صحيفة المثقف

من الرتب المزورة الى الشهادات المزورة

ونسوروسيوف متقاطعة، لذا تنكّب كل الطغاة رتبا عسكرية حقا أو باطلاً، فتحول هتلر من عريف، الى قائد عام للرايخ وجيوشه،  وتحول صدام حسين من (جندي فرار) الى مهيب ركن – قيل بأن عارف عبد الرزاق دفع حياته ثمناً لعدم موافقته منح صدام حسين رتبة ملازم في أواخر الستينات قبيل انفراد حزب البعث في السلطة -  ثم انهالت الرتب على العرفاء ونواب العرفاء ليصبحوا عمداء وألوية كرمى الولاء للحزب وقائده .

كانت رتباً مزورة (بالقانون) مادامت جرة قلم من صدام حسين كفيلة برفع الشخص الى مصاف (القادة الكبار) الذي يصطف الضباط الحقيقون أمامهم ويؤدون لهم التحية؟

اليوم ومن دون سابق انذار، وجدنا انفسنا في عصر الديمقراطية، وطريق (المجد) فيها يمرّ عبر السياسة، شرط ان تقفز الى كرسي النيابة أو ان تصبح وزيرا أو من ذوي الدرجات الخاصة الذين قد يصح ان نطلق على بعضهم بأنهم من ذوي (الاحتياجات الخاصة)، مع تسجيل نقاط لصالح ذوي الاحتياجات الخاصة الحقيقيين،الذين نعرفهم بمجرد النظر اليهم فيستدرون عطفنا وتضامننا، اما اولئك (الخاصون)  فيثيرون غثياننا  بمقدار جهلهم، ومع ذلك فنحن الذين نأمل بعطفهم .

ولما كان ذلك (المجد) يسلك طريق (الشهادة) حتى لو جاءت من اهون السبل، لذا هجم المتسابقون على العطاءات المرافقة لكرسي القيادة فكثرت بين اياديهم الشهادات من مختلف (الرتب) رغم ان بينهم من لم يسمع يوماً بأن للجملة فعل وفاعل وجار ومجرور، وان ابا الطيب المتنبي هو القائل

(اذا غامرت في شرف مروم – فلا تقنع بما دون النجوم) وهكذا استبدلت نجوم (الضباط المزورين) ايام الدكتاتورية، بنجومية اصحاب الشهادات المزورة الذين يريدون النجوم ومابعدها .

النيابة في بعض الدول المتقدمة، هي عمل تطوعي لايتقاضى صاحبه اية مبالغ جراء ما يقوم به في خدمة المجتمع ، ذلك ما يتساوى مع اعضاء المجالس البلدية الذين لايقلون اهمية ونشاطاً في خدمة الناس عن اعضاء البرلمانات، ومع ذلك لاراتب سوى لرئيس البلدية وبعض الموظفين المتفرغين .

يمكن فهم ان يتقاضى النائب بعض النثريات للتنقل والاتصالات وماشابه، على ان تكون مبالغ رمزية مما يفي بالحاجة، أما ان (يشفط) كل هذه الرواتب اسوة بالوزير واعبائه الكبيرة، وبكل الامتيازات التي يحصل عليها، فتلك هي (الحاجة الخاصة) بعينها التي تجعل الطامحين يتدافعون بالمناكب ويسلكون كل سبيل للوصول اليها .

ترى لو تحولت النيابة الى عمل تطوعي فعلاً، فكم سنرى من المرشحين كما هم اليوم ؟

الديمقراطية على هذه الشاكلة ستفرغ من مضمونها، وستتحول الى مجرد ممارسة فلكلورية للناس، وطريقاً الى المال والشهرة والنفوذ لدى العاملين بالسياسية شكلاً و(العاطلين) عنها مضموناً .

في عصر النهضة الاوربية، نادوا بفصل الدين عن الدولة فحققوا دولة الرفاه والعقد الاجتماعي التي وضعت الانسان في مقامها الاول، اما عندنا، فلن تصمد ديمقراطيتنا وتنمو، اذا لم ترتفع الاصوات منادية بفصل السياسة عن الوظيفة .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1328 الخميس 25/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم