ملف: مستقبل الديمقراطية
فشل الديمقراطية أم فشل الاسلام السياسي أم فشل الفكر الاسلامي؟؟
- التفاصيل
- كتب بواسطة: سلام كاظم فرج
الديمقراطية آلية للحكم. والاسلام السياسي مشروع للحكم. ومابينهما تقاطعات قد تطيح بكليهما عند الاختبارات الصعبة والخيارات الصعبة. وهذا ما حصل في مصر في اول تجربة ديمقراطية حقيقية واول تطبيق للمشروع الاسلامي السياسي،، مأزق الاسلاميين (في السياسة .. ) إذا افترضنا حسن النية الكاملة والنقاء الفكري والمسيرة الناصعة فيهم. انهم يؤدلجون مسيرتهم بثوابت استاتيكية من الصعب تجاوزها واللعب فوقها ، والسياسة في جوهرها تحقيق الممكن لا تحقيق الامنيات البعيدة .. من اجل ذلك نرى ان الاسلامي يخفق في كل تجربة عملية لإدارة دفة الحكم للمسافة الشاسعة بين الوعد الذي نذر نفسه لتحقيقه امام الجمهور وبين ما يستطيع تقديمه في عالم متشابك المصالح يعج بالمؤامرات والإختراقات ..
حالما يحصل الخروج عن الثوابت التي انطلق منها للضرورات التي تبيح( بعض المحظورات) احيانا .. يسقط الاسلامي السياسي من عين مريديه . ويقفز الى صفوفه الانتهازيون والمخترقون .. اما عندما يتمسك بثوابته التي انطلق منها .. وتتلخص بالأخذ بسيرة الرسول والصحابة والأخذ بسياسة الزهد والتقشف التي يعرفها الناس من خلال قراءة التاريخ في الصحابة والائمة .. نجده ابعد مايكون عن الواقعية السياسية فامكانيات بلده وامكانيات حزبه لا تتيح له الوفاء بتلك المتطلبات وما تعارف عليه المجتمع الدولي حول حقوق الانسان واحترام المواثيق الدولية التي قد لاتفهمها او تستوعبها الكتلة التاريخية التي جاءت بالحزب الاسلامي الى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع ..
ومن التقاطعات الجوهرية بين المشروع السياسي الاسلامي والديمقراطية .. ان الديمقراطية تستوعب الجميع. في حين ان المشروع الإسلامي السياسي هو بطبيعته مشروع شمولي .. وما دخوله معترك الانتخابات الا حالة جديدة عليه دخلها مضطرا بعد تبلور الديمقراطيات في الغرب وقوة تأثيرها .
لقد استوعبت الديمقراطية في الدول الرأسمالية الخصوم الشيوعيين والاشتراكيين حتى كادوا ان ينتزعوا السلطة من الاحزاب البورجوازية .. ففي فرنسا وايطاليا على سبيل المثال كان الاشتراكيون يحصدون ما يقترب من نصف مقاعد البرلمان في سبعينيات القرن الفائت ..
التداول السلمي الهاديء للسلطة سمة بارزة من سمات الديمقراطية .. وحين دخل الاسلاميون الى نادي الدول الديمقراطية من خلال فوز حزب العدالة في تركيا وحزب النهضة في تونس بعد الربيع الذي فجره استشهاد بو عزيزي . وصعود الاخوان بقيادة مرسي في مصر. وصعود الاحزاب الاسلامية في العراق انما كان ذلك الدخول تاريخيا وفرصة لإختبار قدرة تلك الاحزاب على التوفيق بين الوعد الذي انطلقوا منه (والذي تلخص بشعار الاسلام هو الحل .. ) وبين الامكانيات المتاحة لهم سياسيا وتنمويا. بمعنى عودة الفكر الاسلامي الى تسلم شؤون الحكم بعد سقوط الدولة العباسية في بغداد وكل من الدولة الاموية في الاندلس والفاطمية في مصر( والعثمانية في تركيا مطلع القرن العشرين.)
حيث بدأت صفحة جديدة بتشكل حكومات مدنية (علمانية) في كل الدول العربية والاسلامية ومنها تركيا وايران .. ( اقول ذلك . رغم قناعتي ان الاسلام السياسي كممارسة مرتبطة بجوهر وروح الاسلام قد انتهت بانتهاء الخلافة الراشدة ومقتل الامام علي عليه السلام .. عدا فترة لم تتجاوز السنتين هي فترة حكم عمر بن عبد العزيز .. وكل ماجاء بعد الخلفاء الراشدين لم يكن سوى حكومات لا تختلف كثيرا عما سبقها او لحقها من حكومات في فارس وبيزنطة .. وهناك حديث شريف عن الملك العضوض يؤيد قناعتي هذه .. ) .. .
هذا عن الديمقراطية والمشروع الاسلامي السياسي .. فماذا عن الاسلام والفكر الاسلامي؟؟
الاسلام هو دين الفطرة .. ودين الوسطية .. متاح دخوله للناس كافة .. من حملة ارقى الشهادات العلمية إلى الرجل (او المرأة) البسيط الأمي ، والكادح الذي لا يملك الوقت لمتابعة شؤون الفكر والتعمق في فلسفة الدين ومقاصد الشريعة .. وكونه متاحا للجميع. افترض الشارع المقدس بالناس الفطرة النقية السليمة بتقبل الخير ورفض الشرغريزيا. يستهدي بالفقهاء يعلمونه اصول الدين وممارسة الطقوس البسيطة السهلة الميسرة ..
ومن باب الفقه دخلت نظريات وممارسات جعلت المسلمين يتفرقون في فهم بعض المتطلبات . وتحولت العقيدة الاسلامية الى عقائد تجاوزت العدد المعقول في الاختلاف مما مهد الطريق لإختراق المسلمين من قبل خصومهم وخصوم الاسلام ..
و اتاح للغزاة سهولة في الهيمنة على شؤونهم. وبعض الغزاة قد تقنعوا بقناع الاسلام .. ويقال ان نابليون بونابرت كان قد اوشك ان يعلن اسلامه (المزيف .. ) للهيمنة على مقدرات مصر لولا فشل حملته مبكرا. ويمكن ان يقال عن كل من غزا مصر والعراق وسوريا وهيمن على مقدرات شعوبها خلال القرون الوسطى لغاية بزوغ القرن العشرين ..
الفكر الاسلامي بدأ بنهضة واعدة كانت قريبة جدا من مفهوم الديمقراطية المعاصرة. وما حركة المشروطة في ايران والمشروطية في تركيا وثورة التنباك وثورة العشرين في العراق وثورة 1919 في مصر . والقسام في فلسطين والحركة المهدية في مصر وثورة الجزائر الا نتاج مفكرين اسلاميين متنوريين ..
عبد الرحمن الكواكبي سطر في كتابيه ام القرى وطبائع الاستبداد نظرية فكرية متقدمة كانت اكثر تقدمية من اطروحات المستعمرين الذين وعدوا الشعوب العربية بالتحرير لا الاحتلال (وعود الجنرال مود .. )
الشيخ النائيني وضع اسس مجتمعات مدنية راقية تؤمن بالحرية وتسعى لازدهار المسلمين ووحدتهم .. جمال الدين الافغاني ومحمد عبدة . كذلك ..
لو راجعنا تلك الافكار التي كتبها ومارسها اولئك التنويريون من المفكرين المسلمين لوجدناها تصلح لتأسيس مجتمعات ديمقراطية راقية .. جعلت الشبيبة تتطلع الى مواجهة المستعمرين بكافة صنوفهم من غربيين او مدعين بالاسلام (العثمانيين .. ). وبسبب تلك الروح المخلصة دخل المسيحيون العرب في تلك المواجهة للمستعمرين جنبا الى جنب مع اخوتهم المسلمين ..
لكن تشكيل حكومات قميئة خانعة ومستضعفة في بدايات القرن العشرين في كل من مصر وسوريا والعراق . جعلت افكار الشبيبة تبحث عن خيارات انحصرت في امكانية قيام حكومات شيوعية شبيهة لحكومة البلاشفة .. (يحضرني هنا بيت شعر للرصافي يقول فيه .. للإنكليز مطامع في ارضكم .. لا تنتهي إلا بأن تتبلشفوا .. ) والاكيد ان الرصافي ماكان ليقول ذلك لولا وجود كتلة تاريخية مشجعة في كل من العراق ومصر وباقي البلدان العربية .. ) ..
اما الخيار الثاني المتاح فكان خيار اليمقراطية ومثاله في مصر سعد زغلول وحزب الوفد الذي خلف رئاسته مصطفى النحاس ..
والخيار الثالث خيار العروبة وامكانية ازدهار العرب بعد نيل استقلالهم والانفلات من هيمنة الترك .. ويمثل هذا الاتجاه حزب الاستقلال في العراق. والحزب القومي السوري في كل من سوريا ولبنان. وجمعية العربية الفتاة التي كانت تحاكي جمعية تركيا الفتاة .. وكان عبد الناصر يشكل امتدادا لتلك التوجهات
اما الخيار الرابع فتلخص بالبحث عن الحل في الاسلام .. اعني حل مشكلة الحكم .. وقد بدأت الفكرة عمليا بإطروحات وممارسات حسن البنا. مؤسس حركة الاخوان في مصر تلك الحركة التي دخلت في مواجهات مع الحكومات المتعاقبة في عهد الملك فاروق مما ادخلها في ممارسة الاغتيال السياسي ضد من رأت فيهم الحركة عملاء للأنكليز وبعضهم رجا ل دولة وإداريون ناجحون . مثل النقراشي باشا احد رؤساء الوزارات في عهد فاروق .. وقد اغتيل حسن البنا في ظروف غامضة (بعد استعداء كل الاحزاب المصرية بما فيها حزب الوفد الذي كان يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة ضد الاخوان .. ) ..
وبقيت حركة الاخوان تعمل في ظروف شبه سرية .. حتى انبثاق ثورة يوليو عام 52 التي هلل لها الاخوان مستبشرين بوجود الفريق محمد نجيب على رأسها. لكن سرعان ما انقلب الاخوان على الثورة والثوار بعد عزل نجيب وصعود عبد الناصر فدبروا محاولة لاغتيال ناصر باءت بالفشل ففتحوا ابواب جهنم على انفسهم فدخلت قياداتهم السجون ..
الانعطافة الثانية في حركة الاخوان المسلمين تكمن في ظهور كتابات سيد قطب التي تبحث في شؤون الحكم . سيما كتابه المهم معالم في الطريق الذي يعتبر مكملا لكتابه في ظلال القرآن وفيه نظرية شبه متكاملة لرؤية الاخوان لطبيعة الحكم المرتجى .. ويعتبر سيد قطب المؤدلج للإسلام السياسي. ورغم ما في كتاباته من بوادر تكفير الآخر المختلف وسخريته من المسلمين المعتدلين فقد وجد في المرجعيات الشيعية في العراق دعما له خلال محاكمته منتصف الستينيات وارسلت البرقيات تطلب من جمال عبد الناصر تخفيف الحكم .. لكن حكم الاعدام نفذ ..
وجدت كتابات سيد قطب بعد اعدامه رواجا في كل من سوريا والعراق ومصر وربما وصلت إطروحاته الى المغرب العربي والسودان .. فتشكلت خلايا سرية تستهدي بفكره ..
ولم تستطع الحكومات المتعاقبة رغم القسوة في التعامل مع الاخوان من كبح جماح تقدمهم واتساع رقعة تأثيرهم .. وفي رأيي المتواضع ان فشل الحكومات العلمانية في كل الدول العربية في تحقيق المشروع العلماني وتحقيق الديمقراطية واستشراء الفساد الاداري الذي كان ينخر في تلك الحكومات ومنها حكومة العلمانيين في تركيا .. وسقوط المشروع الماركسي في الاتحاد السوفياتي،، وشرق اوربا .. ونجاح آية الله الخميني في إسقاط حكومة الشاه (العلمانية ، والفاسدة. .) جعلت من المشروع الاسلامي السياسي بديلا متاحا استقطب اهتمام كتلة تاريخية كبيرة. واستقطب في الوقت نفسه اهتمام أساطين السياسة في الولايات المتحدة واوربا الغربية وأثارت مخاوف بعض الدول المحمية اميركيا. فبذلت الجهود والاموال لإختراق المشروع الاسلامي نفسه بإدخال الفكر الوهابي التكفيري الذي اخترق كتلة لا بأس بها من حركة الاخوان .. التي كانت لا تخلو من امراض جعلتها مهيأة لاحتضان المتطرفين. وقد لعب اردوغان وقطر دورا في الهيمنة على حركة الاخوان المسلمين وحرفها عن جوهر مشروعها ..
ولما كانت مصر بلدا انصهرت فيه ثقافات عديدة لم يستطع الاخوان إدارة دفة الحكم بشكل متوازن .. فلم يستطيعوا كسب ثقة الاقباط الذين تقترب نسبتهم من عشرين بالمائة من السكان ولا استطاعوا ان يقنعوا اليساريين والعلمانيين الذين صوتوا لحمدين صباحي بنسبة 19 في المائة بالحوار فجرى تهميشهم .. وقد تعجل الرئيس محمد مرسي في أخونة المؤسسات المصرية العصية على التدجين .. سيما مؤسسة القضاء المعروفة برصانتها ومؤسسة العسكر المعروفة بمهنيتها. ومؤسسة الاعلام المعروفة بتنوعها .. فخسر نصف الشعب المصري .. مما سهل الاطاحة به في حركة مدروسة رصينة .. لقد اطيح بحكم الاخوان في مصر .. (المشروع الاسلامي .. ) ولكن هل نجحت الديمراطية؟ وهل سيتنفس الديمقراطيون الصعداء .. هذا متروك جوابه للأيام القريبة القادمة .. رغم أني اشك في ذلك .. فالمخاض عسير وطويل ..
هذا عن مصر. اما في تونس وسوريا وغيرها من بلدان الربيع العربي. فسيناريو ازاحة (مرسي .. ) قد ينفذ على الجميع ..
وفي الختام لابد من تثبيت رأيي المتواضع في المشروع الاسلامي للحكم فأقول ان من الخير للإسلاميين (السياسيين) ان يكونوا نوابا في البرلمان ولا يكونوا حكاما .. ان يكونوا رقباء. لاشركاء .. يؤشرون الخلل . ولايؤشر عليهم .. فعند إدارة الحكم تؤشر عليهم الهفوات والخطايا .. فدروب السياسة في عالم اليوم ابعد ماتكون عن ثوابت الاسلام الحنيف .. فللدولار سطوة. وللكرسي سطوة .. . وسيفشل كل مشروع نهضوي اسلامي مادام الاسلام قد اخترقته الطائفية والمؤامرات الدولية. فهاهو اردوغان يضطر لاستعمال الغاز المسيل للدموع أزاء مجموعة من الشبيبة المختلفة معه في تظاهرة بسيطة فيخرب كل مابناه. وهاهو يضطر لقبول عشرات القنوات مع اسرائيل .. هذا مثال بسيط سيمر به كل اسلامي ..
ولن نتحدث عن تجربة ايران وصعود الاصلاحي الدكتور روحاني لكي لا نقع في التكرار ..
الديمقراطية آلية .. والإسلام السياسي. مشروع ..
سلام كاظم فرج
صحيفة المثقف
7-7-2013
للاطلاع على ورقة الملف والمحاور المقترحة:
المثقف تفتح ملف: هزيمة الإسلام السياسي أم هزيمة الديمقراطية؟
للاطلاع على مقالات الملف
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.