صحيفة المثقف

دهاليز جون أبدايك .. قنبلة بشرية أسمها عشماوي (2)

 العقد الأخير من القرن العشرين المنصرم وبداية القرن الجديد، وقد صدم أبدايك بروايته الجديدة "الارهابي" أول ما صدم النقاد وذلك حين طرح اسئلة محيرة في بداية روايته لم يكن بالامكان الاجابة عليها بسهولة، وهذه الاسئلة اخترنا منها سؤاله: (ما هي العوامل والبواعث خلف مزيج الحقد واليأس الذي يمكن ان يحمل شابا مسلما مثل أحمد عشماوي مولوي الامريكي البالغ من العمر ثمانية عشر سنة والذي يقع تحت تأثير إمام أصولي، على الوقوف ضد بلاده ويجعل منه ارهابيا)، هذا السؤال راود البريطانيين بعد اعتداءات لندن الانتحارية، والكنديين بعد اعتقال مجموعة من الشباب المسلمين يشتبه بانهم ارهابيين، هو في صلب رواية الاديب الامريكي جون أبدايك، ولو اردنا الدخول الى عقل وقلب عشماوي فاننا سوف نأخذ بكلام خالق هذه الشخصية حينما قال بعد ان عرض بعض أوجهها لتوضيح ما حمله على ان يتحول الى قنبلة بشرية: (أردت ابتكار شخصية ارهابي ولد في بلد غربي)، ومع ان بطل رواية الارهابي يتحدر من أم ايرلندية واب امريكي انفصلا بعد تدهور حياتهما الزوجية، ويرى الشاب في الاسلام ثم الجهاد سبيلا للهروب من حياة عصرية رديئة وتعويضا عن الوحدة التي يعاني منها منذ رحيل والده عنه، أبدايك اثار تناوله لهذه الشخصية وقدرته الفائقة على النفاذ الى عقل وقلب الارهابي انتقادات كثيرة في بلد ضربه الارهاب في الصميم في 11 أيلول / سبتمبر 2001، وكانت الاعتداءات التي استهدفت مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاكون مصدر الهام للعديد من الكُتاب الامريكيين ما أدى الى نشوء ادب حقيقي، غير ان أبدايك الذي شاهد كيفية سقوط برجي نيويورك من سطح مبنى في بروكلين هو اشهر الكُتاب الذين عالجوا موضوعة الارهاب حتى الآن .

 

أبدايك وبعد أن صور بلاده المسترسلة في العنصرية والغارقة في تخمة الاستهلاك المثيرة للاشمئزاز والمستغرقة في عصر من الخفة السوقية واصفا المسلسلات التلفزيونية الحمقاء المخدرة للاذهان وتلال الطعم الرديئ وملابس الفتيات المثيرة للغرائز، اختار أحمد طريق الأصولية والجهاد مدفوعا الى ذلك بنفوره من كل هذا الاسراف والمبالغة معتقدا في ذاته ان هذا المجتمع متكون في اساسه من مجموعة من الشياطين يحاولون الاستيلاء على رب الاكوان ومن ثم توجيه العالم لما يريدونه، وبسبب هذه الافكار شن النقاد عليه حملة عنيفة من بينها مقالة للناقد كريستوفر هيتشنز في مجلة اتلانتيك مونثلي الشهرية وصف فيها الرواية بأنها مبتذلة وبأن " الارهابي " اسوأ نص كتبه شخص بالغ منذ الاحداث التي استلهمها بهذا القدر من الاستخفاف .

 

لم يقف النقاد عند هذا الحد فقد ترددت الاصداء السلبية ذاتها على الرواية ففي صحيفة نيويورك تايمز حيث وصف بطلها احمد بانه " صورة رائجة " بدون اي مصداقية واقرب الى رجل آلي منه الى كائن بشري، واوضح الكاتب نفسه لشبكة " ايه بي سي " ان الرواية ترسم " صورة ودودة " لرجل " وقع في مؤامرة " آمل ان يسمح هذا لقرائي بفهم دوافع اعدائنا الارهابيين .

 

هذا الهجوم العنيف من قبل النقاد لم تزحزح من مكانة أبدايك كروائي حاز مرتين على جائزة بوليتزر الأدبية المشهورة اضافة الى اختيار قراء نيويورك تايمز لروايته " رابيت " كأفضل الروايات ال25 في السنوات ال25 الاخيرة،أما أعماله الاخرى كروايته " ازواج كابلز " التي صدرت عام 1968 واثارت فضيحة حقيقية في اوساط المجتمع الامريكي واعلن اكثر من ناقد بسحبها من الاسواق لانها تسرد مغامرات جنسية بين عشرة أزواج يعيشون في مدينة صغيرة وهي من نسج خياله لكنها احدثت تصدعا كبيرا في اسواق الكتب حين نشرها .

 

كان لعرض فيلم " ساحرات ايستويك " المقتبس عن روايته بالعنوان ذاته عام 1984 من بطولة جاك نيكلسون وشير وسوزان ساراندون وميشال بفايفر تأثيره على النساء خاصة، فقد اثار موجة من الانتقادات الحادة من قبل حركات نسائية عديدة بسبب تناوله الجريئ لعالم المرأة، ومع كل عمل من اعماله التي ظهرت كانت لإبدايك لقاءات مع الصحافة برر فيها مواقفه وآراؤه، ففي مقابلة له مع مجلة لونوفيل اوبسيرفاتور الفرنسية عام 2005 قال: (ان اميركا التي تتبادر تلقائيا الى ذهني هي بلد شبه ريفي حيث الاذاعة والهاتف والسينما ابتكارات حديثة ولاتزال اشباح المبادئ الاخلاقية البروتستانتية مهيمنة بقوة عليها)، غير انه قال ايضا في المقابلة: (لقد فوجئنا بشكل سار أنا والأرنب خلال السنوات الخمسين الماضية بتراجع التزمت في مجال القوانين والآداب والازياء النسائية) .

 

رحل جون أبدايك عن عالمنا في نهاية الشهر الأول من عام 2009 عن عمر ناهز ال 76 عاما بعد معاناة طويلة مع السرطان تاركا لنا 9 روايات و 6 مجاميع قصصية و 4 مجاميع شعرية وكتابان نثريان غير قصصيين مع دهاليز يصعب اجتيازها بسبب هذا الكم الهائل من التساؤلات التي كان يضعها أبدايك مع كل عمل من اعماله .

 

أحمد فاضل

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1301 الجمعة 29/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم