صحيفة المثقف

بند الأمم المتحدة السابع .. هل لا زال العراق يمثل خطرا على المجتمع الدولي؟

وحتى بعد تحرير العراق من الاستعمار الإنكليزي في عام 1958 وتولي العراقيين مقاليد الأمور لم تعد للعراق هيبته التاريخية ولم يعد يمثل خطرا حقيقيا لا على دول الجوار ولا على السلم العالمي أو المجتمع الدولي بإستثناء  مجموعة أقوال تافهة أوحاها التعملق الكاذب لبعض حكام العراق ثم طواها النسيان.

لكن منذ تولي صدام حسين لمقاليد الأمور عام 1979 ودول الجوار تتوجس الشر وتتخوف ليس من العراق بل من قيادته المجنونة الرعناء، ولذا حاولت تقديم الهدايا والنذور للطاغية لكي تسترضيه وتكفي شعوبها شره لاسيما بعد أن رأت اندفاعه الشرس باتجاه الجارة إيران التي كانت لما تزل تلملم عذابات سنين القهر التي خلفها النظام الشاهنشاهي بعد هزيمته النكراء.

لم يشكل صدام واقعا تهديدا وخطرا حقيقيا على أحد باستثناء خطره على العراقيين في الداخل  لأنه كان مجرد دمية بيد الدول الكبرى تحركه وتوجهه بما يخدم مصلحتها وهي التي أرادت تخويف الآخرين به فقامت بتضخيمه بالشكل الذي أصبح عليه. وقد أعجبت هذه اللعبة أطرافا كثيرة فساهمت عن قصد أو بدونه فيها منها.

خوف العراقيين وقبولهم بالإذلال وسكوتهم عن أعماله الشريرة وعدم تكاتفهم لمحاربته.

دول الجوار العربي التي ساهمت من جانبها في تضخيم الخدعة نتيجة الجهل السياسي الذي جعلها تعتقد أن صداما قويا يمثل ضمانة حمائية لها.

بعض الدول العظمى التي ساندته وأمدته بأسباب القوة لدرجة أنه انخدع بتطاوله الفارغ فظن أنه الأقوى والأقدر على فعل ما يريد حتى ولو كانت هذه الإرادة دفنا للعراقيين في المقابر الجماعية أو حربا مع إيران أو غزوا للكويت أو تهديدا كاذبا بحرق نصف إسرائيل. وهي الاعتباطية التي لم تمر عبثا ووضعت العراق في النهاية تحت طائلة القوانين الدولية ومنها (البند السابع) الذي أذل العراقيين!

صدام عندما وصل هذه المرحلة الحرجة من العتو مع ما يملكه من أسلحة متطورة أصبح مثل طفل أخرق يحمل أزرار تفجير قنبلة نووية داس على خط اللعبة السياسية الدولية الأحمر الذي لا يجوز تجاوزه أو الاقتراب منه فحلت عليه لعنات الذين صنعوا أكذوبته من خلال ضربتهم التي وجهوها في 9/4/2003 حيث تلاشى و تلاشت معه قواته وحزبه وأجهزته الأمنية، وأصبح العراق بعد ذلك مجرد كيان هزيل لا سلطة له حتى على مقاليد أموره. وكان من المنطق تبعا لذلك أن يتلاشى أثر القوانين الدولية عليه ومنها البند السابع، ولكن ذلك لم يحدث لا بمبادرة من المحتل ولا بطلب من حكومات العراق ولا بتنازل من دولة الكويت، مع أنه إذا كان من مبرر لوضع العراق تحت البند السابع فيما مضى فقد تلاشى أثر هذا المبرر بعد هذا التاريخ!

فما هو البند السابع ؟ وهل توجد مبررات حقيقية لفرضه على العراق؟ وهل يخضع فرضه على الدول لميزان دولي عادل أم أنه خاضع للعبة السياسية الدولية؟ وهل صحيح أن العراق بعد زوال صدام لا زال يشكل خطرا على المجتمع الدولي لكي يستمر العمل بهذا البند؟ وما هو موقف الحكومة العراقية منه؟

البند أو الفصل السابع:

يتألف ميثاق الأمم المتحدة من تسعة عشر بندا منها البند السابع الذي يتكون من (13) مادة ، والذي جاء تحت عنوان (الإجراءات المتخذة في حالة تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان)

 تتحدث مواده الثلاثة عشر عن [وقوع تهديد للسلم أو الإخلال به] و [ما يجب اتخاذه طبقاً لحفظ السلم والأمن الدولي وإعادة الأمن إلى نصابه] و [استخدام القوات العسكرية لحفظ السلم والأمن الدولي وإعادته إلى نصابه]

وقد صنف دخول القوات العراقية للكويت في 2/8/1990 على أنه تهديد للسلم والأمن الدولي وعليه تم وضع العراق تحت سلطة هذا البند الذي صدرت بموجبه لاحقا أكثر من (60) قرارا ضد العراق من تاريخ دخوله الكويت مرورا بتاريخ المغادرة في 27/2/1991 وصولا إلى تاريخ دخول القوات الأمريكية للعراق في 9/4/ 2003 وإسقاطها لحكومة صدام أهمها مع أنها كلها مهمة ومجحفة :

    القرار(660) في 2/8/1990 الذي ضخم تخوفات المجتمع الدولي من الغزو وهيأ الأرضية لفرض البند السابع وأمر القوات العراقية بالانسحاب الفوري من الأراضي الكويتية

    القرار (661) في 6/8/1990، الذي تضمن المقاطعة الاقتصادية التامة على العراق وفرض الحصار الاقتصادي وبموجب هذا القرار تم إدخال العراق تحت البند السابع اللعين

    القرار (665) في 25/8/1990الخاص بفرض الحصار البحري والبري على العراق.

    القرار (706) في 15/8/1991، الذي سمح للعراق بتصدير النفط  على أن يوضع المبلغ في حساب ائتماني، يسمى {حساب الضمان المعلق} تفتحه الأمم المتحدة، ويديره الأمين العام، ويستخدم في استيراد الغذاء والدواء، ويستقطع منه مبلغ لسداد التعويضات ومنها تعويضات الكويت.

 في 9/4/2003 دخلت القوات الأمريكية العراق وانتهت بذلك حقبة الرعب ألصدامي، ودشن العراق عهدا جديدا بدا فيه في أشد حالات الضعف والحاجة للدعم . ويعني هذا أن العراق لم يعد يشكل خطرا على أحد فهو حينما يتعرض لتهديد دولة مثل الكويت لا بد أن يكون في منتهى الضعف وهذه هي الحقيقة، الحقيقة التي لم يلتفت لها أحد لكي يطالب مجلس الأمن بإخراج العراق من البند السابع!!

أما موقف الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 ولحد الآن  فيبدو وكأنه غير جدي بالمرة ربما بسبب المخاوف التي يمثلها طلب التعويضات الكثيرة والكبيرة التي تطالب بها شرائح مختلفة من العرب والأجانب الذين كانوا يعيشون في الكويت قبل الغزو وتضررت مصالحهم من الغزو والتي تصل في مجموعها إلى مليارات الدولارات وهي الفقرة التي أشار لها القرار706 في 15/8/1991

((إن حساب الضمان المعلق، مثله مثل صندوق التعويضات يتمتع بإمتيازات الأمم المتحدة وحصانتها، بما في ذلك الحصانة من الإجراءات القانونية من جميع أشكال الحجر والحجز لدى الغير والتنفيذ، وأن لا تقام أية دعوى بطلب من أي شخص أو هيئة)) هذه الفقرة صيغت بداية لضمان تدفق الأموال إلى الصندوق دون المعرقلات التي قد تسببها طلبات التعويض الأخرى ولكنها تحولت مؤخرا لتصب في مصلحة العراق من جانب لأنها تقف قبالة طلبات التعويض الجائرة وتشكيل تهديد مباشر له من جانب آخر لأنها تحولت إلى قنبلة موقوتة سوف تنفجر وتلحق بالعراق أذى كبيرا وتخلق له مشاكل مع أطراف متعددة منها من تجد الدعم والعون من الدول العظمى. وقد تكون هذه القضية إحدى الدوافع القوية وراء تخوف الحكومة العراقية من إخراج العراق من هذا البند أو عدم جدية مساعيها لإخراجه منه!

على كل يجد المتابع أنه منذ دخول القوات الأمريكية للعراق ولحد عام 2006 لم يكن هناك أي تحرك حكومي جدي لإنهاء مفعول البند السابع لكن في عام 2007 بدأت مطالبة رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وبعض أعضاء البرلمان لإخراج العراق من عبودية هذا البند  ومعها بدأت تحركات الجانب الكويتي لعرقلة العملية وكلما تصاعدت حدة المطالبات العراقية تصاعدت التحركات الكويتية للتحول في النهاية إلى تهديد علني للعراق يوجهه وزير الدفاع الكويتي بغزوه ، ورفض جدي لإغلاق ملف التعويضات بنسبة 5% من عائدات النفط الذي أرهق العراق واستنزف قدراته حيث تم لحد الآن دفع 13 مليار دولار ويستلزم كذلك دفع 25 مليار أخرى زائدا مبلغ 16 مليار دولار ديون مستحقة للكويت.

حيث كشفت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية الأسبوع الماضي عن تحركات للمستشار في الديوان الأميري الكويتي محمد عبد الله أبو الحسن على أعضاء مجلس الأمن الدولي لمنع رفع العقوبات الدولية عن العراق، إضافة إلى قيام نواب كويتيين بتوجيه إساءات اتهموا فيها الشعب العراقي  بأنه لا يتمتع بالأخلاق، وان العراق يحاول تصدير أزماته الداخلية لبلدهم !!هذا في الوقت الذي ثبت فيه أن الحكومة الكويتية استولت عقب أحداث 1991 على خمس ناقلات نفط عراقية عملاقة هي طارق بن زياد وتبلغ حمولتها أكثر من 118 ألف طن وحطين والقادسية اللتان تبلغ حمولة كل واحدة منهما 155 ألف طن والمتنبي التي تبلغ حمولتها 130 ألف طن، بالإضافة إلى ناقلة الفاو التي تضررت جراء الحرب آنذاك، كما وأعلنت الحكومة الكويتية معارضتها الشديدة لقرار إعادة تسليح الجيش العراقي. ومع ذلك تدعي أن العراق اللاأخلاقي يشكل خطرا على الأمن الدولي !!

لن تربح الكويت شيئا من إبقاء العراق تحت البند السابع بقدر ما سيحول موقفها المتشنج نوايا العراقيين السلمية تجاههم إلى كره ممكن أن يترجم مستقبلا إلى عمل دافعه الاضطرار والكره والألم والعراق وإن  بدا اليوم ضعيفا منهكا فإنه مشهور بقدرة الخروج من تحت رماد المصائب وهو أكثر قوة على مواجهة التحديات. كما أن العراقي لا ينسى الإساءة. فاحذروا الحليم إذا غضب !!

 

...............

ملاحظة

 الأرقام مستقاة من كتاب (ملاحظات في الاتفاقية المقترحة بين العراق والولايات المتحدة) لفؤاد قاسم الأمير

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1078  الاحد  14/06/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم