صحيفة المثقف

في ذكرى اغتياله: مات حسين مروة وبقي فكره المتوهج والأصيل

 الذي اغتالته القوى الوثنية الطائفية والظلامية الغيبية في لبنان، في محاولة بائسة لإطفاء وإخماد شعلة الإبداع الحر المتوقد وإسكات وقمع الصوت الأدبي الثقافي الديمقراطي والعقلاني، الذي يؤصل ويرسخ الفكر المتنور الخلاق والثقافة الشعبية المقاتلة بين صفوف الشعب والناس، ويحارب على الجبهة الثقافية والأيديولوجية بالنقاء والموقف الثوري الشجاع دفاعاً عن حرية وشرف الكلمة المتوهجة المشرقة.

 

لقد دفع حسين مروة غالياً ثمن أفكاره التحررية والتقدمية ومعتقداته ومنطلقاته الفكرية ومنجزاته التاريخية والنقدية وطاقاته الإبداعية، التي كرسها لخدمة قضايا الإنسان ألمقموع المضطهد والمستلب الإرادة، المتعطش للحرية والديمقراطية والحياة الإنسانية الهادئة، ولذلك استحق المكانة العظيمة الرفيعة والطليعية في الوعي النقدي العربي المعاصر وبين النخب والأوساط الثقافية والسياسية والفكرية اللبنانية والعربية والعالمية.

 

انخرط حسين مروة في الحياة النضالية والكفاحية الشعبية منذ شبابه وخاض المعارك والسجالات الأدبية والفكرية وارتبط مشروعه الفكري الحضاري والنهضوي بالسياسي والثقافي، وعمل على تعميق القيم الجماعية والمثل العليا ونبذ التعصب والانغلاق الديني والطائفي ومحاربة الجهل والتخلف، ونادى بالإصلاح ونهوض المجتمع اللبناني والعربي وبالتغيير الديمقراطي الشامل في كل مناحي الحياة، وأسهم في التوعية والتعبئة والإثارة ونشر الأفكار التنويرية والعقلانية والتصدي لأضاليل وأكاذيب الأيديولوجية البرجوازية، وتعامل مع التراث العربي الإسلامي بمنظور فلسفي وتقدمي،وأنجز في هذا المجال مؤلفه الإبداعي الكبير "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" الذي يشكل تاج وعقد أعماله وإبداعاته ويستند إلى النظرية الفلسفية ـ الاجتماعية والمنهج المادي الجدلي التاريخي الذي ـ كما يقول ـ القادر وحده على كشف تلك العلاقة ورؤية التراث في حركته التاريخية واستيعاب قيمة النسبية وتحديد ما لا يزال يحتفظ منها بضرورة بقائه وحضوره في عصرنا كشاهد على أصالة العلاقة الموضوعية بين العناصر التقدمية والديمقراطية في ثقافتنا القومية في الحاضر.

 

يتميز حسين مروة بوعيه النقدي ونظرته الرشيدة في مجال التعاطي مع الأدب، وتعد أعماله في النقد الأدبي تأسيساً لمنهج أدبي نقدي واقعي وتقدمي وإيديولوجي في الثقافة العربية الحديثة، وهذا ما نلمسه ونلحظه في كتابه "قضايا أدبية " الذي اشتمل على مجموعة من الدراسات النقدية وجاء حصيلة حوارات ومعارك أدبية مع أصحاب النزعات الرجعية والسلفية ونظرية "الفن للفن"، وفي كتابه "دراسات نقدية ـ في ضوء النهج الواقعي " الذي احتوى على دراسات تطبيقية لأعمال أدبية وإبداعية لكتاب من لبنان ومن الأقطار العربية.

 

وفي معرض حديثه عن الشعر فأن حسين مروة يستخلص جوهر الشعر المغاير والمختلف عما تقوله القصيدة الشائعة في الكثير من شعرنا المعاصر، إنه ـ كما يؤكد ويقول ـ المفهوم أو الجوهر الذي نرى فيه الشعر نسيجاُ جمالياً يتفجر بحيوية العلاقة بين الحلم والذاكرة، وبين " الرؤيا الشاعرة" والرؤية "الفكرة"، بين أشراقات الخلق العضوية وإضاءات الوعي المعرفي ـ الجمالي الإنساني بين البناء التشكيلي والعالم الخارجي ذاته مركباً من جديد بين كل من الماضي والحاضر والمستقبل كمجرى نهر واحد في سياق صيرورة العالم الواقعي والفني..واخيراً بين "التوحد" في عالم الحركة والنشاط البشري الجماعي وفي عالم الكون الأوسع وبين التفرد بخصوصية الإبداع الفني وبخصوص النص الإبداعي.

 ويضيف قائلاً: "فالشعر إذن هو في وقت واحد حلم وذاكرة، ماض وحاضر ومستقبل، عفوية ووعي، مطلق ونسبي، غيبوبة رؤيوية وحضور فكري، ثم هو بخلاصة جوهرية تشكيل فني للعالم الخارجي بلغة الشاعر الخاصة وليس تشكيلاً لغوياً لعالم فني خاص".

 

حسين مروة مفكر طليعي وناقد إيديولوجي عظيم ومناضل سياسي فذ يختزل في تجربته الذاتية حقبات طويلة من التاريخ اللبناني والعربي، وهو من أبرز المقاتلين والمقاومين لمحاولات التغريب والغزو الثقافي الاستعماري، عاش حياة نظيفة ومستقيمة وغنية حقاً، فكراً وإبداعاً وعطاءً وكفاحاً، وتجسدت في شخصيته عظمة وكبرياء الثقافة الوطنية والتقدمية والديمقراطية، وترك وراءه إرثاً فكرياً وأدبياً هاماً في الأدب والنقد والفلسفة والفكر والسياسة والاجتماع والبحث العلمي والنظري التطبيقي.

 

وبعد فإن الرصاصة الغادرة التي أطلقها أحد الجبناء الأنذال من مسدسه كاتم الصوت لم تقتل حسين مروة أو تغيّب فكره، ففي سماء الأدب والفكر والنضال استمر حضوره ودوره الريادي،ينفض الغبار ويعيد للعشق الإنساني وهجه والتماعاته في فضاء الشعب والتاريخ ويضيء درب المسحوقين والمقهورين السائرين نحو الفرح واشراقة الشمس والمستقبل الوضاء والغد الأجمل. وطوبى إليك في ذكراك يا شيخنا الجليل.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1323 السبت 20/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم