أخبار ثقافية

شاكر فريد حسن: الأعمال الشعرية الكاملة للراحل محمود الدسوقي

وصلني عبر البريد من الأخت الفاضلة أم عدي، حرم المرحوم الشاعر الوطني العروبي والناصري محمود مصطفى الدسوقي، كتاب "الأعمال الشعرية الكاملة" الذي أصدرته أكاديمية القاسمي العام 2017 بتمويل من بلدية الطيبة وعائلة الشاعر، ويضم كتابات الدسوقي التي لم تنشر ودواوينه التي صدرت له في حياته. 

وجاء الكتاب في حوالي 350 صفحة من الحجم الكبير، بحلة قشيبة وطباعة أنيقة وغلاف سميك مقوى، وأشرف على تحقيقه وتدقيقه ثلاثة من الأدباء والمثقفين من أصدقاء الشاعر، وهم: عبد الرحيم الشيخ يوسف، واحمد عازم، وخالد بلعوم.

وفي كلمة حق تقول أم عدي: "لا يتسع هذا المكان لكلّ الكلام، ولذلك فأنا أركز اهتمامي على أرض العمل الخالد الذي تمَثَّلَ في إبداعاتك الأدبية وبخاصّة الشعريّة، إنني أعرف أنّك من دائرة الشعر قطرٌ راسخٌ تغلفه المشاعر، وتهتز به الأحاسيس عِشْتَ وصاحبتك في خمائل الشعر وفي رياض الوجدانيّات، وانتهت رحلاتك بجني محاصيل سائغة المذاق ورشيدة المساق، شهية كالترياق.

وتضيف قائلة: "إنّني أشعر وأنا أُقدّم أعمالك هذه للناس وللمكتبة العربيّة أشعر بالفخر والاعتزاز بقدر ما يضربني الألم في غمار الذكريات وقد رحل صاحب الشعر والإبداع وبقي قلمه وحيدًا، ولكن يقيني يعزّيني لأنّ الجسد توارى واندثر والروج الوثّابة والنبض ما زالا وسيقيان بين القصائد وفي دلالاتها الموحية".

وفي المقدمة التي كتبها باسم لجنة رعاية الإبداع في الطيبة الأستاذ أحمد عازم، يقول: "لقد شغل الشاعر محمود الدسوقي حيّزًا لا يُستهان به، فهو أحد الشُّعراء العرب الذين أُطلِق عليهم، وبحق، اسم "شعراء المقاومة"، فهذا الشاعر كان قد كرّس معظم إنتاجه الشعريّ، الذي لا يُستهان به، لخدمة القضايا الوطنيّة الخاصّة بالشعب الفلسطينيّ، ولكنه لم ينسَ القضايا الوطنيّة التي لها علاقة بالشّعوب العربيّة من المحيط إلى الخليج. ويظهر ذلك في ما قالت عنه نخبة من الباحثين والمهتمّين بشعره، وتجدون ذلك في نهاية الديوان وفي الملحق الأخير بشكل مُفصَّل، والذين تحدّثوا عن شعر الدّسوقي بحثًا وتمحيصًا وتوضيحًا وتعليقًا، حيث أَنّ ما كتبوه يعالج حقائق كثيرة ويُوضّح الأمور".

وقصائد الدسوقي بسيطة واضحة صادقة ومعبّرة عن عشقه للوطن وعن أحزان واوجاع وجراح وهموم شعبه، أوحاها وضوح الفكرة والرؤية والرؤيا لديه، فقد عاش مأساة شعبه بكل أبعادها وامتزجت به، فأصبح الدسوقي المأساة، والمأساة الدسوقي، وخصص أشعاره للقضية الوطنية، أرضًا وشعبًا، وجعل هذا الشعر منارة لكل من أراد أن يقرًا عن وطنه وكفاح أبنائه، وسكب في كل قصائده ذوب قلبه ونبض عروقه وإحساس روحه.

ومن أجواء الكتاب هذه القصيدة عن بحر يافا، حيث يقول:

يا بحر يافا ما عهدتُكَ شاكيًا        لكنّ موجَكَ كم يئنُّ فأَسمعُ 

تشكو رمالُ البحرِ بُعْدَ أحبّةٍ        والموجُ فوقَ الرّمل كم يتوجّعُ

يرنو إلى الماضي القريبِ وساحلٍ   وبنايةٍ مهجورةٍ تتصدّعُ 

كم صبيةٍ لعبوا على الرّملِ الذي     قد باتَ يحزنُهُ الفراقُ الموجعُ 

***

يا موجُ أينَ السابحونَ وركبُهُم     طُرِدُوا.. تُرى يأتي الشّريدُ؟ أيرجعُ؟

يا بحرُ لا تيأسْ فشعبي عائدٌ       فغدًا يصافِحُكَ الشّبابُ الضّائعُ 

يرنو إليْكَ بلهفةٍ وتشوّقٍ            فغدًا سيُسعِفُهُ "البريد الرابعُ"

فجزيل الشكر لأم عدي على هديتها الثمينة، والتحية الخالصة لبلدية الطيبة على دعمها للأدباء وطباعتها لأعمالهم، والرحمة والخلود لشاعرنا الوطني محمود الدسوقي.

 

بقلم: شاكر فريد حسن 

 

 

 

 

في المثقف اليوم