صحيفة المثقف

دكتاتورية الشعب – ديموقراطية الدولة

اللحم والارز والبرغل، اي انها خليط عجيب لاصنف محدد لها .

مرحلة العراق الحالية، تشبه تلك الطبخة، فالوطنية اختلطت بالاثنية والقومية بالطائفية، أما طروحات القوى الاسلامية، فقد شاطت من داخلها طروحات الانفتاح والليبرالية وماشابه، فيما عانت الاستقلالية والعرقنة – من عراق – من تفاعلات بل ومزاحمة، أموال الجوار وتدخلاتهم مع الضغط الامريكي وانعكاساته .

آخر ما تمخضت عنه مفارقات العراق،هو التنافس المناطقي الذي قد يصل الى مرحلة الغليان بعد ان بدأت ابخرته بالظهور، ابتداء من البصرة وكربلاء وبابل، وليس انتهاء بما جرى في صلاح الدين والانبار والسليمانية،فامتيازات السلطة في بلد كالعراق، يسيل لها لعاب حتى من جفّت افواههم بالدعاء طلباً للمغفرة، فمابالك بمن هم افواههم مفتوحة على اتساعها،كالحوت يهمّ بابتلاع سفينة السندباد .

في كل تلك المشهدية الضارية، تبدو عامة الناس من العراقيين، هم الخيام  الوحيدة للديمقراطية، وسط سيول من الدكتاتوريات  المقنعة التي بدأت غيومها  بالهطول من كل اتجاه .

لم تعد الانقلابات العسكرية هي الخطر الوحيد الذي يهدد الديمقراطية الناشئة، ولاحتى البعثيين والارهاب رغم كل ما يلحقه من اذى،اذ تشير القراءة العامة ان العراق قد تجاوز واقعاً هذين الخطرين لشدة بروزهما وتبيان مكافحتهما، لكن ما لم يظهر الى العلن بعد، هو الخطر الكامن بافقاد الدولة الديمقراطية وظيفتها كناظم وموجه لنشاطات المجتمع،وليس ربّ عمل مهمته الوحيدة توفير وسائل العيش للناس الذين يرتبطون بالدولة وقد يغفرون تجاوزاتها، فكلما ازداد اتكال المجتمع على الدولة في عيشه، كلما افرز معادلة الخضوع من جانبه والهيمنة من جانب الدولة، ذلك لأن المنتظمين في سلك الدولة واجهزتها المختلفة، هم الاكثر عرضة لتأثيراتها، وبالتالي فهم الاقل حرية في اختياراتهم، ذلك مايؤدي الى اعاقة نمو المجتمع نحو قدرته الى ابتكار وسائل عيشه، فأكثر الدول فشلاً، هي الدول المعلية وبعكسها الدول الراعية .

الصعوبة تكمن في القدرة على نشر ثقافة النشاط الاجتماعي الحرّ، بدل انتظار الوظيفة الرسمية، لأن ذلك من شأنه ان يرهق موازنة الدولة ويجعلها تعجز عن الايفاء بمتطلبات المجتمع المتزايدة، ما يخلق المزيد من البطالة وما يتبعها من توترات تنعكس على الامن المجتمعي، فلا تجد الدولة من طريق سوى اللجوء الى تطبيق اكثر صرامة للقانون، ما يعني سلوك السبل التي تؤدي الى الدكتاتورية وأن المتدرجة، اذ ان هناك علاقة عكسية بين تطور نشاط المجتمع وبلورة مهمة الدولة كوظيفة اجتماعية، وبين تراجع النشاط المجتمعي وبالتالي الانحراف في وظيفة الدولة لتصبح مهمة سلطوية قمعية كي تحافظ على الهدوء المجتمعي وذلك وفق معادلة : نشاط أكثر- قانون أقل، اي كلما ازداد النشاط  المجتمعي، كلما قل الاعتماد على القانون، والعكس صحيح، لذا نرى في الدول المتقدمة، قلة عدد الموظفين نسبة لتطور الدولة، ومقدار احترام مواطنها للقانون بشكل طوعي لقلة اعتماده على الدولة .

الخلاصة، ان على صانعي القرار في العراق الجديد، ان لايستسهلوا القرارات الشعبوية في قياس الانجاز بعدد الوظائف، بل ان يكون القياس في مقدارالانتاج الحرّ، فتلك هي قوة الدولة بحكومتها ومجتمعها على المدى الاستراتيجي .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1330 السبت 27/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم