صحيفة المثقف

العراق – تكتيك سياسي أم رثاثة سياسية؟

قبل ذلك ردد (قيادي) آخر في كتلة كبرى، المقولة الببغائية اياها : ان العراق جزءا من الأمة العربية .

جميل جداً، اذ لابد ان هذين (القيادين) يفقهان مايقولانه ماداما يمثلان جمهوراً دفع دماً وتحمل قهراً من اجل ايصال امثالهما الى مركز القرار .

لكن مادمنا من اولئك الناخبين ومادام الله قد وهبنا ما يمكننا فيه ان نطرح اسئلة، لذا فمن حقنا أن نسـأل (القيادي) الأول: هل ينطبق الشرط الذي طرحته على الحكاّم في أيّ من دول الجوار؟

انظر حولك قليلا: وجود أحمدي نجاد يستفز كل الدول المجاورة لإيران، بل ومعظم دول العالم ان لم يكن كلها، ومع ذلك لم نسمع ان وضع الإيرانيون شرطاً كشرطك – حتى المعارضون منهم - ثم هاهو نظام البعث في سوريا بقيادة بشار الاسد، كم يستفز وجوده من دول الجواربرأيك؟ واقفز قليلاً الى النظام السعودي الذي يكفيه

 (فخراً) انه نشر الارهاب والتعصب في كل مكان من العالم، الايشبه ذلك الذي اخترع (فرنكشتاين) المخلوق المشوه والقاتل؟

وبامكانك ان تنظر ابعد قليلاً، الى ليبيا، وخذ خارطة لتنظر من خلالها الى دول الجوار الليبي لترى كم يستفزها وجود القذافي، وبامكاننا إيراد أمثلة كثيرة أخرى الى ان ينقطع نفسك، فلماذا يهان العراقي وحده من دون كل الدول والكيانات بهذا الشرط الذي يطرحه أمثالك؟ الا تعرف ان لفظ كلمة العراق بحد ذاتها هي استفزاز لدول الجوار؟ الم تعمل دول الجوار جميعها ومن دون استثناء على اسقاط التجربة العراقية؟ اي حاكم في العراق سيستفز دول الجوار حتى لو كان احد الانبياء الصالحين، اذ يكفي ان يكون ذا توجه وطني كي يثير حنق الجوار، ان دول الجوار لايرضيها الا وجود حاكم (ممسحة) يوافق دون تردد على تقاسم العراق بين تلك الدول والانظمة وليذهب شعبه الى الجحيم، فماذا لو وضعناك انت ياحضرة

 (القيادي) الشهم؟ هل ترضى ان تكون ممسحة لآل سعود وآل نجاد وآل الصباح وآل الاسد وبقية الآلات؟ واذا رضيت – وانت حتما سترضى – فكيف تريدنا ان نرضى نحن العراقيين؟لابد ستقول اننا نعيش اوضاعاً استثنائية تضطرنا الى ذلك، لكن عليك ان تعرف ان قبولنا بشرط كهذا، سيجعل اوضاعنا دائمة الاستثنائية، اذ قد يعطس رئيس وزرائنا من دون استئذان، فيستفز عطاسه دول الجوار، وقد ينزع ربطة عنقه في دولة، فيستفز تصرفه الدول المجاورة الأخرى – وقد حدث ذلك فعلاً - وقد يعنّ له ان يرتدي (دشداشة) وعقالاً، فتعتبره دولة مجاورة استفزازاً لها، وهكذا نبقى نرتجف وايدينا على قلوبنا كي لايفعل رئيس وزرائنا مايستفز دول الجوار مجتمعة أو كل منها على حدة .

أما صاحب (الجزء) فنقول له : سيدي الكريم : أليس من طبيعة الأشياء ان الجزء اذا تألم تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى؟ اليس توجع اصغر ضرس حتى في جسد عملاق، يجعل كل ذلك الجسد يشكو الألم؟ فلماذا نحن (الجزء) نتألم وحدنا بل ونحترق بحطب يقذفه علينا ذلك (الكلّ) عامداً مع سبق الإصرار؟

لماذا يصدر الخير منا فقط باتجاه الكلّ؟ فيما لم نر من ذلك (الكلّ) الذي يمثل تلك الأمة سوى القهر والظلم والتآمروالموت؟ ثم كيف نعتبر انفسنا جزءا؟ و بأي معنى؟ ان كان بالمعنى الجغرافي، فالحدود السياسية تجعل جميع الجغرافيات دولاً مستقلة عن بعضها، وان كان بالمعنى السياسي، فلا سياسة موحدة بين تلك الاقطار كي نكون جزءا منها، أما اذا تناولت المعنى التاريخي أو اللغوي أو الحضاري، فذلك أرث مشترك لايفرض الجزئية على احد بالضرورة ولايمنح حقاً لأحد علينا كما لايمنحنا حقاً ملزما على احد بالمقابل.

قبل أيام قرأت جزءا من مذكرات (مام جلال) تحدث فيها عن رفضه لاتفاقية الجزائر عام 1975 ومعاودته القتال ضد الحكومة العراقية، لقد اعترف ان نظام القذافي شجعه ودعمه مالياً كي يتمرد على الحكومة، فيما النظام السوري قدم له المعسكرات والسلاح وكل الدعم السياسي وبعض المالي، من اجل العمل على انهاك العراق .

الاحتلال الامريكي دخل العراق من ارض (الكلّ) العربي، وارسال الارهابيين استمر من (الكلّ) السوري والدعم القذافي الذي استقبل ممثلي الارهاب باعتبارهم يمثلون العراق، وتواصل بفعل اموال آل سعود وفتاواهم التكفيرية .

ان حكمَ العراق نظام مثل صدام حسين، فهم اعداء له متآمرون عليه، وقبله كان عبد الكريم قاسم، فأشهورا بوجهه العداء وتعاونوا على قتله، وقبله نوري السعيد، وكان وجوده مستفزاً للعرب- والقائمة تطول - واليوم يأتي قائد منتخب من شعبه، يطالب ان يكون العراق منفتحاً للجميع ورحب الصدر مع الجميع وماداً يد السلام لكلّ ذلك (الكلّ) لكنه يريد ان يكون جزءا من وطنه ليحفظ دماء شعبه ويقيم علاقة متوازنة مع الجميع، كما يفعل كلّ من حوله، فلماذا يجب ان يبقى جزءاً منهم، فيما هم جميعاًُ قد اصبحوا كلاً من ذواتهم واقطارهم؟

لابد ان (القيادين) الفطحلين سيجدان مبررات للإجابة، لكننا نقول لهم مسبقا، ان ماتمارسونه ليس سياسة ولا تكتيكاً بل هو رثاثة سياسية بكل ما تحمل الكلمة، فمئات الشواهد والادلة تخالف مايمكن لكما قوله، وليس معقولاُ ان نلغي (كلّ) حواسنا كي لانرى ماترونه لكننا لانتجاهله او نحّرفه كما تفعلون، كرمى لمصالحكم .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1371 الاحد 11/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم