صحيفة المثقف

العراق.. وأخبار الجمعة العظيمة

 لا تفسده العيارات النارية من الذين أطاح هذا الكرنفال العراقي بعروشهم وفضح فساد تاريخ صلاحياتهم السياسية .

ولكن قبل أن نستبق الأحداث علينا أن نوصّف المشهد العراقي بشكل دقيق ونعطي لكلّ ذي حق حقه، إذ يشهد كلّ منصف بالتطور النوعي الذي رافق الانتخابات العراقية الحالية مقارنة بالانتخابات السابقة، على مستوى الوعي الفردي للناخب العراقي أو على مستوى الآليات العملية والمهنية التي توفرت لعملية التصويت . وهذا التطور يُردّ الى أسباب عديدة منها: تطور خبرة المفوضية المستقلة المشرفة على الإنتخابات، وضوح مشهد الاداء العملي للسياسيين أمام أنظار العراقيين بشقيه السلبي والايجابي، التقديم الى الانتخابات بالقائمة المفتوحة، توفر حظوظ متعددة للناخب العراقي لأختيار من يمثله، توفر الأمن المعقول للعراقيين للوصول الى صناديق الاقتراع، تشظي الكتل والتحالفات والائتلافات الكبيرة الدينية والقومية والنزول بقوائم تعكس الى حد قريب أطياف الأمة العراقية .

إن المؤشر الايجابي الآخر الذي أفرزته هذه الانتخابات هو إبتعاد أصحاب القوائم أو حذرهم النسبي من التشبث بأذيال "المراجع الدينية "، حيث لاحظنا ضعف " الحج" الى النجف أو كربلاء أو غيرها من المواقع " الدينية " التي مارست تأثيرها الحقيقي على نتائج الانتخابات السابقة .

كما أن القوائم القومية الكردية قد طالها " داء" الديمقراطية، وبرزت كتل من الكرد تطالب بحقوق المواطن الكردي السياسية والاقتصادية ... الخ، خارج هيمنة الحزبين الطالباني والبرزاني .

إّن المشهد العراقي كان ينمّ عن ولادة جديدة وسبيلها عملية الاقتراع ومن خلفها تطور العملية العملية السياسية .

ولكن ماذا حصل فعلا ؟؟

.........

 

لقد كتمت المفوضية المشرفة على الانتخابات أنفاس المشاركين بأعلان نتائج الفرز " بالتقسيط الممل"، وفي كل مرحلة من اعلان النتائج نلاحظ ردود فعل هنا او هناك تؤيد او تندد في مصداقية وشرعية فرز الاصوات، وكما توقعنا في مقالة سابقة عن تصدّر الاحزاب الدينية والقومية مع وجود تطور نوعي على حظوظ القوائم العلمانية، ولكن الامر قد وصل الى حدود المفاجئة الكبرى او المعجزة على حد تعبير أحد قياديّ حزب الدعوة بعد تقدّم القائمة العراقية المؤقت في محافظة بغداد والتي تمثل مركز الثقل في نتيجة التصويت، وهنا إنقلب السحر على الساحر، فبعد ان كانت القائمة العراقية تطالب بوقف عمليات التزوير وتهدد بالرجوع الى الطعن ، جاء رد فعل قائمة السيد رئيس الوزراء نوري المالكي أكثر حزما عندما تراجعت حظوظه في رئاسة وزارية ثانية بعد ان اعلنت المفوضية نتائج فرز ما يقارب 95 % من نسبة الناخبين وتقدّم العراقية على قائمته، فقد أعلن رسميا ومن خلال مكتبه " وهو الآن يقود حكومة تصريف الاعمال " انه وبوصفه المدير التنفيذي للعملية السياسة وبوصفة قائدا عاما للقوات المسلحة، يطالب المفوضية المستقلة بأعادة فرز الاصوات يدويا !! لضمان سير العملية الديمقراطية ولمنع عودة العنف !!

وفي هذا الخضم السياسي الملتبس طالب أياد علاوي بتسليم سلس وديمقراطي للسطة منطلقا من فوزه وتقدمه على اكبر منافسيه وفقا للنتائج المعلنة لحد الآن.

 قائمة السيد الحكيم تراجعت حظوظها الى المركز الثالث، وقائمة الكرد الى المركز الرابع، ولكن القوائم الرئيسية احتفظت لنفسها ان تكون في المربع الذهبي .

,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

المربع الذهبي ورهانات المستقبل

 بغض النظر عن فوز أيّة قائمة من التي وصلت الى المربع الذهبي وهي على التوالي " اياد علاوي، المالكي، الحكيم، الاكراد" سوف تحتاج هذه الكتل الى التحالفات لضمان مستقبلها السياسي بقيادة العراق .

كما ان الكتل الصغيرة لم تعد تشعر بالرعب من هيمنة الاخ الأكبر وبامكانها ان تكوّن تحالفات لتغيير وقيادة مستقبل العراق .

فلم يستطع المالكي والحكيم وان تحالفا أن يكونا قوة غالبية في البرلمان ان لم يكن هناك طرفا اخر ..

 قائمة العراقية نفسها وان حصلت تقدمت على " المالكي" فانها لم تستطع ان تضمن لها قوة برلمانية لقيادة الحكومة المقبلة بشكل واقعي حتى وان حصلت على حقها القانوني في رئاسة الحكومة ..

 .........................

 

هل الكرد... حصان الرهان .. أم القبلة الجديدة !؟؟

رغم التراجع الواضح للقوة السياسية الكردية الرسمية في السيطرة على المشهد في أقليم كردستان، حيث نجحت اصوات الشعب الكردي في خلق معادلة جديدة عبر طريق المعارضة الديمقراطية ممثلة بحركة التغيير وغيرها، ولكن الاكراد رغم تشظيهم الواقعي فهم قوة لها وزنها في القرار السياسي العراقي المركزي.

السيد علاوي زار اقليم كردستان مرتين خلال اسبوع واحد واجتمع مع السيد البرازاني ولم تُنشر اّيّة تصريحات عن هذا اللقاء، كما صرح السيد الحكيم عدم ممانعته من تولي الطالباني رئاسة العراق ثانية، وهو ما أكدته كتلة المالكي أيضا .

ولكن الكرد لهم ثوابت تبدو لحد الآن" مقدسة " وهي : 1- التزام الحكومة العراقية بالدستور وخصوصا تطبيق المادة 140 والمتعلقة بقضية كركوك، 2- للكرد حق المشاركة الحقيقية والفاعلة في صنع القرار السياسي العراقي.

وهذه الحقوق " المقدسة" سوف تتعلق قدسيتها بقدرة المفاوض الكردي على قراءة المشهد العراقي بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات طبعا . ان تراجع حظوظ الاكراد في الحصول على مقاعد أكثر في البرلمان القادم إضافة الى تشظي الموقف الكردي أزاء الحكومة المركزية، سيجعل الصوت الكردي في البرلمان وفي مستقبل الحكومة العراقية القادمة ليس مرهونا ب" المقدسات " بل ما يمكن ان يتحصل عليه الاكراد من مكاسب خارج أقليم كردستان، ومنها رئاسة الجمهورية مثلا، وهذا بتقديري سيجعل الامر مقلق للاكراد في لعب دور " حصان الرهان " دائما .. وهو ما يجب ان ينتبهوا الى خطورته الواقعية والسياسية، لانهم وأن بدوا الآن وقبل الاعلان عن النتائج بأنهم " القبلة الثانية " لرجحان كفة الحكومة الجديدة، لابد لهم ان يعوا وطنيا وقوميا أن العمل على لعبة الاحتمالات سوف يفقدهم مصداقيتهم أمام شعبهم الكردي أولا ووطنهم العراق ثانية .

..............

 

الخروج من نفق الوصايا

الكل يعلم أن تأثيرات دول الجوار واضحة جدا في رؤية وبرامج الكثير من الكتل السياسية المؤثرة في المشهد السياسي العراقي، فأيران لها " مريدون " وهي تطالبهم برد الجميل لها، وكذا السعودية وسوريا وتركيا، وربما بشكل خفيّ الكويت والادرن.

إذن نحن أمام حزمة تأثيرات إقليمية تضاف لها التأثيرات الدولية وأبرزها مصالح أمريكا، الدولة التي رعت وقامت فعليا في التغيير الذي حصل في العراق، وهذا بالـتأكيد ليس " لسواد عيون " علاوي او المالكي او الطالباني وسواهم .

لابد للسياسي العراقي من دفع فاتورة الولاء لمن اختار أن ينتمي !!

وللخروج من هذا النفق المعبأ بالوصايا، لابد للسياسي العراقي ان يستعيد توازنه الوطني أولا، لا بد من إستيعاب الدرس اليمقراطي جيدا، لأن النظام الديمقراطي كآلية مهنية سوف يضمن للجميع حقهم في المشاركة في رسم مستقبل العراق على كافة الصعد، لابد للسياسي العراقي ان يتمتع بقدرة عالية على المرونة في تقبّل النتائج التي ستزيحه مؤقتا من المواجهة، وهذا درس نقدي كبير يتوفر له لمراجعة برامجه ورهاناته .

إن الإمة التي تنام دائما في ماضيها وتحلم بالنيابة عن ما حولها سوف لن تتوفق في تحقيق برنامجها، وهي أمة لا تحمل السبب المنطقي لوجدها المؤثر .

على السياسي العراقي أن لا يفوّت الدرس البليغ ، لان الأصابع التي راهنت بالحبر فقط على مستقبل العراق هي غيرها التي راهنت على رائحة الدم والبارود .

فعقلية الحبر" او الثورة البنفسجية " ممكن أن تتغير بعد دورة انتخابية واحدة وهو ما حصل فعلا، وهذا ما لمسناه اليوم، ولكن رائحة الدم لا تثمر إلا السواد .

نحن إذن بإنتظار جمعة العراق العظيمة ..

هل يفلح الساسة أولا والمجتمع العراقي بالحفاظ على هذا الحق العظيم ..؟

 نحن جميعا في إنتظار تقويم عراقي جديد ربما يبدأ في جمعة أو سبت أو أحد ..

المهم أن يكون عراقيا ..

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1356 الجمعة 26/03/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم