ملف: المرأة في أسر العبودية المعاصرة
سبَايَا داعِش .. نِساء من عالم آخر!
- التفاصيل
- كتب بواسطة: ياسمينة حسيبي
ليس العنف القائم على التمييز الجنسي في الحروب شيئا جديدًا على مجتمعاتنا بل هو جزء لا يتجزأ من التاريخ العربي وقد تمّ التعبير عنه بالرقّ والسّبْي ليصبح مرادفا لإهانة جسد المرأة وترسيخا لعادات المجتمعات الجاهلية في الغزو والغنيمة.
ومجيء الإسلام لم يُلْغِ الرقّ كما هو الشأن مثلاً لظاهرة وأد البنات بل قيّده بشروطٍ، وشجع على ثواب عِتق الرقاب وتحسين معاملة السبايا والأسرى ووجوب الإحسان إلى مِلك اليمين والإرتقاء به من "الشيئية" إلى الإنسانية.
ولهذا، وعلى أساس عدم إلغائهِ، تبارى الفقهاء و"أدعياء الفقه" في إخضاع النصوص القرآنية فيما يخص الرقّ لتأويلات اجتهادية "ذاتية" يُــوَلِّفونَها بتوْلــيفة إجتماعية لتساير مقاصد الزمان ومصالح الغزو والحروب وتخدم الغرائز والشهوات.
وظلتِ العادات الجاهلية في سبْي النساء هي السائدة رغم الإسلام، (إلا فيما ندَرَ)، وعُوملتِ المسْبيات على مرّ التاريخ، كمتاع تابع للرجل، بل اني لا أبالغ حين أقول بأن أعداد السبايا تزايدَت بفعل الفتوحات الاسلامية، وهذه حقيقة لا استنكار لها في كتب التراث والتاريخ.
ومع أنه في عصرنا انتهت أسباب الرّق بموجب معاهدات حقوق الانسان، إلاّ أن هذه "التأويلات الفقهية الذاتية للرّق" أصبحتِ اليوم اعتماداً ومرجعًا لأمراء التنظيمات التكفيرية ويسّرتْ لهم السّبيَ بما يوافق الجهل بالرسالة السامية للإسلام وبما يخدم مصالحهم السياسية والغرائزية، فاسترقّوا النساء كغنائمَ حربٍ تُشَيَّئُ، تباع وتشترى دون مراعاة لإنسانيتها.
ويشهد العالم اليوم، ونحن في القرن الواحد والعشرين، جرائما مخجلة في حق المرأة على أيْدي فاقِدِي الإنسانية والضمير من التكفريين الذي يصفون أنفسهم بالإسلام -دون غيرهم- والذين استغلوا الوضع المزري في الأوطان العربية بعد ما سُمي -كذبا- بالثورات وانتهزوا الأوضاع السياسية الفوضوية لإهانة المرأة في جسدها وفي إنسانيتها ولتصعيد العنف ضدها بشكل مطرد، جاعلين منها "أداة تغرير" بالشباب الضائع بغية انضمامهم إلى التنظيمات التكفيرية، يروجون للجنس ويعلّلون ممارساتهم بتأويلات محَرَّفة لمفهوم "الجهاد في الإسلام".
ممارسات ليست في حقيقتها سوى تأويلات شهوانية محكومة بضوابط "مشرعنة" من شيوخٍ غيّبوا مفهوم الإسلام الصحيح ليتماشى وفق إيديولوجيات وتوجهات تمنحهم المصداقية لإحياء الاستعباد.
ورأينا هوْل ما يفعله هذا الفكر التكفيري بالنساء في مناطق خاضعة لسيطرته، خصوصًا في نساء الأقليات بما لا يتفق مع أخلاقيات الإسلام أو مع المعاهدات الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والتي تعتبر ممارسة الرق جريمة، حيث قُدمت تقارير من مجلس حقوق الانسان عن قتل أزواج السبايا وأبنائهن وبيعهن كمِلك يمين، وعن الاغتصاب الجماعي لغير المتزوجات بغض النظر عن بلوغهن من عدمه وتزويجهن قسرًا أكثر من مرة في إنكار فاضح لإنسانية المرأة التي كرمها الله وجعل أصلها الحرية وليس الرقّ.
بل الأسوأ من هذا، تطالعنا كل يوم بيانات للتنظيم التكفيري بخصوص السبي والرقّ، توزع في المساجد على من يدّعون "الجهاد" كهذا البيان الذي لا يمكن للعقل السليم ان يستوعبه:
"سوق بيع النساء والغنائم شهد انخفاضاً كبيراً، الأمر الذي أثّر على إيرادات الدولة الاسلامية وعلى تمويل صولات المجاهدين فيها، لهذا ارتأت هيئة بيت المال وضع الضوابط والأسعار بخصوص بيع النساء والغنائم"
مما يجعلنا نطرح السؤال مشدوهين: في أي زمان نحن بالضبط؟
وهل وصل الحدّ إلى وضع "تسعيرة" لكل امرأة وِفق عمرها في وثيقة بعنوان "أسعار بيع الغنائم"؟
إنها وصمة عار في تاريخ البشرية الحديث!
المخجل حقّاً..
هو أن هذه المجاهرة الفاضحة للتنظيم التكفيري داعش بممارساته الاجرامية في حق النساء لم تلقَ من العالم الإسلامي والغربي ومن الامم المتحدة سوى التنديدات النظرية رغم كمية التقارير الموثّقة والصادرة عن المنظمات الانسانية ومجلس حقوق الانسان.
وبالرغم من أن اتفاقية جنيڤ الخاصة بالرّق لعام 1926 تعتبر أن:
"أسر شخص ما واحتيازه وبيعه أو مبادلته والتخلي عنه للغير"(المادة 2 ) جريمة يعاقب عليها القانون.
وبالرغم من أن القانون الدولي يُحَرّم جرائم الاضطهاد والاسترقاق أو العنف الجنسيّ وبيع النساء أو إرغامهن على الزواج القسري وفقاً للمادة 23 من الشرعية الدولية الخاصّة بالحقوق المدنية والسياسية..
وبالرغم من ان الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت في 2002 أن يوم 2 ديسمبر هو "اليوم العالمي لإلغاء الرقّ"..
إلا أنه ولحد الان، ما زالت المحكمة الجنائية الدولية تتلكأ ولأسباب سياسية في ملاحقة التنظيم التكفيري داعش وكأن سبْي النساء واغتصابهن وقتلهن وبيعهن ليس كافيًا للإدانة الجنائية.
فأين هو ضمير العالم؟
ولماذا يقف المجتمع الدولي موقف المتفرج على جرائم السبْي والقتل التي تُرتكب باسم الإسلام في حقّ النساء بالمناطق المنكوبة على نطاق غير مسبوق؟
جرائم يعتبرها التنظيم التكفيري داعش تكتيكًا وحرباً نفسية ضد الحكومات العربية والدولية!!
كيف لنا في ظلّ هذا الشكل من "الرقّ الحديث" بالوطن العربي، أن نتحدث عن "اليوم العالمي للمرأة" وعن منجزات الثورة والديمقراطية والحريّة التي أحرزتها المرأة على سبيل مشاركتها للرجل في التفعيل السياسي والاجتماعي في الوقت الذي تباع فيه النساء بـ 200 دولار او أقل في سوق الرقيق وتُوزع كغنائم حرب بإسم الإسلام؟
فعوض أن يُرفع الحيف عن النساء في المناطق المتضررة بسبب كذبة اسمها "الربيع العربي"، أصيبتِ المرأة، وأُصيبَ معها المجتمع الانساني بهول هذه "النكبة"، ودفعت وما تزال ضريبة "الثورات العربية" من كينونتها الانسانية في ظل أفكار إيديولوجية تكفيرية ونظرة مشوهة للنساء من قِبل التنظيمات الأصولية المتطرفة.
فمتى سيتحرك المجتمع الدولي لإيقاف هذه الجرائم الفظيعة على أرض الواقع ويحمي المرأة في مناطق النزاع المسلح من الخطف والاغتصاب والسبْي والقتل والتزويج القسري؟
متى ستعلن الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والهلال الاحمر تضامنا فعليا ولامشروطاً مع السبايا على أرض الواقع وبذل مجهود جاد و"عاجل" من اجل تحرير المختطفات وانقاذ حياتهن عبر أحكام جنائية دولية تلاحق هذا التنظيم التكفيري وتدينه بجرائم حرب ضد الانسانية؟
وفي انتظار أن يحصل ذلك..
ما تزال الحكومات العربية تتناحر فيما بينها من أجل المصالح السياسية وما زال مستقبل المرأة مجهولا في خضم هذا السقوط الهائل في مستنقع الرق والعبودية.
سقوط يعززه غياب فاضح للقوانين التفعيلية والصارمة ضد هذه الممارسات الاجرامية وانعدام أو ندرة في برامج المساعدات الإنسانية بهذه المناطق المنكوبة اضافة الى عدم توفير الدعم المعنوي والنفسي لهؤلاء النساء المسْبيات والمغتصبات في ظل نظرة سلبية للمجتمع إزاء ضحايا الاغتصاب.
لكن، من المؤكد طبعاً..
أن المنظمات النسائية العربية على اختلافها لن تألو جهدًا للاحتفال باليوم العالمي للمرأة.
وستتحدّث سيدات أنيقات يجلسن وراء مكاتبهن الفاخرة باسم المرأة في الوطن العربي، في الوقت الذي تعاني فيه نساء بالعراق وسوريا وليبيا وبكل المناطق الخاضعة للتنظيم التكفيري المتطرف والمدعم من حكومات الإرهاب، من صمت عربي ودولي مستهجن وكأنهنّ نساء من عالم آخر!
ياسمينة حسيبي
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.