صحيفة المثقف

الاحتراق النفسي..والعراقيون

 لطريقة معينة في الحياة او لعلاقة معينة ولكنها تفشل في انتاج الغاية المطلوبة. ولقد زاد الاهتمام به بعد ان اصبح ظاهرة مؤسساتية أصابت عددا من العاملين في المؤسسات الصحية والتربوية والاجتماعية والعاملين في البنوك فتحول هذا الاحتراق الى ما يسمى (سايكولوجيا المنشأت والمنظمات والمؤسسات).

ومن اسباب الاصابة بــ "الاحتراق النفسي": التركيبة الشخصية للفرد الذي يكون واقعا" تحت تأثير اتجاهات فكرية ووظيفية غير واقعية، كأن يرسم لمستقبله اهدافا" لا يستطيع تحقيقها على مستوى الواقع  فيصاب بخيبة امل واحباط  تؤدي الى احتراقه نفسيا" . وكذلك حين تسود بيئة العمل التنافر والبغضاء والحسد وتلقط الاخطاء، واتباع الادارة اسلوبا" سلطويا" لا يحترم انسانية العاملين  .غير أن أهم أسبابه : شعور الموظف بالحيف  حين يرى ان ما يتقاضاه لا يساوي ما يبذله من جهد فكري وتعب جسمي، وهذا ما حصل للعراقيين في سنوات الحصار الثلاث عشرة العجاف .. فراتب المعلّمة - في سبيل المثال – كان لا يساوي ثمن حذاء لها .او حين يشعر الفرد الكفوء أنه مغيّب أو مهمّش،وأن من دونه كفاءة يأمر وينهي ويجلس على كرسي أكبر من حجمه بكثير كما هو حاصل الآن .أو حين يشعر أن الحال قد تردّى وصار على وصف الشاعر: (تمزقت حتى لم أجد فيك مرقعا) فيكفر بالقيم والوطن .

ولا يحدث الاحتراق النفسي فجأه بل يمر بمراحل، الاولى : مرحلة الحماس الوظيفي، وفيها يكون الموظف ( طبيب، مدرّسة، ....) في قمة نشاطه الايجابي، مفعما" بالتفاؤل والتوقعات الكبيرة بانجاز اشياء متميزة في مجال اختصاصه . وغالبا" ما يرفض الفشل في عمله ولا يقبل الا بالانجاز الكامل .الا أنه بعد سنوات يدخل المرحلة الثانية : الركود، وفيها تنخفض الطموحات ويدرك الموظف " الطبيب النفسي مثلا " انه محدود بالمتغيرات الموجودة في البيئة الطبية والاجتماعية التي يعيش فيها، وانه لن يستطيع ان يغير ما يريد بمحض ارادته وحماسه لفعل ما هو افضل، وان الأمراض النفسية صارت كالوباء وأنها سوف ستبقى موجودة مهما كانت براعته . واذا لم يكن واقعيا" في نظرته المهنية، فانه سوف ينحدر الى المرحلة الثالثة : الاحباط، وفيها يكتشف ان كل نظرياته الوردية السابقة اصبحت باهته لا لون لها، وانه محدود جدا" فيما يريد ان ينجز، وانه لن يغير ولن يستطيع ان يغير . وفي مرحلة الاحباط هذه ستظهر عليه اعراض نفسية وبدنية ناجمة  عن الشعور بالانهاك والارهاق والالام البدنية، تؤدي به الى المرحلة الرابعة: التبلّد، حيث يكون فيها يائسا" من التغيير، تسيطر عليه حالة من عدم المبالاة والسخرية والتهكم من كل شخص يفكر تفكيرا" ايجابيا" بالتغيير او تحسين الاوضاع بالمؤسسة التي يعمل فيها، وكأن لسان حاله يقول لكل من يفكر بأشياء جديدة للتحديث: لا فائدة من ذلك لقد حاولنا قبلكم وفشلنا .

ترى كم من العراقيين أصيبوا بالاحتراق النفسي على مدى ثلاثين عاما من احتراقات بكل الوان النار؟!. بل لك أن تقول : كم منهم لم يحترق نفسيا ومع ذلك ما زال متعلقا  بالحياة..وبالوطن ؟!

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1299 الاربعاء 27/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم