صحيفة المثقف

نصوص نمساوية

ولد ألويس هيرغوث في الواحد والثلاثين من شهر آيار عام 1925 في مدينة غراس عاصمة مقاطعة شتاير مارك الواقعة في الجنوب الشرقي من النمسا وكان الطفل الحادي عشر لعائلة كانت قد نزحت من سلوفينيا (Slowenien). بعد أن أنهى دراسته الثانوية عام 1943 أرسل إلى جبهات القتال أثناء الحرب العالمية الثانية ووقع أسيرا في الجبهة الشرقية (المقصود هنا الاتحاد السوفيتي سابقا). بعد انتهاء الحرب، وإطلاق سراحه، بدأ العمل في المجال الصحفي، كما وأنه بدأ، أيضا، في هذه الفترة كتابة الشعر، إذ نشرت قصائده في بعض الصحف التي كانت تصدر آنذاك في مدينة غراتس. وفي هذه الفترة، أيضا، دخل الجامعة وبدأ بدراسة علم الشعوب البدائية (Ethnologie) وعلم مقارنة اللغات إلى جانب تاريخ الأديان، إلا أنه أهمل دراسته هذه، بعد أن حصل على وظيفة في جامعة غراتس وانشغاله بالعمل الصحفي ثم عاد ثانية للدراسة، حيث حصل على شهادة دكتورات فلسفة عام 1960.

 

أن أول عمل صـدر له كان في عام 1953 وهو مجموعة من القصائد حملت عنوان " النيون والنفس " تبعها بعد ذلك (1958)  ديوان "Schwarze Tribut  " (ما معناه ـ جزية أو ضريبة سوداء ـ ) بعدها صدرت له الكثير من الأعمال الشعرية كان أهمها " Sladka gora " "هروب إلى أوديسيس " " القمر في حديقة التفاح " وأعمال أخرى جمعت كلها، بعد وفاته، في مجلد واحد تجاوزت الألف صفحة قامت بطبعها دار نشر فيسر (Weser Verlag ) عام 2005. المواضيع التي تناولها في جميع كتاباته هذه هي الطفولة، الطبيعه، الحرب والموت.

 

يعتبر هيرغوث واحد الشعراء القلائل، الذي ظل أمينا للقصيدة التقليدية، التي كانت قائمة آنذاك قبل اندلاء الحرب العالمية الثانية وبعيدا عن كل أساليب الشعر الحديثة، التي بدأت بوادرها بعد انتهاء هذه الحرب، إلا أنه وقف إلى جانب هذه الاساليب وشارك على تشجيعها وأصبح، في الخمسينيات من القرن الماضي، واحد من المشرفين على المجلة الادبية الفصلية " Manuskripte " التي بدأت إهتماماتها منذ تأسيسها ولحد الآن بتيارات الأدب الحديث ( نصوص نثرية وشعرية ) وتصدر هذه المجلة في مدينة غراتس ( Graz ) عاصمة مقاطعة شتايرمارك.

مات ألويس هيرغوث في اليوم السابع عشر من شهر كانون الثاني عام 2002.

النصوص أدناه مأخوذة من مجمعة قصائده التي صدرت عام 2005.

 

I

الآن

بمقدور الرجل العجوز ان يستريح.

حلمه الاخير،

نار في الشتاء

حرارتها تدفئ المكان.

الدخان يتصاعد،

خفيفا، طليقا،

في مكان

مملؤ بالامل

وماض امسى في خبر كان.

 

II

مجهولة هذه الارض

تتساقط ظلال الطيور

مثل أوراق سوداء على التربة.

سماء من رماد ودخان.

 

الليل يقف

مخترقا النهار.

حيطان ورايات

تحت رحمة الرياح

وراء الهضاب

خلف رماد السماء. ـ

 

من الذي لازال يعرف هذا الطريق؟

وراء الهضاب.

على امتداد سماء صافية.

عبر عتمة النهار،

والرياح التي تحمل الرايات،

أحلام تخترق الجدار.

 

من جديد نعيد الحياة

نستيقظ،

ومن الرماد تخرج الأوراق

وتعود الظلال إلى أجنحة الطيور.

 

III

هناك،

ليس بعيدا عن بعد النظر،

يبدأ النهار جولته،

الضوء يشع على بقايا الظلام

تتجول الرياح فوق المياه

من ساحل الى آخر

تمسح من الافلاك

ثقوب العتمة

بصمت

تبدأ الأحلام

البيوت وطريق العودة،

هناك،

في هذا الجانب من الروح.

 

طريق الفقراء

ضيق هو الطريق

إلى أكواخ الفقراء.

أعشاب برية تنمو في الطين،

وكثيرا من أحراش الشوك نزحف.

في السماء تصرخ الغربان

في وضح النهار.

 

 ثمة مطر يجرف تربة الأرض

وثمة خطوات تتباعد عن بعضها البعض.

وإذا ما أشرقت الشمس بحرارتها الشديدة،

تتصدع السلالم الحجرية.

 

شديد الانحدار هو الطريق

إلى أكواخ الفقراء. ـ

 

الحقول في الوادي

تزداد خضارا.

في الوادي مزارع واسعة ثرية.

حدائق الأغنياء تتسلق الجبال.

 

تطرد الفقر إلى الغابات،

إلى الجذور والحجر.

إلى هناك حيث تأكل الغزلان الحبوب.

وحيث تحوم الثعالب والصقور حول الدجاج،

وحيث يسكن الفقراء.

أكواخ الفقراء تضيع خلف الأحراش.

 

وداع

ليس بهذه السهولة،

هكذا فجأة تتركنا وتذهب ـ

ربما في وسط النهار

أو في المساء،

قبل بداية حفلة الموسيقى.

الشاي لازال ساخنا،

الفراش. ـ

والكتاب على الطاولة،

لم يقرأ حتى نهايته....

 

لم يصدق أحد!

مع هذا ـ .....

هكذا كان يفعل دائما.

 

صفير قادم من محطة القطار في الليل:

لا تبق هكذا نائما! ـ احذر! ـ ـ

الإشارة،

حيث تقاطع الطرق. ـ

في عجلة،

خمس دقائق

قبل أن يتحرك القطار.

لكن... ربما

لن يكون من الصعوبة،

غير تلك الخطوة الأولى،

تلك اللحظة

عند اجتياز العتبة ـ

والخروج

كي تكون طليقا.

 

حطام سفينة

أيها الجار، إلى أين يريد قاربنا...؟ ـ

مؤشر البوصلة غير صحيح.

ولم يعد بمقدوري رؤية النجوم.

شيئا ما حجبها عنا.

إذا ما ظللنا الطريق

ماذا سيكون..؟ ـ

هل تسمع..؟ ـ هم يغنون. هم يرقصون.

الموسم السنوي هو جزيرتهم،

بألعابه النارية، خمره وثكنات عسكرية

فندق كبير للضيوف والخدم. ـ

هم يملئون حماماتهم بالشمبانيا.

هم جياع.

يطعمون كلابهم بلحوم البقر.

 

هم جياع. ـ ـ

 

كنت قد عرفت لحنا جميلا.

نسيته.. لا أعرف لماذا؟

حذاء طفل كان ملقيا

على صخرة ناتئة في البحر.

كانت الحرب. ـ

والعاصفة لا تريد أن تتوقف.

اسمع، أيها الجار، احذر ( انتبه )!

محطة البث الإذاعي

في ضباب حلزوني

الإله كان  قد قطع برامجها.

شيء ما يضحك.

ثمة موسيقى عسكرية.

 

فاعلات الشر

ينسجن وينسجن،

ينسجن أحلاما

بين السماء والأرض،

ينسجن قمرا،

ينسجن نجوما،

ينسجن وينسجن ـ

ينسجن من موت

قماشا للأحياء،

 

ينسجن قميصا

لأطفال الموتى،

ينسجن وينسجن ـ ـ

 

محبوكة هي الخيوط،

التي لا تنتهي ـ

حتى لي ولك:

 

ثوب عرس للزفاف

وثوب حداد.

 

........................

المصادر

 

1.   Alois Hergouth: Das Lyrische Werke. Europa Erlesen. Literaturschauplatz.

2.   Wendelin Schmidt-Dengler: Bruchlinien, Vorlesungen zur ?sterreichischen Literatur 1945 bis 1990. Residenz Verlag 1995 Salzburg-Wien

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1298 الثلاثاء 26/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم