينا ظاهرة الكتابة الايروسية او (الايروطيقيا)؟ لا من حيث التسمية !!، إذ تعني (الايروتيكية)، لأنّ حرفي الطاء والقاف غير موجودين باللغة اللاتينية، والتاء للنسبة تعود للكتابة، وإلا فهي كما كتبت بالألف الممدودة - هذا توضيح للقارئ الكريم-، وإنّما من حيث خرجت علينا ! ربما تقصد جدّدت مرّة ثانية، وكثرت في النصوص النثرية، واخترقت بعض بنات حواء حاجز خدش الحياء الأنثوي، بل الذكوري كجمانة حداد ومجلتها الايروتيكية (جسد) التي أثارت ضجة كبيرة، وأحلام مستغانمي وكتاباتها، ومن قبل كتب الروائي المغربي محمد شكري روايته الشهيرة (الخبز الحافي)، وقصّ فيها تجاربه الشنيعة مع العاهرات و... ولكن هذا التوجه في الكتابة موجود منذ القدم سيان في الأدب الهيليني اليوناني أم في الأدب العربي، ومنهم من يرجع جذوره إلى الكتاب المقدس (الأنجيل - سفر حزقيال) . وأدبنا العربي القديم مليء بهذا النمط من الكتابة شعراً ونثراً، فابن حزم في (طوق حمامته) تحدث فيه عن الحب وشجونه، ومسالكه وفنونه، ووالإمام عبد الرحمن السيوطي، أعلنها صراحة في (نواضر الأيك في معرفة النيك)، وكذلك تجد الراغب الأصفهاني في (محاضرات أدبائه)، وابن عبد ربه في (عقد فريده)، أوغلوا قي هذا الأسلوب الإيروتيكي، في إبراز جمالية الأعضاء التناسلية، والصفات الثانوية، والحركات الجنسية المغرية، ولعل قصيدة يتيمة الدهر لدوقلة المنبجي (نسبة لمدينة منبج السورية)، وقيل لأبي نؤاس، وقيل لغيرهما، هي قصيدة صارخة على نهج الإيروتيكية):

و لها هَنٌ رابٍ مجسته ***وعر المسالك حشوه وقدُ

فإذا طعنتَ طعنتَ في لَبَدٍ *** وإذا نزعــــت يكاد ينسد

وأصل الكلمة أساساً جاءت من كلمة (إيرو) اللاتينية، وتعني (طفل)، و(إيروس) طفولي - الكتابة اللاتينية بالهامش - وأحياناً تنسب النسبة لأحد آلهة الحب والشهوة عند الإغريق إيروس فتتشكل كلمة (إيروسية)، أ وهي تقابل مصطلح الايروتيكيا يعني الحب الطفولي الأناني، أو الحب الشهواني، ودافعه غريزة التملك، التي تبدأ مع ولادة الإنسان - أو من المرحلة الجنينية - كإصرارعلى التعلق بالحياة، قبل تواصله الاجتماعي مع الآخرين، وتعلمه اللغة التي هي أحد الوسائل المهمة لهذا التواصل، وعادة كلّما اندمج الإنسان مع المجتمع خلال فترات الطفولة بمراحلها الثلاث، ومن بعدها فترات المراهقة أيضاً بمراحلها حسب التقسيم، تضعف هذه الظاهرة عند الفرد الطبيعي الناضج، وهذه الظاهرة ليست مكتسبة، وإنما غريزة إنسانية موروثة - كما أسلفنا - ويسمى الهرمون المحفز لإظهارها (الأكسوتوسين)، ولا تتخيل هذا الهرمون على سوية واحدة، وضرب واحد، وأفرازاته واحدة في كل البشر، وبالتالي لا يمكن أن تطلب من كل الناس أن يكونوا متشابهين في السلوك اتجاه الغريزة الجنسية !! هذا محال، ومن هنا يستفحل الصراع بين غريزتي التملك الشهواني،

 والترابط الاجتماعي، وما حدده الشرع والعرف والخلق، هذا الهرمون يتشكل حسب الشفرة الجنينية المرتسمة على الحامض النووي (.دي . أنْ . آ) والتي بموجبها يلملم الحامض النووي الآخر (آر . أنْ . آ) الحوامض الأمينينية، وهي وحدات تكوين البروتين، وما الهرمونات إلا بروتينات، ويأتي هذا الرسول ويقف على الريبوسيمات، الملتصقة بالحامض النووي الأول، حامل الشفرات، لصنع الهرمون، ماذا أريد أن أقول،؟ أقول أن الحب الشهواني التملكي غريزة موروثة، كالأمومة والعطش والجوع، وليس بتعود مكتسب، وإذا كان هذا الهرمون يضعف مفعوله تدريجيا حتى النضوج، وما بعد النضوج، ليسعى الإنسان إلى الحب الإنساني الطبيعي ومساعدة الآخرين والتفاهم معهم عقلياً، نرى أنه يستمر مفعوله بقوة عند الفنانين، ومن الفنانين الشعراء، وتستمر طفوليتهم، وأنانيتهم التملكية، وتسامحهم بتناسي الإساءة لهم وتخيلهم الواسع، والذي هو أساس الإبداع الشعري والفني - سنأتي عليه في السؤال القادم -، وعلى أغلب ظني أن الفارق بين المدرستين الرواقية والإبيقورية بنيت على هذا الأساس دون معرفتهم بهذه الأمور المستجدة من هرمونات، وشفرات، وجينات ! وهاتان المدرستان، هما نهج حياة، فمؤسس الرواقية هو زينون الرواقي، الذي يرى أن سعادة الإنسان تكمن في سعيه للفضيلة والحكمة، وأن لا يرضى بما لا يمكن تغييره، حبّه لل يجب أن يسعى للتحلي بالفضيلة التي هي أعظم الخصال الحميدةبمن يتحلى بالحكمة والفضيلة أن يرضى بما لا سبيل إلى تغييره، أما الأبيقورية فقد أسسها أبيقور الذي اعتمد في فلسفته على مبدأ اللـّذة والمتعة، واستغلالهما قبل فوات الآوان، ولكن جملها بالاعتدال والهدوء.

 

س10: حمودي الكناني: الشعر ديوان العرب به تطيب مجالسهم ويتغنون ويتفاخرون بشعرائهم وكان الشاعر لسان حال القبيلة او الجماعة ووزير اعلامها، يشحذ الهمم ويقوي العزائم وسؤالي ما سر سيطرة الشعر على نفوس السامعين ومن اين اتت هذه السيطرة؟

ج10: كريم مرزة الاسدي: الإنسان وجهة الإنسان، وما عدا ذلك من طبيعة خلابة، وكون رهيب، وكائنات حية غير ناطفة بما يفهم الإنسان، تبقى بالنسبة إليه كائنات صماء بكماء لا بالعير ولا بالنفير، لذلك لولا الإنسان ما عاش الإنسان، وهذا اللغز الخافي هو الذي يجعله يستقصي أخبارهم، ويدرس تاريخهم، ويتطلع إلى مستقبلهم، ويجوب العالم راكضاً لاهثاً وراء أثارهم، يتخيل حياتهم الغابرة الدارسة من أطلال ومتحجرات، يقول البحتري في وصف إيوان كسرى، وهي من أروع قصائده على الإطلاق، وأنت أعلم من هو البحتري؟!

صنت نفسي عما يدنس نفسي *** وَتَرَفَّعتُ عَن جَدا كُــــــلِّ جِبسِ

وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهـ *** ـرُ التِماسًا مِنهُ لِتَعسي وَنَكسي

وَاشتِرائي العِراقَ خُطَّةُ غَبنٍ *** بَعدَ بَيعي الشَـــــــــآمَ بَيعَةَ وَكسِ

حَضَرَت رَحلِيَ الهُمومُ فَوَجَّهـ *** ـتُ إِلى أَبيَضِ المَـــدائِنِ عَنسي

أَتَسَلّى عَنِ الحُظوظِ وَآسى **** لِمَحَلٍّ مِن آلِ ســـــــــاسانَ دَرسِ

أَذكَرتِنيهُمُ الخُطوبُ التَوالي *** *وَلَقَد تُذكِرُ الخُطــــــــوبُ وَتُنسي

وَهُمُ خافِضونَ في ظِلِّ عالٍ *** مُشرِفٍ يَحسِــــــرُ العُيونَ وَيُخسي

وَإِذا مارَأَيتَ صورَةَ أَنطا *** كِيَّةَ اِرتَعتَ بَيـــــــنَ رومٍ وَفُـــــــرسِ

مُزعَجًا بِالفِراقِ عَن أُنسِ إِلفٍ ***عَزَّ أَو مُرهَقًا بِتَطليقِ عِـــــــرسِ

هذه القصيدة نظمها البحتري، بعد أن قتل المنتصرومعه قائدان تركيان ووزيره الفتح بن خاقان (247هـ) أباه المتوكل، ووزيره الفتح بن خاقان، وكان معهما في مجلس الشرب هذا البحتري في أروع القصور وأجملها وأبهاها في الدنيا، وأعني (قصر الجعفري) في سامراء، فردوس الخليفة وجلسائه، ومن أقرب حلسائه المخصوصين البحتري، وعندما نُكب الشاعر، وهجا المنتصر، انحدر إلى بغداد، ومرّ على المدائن، وناجى نفسه، وخفف عن آلامه النفسية، وتأمل الإنسان بالإنسان، وتلمس الآثار،والمعارك بين الروم والفرس، ويقيني لو ذهب للجبال الصماء لمات كمذا، إن في المحادثة مع الإنسان، أو في التأمل في ما يخلفه من أثار، تلقيحاً للعقول، وترويحاً للقلب، وتسريحاً للهم، وتنقيحاً للأدب

يقول أبو سعيد السيرافي: سمعت ابن السراج يقول: دخلنا على ابن الرومي في مرضه الذي قضى فيه، فأنشدنا قوله:

ولقد سئمت مآربـي *** فكأن أطيبها خبـيث

إلا الحـديث فـإنـه *** مثل اسمـه أبداً حديث

فالإنسان يهمه حديث الإنسان عن نفسه وغيره، ومجتمعه ودولته وعالمه حتى في نكباته، بل وحتى على فراش موته، وهذا ما يحققه له الشعر بأمتياز لبواعثه النفسية، وتجاربه الإنسانية، ومعانيه السامية، وبلاغته الراقية، وحكمه الرائعة، ومن هنا خُلـّد المتنبي العظيم

 وماالدهر الا من رواة قصائدي *** اذا قلت شعرا اصبح الدهر منشدا

 يرويه الدهر إضافة لحكمه وخوالجه الإنسانية النافذة لسهولة حفظه وترديده، وقابليته للحدو والغناء

تغن بالشعر إما كنت قائله*** إن الغناء لهذا الشعر مضمارُ

الحقيقة من نقطة صدق المشاعر الإنسانية، ولو كانت أنانية بحتة، لأنها صادرة من إنسان شاعر نرهف الحس - لا للناظم الشعر الميت - هو أحد أحد أسباب خلوده المهمة، لذلك يذهب الدكتور زكي مبارك إلى أن قول أبي فراس الحمداني:

معللتي بالوصل والموت دونه *** إذا مت ظمآناً فلا نزل القطرُ

أصدق شعورا، وأحق بالبقاء والخلود من قول المعري المنافق لإبراز وجوده، وإظهار نفسه بالغاضل المتفاني في قوله:

فلا هطلت عليّ ولا بأرضي *** سحائب ليس تنتظم البلادا

ولهذا ساند العبقري بقوة السيد أحمد الصافي النجغي، وعدّه أروع شاعر ولدته الأمة العربية، في حين - ومعه صديقه المازني - جردا شوقي من الشاعرية حتى الممات، لأنه لم يتمتع بالأحاسيس الشعرية الصادقة، ورؤيتي رؤية العقاد ومدرسته.

وإضافة أخرى وأخرى، إن جمال لغتنا ونفوذها في الوجدان العربي، وتغلغلها في أعماق أعماق العرب، وخصوصاً بعد نزول القرآن القرآن الكريم،أعطى الشعر مكانة مرموقة وممزوجة في الوجدان العربي لا يمكن نزعه من النفوس - أطلت معكم عذرا-، وأضيف الأخرى، الشعر تخييلي، كما ذكرنا في النقطة السابقة، والشاعر بعيد بعيد في مدى خياله، والخيال ليس له مكان محدد، ولا زمان معين، لا يعتمد على التراكم المعرفي كالعلم، وإنما تخيّل هومبروس وامرئ القيس والمعري ودانتي، وجابوا الفضاءات والكون، وهم في عصورهم، كما يتخيّل شعراء اليوم، بمعنى الشعر ليس فيه قديم وحديث إلا من باب معرفة زمان الشاعر وبيئته، لامن حيث مقياس جمال الشعر وتذوقه، فلا المتبي استطاع أن يختزل امرئ القيس، ولا الجواهري تمكن من تغطية المتنبي، ولا ...ولا، وهكذا في الآداب الأجنبية، فالشعراء ليس كالعلماء، وكما يقول المازني، فلا:

ويدفن بعضهم بعضاً وتمشي *** أواخرهم على هام الأوالي

 

س11: حمودي الكناني: جميل جدا وهل في تصورك ان لقصيدة النثر نفس الاثر على المتلقي وهل بامكانها ان تحل محل القريض ... لماذا لا ولماذا نعم؟

ج 11: كريم مرزة الاسدي: تسألني، وأجيب بكل صراحة، ليس لقصيدة النثر تأثير على وجدان السامع العربي إلا كنص نثري يعتمد على المُلقي في كيفية إداء حروفه وكلماته وجمله، وتجسيد صوره، ليستقطب ذهن المستمع ووجدانه دون أن يشاركه هذا المستمع ترديداً وانفعالا وتصفيقا وإنشاداً وحماساً، كما هو حال الشاعر الشاعر العمودي أو التفعيلي الموزون، أما القارئ فيستقبله كمضمون وتشكيل بلا حياة أوغناء وحدو، وإنما مضمون وتشكيل لنص نثري يبوح به كلّ من هبّ ودبّ لاستقراغ الكبت النفسي، والبوح الإنساني لما في الوجدان والضمير، كلّ بمقدار ثقافته وقدرته اللغوية بلا حدود ولا قيود، ويابسه يأكل أخضره، ومن المضحك المبككي أن أحد رواده الكبار الذي يقف مع أدونيس ويوسف الخال، وهو ثالث الأثافي، وأعني الدكتور عبد العزيز المقالح، الناقد والأديب المعروف، رئيس جامعة صنعاء سابقا، يستند على رمز شامخ من رموز أدبنا العربي، ألا وهو أبو العلاء المعري ليدعم تجربته الفتية، وقد عبته ورددت عليه لا لهذا الدعم، وإنما لاعتباره كتابة القصيدة العمودية إثماً، وعلى أغلب الظن كان يعني الشاعر اليماني محمد أنعم غالب في عدم خوضه مجال الشعر العمودي، وإلا فالدكتور يثمن وكتب ياعتزاز شديد عن البصير عبدالله البردوني، وأنا أطالب باصرار شديد، لا يجوز لكاتب قصيدة النثر أن نطلق عليه صفة شاعر إلا بعد خوضه تجربتي العمودي والتفعيلة بنجاح باهر، مهما يكن يقول الدكتور في كتابه (من البيت إلى القصيدة) " ويكاد القارئ العادي ينسى نفسه وسط الزحام، لكنه لابدّ أن أن يألف الجديد، ويأنس إليه، وأن يردد مع حكيم المعرة:

ستألف فقدان الذي قد فقدته *** كإلفك وجدان الذي أنت واجدُ "

وليسمح لي الدكتور المقالح أن أستعير كلمته بحق الدكتور طه حسين حين كتب عن الشاعر العربي الأموي العصر (وضاح اليمن) قائلاً " غريب أمر الدكتور طه، كيف يصف شاعرا هذا مستواه الفني بالإسفاف والابتذال والسقوط واللين " (الشعر بين الرؤيا والتشكيل ص 79)، وغريب أمر الدكتور المقالح كيف وصف كتابة الشعر العمودي بالأثم، ويعتبر عدم كتابته مأثرة تستحق التمجيد؟ وهل يتخيل أن الشعر العمودي الأصيل أصبح يتيماً، لا يوجد مَن يدافع عنه؟ وكيف سمح أن يطلق نعت شاعر على كاتب لم يكتب بيتاً من الشعر؟!! هذا خلط، وفرض الرأي بالجور، وبنظرة غير عميقة، أين الكان كان، والمواليا، والقوما البغدادي؟ بل أين الموشحات التي أخذت مدى بعيدا، وأشواطاً طويلاً، وأين البند الرائع؟ وهذا مثاله لابن الحلفة الحلي، وهو أرقى بكثير، مما يسمى بقصيدة النثر:، اقرأ من البند، وقارن وتأمل:

" أهل تعلم أم لا أن للحب لذاذات؟

وقد يعذر لا يعذل من فيه غراماًوحوى مات

فذا مذهب أرباب الكمالات

فدع عنك من اللوم زخاريف المقالات

فكم قد هذبّ الحب بليدا

فغدا في مسلك الأداب والفضل رشيدا"

الكرة الآن في ملعبهم، يتقاذفها الداني والعالي، القوي والضعيف، الصغير والكبير، ومن حق الناس أن تعبر عن مكنوناتها وبوحها وآلامها وأمالها وأتراحها وأفراحها كيفما تشاء، ولكن على أغلب الظن لا يبقى منه إلا الدر الثمين لشعراء مرّوا بالتجربتين العمودية والتفعيلية، وترجم للغات الأجنبية، واستطاع أن ينفذ بقدرة هائلة ككتاب اليسوع (النبي) لجبران خليل مثلاً .

 

س12: حمودي الكناني: انت لم تكتب الا قصائد العمود والتفعيلة ولم تكتب قصائد النثر .. هل هو بسبب عزوفك عن هذا الجنس الادبي الطاغي على الساحة الان ام ان الشعر لديك هو ما كان ذا قافية وايقاع وله القدرة على ان يغنّى وتطرب له النفوس؟

ج12: كريم مرزة الاسدي: الشعر ليس بمفرداته ومضمونه ومعناه وصوره فقط، بل بموسيقاه وانسيابه وأشجانه وألحانه، تقرأه بنغماته الشجيه الصادرة من أعماق قلوبٍ متأججة شاعرة لتطرب إليه، وتتغنى به، فهو ليس مجموعة لحبات ٍمن العنب متكتلة متراكمة بترتيبٍ معين، وتنظيم دقيق لتمنحك صوراً جميلة، وتشكيلاتٍ بديعة لمعان ٍعميقة على أحسن الأحوال ..وإنما هو تحول نوعي تام من حالٍ الى حال، ليصبح في صيرورة جديدة ..كأس مُدامةٍ وكرعة راح ٍ " وإنَ في الخمر معنى ليس في العنب ِ" .

يقول أبو العباس الناشىء الأكبر عن شعره:

يتحيرُ الشعراءُ إنْ سمعوا بهِ ***في حُسن ِ صنعتهِ وفي تأليفــهِ

شجرٌ بدا للعين ِحُســـنُ نباتهِ ***ونأى عن الأيدي جنى مقطوفهِ

وللشعر ركنان أساسيان لابدَّ منهما في كلّ شعر ٍ،،وهما النظم الجيد ونعني به الشكل والوزن أولاً (ويخضع كما هو معلوم لعلوم النحو والصرف والبلاغة والعروض)، ثم المحتوى الجميل أو المضمون الذي ينفذ إلى أعماق وجدانك، وتنتشي به نفسك دون أن تعرف سره، وتفقه كنهه، فهو الشعاع الغامض المنبعث من النفس الشاعرة .

وتسأل عن الناس، فالناس أجناس، فمنهم - كما تصنف نازك الملائكة بما معناه، وكما هو معروف - مَنْ يتذوق الشعر ولا يستطيع أنْ يدرك الموزون من المختل، وينطبق هذا على أكثر الناس، ومن الأقلية مَنْ تجده يستطيع أن ينظم الشعر بشكل ٍمتقن ٍ، ولكن لا تحسُّ بشعره نبض الحياة ونشوة الإبداع، وهذا هو الناظم، أمّا الشاعر فهو الذي يجيد النظم إجادة تامة، وتتأجج جذوته ليحترق، ويمنحك سرّ الإبداع، ولذاذة الشعر، تتحسّس بجماله، ولا تدرك أسراره - كما أسلفنا - والشاعر الحساس يرتكز لحظة إبداعه الإلهامية على مظاهر التأثيرات الوراثية التي تسمى بعلم النفس (الهو)، وما يختزنه في وعيه واللاوعي من معلومات وتجارب وعقد، ولك أن تقول ما في عقليه الباطن والظاهر (الأنا العليا)، ومن البديهي أن ثقافة المبدع بكل أبعادها الإيحائية واللغوية والمعرفية والسلوكية والفلسفية والتجريبية - والعلمية الى حد ما - تؤثر على القصيدة أو النص الأدبي.

ومِنْ الشعراء المتميزين مَنْ يتمرد على التراث الشعري القديم،وهؤلاءمن عباقرته الذين يمتلكون حقّ التجديد والتحديث، ومن الناس من يرفض القديم بحجة المعاصرة والتقليد، وهؤلاء يلجون عالم الشعر، وهم ليسوا بأهل ٍله، لأن ّ ما لا يكون لا يمكن أن يكون ! فالقدرة على الصياغة النغمية تكمن مع صيرورتها - وبدرجات مختلفة - الإنفعال الشديد، والإحساس المرهف، والخيال الخصب، والإلهام الفطري، وهذه بذور الإبداع متكاملة مندمجة بماهية واحدة، وبدونها لا تنبت النبتة الصالحة لتعطي ثمارها وأُكلها .

 ولفذلكة الأقوال نقول: نعم للتشكيل اللغوي المحكم، والتصوير الفني البديع، والتنظيم الواعي الدقيق دور كبير في بناء القصيدة، ولكنه دور مكمل يحتاج الى قدرات عقلية كبيرة، وثقافة موسوعية عالية ورفيعة (على قدر أهل العزم تأتي العزائم ُ)، ولكن - مرّة أخرى - الأعتماد على العقل وحده دون الغريزة الفنية والقدرة الموروثة إصالة أو طفرة، لتتفاعل هذه كلـّها حيوياً لحظة الإبداع وصناعة القصيدة، وبكلمة أدق ولادتها (وخلها حرّة تأتي بما تلدُ)، كما يقول الجواهري .لهذا يبدو لي ان (نور ثروب فراي) لا يميل الى قول العرب قديما (جرير يغرف من بحر، والفرزدق ينحت بالصخر)، ويذهب الى ما ذهب اليه الجواهري، فكلّ عباقرة الشعر يغرفون من بحر وتولد القصائد عندهم ولادة، ثم يجرون بعض التعديلات اللازمة عليها، فمن المفيد أن أنقل إليك - أيّها القارىء الكريم - هذه الفقرة من كتابه (الماهية والخرافة) " القصائد كالشعراء، تولد ولا تصنع، ومهمة الشاعر هي أن يجعلها تولد وهي أقرب ما يكون إلى السلامة، وإّذا كانت القصيدة حية فأنها تكون تواقة مثله الى التخلص منه وتصرخ ملء صوتها بغية التحرر من ذكرياته الخاصة وتداعياته، رغبته في التعبير عن الذات وكلك تتخلص من حبال سرته وأنابيب التغذية المتعلقة بذاته جميع "، القصيدة ولادة عقبى التغذية الكاملة من نفس خلقت لكي تكون شاعرة، وليست صناعة لتصفيف حروف مهما بلغت ثقافتها.

 

س13: حمودي الكناني: الشاعر النجفي محمد صالح بحر العلوم اشتهر بقصيدة " أين حقي " والتي جاء فيها:

 (ليتني أسطيعُ بعثّ الوعي في بعض الجماجم

 لأُريح البشرَ المخدوع من شر البهائم

 وأصون الدين عما ينطوي تحت العمائم

 من مآسٍ تقتل الحقَّ وتبكي: أين حقي)

السؤال هو لماذا منعت هذه القصيدة في حينها وهل تظن ان فيها ما يسئ أم الرجل رصد الحقيقة وصورها كما هي نتيجة ما تعاني منه الناس من فقر وجهل ومرض وفاقة؟؟

ج13: كريم مرزة الاسدي: من غريب الصدف أن الشاعر محمد صالح بن السيد محمد صالح بن السيد مهدي بن السيد محسن بحر العلوم ولد في أول أيام عيد الأضحى المبارك، وأنا ولدت في المناسبة السعيدة نفسها، ولكن تولد هو في سنة (1326هـ / 1909 م)، أما أنا فولادتي سنة (1365 هـ / 1946م)، وكلانا من مدينة النجف الشرف، فهو من عمر أبي تماماً، الرجل من عائلة دينية معروفه عريقة، يرجع نسبها إلى المرجع الديني الكبير السيد محمد مهدي بحرالعلوم، المتوفي في النجف سنة (1212 هـ)وما بحر العلوم إلا لقب أطلقه عليه أستاذه محمد مهدي الأصفهاني لحدة ذكائه، وتبحرعلمه، شاعرنا كان جريء جدا، يتعاطف مع الفقراء والطبقة المسحوقة، سجن وعانى، واشتهر بشعره النضالي،ويطلق عليه (شاعر الشعب)، ولكن لا يبلغ مستوى شعره الفني، ولامتانة سباكته، ولا قوة بلاغته كشعر الجواهري العظيم، أو الرصافي بأي شكل من الأشكال، ولا حتى زجالة شعر الشبيبي والشرقي، وشهرته جاءت من معانيه، وجرأة مراميه وكان يكنى أبا ناظم، لذلك يخاطبه الجواهري، وهما جاران، ويكبره الجواهري بعشر سنوات:

أبا ناظم وسجنك سجني *** وأنا منك مثلما أنت مني

 وتعد قصيدته (أين حقي) من أشهر قصائده، ولاقت أستحسان الجماهير الواسعة، نظمها في بيروت عام 1955 م، انتشرت كثيرا، وأعيد نشرها في السبعينات، ولكن ربما منعت لدوافع سياسية، فحُرض عليه بعض رجال الدين، إذ اتهمَّ بالزندقة والشيوعية، وعلى أغلب الظن لم ينتمِ للحزب الشيوعي، والمقطع الذي ذكرته ليس به أي مساس بالدين، بل أراد صيانة الدين من شرّ العمائم، وهنا تكلم عن الكل وأراد بعض العائم، وهذا وارد باللغة العربية،بل جاءت الصيغة في القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة .

 ومن جدير ذكره، لما قاوم الزعيم الهندي الخالد (مهاتما غاندي) الاستعمار الأنكليزي، وألتف حوله الشعب الهندي بكل طوائفه وأديانه وأعراقه، وحجوا إليه، ونظم الشعراء العرب في حقه أروع القصائد، ومنهم أحمد شوقي:

بني مصر ارفعواالغار*** وحيّوا بطل الهندِ

أخوكم في المقاساة ***وعرك الموقف النكد

سلام حالب الشـــاة *** ســـــلام غزل البرد

ومن صد عن الملح *** ولم يقبل على الشهد

ومن تركب ســــاقيه *** من الهند إلى السند

هذه الأبيات من قصيدة مطولة لأمير الشعراء في حقّ غاندي، وفي الوقت نفسه أواخر ثلاثينات من القرن الماضى، يأبى الشاعر العراقي النجفي، وأقول النجفي ليس من باب المناقية والتعصب الأعمى، هذا ما لا يدور بخلدي مطلقاً، ولكن من باب المقارنة مع قرينه بحر العلوم، فهما ليس من المدينة نفسها، بل من نفس المحلة والعكد (الزقاق)، ومثلهما الجواهري، أقول يأبى إلا التمرد على الأوضاع والقيم والشرائع كبقية شعراء العراق، بل وعموم شعبه، فينظم هذه النتفة الكافرة بالقيم، ولا أقول الدين، لأنني لست يصاحب فتاوي شرعية، اقرأ:

 قف في منى واهتف بمزدحم القبائل والوفودِ

 حجّوا فلســــــتم بالغين بحجكم شّـرف الهنودِ

حُجّوا إلى اسـتقلالهم وحججتم خوف الوعـيد

وعبادة الأحــرار خــير من عـبادات العـــبيد !؟

وهذه الأبيات أشنع، وأكثر كفراً ظاهرياً من أبيات بحر العلوم التي أوردتها - عزيزي الأستاذ الكناني -، وبدليل وقف معظم الجمهور النجفي ضدّه، وأرادوا قتله لخروجه الواضح عن ركن أساسي من أركان، واستفتوا السيد أبا الحسن الأصفهاني، المرجع الديني الشهير (تزفي تشرين الثاني 1946م / 1365 هـ)، فأفتى لصالح الجعفري، وقال هذا شعر شاعر لا يجوز شرعاً مؤاخذته عليه، وقول السيد أبي الحسن، لا يقبل النقض، ولا الاستئناف، قرار نافذ ناجز، لذلك لا أرى الأمر مع بحر العلوم إلا سياسيا، لا دينياً، والله أعلم، وأواخر حياته باع بحر العلوم كل نضاله ومواقفه وجرأته وتاريخه براتب تقاعدي مقداره مائة وخمسون ديناراً، وكذلك منحت الحكومة في سبعينات القن الماضي رواتب تقاعدية بنفس المبلغ للشاعرين الشهيرين الجواهري والصافي النجفي، الجواهري غادر العراق مهاجراً، والصافي لم يتمتع براتبه إلا سنتين، إذ توفي 1978م،وبحر العلوم بعد مدحه لرأس النظام البائد بشعر ركيك ضعيف توفي، توفي1984م.

 

س14: حمودي الكناني: عذراً أيها الشاعر ماذا تركت من وجدانيات وهل ران قلبك يوما نحوهن فذكرتنهن بأعذب الكلام وارقه وهل ما زلت فتى إبن عشرين؟؟؟

ج14: كريم مرزة الاسدي: لم أترك وجدانيات عاطفية إلا النزر القليل، بينما احتلت الوجدانيات الاجتماعية مساحة جيدة من شعري، والسبب معروف، قضينا جل العمر في النضال السياسي مجبرين عليه منذ بدايات السبعينات حتى اليوم، فكانت معظم همومي تصب في القضايا الوطنية والقومية والإنسانية، إضافة للهموم الذاتية، ولا أنسى تأثير بيئتي النجفية، ورموزها الدينية المقدسة في شعري، ماذا تتوقع من شاعر ملاحق من بلد إلى بلد، ومن مهجر إلى مهجر، تلاحقه العيون، وتتربص له الثعالب والذؤبان غير أن يرى امرأة فاتنة، تسوق سيارة مرسيدس في شوارع الدار البيضاء (سنة 1980 م)، وبجنبها كلب تلاطفه، على حين سحب من الشاعرجواز سفره، وتدخلت السفارة العراقية من وراء الستار كي تلغي عقده، ليرجع مرغما إلى وطن السجون والاعدمات، فيقول:

 يهُنُ الموت، فإن لم يهنِ *** اجرع الذّلَّ وطعمَ المحنِ

أنا جوالٌ فلا من مسكنٍ ٍ *** يحتويني رغم ضيق الزمنِ

وأرى كلباً لهُ من حظوةٍ *** بين قبــــلاتٍ وبيـن الحضنِ

في إحدى المرات، وقبل نظم الأبيات السابقة بعدة أشهر، وأنا أتجول مع صاحب لي على سواحل الأطلسي في مدينة الجديدة المغربية، تقدمت لي فتاة جميلة ومعها صاحبتها، وطلبت مني شعراً فيها، وزعمت تعرفني من خلال الصحف، وكنت أنشر في الميثاق الوطني، الصحيفة الناطقة بلسان حزب رئيس وزراء تلك الحقبة، والأنباء الصحيفة الرسمية الناطقة بلسان الحكومة، وصحيفة العلم الناطقة بلسان حزب الاستقلال، أرتجلت هذين البيتين:

ما بين عينيكِ وبين الفمِ *** قد حرـ يا جوهرة الموسمِ

نفسي وأنفاسكِ يا حلوة ٌ *** واحدةٌ تجري بمجرى الدم

وقبل سنة من نظم هذه الأبيات، أي في سنة (1979م)، تعارفت علي فتاة مغربية اسمها زينب، زعمت أنها تحبني، وكنت في صراع مرير مع أركان السفارة، وأتوجس من أي علاقة عاطفية، وتأخذني الشكوك، وأنا كثير الحذر من أن أقع في أي مصيدة، فتجدني في صراع مرير بين الغريزتين، ونجحت كثيراً الإفلات من أنياب الوحوش، بل بعضها أسود كاسرة، فنظمت قصيدة تحت عنوان (وكيف أفسرّرُ ما كنهكِ)، ونشرت في صحيفة الميثاق الوطني، وعلى الصفحة الأخيرة، وهي الصفحة الرئيسية الثانية، ونشرتها في ديواني الأول، منها:

أصادقةٌ أنت في قولك *** أم الحقدُ ينبعُ من صدركِ؟

أرى بعيونك شتى الأمورْ ***فيصعبُ أنّي أرى سرّك

أرى لهيامكِ سرّاً كبيرْ ***فكيــــــــف أفسّرُ ما كنهكِ

فلا تخدعيني بربِّ السماءْ ** بجهلكِ سيّانَ أم علمكِ

أتيتِ إليَّ كمـا تشتهينْ **لحبٍّ سرى في هوى عقلك

أم أنّك جئت بكلّ الشرورْ ***لكي تقتليني على دربك

********************************

وقلبي أوسعُ في النائباتْ *** بـأنْ تأسريهِ لدى قلبك

طبعاً لم تكن الشكوك مجانية، بل من معطيات، واستطعت بذكاء حاد أن أحسم الأمور لصالحي، وكانت البنت صادقة في حبًها، ولكن ظروفي في تلك الأيام جعلتني لا أقترن بها، ومن القصيدة:

وإنـّي أرتقبتُ لقـــائي بكِ ***وعيني تلاقي سنا عينكِ

فإنّي إليكِ إذا ترتضين *** وأنــــــــــتِ إليَّ على مهلكِ

ووزعتُ حبّي على الكائناتْ **ولم يبقَ حبٌّ إلى غيركِ

أزينبُ أني زرعتُ الحنانْ *** بنفسكِ كي أرتوي حبّكِ

فلا تستكيني لنزغ الوشاةْ ***فعــــــزّكِ لا يرتضي ذلكِ

فلا تفقديني بيومٍ كئيبْ *** فروحي ستنبض في عرقكِ

ففقدك لي سيهزُّ الوجودْ *** ويجــعلُ حزناً مدى دهركِ

ستبكين يومَ يعزّ البكاءْ ***ولا نفع يجدي عــلى حزنكِ

لتعلمي أنّ نفوس الرجالْ ْ****تظلُّ تحنُّ إلى عهـــــدكِ

وتعلمي أنَّ ضعاف النفوسْ *** ستبقى تتاجرُ في ذاتك

كما ترى القصيدة تعكس الكثير من الهواجس والشكوك، والحب والحب المقابل، والتضحية والفداء من الطرفين، حسب ظروف تلك الأيام، وبعد التهديدات المباشرة من قبل أركان النظام للتوقف عن نشر القصائد، والرجوع إلى العراق، وإرسال شخصيات مهمة لمفاوضتي وترغيبي وترهيبي، حسم الأمر بمنحي جواز سفر سوري، والذهاب إلى سوريا لاجئاً في ليلية ليلاء، ومنحت اللجوء أيضاً بسبب قصيدة رائعة رفعتها إلى سوريا كبلد، حيث لم أكن أعرف بها أي شخصية، والذي أسرني بفاعلية القصيدة وتأثيرها على الأمين العام المساعد، ونائب رئيس الجمهورية، والأعضاء القياديين في اللجنة، عضو قيادة قومية،وهو الآن حيّ يرزق في العراق على حجّ علمي، أتحفظ عن ذكر اسمه .

 جواب الشطر الثاني من السؤال، كل شاعر خلق شاعراً أو فناناً، تبقى الطفولة تلازمه حتى الموت، وغريزة التملك تصاحبه للأنانية العنيدة لأثبات الذات، ولكن ليس على حساب المصلحة العليا للأمة والأوطان، بل على مستوى الفرد الآخر، كما وضحنا سالفا، ويبقى قلبه يميل لكل جميل، يشيخ وحمل روح ابن العشرين، وعبر عن ذلك الصافي النجفي أروع تعبير، وأصدقه:

سنّي بروحـــــــي لا بعدّ سنينِ *** فسأهزنَّ غداً مــــــن التسعينِ

عمري إلى السبعين يمشي راكضاً **والروح ثابتةٌ على العشرين

والحقيقة أنا من مطلع شبابي ميّال لكل جميل، ففي قصيدتي عن المغرب نظمتها 1980م، واستلهمتها وأنا على ساحل الأطلسي في الرباط، نشرتها صحيفة الأنباء المغربية، وعلى إثرها أجرى معي الصحفي السوداني الكبير الأستاذ طلحة جبريل،وكان مسؤول الشؤون الثقافية في الصحيفة حوارا مطولاً تحت عنوان (من وادي عبقر)، وشغل معظم الصفحة الأخيرة، أقول في بعض أبيات القصيدة:

في صحوة الدهر والأيام ضاحكةٌ ****إنّا وجدناك ريحاناً ونسرينا

وفي زمانً نرى الأيامَ باكيةً ***** تصيّر الحــزنَ أنغاماً فتشجينا

الأرضُ خضراءُ،والأشجارُ باسقةٌ **والماءُ ينسابُ والأجواءُ تغرينا

وتسبحُ الحورُ كالأســــماكِ لاهيةً ***تصارعُ الماء يصرعها فتلهينا

حمراءُ زرقاءُ، والأثوابُ زاهيةُ ***تكسو المفاتن ألونـــــاً فتزهينا

وشاعرٌ يلهم الأفكارَ مسرعةً *** ويجعل الحرف من وجـدٍ دواوينا

وفي قصيدتي المطولة الأولى عن الجزائر، نشرتها صحيفة الشعب 1985م، وموجودة في الديوان الأول، وعلى إثرها دعتني السفارة العراقية للمشاركة في مهرجان المربد الخامس الذي انعقد في البصرة في كانون الأول 1985م - على الأغلب -، فرفضت، وكنت حينها، أنا وعائلتي نحمل الجواز السوري، من أبياتها:

فلقدْ نفحت أريجيكِ الفوّاحَ كالوطــنِ المثيـبِ

قدْ عشتكِ الريّان بينَ جوانحي نبـض الحبيبِ

فوق الجبال الشامخات،وبين همهمة الدروبِ

القصيدة طويلة، والزمان ضيق، نختتم هذه الحلقة بهذه الأبيات، والدنيا خذ وهات !!

 

            حمودي الكناني

مدارات حوارية – صحيفة المثقف

 

للاطلاع

مدارات: حوار مع ألاديب الباحث كريم مرزة الأسدي (1-2)

 

sijalalrikabiالمثقف تحاور اليوم من بغداد ديمة بيضاء تزين سماء بغداد العاصفة، تلك المربية الفاضلة الحنونة الرقيقة، رمز المراءة العراقية التي اجتازت الكثير من صعاب الحياة، جمعت بين البحوث العلمية البحتة والاعمال الفنية والادبية، تجيد اللغة الانكليزية وتهوى الرسم وكتابه الشعر . وصفت مؤخرا بقلادة بابلية تزين انوثة الادب العراقي، بداءت حياتها المهنة معيدة في جامعة البصرة، حاصلة على الماجستير والدكتوراه في آن واحد من جامعة ريدنج المتحدة في بيولوجية الخلية والفطريات المائية ١٩٨٠، عرفتها رائعة الرقة والانوثة منذ سنين طويله (تدريسية في الجامعة المستنصرية) تدريسية لعلم الخلية ذلك العلم الذي بات قريب من انفسنا لان من يدرسه لنا دكتورة سجال مؤلفة كتاب علم الخلية .

عملت معاون مستشار ثقافي ثم مستشار ثقافي (وكالة) لجمهورية العراق في استراليا من العام 2006 للعام 2010، حيث برزت حضورها ومشاركاتها في مجالات عدة، ورغم مسؤولياتها الدبلوماسية إلا أنها لم تركن علميتها وانسانيتها وروحها المرهفة على رفوف المكاتب الباردة، عملت استاذا مشاركا فخريا في جامعة جنوب كوينزلاند، شاركت الكثير من المؤتمرات خارج وداخل العراق ولها العديد من الندوات العلمية والادبية تملك نتاج علمي مكون من 30 بحث منشور بمجلات علمية عالمية وعربية ومحلية، حازت على براءة اختراع واشرفت على الكثير من رسائل لطلاب الماجستير والدكتوراه، وشغلت منصب عضو في العديد من الجمعيات العلمية، قالت الركابي في احدى نصوصها الادبية عبارات عميقة المعنى::: ينظرون .. يحدقون... عمياء انا ولكني ابصر السراب الذي لا يرونه . تلك الكلمات التي هزتني انا شخصيا مجسدة بها هواجس المراءة .

كتبت عنها دراسات نقدية كثيرة من قبل نقّاد العراقيين منهم: داود سلمان الشويلي، د أنور غني الموسوي، د. صباح عنوز. وترجمت بعض قصائدها ونتاجها الادبي الى الانجليزية والكردية وهذا ما يفتخر به حقا .

شهد شارع المتنبي اصبوحات الركابي، بينما تسلطن المركز الثقافي في لندن بامسيات عراقي شعرية رقيقة للركابي سجال، حظيت بجمهور انيق يتذوق الشعر والفن ويتحسس الكلمات الترفة لذا دعيت لمهرجانات في الكثير من البلدان منها الدنمارك والهند والمغرب .

 

اهلا بك د. سجال الركابي ضيفة المثقف لهذا الاسبوع الادبي من استراليا ونهديك احلى باقات الورد.

- د. سجال الركابي: اهلا بكم . يسعدني التواجد على صفحات هذه الصحيفة الرصينة (المثقف/ استراليا) تحياتي لكادر الصحيفة وأخص بالذكر الرائعة الدكتورة أصيل حبة (ايات حبه) والتي كانت طالبتي يوماً ما في الجامعة المستنصرية. والف تحية لقراء المثقف.

 

- حدثينا عن بدايات الشاعرة سجال الركابي، كيف كانت بداياتك الشعرية؟ هل هيه هواية ترعرعت بداخل الدكتورة سجال الركابي ام هي فطره وبصيرة روح بشرية ترفه؟.

- في الحقيقة أظنّها فطرة فأنا مغرمة باللغة العربية والقراءة منذ تعلمت الحروف الأبجدية كانت لي محاولات شعرية لكنها اقتصرت على الصديقات المقرّبات ثم انقطاع في فترة الدراسة والعمل وتأسيس العائلة ثم طرقت بشدة قبل حوالي اربع سنوات .

 

- ماهي حصيلة العمر الادبي لدكتورة سجال؟

- نشرت مجاميع شعرية منها ترنيمات امرأة عراقية وصوب بستان النخيل لسنة ٢٠١٣ صدرت الاولى عن منشورات ضفاف وتضمنت 28 نصا اما صوب بستان النخيل صدرت عن الدار العربية للعلوم بيروت /لبنان وتضمنت 57 نصا، لم يأتِ القمَر ٢٠١٤، حديث الياسمين وكان مشترك مع نخبة من الشعراء العرب سنة ٢٠١٥، وايضا مجموعة صدى الفصول وكان مشترك مع نخبة من الشعراء سنة ٢٠١٥ ومجموعة الوردُ يبكي والبارودُ يبتسم كان نتاج بداية هذه السنة 2016 وصدر عن دار كتاب في المصريون وتضمن 227 نصا .

 

- ماذا تقول سجال مجسدة مشاعر وترنيمات المراءة العراقية في نصوص من اختيارك لمجموعة ترنيمات أمراءه عراقية للمثقف؟

- لاتبكِ حين ينفكُ قيدي

 غدا ...سأتحرر من جسد يكبلني

اصير لونا في ورقة خريفية

في غابة ما ...او ندى في غيمة خجلى لاتبلل اليمشون

في صيف بغدادي قائظ

غدا ...اتسلل لارقب لوحات مونيه

بعد ان يغلق الحراس الابواب

غدا ...اتهادى موجة كسلى في شط العرب

 

- بماذا اتسمت قصيدة الارض وانا وانت؟

- هذه القصيدة من مجموعة صوب بستان النخيل، عندما ينشر الحرف يصبح ملك المتلقي كل يفكر حسب ما يشعر

عموماً يسكنني هاجس الوطن حتى وانا اتكلم عن العواطف الاخرى أراها متلازمة وايضاً مع حب الطبيعة الكون . اليكم مقطع من قصيدة الارض وانا وانت

تشققت الأرض

ظمئي إلى قطرة مطر

المرآةُ نبذتني...عُيون أذبلها السهر

ووجه فقد ملامحه ...ظاميّ إلى قطرة مطر

الأرض عطشى ...تكاد تميز غيضا

أحشاؤها تتلظى ...ظمئي إلى قطرة مطر

 إنسانيتي خلعتني … فرَّت نحو أرضٍ

مازال يسقيها المطر

 

 - أتوقُ إليكَ قصيدة لدكتورة الرقيقة سجال باتت تقفز بين صفحات التواصل الاجتماعي الفيس بوك .ما قصتها؟

- اتوق اليك قصيدة كتبتها الى حبيب الروح ورفيق الدرب وصديق الطفولة زوجي الراحل كانت فعلا مناجاة له بعد رحيله الكابتن سمير ناصر الركابي .

أتوقُ اليكَ لعينيكَ

نجمتين ...في عُتمة حيرتي

صخرتين ....تتكأ عليها وحدتي

ليديك ....دليلي لهويتي

لصوتكَ ....عطرٌ رجولي يؤجج صبوتي

ياسهيلاً ...يُخفق في ليل وحشتي

يارجلاً .....إحتكر شوقي ولهفتي

 

- اي من الشعراء قديما وحديثا مقرب لشخصية وروح الادبية لسجال الركابي؟

- العديد من الشعراء منهم بدر شاكر السياب، فدوى طوقان، محمود درويش، ارجوان طاغور

 

- من بين مجموعة الشعرية الأخيرة الورد يبكي والبارود يبتسم ممكن نقرا همسات شعرية من الركابي

- نعم . من مجموعتي الشعرية الاخيرة .. هيمنة

إمنحني مافي قلبَكَ ......بلا مُقدّمات

حنان آفاقٍ لا متناهية... لاتُجزّئني

لا تقُل ... عيناكِ شلّالُ قُبَل

مُترعة بالغَزَل ....ناغِ روحي

مُغرَمةٌ أنا ....بالغيمِ الضوء الورد الشجر

بشَجنِ اللَحنِ بوحِ التأمّلِ ....وبها معاً

أنتَ...لا تسطُ على ذاكرتي

يخنقُني الإحتكار ...يمامةُ حريرٍ أطير .....في حقلِ رِقّة

فراشاتُ ابتسامتي ...مُندّاةٌ شَغَفاً .....هارباً مِن تصحّرِ السَطوةِ

لا تُهيمِن... الهيمنةُ ترديني .....فأغدو...! لستُ أنا

وَلَن أراكَ أنتَ كأنتَ

 

- كلمة اخيره للمثقف ولجميع قراء د. سجال الركابي في الوطن العربي؟

- ممتنة لك د أصيل ولكم جميعاً كادر صحيفة المثقف، تحياتي للقراء والمتابعين في انحاء العالم . دمتم والعالم بسلام ومحبه . احب اهديكم قصيدة " لا ترحل"

ليتَ القطارَ أخرسٌ ...باحَ منديلُ الوداع... فارتَعَشتْ الأُذنُ

لإندلاعِ العَطَشِ ....سالَ عِطرُ المواعيدِ

على تُفاحِ شَغَفٍ

ليتَ المراكبَ لاتبوحُ بإقلاعها

يُسفَحُ الحنينُ لتأوّهِ المرساةِ

 

يبتلعني الرصيفُ ....وحشةَ خُطىً

 

يكتنفني البحرُ أسودَ التقلّبِ ...فحمةً أغدو

ليتَ مُحرّكُ السيّارةِ ينتابهُ الزكام ...يشيرُ له الفراق أن

أخلِد للنوم...لترنَّ أجراس جذلٍ زهريّة

(بسكوتة) روحي يفتّتها الفراق ...لا تَرحَل ...قضيتُ عُمري في وداع

 

956-nabilأهــلا "وسهلا بالمهندس نبيل ابراهيم / ميكانيك عام ضيفا بجريدة المثقف / استراليا ويسعدني تواجدك معنا، تقبل ترحيبي فيك وكلي أمل بتواصلك و بمشاركتك ذات الفائدة و لنحظى بكل ما هو جديد ومفيد. محور حوارنا اليوم عن التلوث الاشعاعي في عراقنا الحبيب م. نبيل وما يواجه الإنسان من خطراً كبيرا يتمثل في تعرضه للعناصر المشعة وما تسببه هذه العناصر من مخاطر صحية قد تكون ذات أثر كبير على حياتنا جميعا كما يمكن أن تنعكس على أجيالنا القادمة. ارجو التوضيح لهذه الكارثة البيئية؟

 م. نبيل ابراهيم: اهلا وسهلا بك دكتورة ايات، يسعدني تواجدي معكم،شكري وتقديري لك اولا ولكادر المثقف ثانيا ، ان تعرض الانسان للإشعاع يندرج ضمن مفهوم التلوث الاشعاعي الذي ينقسم الى تلوث ثابت لا يمكن ازالته من الاسطح وتلوث سطحي غير ثابت يمكن ازالته بسهولة وقد يسبب تلوث الاشخاص او المعدات نتيجة التلامس .. اما اخطر انواع التلوث فهو المحمول جواً اي ان المادة المشعة تكون على هيئة غبار ينتقل بالهواء وتكمن خطورة هذا النوع كون مساحة انتشاره واسعة. و في الحقيقة نظرا للتطور التكنولوجي لمنظومات الكشف والتفتيش في المنافذ الحدودية العالمية كالمطارات والموانئ والنقاط الحدودية الفاصلة بين مختلف بلدان العالم و نتيجة للظروف الامنية التي يعيشها العراق لجأت القيادات الامنية ومن قبلها القوات الامريكية وحلفاؤها الى استخدام منظومات اختصاصية للمساعدة في عمليات تفتيش المركبات والشاحنات المنتقلة من والى العراق او التي تنتقل بين المحافظات .. احدى هذه المنظومات هي آليات الكشف باستخدام الاشعاع التي تعمل بواسطة المصادر المشعة (عناصر مشعة طبيعية Gamma او مصادر مشعة صناعية X- Ray). حيث توفر هذه المنظومات الدقة المتناهية والسرعة الفائقة في الكشف والتفتيش للمركبات والشاحنات والحقائب والامتعة بغية مكافحة الجريمة الاقتصادية وكشف الاجسام الغريبة المخفية في زوايا ومخابئ المركبات. وكما هو معروف ان للمصادر المشعة تأثير بالغ الخطورة على الكائنات الحية حيث تتأيّن الخلية الحية عند تعرضها لجرعات العالية من الاشعاع .

 

- طيب ماهي إلية التعامل الآمن مع هكذا انظمة اشعاعية التي تكون في تماس مباشر مع الصحة العامة للعاملين على هذه المنظومات والمتواجدين في منطقة الفحص بالإشعاع؟

- دكتورة ايات طرق الوقاية من الاشعاع تعتمد بالدرجة الاولى على وعي المستخدمين والمشغلين لمنظومات الكشف بالإشعاع من خلال التوعية واقامة البرامج التدريبية المكثفة للكادر وتجهيزه بالمتطلبات الوقائية الخاصة بالسلامة المهنية مثلا دكتورة معدات قياس الجرعات الاشعاعية المتراكمة (باج فيلم) الذي يعلق على صدر العاملين في المنظومة ومعدات الكشف عن التسرب الاشعاعي في حال حصوله وهي اجهزة استشعارية محمولة تعلق في احزمة العاملين، كل هذه الوسائل تقي الكادر الفني الذي يقوم بتشغيل منظومات الكشف بالإشعاع من الخطر.

 

- م. نبيل ماذا عن الأغذية المستوردة وبالآونة الاخيرة اصبحنا نستورد حتى الخضار والفواكه وكلها خاضعة للفحص بالإشعاع على المعابر الحدودية؟

 - نعم دكتورة يجب ان تتم عملية فحص المواد والبضائع الغذائية بمعايير امان غذائي على اعلى مستوى كون هذه المواد في تماس مباشر مع المستهلك اذ تختلف درجة تأثير الاشعاع المنبعث من منظومات الكشف على المواد الغذائية باختلاف العناصر والمعادن الداخلة في تراكيب المواد .. مثال على ذلك يعتبر عنصر الكالسيوم من العناصر التي تتحول الى عناصر مشعة عند تعرضها للإشعاع وكما نعلم دكتورة ايات ان الكالسيوم متوفر في الالبان والبيض ومعظم الخضروات لذا فأن عملية فحص وتفتيش هكذا انواع من البضائع يجب ان تتم بطرق اخرى لا اشعاعية حفاظا على سلامة المواد الغذائية وبالتالي سلامة المواطن .

 

- ممكن توضيح بالنسبة للضرر الذي قد يصيب جسم الإنسان من جراء تعرضه للمواد المشعة على ماذا يعتمد؟

- يعتمد على عدة عوامل منها الزمن حيث تتناسب الجرعة الاشعاعية المكتسبة طردياً مع زمن التعرض للإشعاع. ٢- المسافة بين جسم الانسان والمصدر المشع حيث تتناسب المسافة بين الجسم والمصدر المشع عكسياً مع الجرعة المكتسبة .. كلما بعدت المسافة عن المصدر المشع كانت الجرعة المكتسبة من قبل الجسم اقل. ٣- وجود حواجز خاصة (مادة الرصاص) تقلل من تأثير الاشعاع حيث يتناسب سمك الحاجز (الدرع) عكسياً مع الجرعة المكتسبة. ونوع الاشعاع ومقدار الجرعة التي يتعرض لها الجسم من هذه لمواد المشعة .

 

- مهندس نبيل بمختصر بسيط عن مصادر التلوث الاشعاعي؟

- بالبداية تصنف المصادر المشعة الى مصادر مشعة طبيعية كالإشعاع المنبعث من الانحلال الطبيعي للنوى في باطن الارض او الاشعاع الكوني (نيوترونات، بروتونات، جسيمات الفا) او الكاربون المشع C14. ومصادر اشعاع صناعية كمولدات الاشعة ( السينية، اجهزة التصوير المقطعي، المعجّلات الخطية ) او العنصر المشع (كمصدر) او المواد النووية ( وقود المفاعلات - نواتج المفاعلات - النفايات النووية ).

 

- ماذا عن الاثار الجسيمة المتسببة من جراء التعرض للإشعاع؟

 

- آثار جسدية (ذاتية) Somatic effects of radiation وهى المخاطر أو الآثار التي تصيب كافة أنواع الخلايا الجسمية. أي أن أعراضها أو أثارها تظهر في الكائن الحي نفسه الذي تعرض للإشعاع و آثار وراثية Genetic effects of radiation: وهى الآثار التي تظهر أعراضها في ذرية الكائن الحي الذي تعرض للإشعاعات نتيجة تلف أعضائه التناسلية. ومن الآثار الصحية للتعرض الإشعاعي هي التحول السرطاني لبعض الأنسجة التي تتواجد فيها المواد المشعة لفترات طويلة نسبيا .

 

- بعض الخبراء يعتقدون أن التعرض لنسب ضئيلة من الاشعاع ربما يكون مفيدا للإنسان، حيث يقولون إن التعرض لجرعة ضئيلة من الاشعاع مثل ما يحدث خلال فحوصات أشعة إكس والفحوصات الطبية الأخرى قد يكون له تأثير إيجابي على الجسم إضافة إلى تشخيص الأمراض . ما صحة ذلك؟

- صحيح د.ايات لا أشك في أن التعرض لنسب ضئيلة من الاشعاع مفيد منها التطبيقات الشائعة المفيدة والمهمة للمصادر المشعة هي التطبيقات الطبية حيث ينقسم استخدام المصادر المشعة في الطب الى استخدامات كشفية تشخيصية كالاشعة السينية او الملونة ( التكنيسيوم Tc- 99m ) واستخدامات علاجية ( سيزيوم Cs- 137 علاج السرطان، اليود المشع I- 131 لعلاج الغدة الدرقية، مستحلب اليود المشع I- 125 لتحديد نسبة هرمون الثايروكسين في الدم ) ..وبالفعل أن الاشعاع يثير جهاز المناعة . اما عن التطبيقات الصناعية للمصادر المشعة فهي كثيرة اهمها التصوير الصناعي ( مصدر مشع نيوتروني Am- Be ) او الفحوص اللااتلافية او فحص المركبات والحاويات وكذلك تستخدم المصادر المشعة للأغراض البحثية والعلمية والزراعية.

 

- من وجهه نظرك م. نبيل ما هي الكيفية الوقائية من التلوث الاشعاعي؟

- من وجهه نظري يجب ان تتولى الجهات الحكومية والهيئات المتخصصة بالسيطرة على المصادر المشعة عملية التوعية والتدريب وتأهيل الكوادر التي تعمل على تشغيل جميع المنظومات التي تعمل بواسطة الاشعاع من خلال اقامة الدورات التدريبية ومتابعة النشاطات وتنظيمها .. ولا ننسى الدور الكبير الذي تقوم به الهيئات الحكومية المعنية بالنشاط الاشعاعي ومتابعة عمل الاجهزة وحركتها داخل العراق وتخزين المصادر المشعة بالطرود الآمنة .. كما يجب التأكيد على ان اجهزة الفحص والكشف بالإشعاع هي من مناشئ عالمية متميزة وحديثة تنطبق عليها جميع المواصفات الدولية فيما يخص معايير السلامة والاستخدام الامن.

  

- في الحقيقة حوار شيق، نتشرف بوجودك معنا ضيفا ونكرر الترحيب بك وتقبل شكر وتقديري. ولنا حوار متجدد وللكلام بقية .

- شكرا جزيلا د.ايات يسعدني ذلك .

 

ayat habaاهلا وسهلا بالتدريسية بان طالب الحبوبي تدريسية في قسم علوم الحياة / كلية العلوم - الجامعة المستنصرية - بغداد، مواليد ١٥/ ١١/ ١٩٦٤، بكالوريوس زراعة ثروة حيوانية - جامعة بغداد ١٩٨٦ وماجستير فسلجه تناسل لعام ١٩٩٦. اول تعيين لها كان في مجلس البحث العلمي – مركز البحوث الزراعية عام ١٩٨٦ ومنذ تاريخ 1 / ١٢/ ١٩٨٦ ولغاية ١/ ١٢/ ١٩٨٧التحقت بدورة التمريض الالزامية في مدينة الطب اثناء هجوم الفاو آنذاك، وقامت من 2 / ١٢/ ١٩٨٧ ولغاية ١/ ١٢/ ١٩٨٩ بخدمة مجلس البحث العلمي وبعدها حُلَ مجلس البحث العلمي والتحقت بوزارة المالية ضمن شركة التامين الوطنية . باشرت العمل كتدريسية في كلية الزراعة – جامعة بغداد في 1993 وفي 1998 انضمت في الجامعة المستنصرية كعضو تدريسي ضمن الهيئة التدريسية الخاصة بعلوم الحياة ولحد الان . شاركت بالعديد من المؤتمرات والندوات وكذلك اقامات العديد من الندوات كمحاضر ولديها الكثير من البحوث المنشورة عالميا ومحليا.

 

اهلا بك مرة ثانية، شاكرين تعاونك معنا بنشر الوعي والثقافة العلمية، بعد تواصل المثقف واطلاعه على اطروحتك لنيل شهادة الماجستير والتي باتت غاية بالأهمية وتبلور فكرة حالات الاجهاض واسبابها وعلاقتها بنوى التمر . ممكن توضيح على ذلك .

بان طالب الحبوبي: اهلا وسهلا بالمثقف واهلا بك د. آيات حبه سعيدة بكم جدا، بخصوص دراستي لنيل شهادة الماجستير تبلورت باستخلاص المركبات الستيرويدية الاستروجينية من نوى التمر، حيث يعتبر نوى التمر waste products لصناعة التمور في العراق ويعتمد عليه المزارعين في تغذية حيواناتهم ولوحظ اجهاض النعاج الحوامل عند تغذيتهم على عليقة نوى التمر وهذه الملاحظة هي السبب في هذه الدراسة . وكانت دراستي متممة لدراسة مشرفتي سنة ١٩٧٨ التي لاحظت فشل الحمل للنعاج التي تم تغذيتها على نوى التمر الا انها لم تحدد مصدر الإجهاض اعتبرته Unknown factor الا اني قمت باستخلاص الستيرويدات الاستروجينية من نوى التمر وبعدها اختبرته مختبريا وحقليا وأكدت النتائج وجود الاسترون الذي هو شكل من اشكال الاستروجين في نوى التمر .

 

-   ماهي طريقه عمل التي تخللت البحث العلمي وما مراحل المتضمنة على ذلك الجهد العلمي؟

-   تتلخص مراحل العمل كما يلي: تضمنت الخطة البحثية عدد من المراحل ابتداءا من جمع نوى تمر الزهدي لأنه الأرخص والذي يعتمد في صناعة التمور في العراق وتم غسله وتجفيفه جيدا وطحنه في مطاحن متخصصة لقساوته . بعدها تم استخلاص الستيرويد من نوى التمر المطحون باستخدام طرق متخصصة ومعقدة بالاستخلاص تتلخص باختصار بصوبنة الدهون القابلة للصوبنة والدهون الغير متصوبنة هي الستيرويدات وبالتالي تنقيتها باستخدام المذيبات العضوية واختبر المستخلص بطريقة thin layer chromatography. تم اختبار المستخلص مختبريا على فئران مختبرية ولوحظ زيادة وزن الرحم للحيوانات المعاملة مقارنة بالكونترول وبعدها اختبر المستخلص حقليا على النعاج وكانت النتيجة زيادة وزن الرحم للنعاج المعاملة مقارنة بالكونترول .

 

-   هل من تأثيرات تسبب في تذبذب مستوى هرمون الاستروجين في حالات الاجهاض؟

-   علميا هورمون الاستروجين هو الهرمون المسؤول عن إظهار الصفات الأنثوية وهو المسؤول عن الرغبة الجنسية لدى إناث اللبائن اما الهرمون المسؤول عن الحمل وديمومته هو هرمون البروجسترون وارتفاع مستوى الاستروجين على حساب البروجسترون يؤدي الى فشل الحمل وهذا ما يحصل عند تناول النعاج الحوامل لنوى التمر الغني بالاستروجين .

 

- ماهي توصيات التي يمكن العمل بها والتي توصين بها مستقبلا لطلاب البحث العلمي؟

- أوصي باستمرار اجراء الدراسات والبحوث في هذا المجال لأهمية هذا الهرمون في العلاجات واستخدامه كأحد مصادر منع الحمل لدى النساء .

 

-   هل هناك مصادر حيوانية او نباتية اخرى لها علاقة وتأثيرات دوائية في تنظيم مستوى الهرمونات في جسم المراءة؟

-   بالتأكيد هناك مصادر نباتية وحيوانية كثيرة لها علاقة بالتأثير على العديد من الفعاليات الحيوية في جسم المراءة خاصة والإنسان بصورة عامة واكدت الدراسات هذا الكلام من خلال استخدام المستخلصات النباتية كعلاجات بديلة

 

-   في نهاية حوارنا الصحفي العلمي اشكر الاستاذة بان الحبوبي التي خرجت الكثير من طلاب علوم الحياة وغرزت بهم روح التعاون وحب العمل العلمي والنشاط وحيوية الابداع وبشهادة طلابها على مر سنوات السابقة. متمنين لها دوام الصحة والعافية والتألق العلمي

-   شكرا جزيلا لك د.ايات والف شكر للمثقف نيوز . 

 

ayat haba- د. ايات حبه: نرحب بالمهندس عبد السلام احمد عبد الله، وهو من مواليد 1990، طالب ماجستير هندسة معلومات- قسم هندسة الشبكات- جامعة النهرين. حاصل على شهادة بكالوريوس هندسة معلومات – قسم هندسة الشبكات- جامعة النهرين 2012 وبتسلسل الثاني من بين الطلبة الخريجين. وحائز على العديد من الشهادات التقديرية وشهادات اخرى تدريبية من: رئاسة جامعة النهرين، عمادة كلية هندسة المعلومات، وشركة زين للاتصالات، وشركة اسياسيل وغيرها. في الحقيقة تابعتنا بحثكم العلمي لمناقشة رسالة الماجستير والذي تكلل باختراع علمي مثمر يتشرف به العراق ووزاره التعليم العالي بشكل خاص، نرحب بك ضيفا بالمثقف / استراليا.. تقبل ترحيبي وكلي ثقة بمشاركتك العلمية ذات الفائدة والوعي لنشر الثقافة العلمية والحافز لصنع جيل واعي متحضر. مهندس عبد السلام محورنا لهذا اليوم الروبوت وعالم التكنلوجيا:

 

ما الدافع وراء تحديدك رسالة الماجستير عن الروبوت بالرغم مايمر به البلد من قحط بشتى ميادين الحياة؟

- المهندس عبد السلام احمد عبد الله: اهلا بكم د. ايات حبه، شاكرا مبادرتكم اللطيفة واسعدني التواصل معكم. في الحقيقة لدي العديد من الاهتمامات في تصميم وتطوير الروبوتات والمتحكمات الالكترونية، اضافة الى تصميم وربط الشبكات، وتصميم المواقع الكترونية (Web Design)، مع تطوير تطبيقات الهواتف الذكية. في الآونة الأخيرة، جذبت الروبوتات البشرية الكثير من الاهتمام في الأوساط البحثية كحل واعد للجيل القادم من الروبوتات التي قد تعمل جنبا إلى جنب مع البشر، واطروحتي لنيل شهادة الماجستير تقدم تصميم وتنفيذ نظام اذرع انسان آلي متحرك تعمل لاسلكيا من خلال شبكة لاسلكية (WLAN). حيث تم تصميم نظام اذرع الانسان الآلية المقترحة لاستخدامها في التقاط أو وضع الأشياء والوصول إلى المناطق التي لايمكن وصولها من قبل البشر.

 

- ممن يتكون هذا النظام المصمم من قبلكم؟

- يتكون النظام من ثلاثة أجزاء: اولا: خوارزمية التنقل (navigation algorithm)، وواجهة السيطرة على الاذرع الآلية (robotic arms controlling interface) والجزء الثالث يكمن في خدمة بث الفيديو الحي. (live video streaming service).

 

- مهندس عبد السلام ممكن بشرح تفصيلي عن اختراعكم والية العمل به؟

- نعم د. ايات، في المرحلة الاولى تتم المعالجة الصورية لصورة الاقمار الصناعية (Satellite Image) للمنطقة المراد توجيه الروبوت فيها، حيث يتم تقسيم المنطقة لمناطق مفتوحة واخرى مغلقة ومن ثم تحديد موقع البداية والهدف المراد توجيه الروبوت نحوه. بعد ذلك يتم احتساب أقصر مسار بين المواقع البداية والهدف عن طريق استخدام خوارزمية (A* Algorithm) A* ثم ترسل هذه المعلومات إلى الروبوت المتحرك لاسلكيا عبر شبكة WLAN. وأخيرا، فإن الروبوت المتحرك يستخدم البوصلة الرقمية ووحدة (Global positioning System (GPS اعتماداَ على الاقمار الصناعية للتنقل. كما يستخدم الروبوت المتحرك خمسة أجهزة استشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء (IR Sensors) من أجل كشف وتجنب أي عقبات في طريقه.

 

- ماهو تصميم المهندس عبد السلام او مااقترن به اسمك من روبوت؟

- تم تصميم نموذج أولي لاذرع انسان آلية (Humanoid Robotic Arms Prototype) التي تبدو مثل اذرع الإنسان في المظهر والتركيب. يستخدم النظام طريقة تتبع الهيكل العظمي البشري ثلاثية الابعاد (3D Human Skeletal Tracking) المنفذة باستخدام مستشعر مايكروسوفت كنكت (Microsoft Kinect Sensor) وعلم الحركة العكسية (Inverse Kinematics) للتحكم بأذرع الانسان الآلي وذلك بوقوف شخص أمام مستشعر Kinect وعن طريق تحريك ذراعيه تتحرك اذرع الانسان الآلية وفقا لذلك. يتم التحكم باذرع الروبوت بواسطة الصور الثلاثية الابعاد ولا وجود لاي اجهزة اخرى او متحسسات مربوطة بجسم المستخدم مما يتيح له التحرك بحرية والتركيز على المهمة اكثر مما لو كان هناك اجهزة او متحسسات مربوطة بجسمه.

 

- طيب مهندس عبد السلام ماهي امكانيات واستخدامات العمل بهكذا روبوت الذكي؟

- في الحقيقة استخداماته عديدة، فمن الممكن العمل على تطوير الروبوت للاستعانة به في الاستخدامات العسكرية والاماكن الملوثة كيميائيا او اشعاعيا والتي يصعب الوصول اليها من قبل البشر لكونها اماكن خطرة.

 

- هل من جهات داعمة لمشروعك العلمي؟

- نعم كان أ. د. محمد زكي الفائز (عميد كلية هندسة المعلومات) مشرفي في رسالة الماجستير والذي قدم لي الدعم العلمي والمعنوي وتوفير اغلب الاجهزة المختبرية اللازمة وتجاوز كافة العقبات في انجاز هذا البحث.

 

- هل اخذ البحث مكانته ضمن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؟

- حقيقا لقد تم عرض البحث امام وزير التعليم العالي والبحث العلمي عند زيارته لجامعة النهرين وتمت الاشادة بالبحث من قبل الوزير ورئيس الجامعة وعدد من الاساتذة الجامعيين لكون البحث جديد من نوعه.

 

- ماهي معوقات العمل التي واجهتها اثناء رسالتك؟

- من المعوقات التي واجهتني في هذا البحث هو قلة الاجهزة المختبرية وعدم وجود الكثير من المكونات الالكترونية مما اضطرني لشرائها من خارج العراق والانتظار اسابيع لحين وصولها.

 

- هل لديك توصيات بهذا الخصوص؟

- اتمنى ان يتم بناء مختبرات متكاملة مما يحث الطلبة المتفوقين للمثابرة والعمل والابداع لغرض تطوير البحوث في هذا المجال وغيره من المجالات التي من شانها النهوض بالواقع العلمي للعراق.

 

- في نهاية الحوارنفتخر بك ونتمنى لك كل التقدم والابداع ومزيد من التالق.

- شكرا لك د.ايات والف تحية من العراق لاسترايا ولصحيفة المثقف.

 

حاورته: د. ايات حبة

صحيفة المثقف

في المثقف اليوم