صحيفة المثقف

المالكي وفن اكتساب الخصوم

تلك قاعدة ذهبية لاتستدعي الكثير من الاختلافات حولها، لكن هناك ظروفا قد تكون نادرة في استثنائيتها، الا انها حالة واقعية حيث ينجح السياسي الذي يستطيع اجتلاب اكبر قدر من الخصومات ويخوض معاركه مع كل اعدائه دفعة واحدة على مافي ذلك من خطورة تبلغ حدود المغامرة .

الحالة الإستثنائية تلك، شهدنا فصولها تتجلى واضحة في الإنتخابات العراقية الأخيرة ومارشح عنها من نتائج تبدو شبه مؤكدة .

لقد استجلبت الحكومة العراقية برئاسة المالكي، أكبر قدر من الخصومات والعداوات ربما أكثر من أية حكومة اخرى في تاريخ العراق الحديث كله، اذ لم يسبقها في ذلك حتى (حكومة)  صدام حسين الذي كانت له امتدادات في الكثير من الدول انظمة وشعوباً .

كانت دول الجوار بأكملها قد وقفت – وان بنسب متفاوتة – ضد هذه الحكومة، فيما لم تقف الى جانبها دولة واحدة من دول العالم بشكل حاسم، كذلك لم تستدر تعاطف شعب أو اعلام أو مثقفين  في الدول الاقليمية او المجاورة الا فيما ندر، فيما شهدنا حملات منظمة من الرفض وتقليب المثالب وتحرض مباشر، شاركت فيها وسائل اعلام واصوات سياسية وثقافية وكتّاب من كل صنف ونوع .

اما في الداخل، فكانت الشكاوى  والتذمر من سوء الخدمات وانتشار الفساد ومظاهر الرشوة والمحسوبيات، تعّم مفاصل الدولة وتلقي بظلها على عموم المواطنين الذين عاشوا تلك الظروف وصرخوا بوجهها  بشبه اجماع .

وعلى الصعيد السياسي، امتدت الخصومات لتشمل طيفاً واسعاً من القوى السياسية على مختلف مشاربها وتوجهاتها، التي شهدت كذلك مايشبه الاجماع على ثلب الحكومة واظهار انتكاساتها وفشلها، في وقت سعت فيه معظم الاطراف المنافسة الى اكتساب رضا الناخب وصداقات الجوار .

كانت تلك حالة نموذجية لابد ا ن تؤدي الى اسقاط  رئيس الحكومة محملة اياه مسؤولية كل هذه الخطايا وهذا الاخفاق في أداء المهام، وكان المنطقي ان يرفضها الجمهور الناخب ويعاقبها على مافعلته وما لم تفعله .

ذلك ما يمكن ان يحدث في اي بلد آخر، لكنه العراق البلد الذي لايستقيم لتحليل ولا يتوقف عن صنع المفارقات ليجعل منها قاعدة متحركة  تثير الدهشة والاعجاب على حدّ سواء .

حلّت لوائح المالكي في المركز الاول طبقاً للتوقعات ومارشح من نتائج، وبالتالي كسرالعراقيون كل التحليلات وقواعد السياسة ودراسات الخبراء، لكن لماذا؟

في مناقشة الرسائل والاطروحات الجامعية للدراسات العليا، تنهال الملاحظات على الطالب وتظهر سلبيات اطروحته، حتى يخال انه سيرفض لامحالة، لكن وبعد انتهاء المناقشة واختلاء اللجنة، يفاجىء الحضور في انه نال تقديراً عالياً، فكل الملاحظات لم تمنع رؤية مابذله الطالب من جهد في رسالته .

كان الشعب العراقي هو اللجنة المشرفة على رسالة الحكومة ورئيسها، قدم  ملاحظاته وانتقد الاداء، لكنه في النتيجة منح (الطالب) مكافأة النجاح على مابذله من جهد آخذاً بنظر الاعتبار الظروف التي مرّ بها.

الميزة الأولى لحكومة المالكي، هي ذاتها نقطة الضعف في السياسية عموما، كثرة الخصوم، انها لحظة قدرية لن تتكرر وقد لايشهد لها العالم مثيلاً آخر، لم ينتخب من انتخب المالكي لشخصه، انما لتلك العداوات التي اثارها، فإن يصّرح رئيس دولة مجاورة  لاتعادل العراق  حجما واهمية، بأن فوز المالكي يعني لاعلاقة مستقبلية مع العراق، واجهها العراقيون بردة فعل تشابه مثيلتها بعد الاستفزاز الذي اطلقه الارهابيون في تهديد من يذهب الى الانتخابات.

لكن العراقيين لم يتصرفوا وفقاً لردات الفعل، فقد انتخبوا (موقفاً) لاشخصاً، موقف كانوا بحاجة اليه  لترميم هويتهم الوطنية وكبريائهم الجريح وهم يرون مقدار التعدي على كراماتهم وأرواحهم وحجم الادعاءات من هذه الدولة او تلك بحماية طرف عراقي من طرف آخر .

  انه المرةّ الاولى التي يلعب فيها العناد العراقي دوراً لم يكن سلبياً، فنجح الاستثناء- وان نسبياً - وتعثرت (البراعة) السياسية التي حاول تطبيق قواعدها بعض السياسيين .

ذلك درس آخر من بلد مدمر وشعب منهك، لكنه مازال يحمل مقداراً كبيرا من المفاجآت .

                                         علي السعدي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1341 الخميس 11/03/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم