صحيفة المثقف

عـام الـفـول

إشـارة مـبدئـيـة

حينـما يـطلـع المـرء علـى ثقـافتـنا، ينـدهش من كثرة ووفـرة الأسماء والفعاليـات، في شتى أنـواع فـنون القـول والإبـداع، وكـذا من وفـرة الإنتاج والإنتاجية الإبداعية، التي تغطي مساحات الأسواق والصحف الـورقـيـة  والـرقمـية (الآن) لكن ينكشـف الأمـر، حيـنما ينتهـي أجل أحـد المبدعـيـن [خـاصة الشـرفاءٍ] الذين ضـحـوا  تضحيـات جـسيمـة في مـجالها، وناضلـوا نضالات غـير مزيفـة، بـل صادقة على كـل الواجهات، وسعـوا إبراز الـعـديد مـن الطاقات، وكشف منـتوجـها وإبـداعـيتها للرأي الـعام، بـنوع من الإيثـار ونـكران الذات، ورغـم ذلك، نتـنـكر وننكر أفاضلهـا ومثابرتـها ووجـودها الذي [كـان] مـن أجلنا ومـن أجـل ترسيخ دينامية ثقـافية، لـها قـوامـها ومنطلقاتها، مما يتـضح أن وجودنا في إبداعـنـا، وإبداعـنا في وجـودنا، بـمـثابة [عـام الـفـول] إذ الـمبدع الحـق [ذاك] البـعـيد عـن الفـكر اللوبي  والفـكرالإنـتهازي والـفـكرالإقـصائي، بمـثابة [فـول] ذاك المنتـوج الطـبيعي، الذي ينمي الـطاقة ويعالج العـديد من الآعطاب في جـسم الانسان، ويحتل في موسمه كـل الـموائد، مهـما علا شأنهـا أوأدناهـا، ورغـم ذلك  تتـنـكر لـه كل الشـرائح، وتتهـمه كـتغـذية [دونية] لصيقة بالمعوزين والمحتـاجين، وقـرينـة التشبيه هـاهـنا ـ النـسيان والتنـاسي ـ والمجال الثقافي/ الإبداعي/ عـندنـا كعـام الـفـول وبالتالي هـناك مبدع [المـهدي الوذغـيري] أفـنى شبابه في العـطاء الإبداعي / قـصة/ زجـلا/مسـرحا/ وكـافح في المـجال الإعـلامي بكل وثوقـية وحـنـكة، إذ لـم يبخـس حـق أي تـظاهـرة أومبدع مهـما كـان مـستواه  في المتابعة التعـريفـية والـنقـديـة لـمنـتوجـه،قـبل أن يرحل عـنا في حادثة سـيـر منـذ عـقـد من الزمـن، رحيله

ارتبط بعام الفـول، بحيث كأنه لـم يكن، رغـم أنه كان عـضوا نشيطـا في [اتحاد كتاب المغرب] منذ 1976وعضوا فاعـلا في الشبيبة الاتحادية وفي حـزبهـا وصحـيفـتها، وظـاهـرة النكران والجـحود والإهـمال واللامبالاة لا ترتبط بالمرحوم ـ المهدي الـوذغـيري ـ بـل هـا هـنا نـموذج، سـياقـه: إيفـاء لروحـه وعطائه وتضحياته، والمثير جـدا أنه أنجـز ديوانا زجليا [عـام الـفـول] 1996ومـن خلاله يـعري واقعـنا وأحوال الـزمان/ الثقافي/الاجتماعي/ السياسي/ .../ بأن كـل ما كـائن بمثابة عام الفـول

 

مـدخـل للـديوان الـزجـلي

ممـا لاجـدال بأن المرحوم [المهدي الوذغـيريٍ] كان دؤوب الحضور في رحاب فـنون القـول،من قـصة/ مسرح/مقالة/متابعة/ زجل/رواية/ توثـيق/ وهـذا التنويع ليس شهـوة عـنده، بل يرتبط بطبيعـة المشهد الثقافي المغربي، وثانيا هـورسالة تضميـنيـة، بأن مـوهـبة الإبداع،لاتقـتصر على التـخصص: فالمهدي الود غيري صحافي لايوقع بالضرورة مقالاته، وإنما يعمل مثل جندي مجهـول داخل قبائل الكلمات، لكنه عـودنا من وراء صرامة نظارتيه وحدامة العمل اليومي بجريدة< الاتحاد الاشتراكي> أن يخرج عـن الصواب بنصوص نثرية وأخرى شعرية جميلة تمتزج في نصوصه حكم المجذوب وطراوة الكلمة الشعرية(1)ممكن أن يختلف المرء مـع هـذا التصور الذي كان يحمله ويـؤمن به، إذ في مجال التصنيف أين يصنف إذا  ما فـرزنا إنتاجه؟

* ثلاثية الملأ (1984) جزيرة في الرأس(1988) الخيط والإبرة(1991) موزار في الكنيسة(1995) قـصص

* عام الفـول(1996) عـسـالة (1997) ديوانين زجليين

* بيـوت مـن قـلق(1997) قـصـص

* كتاب المغاربة ـ أحداث ووقائع لأول مرة في تاريخ المغرب المعاصر(1998) الجزء الأول

* معاييـر قـابلة للتـغيير(2000) قصص ـ المـارد(2001) روايـة

فـهـذا العطـاء الإبداعي المتـنوع، خيطه الرابط النكهة الخاصة للتجارب والذكريات والمعايشة لذاتية الكاتب عبر محيطه الخاص والعام، وبالتالي فـديوانه الزجلي (عـام الفـول) فأغلب قصائده نشرت في الجرائد الوطنية بشكـل متقـطع،قـبل أن تجمع  كـديوان، فـما هـو المبرر والـدافع  الذي أدى بالمرحوم المهدي الانتقال من القـصة إلى الزجـل؟ عـلما أن التقـديم الذي وقعـه الفـنان [أحمد الطيب العلج] يشير بأن: الرباعـيات علـى بساطتها وسهولـة إلقـائها، ويسر حفـظـها، وسرعـة تداولهـا علـى جميع الناس، ومن جميـع المستويات، من أصعب ضـروب الشعر الشعبي، لدى الابتـكار عند المبدع(2) فـركوب مـا هـو أصعب عند المهدي الود غيري، ناتج عـن ترسبات ثقافية ذات طبيعة شعبية، منبثقة من المحـيط الحرفي والصناعي الذي عايشه وتفاعل معـه منذ الصبا، وطبيعي جدا لكل مـن عايش أو جايل الفضاءات الشعبية، نظرا لطبيعة الثقافة السائدة من أقـوال وحكم وأمثال وخاصة  رباعيات [عبدالرحمان المجذوب] الذائعة  والمنتشرة بقـوة، والت تعد مرجعية للإستشهادات وتدعيم حادثة طارئة أونوع من الترميز لوضعـية مـا، ولاسيما أن الرباعـيات لاتخرج عـن إيقاع النـقـد والسخرية أو منح نوع من العبرة والتنبيـه بحكم أنها: مشحـونة بالرمـوز، مليئة بالمعطيات، زاخرة بالأبعـاد، متنوعـة الدلالات في شمولية خارقة تسمعها فتطربك وتمتعك وتفرض عليك استظهارها قهـرا، وبسرعة لتحملك على التـفكير، وتدعوك للركون إلى العـقل، وتحثك على استعماله، وهكـذا تجد نفـسك تلوكها وترددها بلا إرادة، لأنها تمكنت منك، وفـرضت نفسـها عليك، ولأنك قـد تجـد فيه أحيانا الخلاصة المطلقـة، لعقـدة طالما راودك التفكير في حلـها(3) فـمن هـذا المنطلق  يتمظهـر الدافع الأساس الذي أدى بالمبدع المهدي الودغـيري، لأن يلتجئ لنظـم الرباعيات، باعتبارها أدبا شعبيا ذو طبيعة تأثيرية وفاعـلة، وسهـل التداول والانتشار عـبر قـناتي الاسترسال الشفاهي أو الغنائي، وذلك بناء عـلى طبيعـة الرباعـيات التي تؤطر نـفـسها تلقائيا في القـول المأثـور

 

الإطـار العام لـعام الـفـول

تعتبر الرباعيات كلام منسوج، بشكل تلقائي/ فـطـري، تفـرضه طبيعة الحـدث والواقعـة، التي تنفـلت منه وتترصد له، لتتشكل فـيه مبادئ الـتأويل، عـبر كثافة التـعـبير البلاغي لإنتـاج المعنى، الـذي هـو أس  الرباعـيات،بحيث تلقائيا تـمـارس عـملية  الانزياح عـبر مفاهـيم بلاغـية، لإبـراز اللامـتوقع مـن التعـبير للمظاهـر السلبية والفاسدة، التي تحيط المـرء في وسطه الاجتماعي، وبالتالي فعملية الانـزياح الذي كان يفهم عند العرب القدامى بالتعبيريـة، يـفـرض أساسا: أن وجـود الصـور يعادل وجود الخطـاب(4) ويتبين هاهـنا بأن لا أحـد ممن ترصدوا للرباعيات  نـقـدا ودراسة، أن حاول تفـنيد أوتـغـييرالمصدرالأساس في تسمية الرباعيات المنسوبة ل[عبدالرحمان المجذوب]

إلا أن التقـديم أضاف صـفة ذات معنى بليغ ودقـيق جـدا: وأذكـر أن الـشريف الحافـظ سيدي عبد الواحد العلوي الرخايمي =(حرفة) كان يسمي الرباعيات: مسـيمرات(5) وهاته الصـفة الرائعة لـم تتولد مـن فـراغ، بل هي مـن طيات وثنايا الرباعـيات، التي تمارس سلطتها الطابية على السامع، وذلك من خلال معـازلة ومراودة ذهنيـته، كي ينتبـه ويأخذ حـذره مـن عـدة عـوائق ومطبات وكبوات تلاحق ( أو) ستلاحق المرء في مجتمعه، إضافة لغـرس والحث على فعل الخير والعمل الصالح للإنسانية وللمحيط المجتمعي، نظرا أن الرباعيات: في جوهـرها دعـوة ضد الظـلم وتبشير بالمراجعة وإعـمال العـقـل، في النقـد الذاتي، والرباعيات أيضا نـداء يومي مستمر، وبلاغ يـتـردد عـلى ألسنة كافة الناس، لإصلاح مـا أعـوج من التصرفات في مجتمع ينشد التكافل والتعايش والتماسك، وتحويل الاحترام من الشكـل المظهري إلى الفـعـل الجـوهري(6)

فـهل ربـاعـيات [عـام الفـول] انتهـجت وسلكت الـنسق الـعام، الذي تتـحرك فـيه، وتـنطلق منـه الرباعيات؟

فـمـن خلال القـراءة الأولية، فالديوان انتـهج عمليتي(أ) التبويب و(ب) العنونة لكل كلام رباعي، وهـذاغـيـر وارد في ربـاعيات [عبد الرحمان المجذوب] كما وصلتنـا، وبالتالي ما قام بـه المرحوم المهدي الودغيري في [عـام الفول] يندرج في سياق الـقول الواعي والمقـنـن، وذلك بـحكم خضوعـه للرقابة الذاتية،عـلما أن الـقـول المـأثور من طبيعته يتولد عـفـويا، عـبر عملية (المثير/ الاستجابة) بحيث يتمظهر لفـظيا، مـن ظروف تستدعـيه لحاجة ماسـة إليـه، لتدعـيم التصور الانتـقادي للظواهـر المجتمعية، التي طفـحت على سطحه، ومن ثمة فالرباعيات تنساب بشكـل سـلس ومشحون بالمعاني والمجاز والاستعارة ....التي تساند القـوافي الرصينة والموزونة إيقاعـيا،ولا تبالي أصلا بالحواجز والمعيقات، وفي الآن نـفـسـه متحدية كل أشكال الرقابة الذاتية وما يتحكم فـيها خارجيا، وهـنا لاننفي بأن [عـام الـفـول] بعيد كل البعد عـن معطيات ومظاهرالرباعيات، بل سعى المرحوم [الودغـيري] جاهدا تحقيق نـوع من الشفافـية والقـدرة على التعبير التلقائي،في القـول وأبوابه، رغـم التأثير البين والواضح برباعيات [المجذوب] على مستوى الشكل والإيـقـاع

 

1) بـاب الـمـجـتمـع

في هـذاالباب(33قـولا) متنافـر الترتيب ومتباعـد التسلسل، بحيث غير مكون قصيدا متسلسل البنيان والفـعل القـولي مـما انعدمت هـرمونية الكلام الرباعي، نتيجة العناوين المدرجة، التي سعت إذكاء استقلالية كل قـول عـن لاحقه وسابقـه، إضافـة إلى أنها إحـالة واضحة الدلالة، لمـتن الـقـول، التي تعفي القارئ مـن محاولة فـك مـعاني ومرامي الأقـوال، علما أن< الرباعيات> من طبيعتها تعدد المعاني، وذلك للدفـع بالقـول للتأويل والاحتمال، من هـنا تكمـن حلاوتها وروعـتـها، لكن [عـام الفـول] وانطلاقا من عـناوين [باب المجتمع ] تحصرنا في معـنى معـين وبشكل قـصدي، رغـم التلاعـب بالألفـاظ، فإنها تنطلق مـن (الوصف) مرتكزة على بعض الظواهر الاجتماعية، التي أدت إلى قـتامه وسوداوية الحياة المعيشيـة، وإلى غـياب الفـرحـة والبهجة في محيط بني البشر،وهـذا الأخير أمسى يتلـذذ بكل أنـواع الأقـراح والآهـات القاتلة لوجوديته، إضافة للخديعة والدسيسة والنـفاق الاجتماعي والعلائقي، وهاتـه المظاهـر في نظر[عام الفـول] تؤدي للعديد من الصراعات والاصطدام بين أفـراد المجتمع، والمحـدثـة أساسا لخلق اللاتواصل، وانعـدام التفاعل الاجتماعي، بحيث الانحلال الطافح في كينونة المجتمع، أفـرزسلوكات اجتماعية، غير مقـبولة، وبالتالي فأحـوال الزمان وتبدله، هـو الذي أفـرز [عام الفـول] تلك هي التيمات الأساس،لكن الملفت للنظر أن الرباعـيات، حـاولت كشـف معاناة أخرى، كـقـريـنة ترادفـية بين الحواضر والبوادي، وضعية واحدة وتفاعل أوحد بحـيث تبرز الرباعـيات صورا أكثـر قـتامة، نتيجة اللامبالاة والإهـمال الجلي في حق[البوادي][ أولاد القـرى مطحونـين كـفـة/ اللي شكـا ولو على الطريق يبدأ يتجمل](7) وبما أن البادية تلعب دورا إنتاجيا من الزاوية الفلاحية والزراعـية والرعـوية، وتساهم في تنمية الاقـتصاد، وذلك لإعـادة الإنتاج الاجتماعي، فـهـذا الـدور لـم تعـد تلـعبـه بحكم اللامبالاة والتكالب على خيراتها مـن لدن البورجوازية المريضة، والطبيعة (الطقس) بدورها تمارس قـهرها، لكي لايتم إعـادة الإنتاج الاجتماعي، بمنـظور تـنموي،  قـابل للـعطاء، لكن الاستغلال البشع على أفـراد المجتمع الذي يعلله[عام الـفـول] بأحوال الزمان، والتغيير السلبي الذي أحدثته شلة ولوبيات من الذين لا يرغـبـون في بـناء مجتمع قـوي وسـليم، وبالتالي فالرباعيات تشير[بهاشي ناس عجبهم بزاف/ يشوفوا الفلاح عاجز يصرف](8)

مقابل هاته الصورة، التي تقابلها صورة الجـفاف الذي يعتبر في نظر الرباعيات لعنة طبيعية /ربانية في حق مجتمع نسي حـقيقة كنهـه، تقابلهما صورة تحمل لـعنة أخرى، أكثـر ضراوة وشـدة[ فـاضت ويـدان،جرفت سيـول/ وباتت أسر تحت لخيام/ قالوا أسيادنا فعـام الـفـول/ شـروق الشمـس يتبعوا لـغـيام](9) فالمعنى هاهنا جـلي، وتجلياتـه الإشارية، تتحدد بأن الإنتاج الفلاحي لايرجى مـنه خـيرا، أو يمكن الاعـتماد عـليه كقـطب إنمائي للاقـتـصاد، فهنا فـربـاعـيات عـام الفـول يتـفاعـل و يـتقـاطع جـدليا بالـقـول المأثـور للمـجـذوب[مـهـبول من يحرث الفـول/ فـشـط مـالح يلـوحه] فـرغـم اختلاف الأزمـنة والظروف الاجتماعية، فإنـه من بـاب العبث والسخافة، غـرس[الفـول] في مـوضع لاينبت فـيه، وبالتالي فالأمرفـيه مضيعة للـوقـت، ونسـف صروح الـمجتمع، بحيث [الـفول] في الـقـول ها هـنا( استعارة مـكنية)

 

2) بـاب الـنـسـاء

فـيـه نـجد (15 قـولا) كـلها في المنحى المـضاد [ سلبا] تجاه المرأة، في تصرفـاتها وتـفكيرها وعلائقـها ومنظورها لـذاتـها ومحيطها بتصنيف لـمراحلها العمـرية، وهاته الضدية الممنهـجة، هـي مظهـرية/ وصـفية أكثرمنـها تحليلا لأعـماقها السيكولوجية والنـفـسية، وهـنا نلاحظ التـأثير البيـن لربـاعيات[عبد الرحمان المجذوب] على المـرحـوم [المهدي الودغـيري] في زجـله[ عـام الـفـول]ولاسيـما أنه لـم يخف ذلك، بحيث صرح باستشـهاد في ربـاعـيـاته (حـق النـسا) وبالتالي تبنى مغالطات تحليلية لأقـوال [ المجذوب] تجاه المرأة، فهاته الأخـيرة فـرضت نـفـسـها

جوانية فـكـر ووجدانية [المجذوب] ارتباطا بظـروف تاريخية / سياسية / فـكرية / أنتجت صـورة معينة للمـرأة أنذاك، فالقـرن16 الميلادي(الـقرن الوسيط) الذي عـاش فـيه [عـبدالرحمان المجذوب] يختلف بنيويا عـن زمنية

[عـام الفـول] بحيث العديد ممن تنـاول المرأة في أقوال الرباعـيات، كان ينظر للموضوع من الزاوية [ الايروسية] ولـم يحاولوا موضعة [ الـقـول] في سياقـه التاريخي، والميكـنزمات المتحكمـة أنذاك في المـرأة، فـفي هاتـه

المرحلة تمظهرت فكرة[ شيوعـية الجنس] وتأسست فـرق وطوائف للدفاع عـنه وممارسته، ومن أهمها فـرقـة [العكاكزة] وما ظهـور كتابات القاضي عـياض حول التربية الجنسية وكتب مجهولو مؤلفـيـها تترصد للجوانب الجنسية والمعاشرة، وكتاب النفـزاوي المشهور[ الروض العاطر] وإن كان [تونسي]الأصل، فجميعها أنتجت في نفـس المرحلة التي عاش فـيه الصوفي [عبدالرحـمان المجذوب] وعـاشت فـيها المرأة قـهرا اجتماعـيا/ جنسيـا/ والـقـهر من نتائجه، إما الانتفـاضة / الاستكانة / المـكر/ الاستسلام/.../ وإذا تمعنا ما قاله[عبـدالرحمان المجذوب] [من ازين النـسا بضحـكات/ لـوكان فـيها يدوموا/ الحـوت يعوم في ألما/ وهـما بلا مـا يـعوموا] يكافئ المحاسن والأضداد والمساوئ بين المرأة والرجل كذلك، بخلاف[عـام الـفـول] فكثيراما مارست الربـاعـيات السخـريـة والتـهكم، في حـقـها، وذلك من خلال التوليدات والاشتقاقات اللفـظية( لمـرا/ النـتوا/ لـولـيا/....)

 

3) بـاب الـثـقـافـة

في هـذا الباب نجـد (15قـولا) وهـو متكافئ مـع (باب النـسا) بحيث هـذا الباب في تـقـديري مضاف فقـط، بغـية خـلق التـنوع والاستـملاح لعملـية التبويـب، ولاسيمـا أن الثقافة بمفـهومها الأنتروبولوجي:هي مركب كلي لمختـلف المظاهر الفكرية والمادية لمجموعـة بشريـة، تكون مجتمـعا، وبالتالي فالظواهـر التي أفـرزت(باب المجتمع)هـي نـفـس الظواهـر المـفـرزة ل (باب الثقـافـة) بحيث البعد الضمني وغـير المصـرح بـه، رغـم أن[عـام الـفول] سعت ممارسة الانزياح والتقليل من كثافة الخطاب، لإبـراز الكـثافة البلاغـية، بـأن المجـتمع المنحل والمفكك اجتماعـيا وعلائقـيـا وسلوكيا، وفي شكـله وجـوهـره يعـيش في براثين آسنـة وفـاسدة، فـمن الضروري أن تكـون ثقـافـته كذلـك، علمـا أن : الثـقافة في المسـتوى المجتمعي، من حيث هي أنـها تعـكس واقـع المجتمع الذي تنـتسـب إليه، تعكس وضعيـته ومـطامـحه واتجاه مسيرتـه، والحق أن الثـقافة مرتبطة دومـا بوضعـية اجـتماعية معينـة وبمراحل تـاريخية مـحددة، ارتباطا عـضويـا، إنها تعبر بشكـل ما عـن الـوضع الـقائم وعـن حـركـة المـجتمع(10) وبنـاء عـليه، فالربـاعـيات تسـير في هـذا المنحـى بوعـي وذكاء حـاد، مـما مـارست الترمـيز الموغل في الرمزية، وبشكل قـصدي، لإخـفاء المعنى، ولايمكن  القـبض عـليه، وتـأطيره، إلا بالـعودة إلى (بـاب المـجتمع) وتفكيك  مافي القـول

 

4) بـاب الألـقـاب

نستشف في هـذاالباب تـفاوت القـول عن الأبواب السابقة(36قـولا) تصب جلهـا في عوالم الـقدح والسخرية والذم،  وتلك لـم تخلق من عـدم، بل انطلاقامـن التنابز بالألقاب بين أفـراد المجتمع مثل (الخرزي/ خبيط الركابي/ البلدي/ أومن من خلال الصفة مثل/المكرش/ بوفخاد / المخنتر/المغوفل/المنفوخ/..../ لكـن أغلب مـا جاء في هـذاالباب، منبثق من فضـاء(فاس) وهـذا يذكي احـتمالين( أ) إمـا التعـلق الـوجداني بالفضـاء وطبيعة مظاهـره، وتحقيق تلك النوستالجية مـن خـلالها، بحيث نـجـدربـاعيـات (باب الوفـاء) تشير للبـئر المتلاصق بضـريح [مولاي ادريس الأزهـر] وفي الذهـنية الشعبية تـقارن مـاء( باب الوفاء) بمـاء بـئر(زمـزم) بحيث من لم يشرب ماءها، فـلن ينال بـركته وصحته( حاليا البئر تلوث بمياه المجاري و أغـلق) أما الاحتمال(ب) خلق نـوع من التـميز للمدينـة وترسيخ فضـائلـها وإشـعاعـها، من داخل الربـاعـيات كربـاعيات (بيطيط) وهـذا لـقب لإحدى الشخصـيات المشـهورة فـي مجال (الحـلقة) منذ الخمسينيات من القـرن الماضي، بحيث كان متخصصا في فـن الغناء والرقص [فوسط الحلقة ماكينة حشـمة / وإلا بيطيط شـطح مخـبي](11) لكن الاحتمالين، يسعى [المهدي] إلى إخفـائهما، من خلال خـلق تداخل وتقاطع في عـدة ألقـاب، وماهي بألقـاب مثل/ اليتامى/المديون/الراعي/الساكت/.../ إذ هاته الصفات وغيرها أفـرزها المجتمـع وطبيعة تركـيبته المجتمعية، فـرغـم الاحتمالين فالمعنى الرابط بين( باب الثقافة/ باب المجتمع) بأن المجتمع  مركب تركـيبا طبقـيا مشوها، تتناسل منـه مظـاهـر اللاسلوك الحضاري، إذامانظرنا للرباعيـات التي تعلن[ لقـوافي ماهـي فـول منكوب/والملحون مـاهـو كبـاب مـغـدور](12)

وعـموما، فالمرحوم المهدي الود غيري، سعـى أن يخلق نـفسا بديلا للربـاعيات، وبالربـاعـيات، ونـموذجا إلى حـد مـا مغايرا متمركـزا عـلى الـذات،من خلال المعاش وكـذا رؤيته للعالم كيف يراه وتم التعبيـر عنه بقـول مأثـور، بإبداع شعبي، يعبر عمـا في الوجدان من قـهر اجتماعي وسياسي  وفـوارق طبقية مصنوعـة التركيب، وبالتالي فالربـاعـيات ترتبط أساسا بعملية الإنـتاج والاستـهلاك

 

..........................

الإحـالات

1/ موليم العـروسي مقـدمة لرواية المارد  دار القـرويين ص 7 /2001 تحت عـنوان الكتابة في الخـفاء

2/ تـقـديم الديوان للفـنان أحمد الطيب العلج ص 8

3/ نـفـس الـتـقـديم والصفحـة

4/ibid. page102

5/ نـفـس الـتقـديم والـصفـحـة

6 نـفـس الـتقـديم والـصفـحـة 9

7/ عـام الـفـول (ربـاعـيات في الشعـر العامي) للمهدي الود غيري دار قرطـبة البيضاء 1996 ص 13

8/ نـفـسـه ص 19

9/ نـفـسـه ص 17

10/ من أجل رؤيـة تـقدمية لمحمد عابد الجـابري الطبعة الثانية ص52

11/ نـفـس الـرباعـيات ص 51

12/ نـفـسـه ص 39

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1366 الثلاثاء 06/04/2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم