أوركسترا

الزواج والعلاقات الاجتماعية عبرَّ التاريخ

2098 الزواج 1تتباين النصوص القديمة في مسألة اكتشاف الإنسان القديم لأعضائه التناسلية، وللعملية الجنسية ولمفهوم الخطيئة. فبعض هذه النصوص تحمّل حوّاء سبب الخطيئة الأولى، ونصوص أخرى تلقي اللوم على آدم لأنه أوقعها في الغواية. ورغم تضارب الآراء حول علاقة آدم بالجنس، فإن بعض المصادر تشير إلى أن آدم غشي حوّاء على الأرض، بعد أن اجتمعا في الأماكن المقدّسة. ومصادر أخرى تشير إلى أنه قد غشيها في الجنة قبل أن يهبطا إلى الأرض، وحملت له بقابيل وتوأمته. وفي هذه الاحتمالات كان الاكتشاف الأول للجنس أيضاً. وجاء في كتاب (المرأة والأسرة) لـ(عبد الهادي عباس) بأن أغلب النصوص القديمة، قد اجتمعت على أن آدم وحواء اهتديا إلى الجنس على الأرض، وتوالدا عليها.

واجتمعت تلك النصوص على اعتبار الأعضاء الجنسية عند الرجل والمرأة سوءةً. وهي مرتبطة بسوءتها. لذلك منح الإنسان الثياب ليواري بها سوءته. وكذلك تعتبر إفرازات الأعضاء التناسلية من النجاسة. وكانوا يسمّونها (الماء المهين). وإن صفة (المهين) ليس على أنها السائل نفسه، بل بسبب خروجه من نهاية الجهاز البولي. بمعنى أنه (مهين) لخروجه من نفس مكان خروج البول. وورد في رأي بعض فقهاء الإسماعيلية في كتاب (كشف الأسرار الباطنية) لليماني: بأن المني ليس بنجس، ومنه خلق الله الأنبياء والأولياء وأهل الطاعة، وهو مبدأ خلق الإنسان. وقال الشافعي أيضاً: إن المني طاهر، وما جاء في الحديث عن عائشة أنها كانت تفرك المني من على ثوب الرسول، ثم يصلّي به(1).

 2098 الزواج 2

أما موضوع الأسرة والزواج فقال ديورانت في الصفحات الأولى من كتابه (تاريخ الحضارة): "إن الزواج هو أحد اكتشافات أجدادنا الحيوانات. وإن بعض أنواع القرود تعيش بشكل أُسرة تتكون من الذكر والأنثى والأولاد". بمعنى أن مفهوم الأسرة في التاريخ قد ظهر قبل الإنسان كشأن غريزي وطبيعي، لا علاقة له بتطور المدنية. وخارج محيط الأسرة يتساوى الرجل والمرأة في الحقوق الاجتماعية والطبيعية، خصوصاً في مجالات العلم والعمل. والذي على أساسه يبرز التميز بين المجتهد والمبدع والأكثر اتقاناً واستعداداً، وبين المهمل والأقل إبداعاً وإنتاجاً وابتكاراً. وبفعل هذه النتائج يحصل الأفراد رجالاً كانوا أم نساءً على حقوق مكتسبة غير متساوية فيما بينهم.

ذكر ياقوت الحموي في المعجم الجغرافي عن مدينة سماها (مرباط) ما نصّه: "إن نسائهم تخرج كل ليلة إلى ظاهر مدينتهم، يسامرن الرجال الذين بلا رحمة، يلاعبنهم ويجالسنهم، حتى يذهب أكثر الليل. فيجوز الرجل على زوجته وأخته وأمه وعمّته. وإن هي لاعبت رجلاً آخرَ، عرض عنها ومضى إلى امرأةٍ أخرى". وذكر ابن بطوطة ما يشبه ذلك، عن عاصمة عمان (نزوا) ما نصّه: "كنت يوماً عند سلطان عمان أبي محمد بن نبهان، فجاءته امرأة صغيرة السن، حسنة المظهر، بادية الوجه، فوقفت بين يديه قائلة: "يا أبا محمد، لقد طغى الشيطان عليّ.. فقال لها: أذهبي واطرديه. فقالت: لا أستطيع وأنا في جوارك يا أبا محمد. فقال لها: اذهبي وافعلي ما شئت... وقيل لي مثل هذه إذ تذهب إلى الفساد ولا يستطيع أبوها أو ذوو قربتها من منعها أو قتلها. وإن فعلوا، قتلوا بها، لأنها في جوار السلطان"(2).

ويروي الأستاذ (عمر كحالة)، عن قبيلة أسترالية تدعى (الكاملية) بأنها مكوّنة من أربع عشائر، وكل رجلٍ في العشيرة الأولى يعتبر نفسه زوجاً لكل امرأة في العشيرة الثانية. وكل رجلٍ في الثانية هو زوج لكل امرأةٍ في العشيرة الأولى، وهكذا بالنسبة للعشيرتين الثالثة والرابعة. فإن التقى رجل من العشيرة الأولى بامرأة من الثانية، ناداها باسم الزوجة، وعاملها معاملة الزوجة، دون أن يعارضه أحد(3).

2098 الزواج 3

وفي بعض المدن الهندية، كانوا يزّوجون البنت عند بلوغها السادسة عشرة، من غلام لم يبلغ الخامسة أو السادسة من العمر فقط. ومتى تزوّجت البنت، حقّ لها أن تضاجع من تشاء، من أقارب أمها لا من أقارب أبيها. وذلك لتحريم مصاهرة أقارب الأب عندهم. وعادةً ما تنتقى المرأة خالها أو ابن خالها أو أبا زوجها، ليصبح لها زوجاً مضاجعاً. وما يلدن من الأبناء ينسبون إلى زوجها الصغير. وحين يبلغ ذلك الزوج الصغير أشدّه، ويجد زوجته في فراش غيره، يبحث عن قريبةٍ له في مثل سنه فيضاجعها، وإن حملت هذه الأخيرة وولدت، يُنسب المولود إلى زوجها الصغير، كما حدث مع مضاجعها حين كان صغيراً(4).

وفي بلاد (التيبت)، تبحث الأمهات عن رجال يفضون بكارة بناتهن. وعند بعض قبائل الفلبين، يقوم موظف خاص بهذه المهمة، لقاء أجر بسيط معلوم. لكن بعد أن سادت سلطة الرجل في الأسرة والمجتمع لفترات طويلة، تلك الفترات التي جعلت من مفهوم (العفّة الجنسية) للمرأة، امتداداً ضمنياً لإحساس الرجل بالسلطة والنفوذ والتميز. فازدادت قيمة البكارة عند المرأة، ولم يخطر ببال الرجال أن يقيّدوا أنفسهم بهذا القيد. ولم نجد أيَّة جماعةٍ في التاريخ، كانت قد أصرّت على (عفّة الذكر)، بل نجد في أيَّةِ لغة من اللغات، معنى كلمة الرجل البكر.

وورد أن رجلاً جاء إلى علي بن أبي طالب (ع) قائلاً: تزوجت امرأة عذراء، فوجدتها غير عذراء، فقال له علي: إن العذرة تذهب من الوثبة والقفزة والحيض والوضوء وطول التعنيس وغير ذلك.

أما مفهوم العائلة السائد والمتداول بيننا اليوم قد مرّت بأشواط تاريخية متغيرة وطويلة قبل أن تتبلور على ما هي عليه الآن. لكن العائلة العربية الأولى ارتبطت بشبكة معقدة من العلاقات العميقة البدائية، لذلك فالعائلة الأولى قد تطورت بروابط الأجيال، وانتقلوا من عفوية وطلاقة الاتصال الجنسي إلى مرحلة الصيغة الجديدة للعائلة، وبدأوا بتحريم العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة ممن يرتبطون بعلاقة قربى دموية. ومن ثم ضاقت دائرة الاتصال الجنسي لتشمل غالبية الأقارب تقريباً. فتلاشى مفهوم العائلة الجماعية ليحل بديلاً عنها المفهوم الأول لتعدد زوجات الرجل الواحد. ومما سبق ارتباط المولود بأمه وانتسابه لها. ثم بدأت تبرز سلطة الذكر في المجتمع البدائي مقابل تراجع دور المرأة القيادي، فأصبح للمولود الجديد أب محدد بعد أن كان له أم فقط.

لذلك نستنتج من خلال الزواج تتكون الأسرة ومفهومها، ومن ثم تتكون القبيلة والمجتمع، ومن ثم تتكون المنظومة المجتمعية والدينية من خلال التحكم بالعائلة بشبكة من القواعد والقيم والأعراف. لكن بكل ما جلبته العولمة والحداثة المعاصرة من تطورات تبقى العلاقات العائلية مرتبطة بشكلٍ ما بأسس العائلة القديمة من خلال سن الشرائع الجديدة التي تتحكم بعلاقة المرأة بالرجل. لكن بسبب تطور وسائل وقوى الإنتاج بات بسيطرة القمع والاضطهاد للمرأة عبر المراحل الاقتصادية من مرحلة المشاعية إلى مرحلة الرق والعبودية ثم مرحلة الاقطاع ومرحلة الرأسمالية المضطهدة للشعوب مما تراجع دور المرأة ومصيرها ومستقبلها، وأخذ يرتبط برغبة الرجل وسيد العمل. وبدأ التناحر الاجتماعي والطبقي ضمن دائرة العلاقات الاقتصادية والملكية الفردية، مما أدت إلى فقدان الأسرة صفتها الإنسانية الحرة.

لكن اليوم ونحن في القرن الحادي نجد أن العائلة العربية عامة والعائلة العراقية خاصة بدأت ازمتها من خلال التفكك العائلي وضعف الأسس الزوجية، وما يعكسه ذلك على علاقة الأولاد بهما، وفيما بينهم أيضاً. وإهمال الأبناء لآبائهم عند بلوغهم سن الشيخوخة، وكثرة نسبة الطلاق في المجتمع. وفي الأيام القريبة الماضية نسمع من خلال القنوات الفضائية عن المشاكل الزوجية التي وصلت إلى الانتحار والحرق والقتل ورمي الأطفال في الأنهار.

 

نبيل عبد الأمير الربيعي

.....................

المصادر:

1- الشافعي. كتاب الأم. ج10.  ط2. 1983. ص74.

2- سمير السعدي. أصل العائلة العربية وأنواع الزواج القديمة عند العرب. الزيجات الإلهية. زواج المتعة. نسبة القبيلة إلى الحيوان. دار سطور للنشر والتوزيع. بغداد. ط1. 2020. ص70.

3- المصدر السابق. ص72.

4- المصدر السابق. ص73.

 

 

في المثقف اليوم