صحيفة المثقف

تساؤلات: محرجة في الدين (4) سايكولوجيا الدين..(1) فرويد

في  حوارنا مع فرويد (منشور سابقا) وجهنا له سؤالين بخصوص موقفه من الدين فأجاب بالآتي:

+ لقد وصفت عصاب القهر بأنه دين خاص مشوه، والدين بأنه عصاب قهري عام . هل يعني هذا انك لا تؤمن بالدين ؟

 

فرويد :

  اننا حاولنا ان نحدد للدين مكانة في تاريخ تطور الانسانية ليبدو انه كسب خالد، بقدر ما يبدو أنه نظير للمرض النفسي الذي لابد ان يجتازه الانسان المتحضر وهو يتطور من الطفولة الى سن النضج . وكان التحليل النفسي آخر من تصدّى بالنقد للنظرة الدينية للكون، اذ ردّ اصل الدين الى عجز الطفولة وقلة حيلتها، كما ردّ مضمونه الى بقاء رغبات الطفولة وحاجاتها حتى سن النضج. وهذا لايتضمن على التحديد دحض الدين، لكنه ضروري لمعلوماتنا عنه . على اننا لاتنناقض مع الدين الا حين يدّعي انه ذو اصل الهي .

 

+ اذا كان تاريخ نشوء غريزتي الحياة والموت يعود ــ من وجهة نظرك ــ الى اللحظة التي نفخت فيها الحياة في المادة الجامدة، فاين يبدأ تاريخ نشوء الدين ؟

 

فرويد :

  في التصور البدائي للكون الذي ينسب الارادة للجمادات، مبدأ المغالاة في تقدير اهمية الواقع النفسي . ولقد اكتشفت مبدأ " القدرة المطلقة للافكار " الذي يوجد بدوره في اساس السحر . ومضيت في مقارنته نقطة فنقطة بعصاب الوسواس القهري، فبينت ان كثيرا" من مسلمات الحياة النفسية البدائية لا تزال فعّالة لذلك الاضطراب الغريب ولكن كثيرا" ما اجتذبتني في الطوطمية ــ اول اساليب النظام الاجتماعي في القبائل البدائية ــ اسلوب اتحدت فيه بدايات النظام الاجتماعي بدين ساذج، وسيطرة صارمة لعدد ضئيل من نواهي التابو . في ذلك النظام، الكائن المقدس هو دائما" وابدا" حيوان تدّعي القبيلة انها انحدرت منه . ومن الدلائل الكثيرة ثبت ان كل جنس من الاجناس، ايا كانت درجة رقيه، قد مرّ لا محالة بطور الطوطمية . كانت نقطة بدايتي هي ذلك التقابل البارز بين الامرين اللذين حرمتهما الطوطمية، اعني " تحريم قتل الطوطم وتحريم الاتصال الجنسي بأية امرأة من عشيرة الطوطم نفسها " وعنصري عقدة اوديب " قتل الاب واتخاذ الام زوجا " . ولم يبق الا القليل كي اقرر ان قتل الاب هو نواة الطوطمية ونقطة البداية في نشأت الديانه .

                         (انتهى النص)

 

 هذا يعني أن فرويد ربط بين صفات الاله الذي يؤمن به الفرد وفكرة الطفل عن أبيه بالمفهوم الأوديبي. وتعني عقدة أوديب، كما طرحها فرويد، بأنها موقف  حتمي لابد أن  يواجهه كل طفل يعيش مع والديه . ففي حوالى السنة الخامسة من عمره يصبح الطفل عاشقا لأمه.. يحب أن يمتلكها جسديا باساليب يستوحيها من خيالاته وتخميناته البدائية عن الحياة الجنسية، فيتولد لديه شعور بالكراهية لأبيه بوصفه منافسا له في أمه . وكنتيجة تبعية تنشأ عقدة أخرى هي عقدة الأخصاء التي تعني خوف الطفل من أبيه أن يقطع عضوه الذكري اذا ما تمادى – الطفل – في ميله الجنسي نحو أمه .ويرى فرويد ان عقدة اوديب تمثل القمة التي يصل اليها النشاط الجنسي الطفلي والتي تؤثر بشكل  حاسم على النشاط الجنسي للراشدين.

 

 هذه الحالة السيكولوجية الأوديبية المتمثلة بخوف الطفل من عداوة أبيه له، وخوفه في الوقت نفسه من فقدان حبه له، أي الخوف من العقوبة والتطلع الى العطف والحماية، تبقى مستقرة في لاوعي الطفل وتظهر لاحقا بشكل ايمان روحي بقوة خارقة هي قوة الدين والايمان بالله.وهذا يعني أن الايمان بالدين هو حل مثالي لعقدة أوديب لأنه ينجم عنها أمران : راحة نفسيه يجدها المؤمن بالدين بأنهاء الصراع النفسي مع الأب، وتقرّيب بين " الأنا الأعلى ّ الذي يمثل الضمير والقيم الأخلاقية وبين ّ الهو " الذي يمثل الغريزة الجنسية (وهما مكونان متناقضان) فيكون الفرد بالمستوى الأخلاقي المقبول اجتماعيا.

 

وفي كتابه " مستقبل وهم " يرى فرويد  ان الدين ينبع من عجز الانسان في مواجهة قوى الطبيعة بالخارج والقوى الغريزية داخل نفسه . وان الدين نشأ في مرحلة مبكرة من التطور الانساني عندما لم يكن الانسان يستطيع ان يستخدم عقله بعد في التصدي لهذه القوى الخارجية والداخلية، ولا يجد مفرا" من كبتها،، أو التحايل عليها مستعينا" بقوى عاطفية أو وجدانية تكون وظيفتها الكبت أو التحكم فيما يعجز عن التعامل معه عقلانيا"، فينمو لديه ما اطلق عليه فرويد أسم " الوهم " يرتبط بتجربة الفرد عندما كان طفلا" . أي ان الدين، في رأي فرويد، تكرار لتجربة الطفل في المرحلة الاوديبية . أي أن التحليل النفسي يفترض أن عملية (الاسقاط –Projection) اللاشعورية هي المحددات الحقيقية للدافعية الدينية . والواقع ان نظريات التحليل النفسي تفسر الدين بدلالة وهم ناجم عن تفكير مرغوب فيه يشكل بديلا لشخص الأب، وتصف الدين بأنه علاقة وهمية تتوسط بين العالم النفسي الداخلي للانسان وبين العالم الخارجي الذي يعيش فيه، ناجمة عن عمليات اسقاطية.

 

 غير أن فرويد يذهب الى ابعد من وصفه للدين بأنه " وهم "، فيقول ان الدين " خطر " لأنه يميل الى تقديس مؤسسات انسانية سيئة تحالف معها على مر التاريخ . فضلا" عن ان ما يقوم به الدين، يضيف فرويد، من تعليم الناس الاعتقاد في وهم وتحريم التفكير النقدي فانه يجعله مسؤلا" عما اصاب العقل من املاق .

 

 ومع أن فرويد وصف الدين بأنه حالة سيكولوجية لقضية وهمية، فأنه لم يسفّه العقائد الدينية ولم يقل عنها انها كاذبة .

 نعيد القول بأننا لا نقرر هنا موقفا مع او ضد النظرية، مرجئين ذلك بعد أن تدلوحضراتكم بارائكم، راجين أن لا يستهدف النيل من صاحب التعليق في شخصه أو تسفيه رأيه . 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1076  الجمعة  12/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم