صحيفة المثقف

ريم قيس كبة .. عصفورة الشعر تتطلع الى البحر كي يقرأ طالعها ..

فليس من السهل تصنيف شعرها ضمن تيار أدبي محدد سيما وانها منذ صدور ديوانها الأول " نوارس تقترف التحليق " عام 1991 وحتى " البحر يقرأ طالعي " الذي صدر مؤخرا، تنوعت قصائدها حتى رست مؤخرا على أطر لوحات تشكيلية رسمتها شقيقتها " بان " .

ولادتها جاءت في عام الهزيمة كما يطلقونه جزافا على العام 1967، لكنها وبإصرار المرأة العراقية التي تأبى الهزائم نجحت في الحصول على بكالوريوس ترجمة من كلية الآداب بالجامعة المستنصرية عام 1989 وعملت في دار المأمون للترجمة والنشر منذ العام 1991، وكانت تتهيأ في كل مرة مغادرة العراق المضطرب حتى كان لها ذلك حيث رحلت الى القاهرة تحمل معها خمسة مجاميع شعرية كانت قد أصدرتها على التوالي : " نوارس تقترف التحليق " بغداد 1991، " إحتفاء بالوقت الضائع " بغداد 1999، " اغمض اجنحتي واسترق الكتابة " الدار المصرية اللبنانية 1999، " زقزقات " قصائد بصوتها بغداد 2002، " متى ستصّدق أني فراشة " بيروت 2005 .

بعد ان تم لها الاستقرار بجوار النيل عام 2005 عادت لتنعش ليل القاهرة بزقزقة قصائدها، فأصدرت مجموعتها الشعرية السادسة هناك " بيتنا " عن دار مركز المحروسة للنشر 2009، وبعد عام واحد من صدورها هاهي تخرج علينا بمجموعتها الشعرية الجديدة " البحر يقرأ طالعي " مع اطلالة العام الجديد وهو عمل مشترك من قصائد ولوحات أنجزته مع شقيقتها الفنانة التشكيلية بان قيس كبة، وقد اقامت لهذه المجموعة المتميزة حفلا للتوقيع ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في أرض المعارض، وتقع في 120 صفحة متضمنة قصائد باللغة العربية مع ترجمتها الى الإنكليزية، وتضم 17 لوحة تشكيلية وقد صمّمت الغلاف الفنانة العراقية " مينا الحلو " .

جاءت قصائد المجموعة الأخيرة معبرة تحمل معها أحزان وآلام كبيرة لما آلت اليها ظروفها وعزلتها التي اختارتها مرغمة بالرغم من صوتها الذي يحاول ان يخترق تلك العزلة، ففي حوارية جمعتها مع الكاتبة الصحفية هدى جاسم قالت بعد أن سألتها عن عزلتها التي مازالت قائمة : ( انا لم أختر عزلتي اعتباطا أو بطرا أو ترفا، اخترتها يأسا من محاولة العمل لفعل شيئ في ظل هذه الفوضى العارمة التي طالت أفكار المثقفين قبل سواهم وادخلت حتى المتنورين فكريا في خضم نزاعات تكرس العنف والإنشقاق وثقافة اللاتسامح واللااختلاف، صدقيني حينما تسألينني عن انتعاشات والجدالات التي دخلت فيها كنت أجد نفسي والله من أشد المدافعين عن ثقافة الاختلاف التي لم أجدها الا عند ندرة من المثقفين وهذا برأيي بداية الدمار) .

ريم في حديثها هذا تحاول ان تتحدى واقعها بالإنزواء بعيدا عن تلك المخاضات، ففي قصيدة لها بعنوان (اتحداكم) نجدها تبوح بذاك الشيئ الذي ارادت ان تقوله :

الصباحات تركض كالخيل

لكنني

قد أفوز بكبوة

وليل أمرئ القيس

شدد امراسه

بيد أني

قد ابتليه بنزوة

...

وسدت دروب

وعم خراب

وحرم خمر المشاعر

لكنني

سوف اسكر

حتى بقهوة..

من يقرأ لها من مجاميعها الشعرية الأولى، ويقرأ لها مجموعتها الأخيرة يحس بذلك التغيّر الذي طرأ على افكارها ومروياتها الشعرية نتيجة تقلبها مع واقعها المر، فمن مجموعتها الصادرة عام 1999 " اغمض اجنحتي واسترق الكتابة " نقرأ لها قصيدة (غيمة) تقول فيها :

مثلما غيمة

تستقر على كتف الانتظار

تبشر بالمطر المتأني

أرى مقلتيك

تضمان روحي

...

وكان على الرمل قلب

يضج اشتياقا

لقطرة ضوء

...

ومرت سويعة صمت ثريّ

فأمطرت

وجدا

وامطرت

صحوا نديا

...

وأدركت

- من صدق صحوي -

بأني

كنت لديّ

وانك

كنت لديك

...

وأني حلمت

بأنك غيمة

وأني تراب

على راحتيك..

هذه الرومانسية المعطرة بقطرات ممطرة من غيمة مرت بها تعود لتكون هذه المرة تفاحة في مجموعتها الأخيرة " البحر يقرأ طالعي "، وعلى الرغم من كل تلك الجراحات التي حملتها معها في سني غربتها، لكن " زقزقة " ابياتها عادت لتؤنس وحشتها وسط هذه الغربة، تقول في هذه القصيدة :

في لفتة حلم

أغدو بين يديك

تفاحة

وعلى بُعد جنون

من شفتيك

الفظ أنفاسك

تلفظ إسمي السريّ

وتقضمني !

..

يانعة

ملْ نضوجي

اتحسس ريقك

دفاك

عبق الكلمات

وتبغك

..

آه

أتعتق فيك !

..

فان كنت نسيت

وتاه الحلم الغبشي لديك

ستبقى تتذكر

أني

في لفتة صحو

اصبحت نبيذا

في شفتيك..

ريم في هذه المجموعة لابد وانها جلست تتأمل نهر النيل فمر مركب ذكرها بدجلة، أو تنسمت منه عبيرا أحست به ينساب داخل روحها، يذكرها بتلك الاوراد الجميلة التي تدلت من حدائق بغداد، انها تتطلع الى كل بحار الدنيا لتخبرها عن طالعها علّه يكون الأمل أو الفرج بعد كل تلك السنوات المحملّة بالجراحات .

يذكر ان ريم قيس كبة حازت على جائزة وسام الشعر لرابطة الصحفيين الشباب ببغداد 1994، والجائزة الذهبية الأولى للإبداع الشعري - منتدى المرأة الثقافي ببغداد - 1997، والمركز الأول في الشعر - أندية الفتيات بالشارقة - 1998، وجائزة الصدى للمبدعين بدبي 2004، واضافة لمجاميعها الشعرية فقد أصدرت " لوليتا في طهران " تناولت فيه سيرة الشاعرة الإيرانية اذر نفيسي وقد صدر الكتاب عن دار الجمل ببيروت 2009،ولديها تحت الطبع " لوغالبندا " اول قصة عرفها التاريخ لكيتي هندرسون من ترجمتها وستصدر في بيروت، و"أوراق تسقط سهوا " وهي كتابات نثرية - القاهرة، و"هيا نقرأ ياعصفور" وهي مجموعة شعرية للاطفال ستصدر في دبي .

أحمد فاضل

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1323 السبت 20/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم