صحيفة المثقف

في دراسة حديثة .. سبارتاكوس لم يكن محررا للعبيد فقط بل دكتاتور؟

لعبيدهم وحتى قتلهم إذا تطلب الامر ذلك، ودون ان يتعرض أولئك الاشراف للمسائلة القانونية، هذا النظام جعل من أحد عبيد روما وهو المصارع "سبارتاكوس" الذي اشتراه أحد تجار الرقيق من "تراقيا" وهي بلغاريا الآن، ينقلب على روما ويقود ضدها ثورة ما زالت اصداؤها تتناقلها الاقلام والافلام حتى الوقت الحاضر .

 

وعلى الرغم من فوزه على القوات الرومانية تسعة مرات في معارك طاحنة، إلا ان تلك الاسطورة سرعان ما انقلب صاحبها الى دكتاتور بعد ان كان عبدا ذليلا حاول تحرير مئات العبيد من عبوديتهم .

 

هذا الكشف التاريخي المذهل والغريب يأتي بعد اكثر من ثلاثة آلاف سنة على رحيله، يقول عنه الكاتب الإنكليزي " هاري ماونت " في مقال له نشره في صحيفة الديلي ميل اللندنية مؤخرا: (انها لم تكن مفاجأة لنا ونحن نشاهد " كيرك دوغلاس " عام 1960 وهو يتقمص شخصية سبارتاكوس في الفيلم الشهير، يفوز على اكبر قوة عسكرية في العالم القديم آنذاك، ويعيش قصة حب رومانسية مع إحدى الجاريات، لكن الذي لم يظهره لنا هذا الشريط السيمي هي تلك اللحظات الأكثر وحشية التي تميز بها هذا المحارب ومنها ولعه بصلب معارضيه وأقرب من قاتل معه، وهي حقائق تاريخية كان على هوليوود كشفها في هذا الفيلم) .

 

الكاتب ماونت وهو يتناول هذه الشخصية المؤثرة في النفوس لقرون طويلة يعود فيقول: (واكثر ما يلفت النظر هو ان مخرج الفيلم " ستانلي كوبريك " اراد توجيه قصة الرقيق لكسب عطف اكبر عدد ممكن من رواد السينما، لهذا العبد الذي قاد عصابة متمردة تتألف من 73 مصارعا في 73 ق .م، تصاعدت لتصبح 70000، وليؤلف منهم جيشا قويا حاول ان يجعل روما تجثو على ركبتيها، ولم يكن كوبريك الوحيد في سلسلة طويلة من الفنانين والسياسيين الذين أسرهم سبارتاكوس وجعلوه بطلا متناسين في الوقت نفسه انه اساء كثيرا ليس فقط لروما ومكانتها في ذلك العهد القديم بل حتى لأصدقاءه ومناصريه، ولم يكتفي بمصادرة الاراضي التي استولى عليها بل أعدم أصحابها من الاغنياء، وقد قوبل عمله هذا بالرفض والاستهجان من لدن بعض من كان يقف معه في الطليعة فقام بقتلهم ولم يعد يجرؤ أحد على مخالفة أوامره، مما اتاح له بسط نفوذه على مناطق واسعة من روما تمتد على طول طريق " آبيا " الى " كابوا " جنوبا وهي المناطق التي يحيطها بركان فيزوف آنذاك .

 

سبارتاكوس على الرغم من انه كان مصارعا عظيما فقد امتلك ايضا عقلية عسكرية فذة مكنته من سحق عدة فيالق رومانية كبيرة خاصة تلك المعركة التي دارت اسفل جبل فيزوف والذي تمكن فيها من الالتفاف حول الرومان بهجوم مباغت ذبح منهم الآلاف، وعلى مدى عامين - كما يقول ماونت - اصطبغت اراضي روما بلون أحمر قاني مما دفع بمجلس الشيوخ الروماني من استنفار كل امكانات وطاقات الامبراطورية للقضاء على هذا العبد المتمرد، وبعد محاصرته واتباعه في معركة لامثيل لها تمكنت الفيالق العسكرية الرومانية من قتل غالبية اتباعه واسره حيث جعلوه يجثو على ركبة واحدة يحيط به رفاقه القتلى قبل ان يتم ذبحه ولم يعثر على جثته ابدا .

 

" هوراس " وهو شاعر روماني عاصر تلك الفترة الحرجة من تاريخ الامبراطورية الرومانية كتب ملحمة شعرية وصف فيها تلك المعارك والغزوات التي قام بها سبارتاكوس، وفي نهاية هذه الملحمة يذكرنا الشاعر بأن قائد العبيد كان بإمكانه ان يحقن الدماء إما باستسلامه أو الرحيل خارج حدود روما، لكن تعنته وغروره بما اصبح يمتلك من سلاح ورجال جعله ينتهي هذه النهاية المأساوية، هذه الحقائق لم يمر عليها كوبريك في فيلمه سبارتاكوس وهناك الكثير من الافلام التي تجافي قصصها الحقيقة في تناولها لحقب تاريخية معينة، الا ان ذلك لاينتقص من كون هذا الفيلم لايزال يشكل عامل جذب للمشاهد بسبب قصته واخراجه وتمثيله الذي قدمه لنا اثنان من المع نجوم السينما، الممثل المخضرم " كيرك دوغلاس " والراحلة " جين سيمونز " ونخبة اخرى من النجوم على رأسهم لورانس اولفييه و بيتر أوستينوف و جون غافن و تشارلز لوتون وتوني كيرتس و كلف انتاجه آنذاك 12 مليون دولار، قادهم المخرج " ستانلي كوبريك " ليصنع من هذا الفيلم التاريخي الكبير اسطورة خالدة للفن السابع الذي عشناه ونعيشه الآن، بالرغم من وجود تلك المغالطات التاريخية التي لايمكن ان تحجبها الوان السينما سكوب الجميلة وتغطي عليها .

  

أحمد فاضل

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1345 الاثنين 15/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم