صحيفة المثقف

وحدك يوسف بينهم

وهو ما تجنبه حتى اخوة يوسف الذين تركوه في البئر ومضوا في سبيلهم .

عجيب أمر هذا الفتى الموغل في السنّ المسى عراق، كيف يكون هكذا عصياً على الموت ؟ لم تنقذه قافلةعابرة، فكل القوافل مرت عليه، وكلها رشقته بما اثارته من غبار، لكن (الملعون) خرج ضاحكاً  رغم انه مدمى .

كيف ستكون الحكومة القادمة ؟ ائتلافية – مالكية – علاوية ؟ لكنها عراقية اولاً وأخيرا، وكلّ من يتوهمونه ليناً اليوم، سيجذبه العناد العراقي غداً، وسيقول لهم: أنا يوسف يا اخوتي، وقمحي قد ملأ المخازن، فماذا تراكم فاعلون؟

تختلف القوى السياسية في تكتيكاتها وفي طبيعة خطابها، لكن مارد الديمقراطية انطلق من قمقمه، وسيكتشف المتصدون للعملية السياسية ان تاثيرات خطابهم تفقد بريقها،- بل وجدواها كذلك- ان لم تستمد مصادر قوتها من داخل العراق، ليس بمعنى اصواتا انتخابية وحسب، بل مسارات سلوكية يرفدها معنى سياسي يقترب من النضج اليقيني : لابد من خلق نواة فكر سياسي عراقي يبلور ذاته ليقترب من ذاته من دون تشوش  أومحاولة الجمع بين المتناقضات .

( الأمة الايرانية) قالها احمدي نجاد وهو يخاطب العالم بشكل مبين، لم يقل الامة الاسلامية في ايران التي اصبحت اسلاميتها محوراً لهويتها الوطنية الخاصة، كما اصبحت دعوى القومية العربية في سوريا كما ينادى بها (البعث) هناك، محوراً لبلورة هوية وطنية سورية تقترب واقعاً  مما كان يطرحه (انطوان سعادة) مؤسس الحزب القومي السوري، وبالتالي فتفحص المواقف السورية بدقة، سيكتشف ان

(القومية) في خطابها تعني في الجوهر(أمة سورية) تبحث عن نفوذ .

أما مصروالاردن والسعودية، فخطابهم الداخلي واضح بما يكفي لهويته الخاصة، كذلك ليس من دون دلالة ان تسمى الكويت برلمانها ب (مجلس الامة).

تلك بداهة في عالم السياسية، لم يعد هناك من أمم خارج تحققها الفعلي، اي ان تكون ضمن دولة واحدة - وان اتحادية - يحكمها دستوريحدد شكل الحكم ونوع السيادة .

لذا على العرب وغير العرب ان لاينكروا على العراقيين ما فعلوه هم انفسهم،  فلاينتظرون من الحكومة المقبلة ان تكون عربية قبل ان تكون عراقية، ولا ان تقدم مصالح الآخرين على مصالح شعبها، لأنها ان فعلت فسيكون ذلك انتحاراً سياسياً بكل المقاييس وخروجاً من الذات قبل الخروج من التاريخ .

تلك هي بداهات السياسة، لم يسبق لأحد من العراقيين ان طرح معاداة العرب او اياً من دول الجوار، ولم يرفع تهديده ضد احد، انما تلك الدول هي التي سلكت مسارات اثبتت الوقائع انها خاطئة، لقد راهنت على أحصنة خاسرة  فدفعت العنف في العراق الى اقصاه ولم تتخل عن ذلك بعد .

فماذا تنتظر من حكومة عراقية مقبلة ؟ وعلى اية توجهات تراهن ؟ لن تأتي حكومة تؤمن بأن للآخرين  حقاً مكتسبا على العراق - سوى ما تفرضه المنفعة المتبادلة - كذلك لن تأتي حكومة تعادي الآخرين من أجل العرب أو تعادي العرب من أجل الآخرين، ذلك كله لن يحصل، ومن يتصورحصوله يعيش وهماً، اما (الألغام) التي زرعتها تلك الدول في هذه اللائحة الانتحابية أو تلك، فسيكونون امام خيارين : اما الكشف عن انفسهم وبالتالي الإحتراق، أو الانتظام ضمن السياقات الوطنية  للسياسية العراقية، وبالتالي لن تنتفع منهم تلك الدول كما تتصور .

تلك هي خيارات العملية السياسية في العراق، أما العراق ذاته، فسيبقى (يوسف) الذي يحتضن اخوته ان جاءوا اليه .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1317 الاحد 14/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم