صحيفة المثقف

الانتخابات والدعاوى العاطفية

هذا ما تفتقت عنه (عبقرية) الوصايا الذي سطرتها احدى القوائم الانتخابية في توصياتها وتعليماتها الى مرشحيها .

لابد اننا أمام بؤس حقيقي ذلك الذي صور عدم الحاجة الى مخاطبة العقول باعتبار ان الشعب العراقي لاعقل له او لايقيم احتراما للعقل، لذا فمن السهل خداعه بمجموعة من المداهنين الذي يدغدون عواطفه بمعسول الكلام كي يهرع من ثم الى انتخابهم باعتبار مايقدمونه من وعود .

لم يضع كاتب تلك الوصايا في اعتباره ان الله قد خاطب نبيه الكريم بـ ( إقرأ ---) والقراءة فعل عقلي يراكم ثقافة وينتج فكرا وبالتالي حضارة وتطوراً علميا ينعكس على كل مناحي الحياة الانسانية في هذا المجتمع أو ذاك، وعليه فليس من أمة تطورت وارتقت، الى بمقدار ما استخدمت عقولها وابداعات ابنائها .

لاشك ان العاطفة تحوي جوانب مهمة للحياة، فالعقل وحده يحول الانسان الى آلة مفكره، لكن العاطفة وحدها تحوله الى كائن يشترك مع بقية المخلوقات في مستوى الغرائز، بعد ان خصّه الله بالعقل ليميزه عن بقية مخلوقاته ويمنحه القدرة على الخلق .

ان واضع تلك الوصايا، يحمل تصوراً ضحلاً عن حقيقة المجتمع العراقي حيث تخيله  قطعاناً من البشر تسيرها غرائزها وتتحكم بها عواطفها، لذا يكفي ارضاء الغرائز بمجموعة من الوعود وارضاء العواطف بشعارت ضخمة، كي تتبعه تلك القطعان الناخبة كما تتبع الاغنام راعي القطيع بعد ان يعزف لها المزمارعلى ايقاع ثغائها.

ومادام الامر يتعلق بالعواطف، فالافضل والحالة هذه وضع صور ابطال المسلسلات التركية جميلي الوجوه  رشيقي الاجسام، ومن ثم جعل المرشحين على تلك القائمة يتحدثون عن محاسن وروعة اولئك الممثلين،فلاشك ان ذلك سيكون اقرب الى عواطف الناخبين من تلك الوجوه المرشحة التي تجلب الكآبة الى النفوس وتجعل العواطف تنفر من طلّتهم .

لقد صادر (صدام) وحزبه المشؤوم، عقولنا لأكثر من ثلاثة عقود، ومن تجرأ على استخدام عقله،  فقده الى الابد قتلاً أو اعتقالاً، أما من عزّ عليه عقله، فقد حمله منفردا وغادر العراق، كذلك تحكم (صدام) بمقدار عواطفنا ومايحق لنا اظهاره منها شرط ان ينصبّ على شخص القائد وحده، وهكذا ذهبت عقولنا فصار من السهل ان يضحك علينا هذا وذاك، وجمدت عواطفنا فاصبح من الصعب ان يحركها هذا وذاك .

 لقد خاطب هتلر عواطف الالمان فطوبوه زعيما، لكنه لم يتجاهل عقول المانيا، فبنى آلته الجبارة وصناعته المتطورة من نتاج تلك العقول، لكن عواطفه التي وصلت حدّ الحماقة، دمرّت كل مابناه العقل الالماني الذي نهض من جديد ليعيد البناء تاركا هتلر وعواطفه ولم يعد يُخدع بمن يحاول اثارتها .

كذلك واجه اوباما الاسود، ماكين (اليانكي) الأبيض، فخاطب الأول عقول الامريكيين ليقنعهم بضرورة ان تقّدم امريكا نموذجا آخر يصلح للاقتداء، تلك هي رسالتها للعالم كي تتصالح وذلك العالم الذي خّربته سياسات بوش، وكي تتمكن من تجاوز أزماتها الداخلية بحسابات العقل، فانتصر خطاب العقل الاوبامي على خطاب ماكين الذي حاول فيه اثارة عواطف الامريكيين بحديثه عن عظمة امريكا وعن تاريخه الشخصي في الحروب الامريكية، قبلها تغلب العقل الاوبامي على الخطاب العاطفي للسيدة الشقراء (هيلاري كلينتون) فكسب السباق الاولي الى البيت الابيض .

وفي الحرب العالمية الثانية، سئل (ونستون تشرشل) كيف استطعت قيادة بريطانيا لتنتصر في الحرب وانت بهذا القصر؟ فأجاب: في بلادي يقاس الشخص ابتداء من العنق وصاعداً .

ان السياسي الناجح،هو ذلك الذي يحترم ابناء شعبه وبالتالي يدرك ان الطريق الى  قلوبهم يمرمن خلال مخاطبة عقولهم ورفع مستوى الوعي لديهم، اما من يريد استثارة العواطف دون العقول، فهم اولئك الخائفون من شعبهم الذي يريدون ابقاءه تحت خطّ الجهل، ليسهل من ثم خداعه، ذلك ما اثبتته تجارب الشعوب،وسيثبته العراقيون بدورهم .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1321 الخميس 18/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم