صحيفة المثقف

تخييل الاستيهامات في: "جسد رشيق" .. تحليل سيميائي – نفسي

 الأدبية والمقالة النقدية والشعر(2) والتشكيل(3) ونقد الفن التشكيلي(4). وكلّها ـ في تقديرنا ـ روافد أخصبت تجربة الكتابة لديها وطبعتها بميسم خاص. فقد أفادت تجربتها الشعرية والقصصية من تجربتها التشكيلية البصرية، مثلما أفادت تجربتها القصصية من تجربتها الشعرية، والعكس صحيح. ولعلنا سنكتشف أهمية ذلك في بَنْينة النص القصيصي الإيروسي الذي نروم تحليل أهم مكوناته الجمالية والنفسية الناهضة على هدم الطابو وفضح المسكوت عنه، وتعرية الاستيهامات الذكورية.

 

الحبكة:      

عملت القصيصة على تثبيت مرتكزات النهج الكلاسي في السرد: بداية ووسط ونهاية. ويمكن أن نؤشر على ذلك في النص، بإرادة عامل تغيير صورة إشهارية: (إرادة الفعل)، لكن سرعان ما ستتحول هذه الإرادة إلى رغائب بعد افتتانه بجسد رشيق في صورة الإعلان الإشهاري، وبدورها ستتحول هذه الرغائب إلى استيهامات موقوفة التنفيذ، عاقت تنفيذ (إرادة الفعل)، لينتهي الأمر بمنبِّه من أحلام اليقظة: (دخان الحافلة)، جعله يخرج الصورة من إطارها ثم ينزل. ويبدو أن الذروة الدرامية للقصيصة هي لحظة الاستيهامات، التي تحركها الحاجة إلى تملُّك موضوع رغبة تجد فيه الذات الذكورية إشباعا لها.. وسنحاول من خلال تحليلنا لمعجم النص وصوره الفنية وشخوصه وفضائه وزمانه الوقوف عند براعة تجسيد تلك اللحظات المكثفة، وإن كان يصعب الفصل بينها، لأنها متلاحمة بشكل مدهش:

فنِّية المعجم وظلاله الدلالية:

نستطيع القول إن زهرة زيراوي تنتقي معجمها بدقة متناهية وعناية فائقة. فمن السطح تبدو لغة سهلة سلسة انسيابية، لكنها ممتنعة تغوص في أعماق النفس الإنسانية لتصعِد إلى السطح مكبوتاتها المقموعة بإكراهات واقع مشغول أو منشغل بجنون العمل وروتين اليومي.

وقد كان لهذا المعجم دور في شَعْرنة النص وتشغيل بعده الاستبطاني الناجم عن الإحساس بالرغبة الليبيدية المتولّدة لدى بطل القصيصة. وسنبين كيف راعى المعجم المستخدم تدرج اللحظات الثلاث المشار إليها، من خلال وقوفنا على درجات المشاهدة:

 

أ ـ آليات اشتغال المعجم السردي:

يُفتَتَح النص بسرد خصوصية اللحظة الأولى التي يجملها الفعل الماضي: "نظر"، والنظر هو مجرد تأمل الشيء بالعين. والنظرة هي اللمحة بالعجلة، وقد لا تستوفي شروط اللذة(5). بعدها تأتي اللحظة الثانية المؤشر عليها في النص بفعل آخر للمشاهدة هو لفظ: "رأى"، والرؤية هي النظر بالعين والقلب(6)، هي لحظة تورط الذات في غواية المشاهدة: فـ"في لذة العين لذة تشبه لذة الوصول..كما أن فيه المشاهدة وهي أعظم اللذات..وفيه دهشة الصبيان حين يرون العالم أول مرة..وإذا قلتَ رأيتُ رأي العين فقد صدقك السامع..والعين نعمةٌ ونقمة..."(7). وحين يمعن المشاهد في غواية الرؤية يصل إلى درجة "التحديق" وتلك هي اللحظة الثالثة في المسار النفسي للنص، حين يحاصر المشاهِدُ المُشَاهَد ويطوقه ويتملكه، وإمعانا في غواية التملك هذه، تحوّل التيار النفسي في النص من أفعال المضي: (نظر، رأى...) إلى فعل الحال والاستقبال: "يحدِّق"، وفيه إشباع لرغبة المشاهدة. أليس التحديق من حَدَقَ  بالشيء إذا استدار به وأحاط؟ وكذلك الحديقة لأنها استدارت وأحدق بها حاجز، وهي الحفرة التي تحبس الماء. والتحديق شدة النظر(8). وبهذا التحول من التمفصل الأولي: "نظر..."، إلى التمفصل الثاني: "رأى..."، إلى التمفصل النهائي: "حدّق..."، يتم إنتاج المعنى الاستيهامي المؤسس على متغيرات في المشاهدة، وبالتالي على متحولات نفسية تعبر بالذات الرائية من الثبات إلى التحول، مع وقف تنفيذ الرغبة الليبيدية، اللهم إلا بانزياح استيهامي. وأمام هذا التدرج الدلالي الذي يفصح عنه معجم القصيصة، وهو يرقى بالبطل إلى أعلى مدارج الاستيهام، تأتي التقاطبات اللغوية لتعكس استبطانا آخر على مستوى اللغة تجسده الاستعمالات اللغوية المعرّبة: "الروب دي شامبر"، "الكادر"، "كزابلانكا"، علما بأن لهذه الاستعمالات ظلالها الاستيهامية الواضحة.

 وستستتبع هذه التحولات المعجمية النفسية تحولات استعارية تعكسها الصور النفسية التي تتخلل النص.

 

ب ـ شعرية الصورة الفنية الإيروسية:

تخدم الصور الإيروسية القائمة على التشبيهات والاستعارات الأحوال النفسية التي اعترت شخصا يريد القيام بعمله كمغيِّر للصور الإشهارية، فيتعرض لمنغصات الحرمان. تَجسَّد المشهد الأول في النظر إلى الصورة.. نظرٌ أعقبته ابتسامة تفيد حالة ارتياح (aphorie) العين الناظرة؛ أما المشهد الثاني، فقد تجسد في رؤية بالعين صاحبتها نظرة بالقلب حركت وجدان ومشاعر الذات الناظرة، أعقبتها استيهامات رغبة التملك الناجمة عن إغراءات الجسد الطري الممتد أمامه: "رأى جسدها الممتد كالشمع قبالته"، " كلما حاول أن يقوم بعمله يغريه نهدها المطل من فتحة "الروب دي شامبر"، فيغرق في النهر الممتد ما بين النهدين "، "يمرر كفه على الفاكهة الممنوحة له"، " يحدق في الجسد الرشيق". وهذا المشهد الطافح بالإيروسي مبطن بمشاهد الحرمان الذي تشعر به الذات الناظرة: "مَرَّ شهر لم يحظ فيه بامرأة، أية امرأة"، "كلما حاول أن يقوم بعمله يغريه نهدها...، فيغرق ...وينسى عمله"، "يمرر كفه على الفاكهة.."، " ضغط بأصابعه على ما تحت السرة، انتفضت عروق يده اليسرى، وهي تأخذ شكل محارة بحْرية على عانتها". ولمقاومة الحرمان لجأ الناظر إلى إشباع الرغبة بالتحديق، لولا المنغصات التي تشكل عناصر المشهد الثالث في القصيصة: "يحدق في الجسد الرشيق الذي يفسد عليه ضجيج الشارع الآتي إليه، الاختلاء به كليا"، "مرت حافلة ركاب نافثة دخانها في وجهه، كاد أن يسقط من أعلى السلم الذي كان يقف عليه". وتأتي النهاية لتعلن استمرار المحدِّق في استيهاماته بالصورة، وتأجج الحرمان لديه. وهذا ما يمكن أن تفيده الظِّلال الدلالية لارتعاشة اليد، والإصرار على التحرر من سلطة الأنا الأعلى عليه بعد تملك موضوع الرغبة وحيازته: فهو لا يبالي بالمارة: "دون أن ينظر إلى المارة ارتعشت يده وهو يخرج الصورة من الكادر المعد للدعاية ثم ينزل". ولعل فعلي: "يخرج" و"ينزل" المضارعين الدالين على الحال والاستقبال يشتغلان كلقطة تبطيئية تمطط عمر الاستيهمات تاركة للحلم فسحة في زحمة الحياة والضجيج والتلوث وسيطرة البيروقراطية وسطوة المادة.

نتبين مما سبق كيف أن الصور الفنية في القصيصة عملت على مجاراة بناء الحبكة من جهة، والشبكة المعجمية من جهة ثانية، وسنرى كيف ألقت بظلالها على الشخوص والفضاء.

 

ج ـ شخوص القصيصة بين الانجذاب والتقاطب:

بين الناظر: "هو"، وبين "صورة الجسد في الإعلان الإشهاري"، انجذاب قوي أملته حالة الذات الناظرة المثخنة بالحرمان: " مر شهر لم يحظ فيه بامرأة..."، وحالة الجسد الذي يشهر فتنته على الرائي، بكل طراوته وتبرجه ورشاقته، فتتحول بؤرة الاهتمام من جسد الصورة التي ينبغي إخراجها من الإطار، إلى صورة الجسد الذي يدخله الاستيهام عن سبق حرمان إلى دائرة الرغبة المستهامة، فتتولّد نزوة جنسية تتواءم تجلياتها الدينامية مع الليبيدو الذي تفضحه التشبيهات والاستعارات: "جسدها الممتد كالشمع قبالته"، "كل هذه الطراوة يمتلكها الآن"، "الجسد الرشيق"، الجسد "الفاكهة الممنوحة"، الجسد المغري بنهده النافر من فتحة "الروب دي شامبر". وتتجسد قمة الانجذاب بين الرائي والجسد المرئي في الرغبة في "الاختلاء". وهو ما تحول دونه شخوص أخرى تتقاطب مع هذا القطب الأول المتجاذب. شخوص قاسمها المشترك السير ضد تيار الرغبة، واللهث وراء الروتين اليومي، وتلويث لحظات اللذة: "كان شارع عبد المومن.. يكتظ بالسائرين إلى الإدارات العمومية والشركات"، "مرت حافلة ركاب نافثة دخانها في وجهه". وهكذا عملت القصيصة على تكثيف الشخوص وتقاطبها بشكل يعمِّق الحالة النفسية لبطل النص، ويعري بإمعان حالة الحرمان التي تستبد به.

وقد قام التشويق في القصيصة على الإبقاء على شخصية الرائي كما هي عدا التحولات النفسية التي تعتريها، في حين طال التحول الجسد الذي سيكتشف المتلقي باندهاش أنه جسد صورة إشهارية. وكان للتعارضات: حي/ لا حي، إنسان/ لا إنسان، جسد/ صورة، دور في هذا الإدهاش المطلوب في القصيصة. وهو يقوم أساسا على الإيهام برؤية الرائي لجسد امرأة، سرعان ما سنكتشف في النهاية أن الأمر يتعلق بجسد من ورق لا من لحم ودم، وأن السارد سلك بالمتلقي مسلك أنْسَنَة الصورة، إلى حد أنه انطبع في مخيلته أن الأمر يتعلق بجسد امرأة حقيقية واقعية. وعلى أساس هذه العلاقات التعارضية تم إنتاج الدهشة، نظرا لاختلاف الحالة الأولية للجسد الأنثوي: (طري، ممدد، نهد مطل...) عن حالته النهائية: (صورة إعلان إشهاري).

 

د ـ  الفضاء بين التقاطب والانجذاب:

بدوره خضع فضاء الذات الرائية: (السلم: وهو حيز ضيق عمودي) لانجذاب نحو فضاء الذات المرئية المتعالية: (لوحة الإشهار المعلَّقة)، فغدا الرائي "قبالة" المرئي عينا لجسد. ولعل "السلم" يوحي دلاليا بهذا التدرج الذي طبع المسار السردي للقصيصة من النظر إلى الرؤية إلى التحديق. فالسلم يفيد الارتقاء في درجات اللذة..من لذة البصر إلى لذة التملك، كما يفيد تصعيد الاستيهامات الإيروسية بانتصابه الذي كاد يعصف به فضاء التحت: "مرت حافلة ركاب نافثة دخانها في وجهه، كاد أن يسقط من أعلى السلم الذي كان يقف عليه ليغير صورة الإعلان الإشهاري". وفي مقابل انجذاب فضاء الرائي نحو فضاء المرئي: (من تحت إلى فوق)،  نجد تقاطبا بين هذا الأخير جملةً: (من فوق) وفضاء الشارع بكل تناقضاته واختلافيته وضجيجه: (من تحت): "كان شارع عبد المومن الذي يفصل كزابلانكا الجديدة إلى نصفين، غربي وشرقي، يكتظ بالسائرين إلى الإدارات العمومية والشركات." وتسمح المقولات التناظرية: /أعلى/ /أسفل/، /عمودي/ /أفقي/ بالتمفصل الدلالي لخطاب القصيصة الرامي إلى تعرية واقع نفسي يطبعه الحرمان، كما يمكن أن يوحي بذلك الوضع البرزخي للبطل الموزع بين الرغبة في الغرق في "النهر الممتد ما بين النهدين"، ومقاومة ضجيج الشارع الجارف المكتظ ..الذي يفصل كزابلانكا الجديدة إلى نصفين. وفي وضع المابين تبقى اللذة الاستيهامية معلقة بين الإيروس:( نزوة الحياة): والتاتانوس: (نزوة الموت).

 

هـ : تقاطب الأزمنة:

بدوره خدم تقاطب الأزمنة الأجواء النفسية التي سبحت في فلكها تقاطبات الشخوص والفضاءات. ففي الوقت الذي استخدم فيه السارد أفعال المضي باقتصاد للدلالة على حدث منجز: (نظر، ابتسم، حاول، ضغط، انتفضت، مرت، كاد، ...)، لم يدَّخر جهدا في تثبيت اللقطة واستمراء استيهاماتها، بفضل تشغيله لأفعال المضارعة على نطاق أوسع: (يمتلك، يغري، يغرق، ينسى، يمرر، يفصل، يكتظ، يحدق، يفسد، تأخذ، ينظر، يقف، يخرج، ينزل...). وهذا يتماشى فنيا مع الإستراتيجية الخطابية العامة للنص، الذي يفضح بشاعة الكبح والحرمان، وثقل العالم الآسن الملوث.

الجسد المشهر في الإعلان، يُراد له أن يكون لذة كل الأوقات، وكل المتلقين، لكن استيهامات العامل ثبتتها في زمن الصباح ذي الإيحاء النوراني: " الفاكهة الممنوحة له هذا الصباح"، "الاختلاء به كليا هذا الصباح". ولعل اسم الإشارة يزيد في الإلحاح على تمطيط زمن الاستيهام المشِعّ، لتُستهلك طراوة الجسد في طراوة الزمن..زمن البداية اللامنتهية، والنور السرمدي، كما يمكن أن توحي بذلك لفظة "الشمع" المتصلة بالجسد الصباحي الباهر: "الشمع: مُوم العسل الذي يُتَصبّح به..وهو الطرب والضحك والمزاح واللهو والمضاحكة، والشَّموع: الجارية اللعوب الضحوك الآنسة، وهي المزّاحة الطيبة الحديث التي تُقبِّلك ولا تطاوعك على سوى ذلك. وأَشْمع: نصع نوره(9). بهذا يدخل الجسد دورة الزمن لتثبِّتها الاستيهامات في بداية لا تنقطع حتى الإشباع، ولا يقطعها إخراج الصورة من الكادر، لأنها منذورة لزمن نفسي ثابت.

 

السارد:

تبنت القصيصة تقنية السرد من خلف، لتعطي للسارد فرصة الشهادة والإدانة للحظة اجتزأها من نهر الحياة الجارف. هكذا جاءت عين سارد القصيصة لتقدم مُشاهَدَتَها وشهادتَها، تماما كعين حنظلة الطفل الصغير الذي يتأمل الواقع بعين طفولية تتأمل بشاعة الحاجة والحرمان والفقد والانسحاق، وتندد بأخطبوط الرأسمالية المتوحشة الذي يرمز له "الإعلان الإشهاري" أو "الدعاية"، وما تكرارهما في نص صغير بصيغيتين مختلفتين يحملان الدلالة نفسها، إلا دليل إدانة لا تخطئها عين المتلقي وبصيرته.

 

إيقونة الجسد الأنثوي والذكوري:

في غياب حضور المرأة، يشع حضور الجسد الأنثوي، منذ عتبة العنوان: "جسد رشيق"، باعتبارها مركَّبا إسميا بدون تعريف، يحمل خبر صورة جسد قويم غارق في ديمومة الحال. جسد قد تشتغل بعض المركّبات الاستبدالية في التعبير عنه وعن مفاتنه: " نهد"، "النهدين"، "الفاكهة"،" الروب دي شامبر". ولعل حضور الرجل، كجسد ذكوري، ليس إلا، يتساوق والتغييب الذي طال الجسد الأنثوي بسطوة الإعلان الإشهاري. لذلك جاءت الإشارة إلى جسد الرجل بمركبات استبدالية تعبِّر عن قهر الحرمان: "كف"، "عانة"، "ما تحت السرة"، "يد"

"جسد"، "عروق"، "أصابع".

ابتسامة وابتسامة:

بين الابتسامة الأولى في مستهل النص "نظر إليها وابتسم"، والابتسامة الثانية في منتصفه: "ابتسم كمعتوه وهو يحدق في الجسد الرشيق"، يتبدَّل الإيقاع، ويحدث التمفصل الأساس في معمارية القصيصة، وينشأ التحول من غواية الإغراء إلى الرغبة الجامحة في التملك وديمومة اللذة، وهو ما تفضحه لفظة: "معتوه". لذلك جاء لفظ "ابتسَم" بين مفصلين يعطيان إيقاعا دراميا للحدث وما اعتراه من تحول على الخط النفسي للمبتسِم.

 

أما بعد:

بتكثيف قوي، قدمت القصيصة كل عناصر الحكي الكلاسي من فضاء وزمان وشخوص وأحداث وحبكة، موظّفة عناصر حداثية كالخطاب الإشهاري والتمركز حول الذات والجسد، في معجمها المشحون وتشبيهاتها واستعاراتها ومجازاتها  الشاعرية الوفية للخط النفسي للنص. وقد تم تشغيل كل ذلك باقتدار كبير وإيجاز بالغ وبليغ من أجل تعرية واقع نفسي يحس فيه المرء بالنقص وغياب السعادة والإشباع. وكانت الرغبات غير المشبعة لبطل القصيصة بواعث استيهاماته النزاعة نحو تحقيق رغبة إيروسية مقموعة. وقد جاءت تلك الاستيهامات التي كثفتها الترسنة المعجمية برمزيتها ومجازها، إدانة لواقع، ورغبة مبطَّنة لتصحيح واقع كابح لا يمنح الإنسان إشباعا حقيقيا، فيلجأ إلى أحلام يقظة إيروسية، ويعلِّق الليبيدو بصورة إشهارية استيهامية.

 

د. عبد النبي ذاكر

جامعة ابن زهر

 

ـــــــــــــــــــــــــــــ 

هوامش:

* زهرة زيراوي: "جسد رشيق":

نظر إليها وابتسم، رأى جسدها الممتد كالشمع قبالته، كل هذه الطراوة يمتلكها الآن. مر شهر لم يحظ فيه بامرأة، أية امرأة . كلما حاول أن يقوم بعمله يغريه نهدها المطل من فتحة "الروب دي شامبر"، فيغرق في النهر الممتد ما بين النهدين، وينسى عمله للحظات. عندما كان يمرر كفه على الفاكهة الممنوحة له هذا الصباح، كان شارع عبد المومن الذي يفصل كزابلانكا الجديدة إلى نصفين، غربي وشرقي، يكتظ بالسائرين إلى الإدارات العمومية والشركات. ابتسم كمعتوه وهو يحدق في الجسد الرشيق الذي يفسد عليه ضجيج الشارع الآتي إليه، الاختلاء به كليا هذا الصباح. ضغط بأصابعه على ما تحت السرة، انتفضت عروق يده اليسرى، وهي تأخذ شكل محارة بحرية على عانتها. فجأة مرت حافلة ركاب نافثة دخانها في وجهه، كاد أن يسقط من أعلى السلم الذي كان يقف عليه ليغير صورة الإعلان الإشهاري. ودون أن ينظر إلى المارة ارتعشت يده وهو يخرج الصورة من الكادر المعد للدعاية ثم ينزل.

1 ـ من الأعمال التي صدرت لها في مجال الأقصوصة:

أ - زيراوي، زهرة: الذي كان؛ مطبعة النجاح الجديدة -  الدار البيضاء، 1994.

ب - زيراوي، زهرة: نصف يوم يكفي؛  مطبعة النجاح الجديدة،  الدار البيضاء، 1996.(ط2، عن دار النشر المعرفة 2000)

ج - زيراوي، زهرة: مجرد حكاية، مطبعة النجاح الجديدة ـ الدار البيضاء 2002. (تقديم الشاعر عبد المنعم رمضان والأديب سعيد الكفراوي)

د -  زيراوي، زهرة: شيء "ما" ! ...؛ دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2004.

هـ - زيراوي، زهرة: حنين؛ مطبعة النجاح الجديدة ـ الدار البيضاء، 2007.

 2 ـ عدا العديد من القصائد المنشورة في منابر مغربية وعربية، صدر لها:

زيراوي، زهرة: ليس إلا! ...؛ دار ميريت – القاهرة. (تقديم الشاعر عفيف مطر)

3 ـ لم أتمكن من زيارة المعارض الفردية والجماعية التي شاركت فيها، لكنني إطَّلعتُ شخصيا على بعض أعمالها الفنية التشكيلية في زيارة لبيتها بالدار البيضاء صحبة الناقد المغربي د. عمر حلي. وجدير بالذكر أنها جعلت بيتها صالونا أدبيا منذ سنة 1990، استقبلت فيه المبدعين الشباب، والعديد من رموز الثقافة بالوطن العربي. وقد لمسنا هذا التأثير البصري في مزاوجتها بين التشكيل البصري والكتابة، كما تجسد في أعمالها السردية والشعرية، وفي بعض أغلفة إصداراتها.

4 ـ جمعت بين دفَّتي كتاب مجموعة من اللقاءات مع فنانين تشكيليين من الوطن العربي: كمصر وسوريا والجزائر والعراق:

زيراوي، زهرة: مقامات؛ دار إيديسوفت، الدار البيضاء.

5 ـ النظر حس العين، من نظر العين..النظر: تأمل الشيء بالعين..المشاهدة. النظرة: اللمحة بالعَجَلة..تناظرت النخلتان: نظرت الأنثى منهما إلى الفُحّال فلم ينفعها تلقيح حتى تُلقح منه.(انظر لسان العرب لابن منظور،مادة: ن.ظ.ر).

6 ـ الرؤية: النظر بالعين والقلب. (انظر لسان العرب، مادة: ر. ا. ي)

7 ـ التازي، محمد عز الدين: أيها الرائي، دار الأمان ـ الرباط  1990.

8 ـ حَدَق به الشيء وأحدق استدار بالشيء وأحاط به.

الحديقة: كل أرض استدارت وأحدق بها حاجز، وأرض مرتفعة الحديقة، وكل أرض ذات شجر مثمر ونخل...الحديقة: حُفرة تكون في الوادي تحبس الماء...التحديق: شدة النظر بالحدقة...حَذَق الميت: إذا فتح عينيه وطرف بهما...الحدقة: السواد المستدير وسط العين...السواد الأعظم في العين هو الحدقة، والأصغر هو الناظر، وفيه إنسان العين، وإنما الناظر في العين كالمرآة إذا استقبلتها رأيت فيها شخصك.(انظر لسان العرب، مادة: ح. د. ق).

9 ـ انظر لسان العرب، مادة: (ش. م. ع).

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: ظاهرة الكتابة الايروسية عند المرأة، الثلاثاء 16 - 20/02/2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم