صحيفة المثقف

بوكر السياسة وشطرنج الديمقراطية في العراق

 في بعضه عن كل مربع الى نهاية عدد المربعات البالغة أربعة وستون، فوصلت حبة القمح الى عدد لانهائي .

في تلك اللعبة، تكون مصادر القوة لكل لاعب مكشوفة،لاتخضع للمصادفة ولا الأوراق المخفية، فالفوز فيها يعتمد على سلامة الخطة والقراءة الجيدة لسير الوقائع وحسابات الخصم، وكل الخصمين يفترض ان المقابل سوف يلعب وفق ما يتطلبه المنطق وبالتالي فقد يوافقان على التعادل رغم ان الكثير من القطع لدى كل منهما مازالت سليمة، كذلك فاللعبة قابلة للتحليل والدراسة في كل مرحلة من مراحلها .

لاعب الشطرنج الماهر يتميز بهدوء الاعصاب وقوة الملاحظة والاستفادة من الخطأ والقدرة على وضع الخطط الآنية والاستراتيجية والابتعاد عن العدوانية والعمل الدائم على تطوير حركته وابتكاراته وفق منهج عقلي ومعطيات واقعية واضحة .

أما لاعب البوكر، فهو مقامر يعتمد الصدفة والحظ والحسابات المتسرعة والعدوانية الشديدة مع القابلية للغش والخداع، وهويتربص للايقاع بخصمه ينظر الى حركاته وسكناته والتفاتاته ورمشة عينه، لعله يرى فيها مايمكنه من استنتاج ما لدى خصمه من أوراق مخفية كي يرفع وتيرة مراهناته التي ان نجحت مرة فسيطلب المزيد حتى يتعرض للخسارة فيفقد كل شيء، وان فشلت يصاب بالهوس في محاولة التعويض، ومراهناته في كل حال تبقى عرضة للانتكاس أو الانتعاش فجأة دون مقدمات او حسابات موضوعية.

السياسي الذي يتمتع بموهبة وقدرات لاعب الشطرنج، تجده في الأنظمة الديمقراطية عموماً، فمن أولى شروط الديمقراطية ان يتمتع اللاعبون فيها بالنزاهة فلا يلجأون للضرب تحت الحزام ولا يستخدمون طرقاً غير مشروعة للفوز .

 في الألعاب الرياضية، يجرد الفائز بمدالية ذهبية مثلاً، من فوزه ومداليته اذا تبين انه تناول منشطات أو لجأ الى اية وسيلة غير قانونية للفوز، تلك قوانين صارمة لم يحدث ان تم التهاون فيها، والذي يثبت عليه الفوز غير المشروع، يعاقب بالإبعاد أو النبذ كي يحافظ من ثم على شرف المنافسة .

في العراق الجديد، مازالت السياسة تمارس على طريقة لاعب البوكر أو الرياضي الفاشل، فهناك من يقفز هنا وهناك من أجل جمع الأوراق التي تؤهله للفوز، فيهاجم خصمه ويستفزه بطرق عديدة ويتناول من المنشطات حيثما تقدم له، وهو يعرف انه قد يغامر بالكثير اذا انكشفت لعبته ووسائله ، لكنه يثير الغبار كي يحجب محاولات كشفه لعلّه يستثمر ماحصل عليه من منشطات وما تجّمع بيده من أوراق، والمثال الأوضح في هذا الجانب الأداء السياسي الذي تقوم به (العراقية) ورئيسها الدكتور اياد علاوي، حيث التصريحات المتشنجة التي تهدد تارة بحرب طائفية – رغم انها تنفي صفة الطائفية عنها – وطوراً بارتفاع منسوب العنف، او عدم اعتراف المحيط العربي باية حكومة لايرأسها علاوي – الخ .

في هذا السياق، برزت ثلاثة اتجاهات داخل (العراقية) : تمثل أولها بالدكتور رافع العيساوي، الذي قدم اداءاً سياساً متزناً راعى فيه الحسابات والظروف والاحتمالات التي ترافق العملية السياسية في العراق من جوانبها المختلفة، وهو بذلك برز كلاعب شطرنج من طراز رفيع، ناور حيث تجب المناورة وحاور خصومه بما يملكه من وسائل آخذاً بنظر الإعتبار ما يملكونه في المقابل .

الجناح الثاني مثله السيد أسامه النجيفي وهو مايصح ان يطلق عليه (التيار الوسطي) حيث الإسترخاء حيناً والتصلب حيناً آخر مع ابقاء الباب مفتوحا من اجل مفاوضات ومساومات تتطلبها السياسة .

أما التيار المتشدد الذي ظهر بمظهر لاعب البوكر، فهو الذي مثله أياد علاوي وناطقيه الرسميين حيدر الملا وميسون الدملوجي التي بدت حائرة فيما تقول، وخلف هذا التيار وقف السيد طارق الهاشمي بحركات أقرب للبهلوانية السياسية منها الى خطوات مدروسة .

وجه آخر من لعبة البوكر السياسية، تلك التي مارسها التيار الصدري، فهو يدرك ان عدد المقاعد التي حصل عليها لم تأت من دون (منشطات) من نوع ما، ومع ذلك قدم نفسه باعتباره بيضة القبان يمكنه قلب موازين القوى لصالح هذا الطرف أو ذاك، وعليه حاول فرض شروطه على ائتلاف المالكي بتقديم أكثر من مرشح كي يتسنى له الاختيار من بينها، وكان واضحاً ان الهدف من ذلك هو إبعاد المالكي عن رئاسة الوزراء حيث أكدت تصريحات قادتهم – خاصة مقتدى الصدر – بأنهم يسعون الى ذلك فعلاً، كما جاء الاستفتاء الشعبي ليكون جزءًا من الهدف ذاته.

في السياقات عينها حسبت تحركات المجلس الأعلى الذي حاول خلط الأوراق بالدعوة الى طاولة مستديرة قبل اقرار النتائج النهائية ووضع الاستحقاقات الانتخابية بنظر الاعتبار، ذلك لأن لطاولة المستديرة ورغم حسنات منطلقاتها العامة، الا انها في الواقع تضع الجميع على قدم المساواة وبالتالي تفتح بازاراً سياسياً لعرقلة جهود تشكيل الحكومة بتسويق كل منها رؤيته على قوى تفوقه حجماً بنسبة تمثيلها وهو ما لا ينسجم و أحكام الدستور.

من الواضح ان الديمقراطية في العراق مازالت تمارس بشكل عام بعقلية لاعب البوكر، وهي الطريقة ذاتها التي طالما لعبها صدام حسين وأدت نتائجها الى ماوصل اليه العراق، فقد أريد للعملية الانتخابية ان تاتي كما حصل في لبنان، اي ان يكون للمال السياسي القادم من دول الجوار، وللطرق غير المشروعة، ان تسجل سابقة يمكن الاستعانة بها لتغيير النتائج والاستحقاقات السياسية في لعبة خطرة كان من شانها ان تبقي العراق رهينة بيد لاعبي البوكر حيث استمرار المراهنات العقيمة والمقامرة بمصير شعب وبلد .

لكن قرار محكمة التمييز العليا، أوقف بإجراء قانوني سليم تمثل باعادة الفرز والتدقيق لإظهار النتائج الحقيقة طبقاً لأصوات الناخبين، كل ما قد يمارسه لاعبو البوكر، ليعيد الإعتبار من ثم الى لاعبي الشطرنج في قدرتهم على اللعب النبيل وفق ما تقتضيه الحسابات الواقعية، اما مصدر قوتهم وحقهم في اللعب، فيتمثل بالاستثمار الجيد لما بيدهم من امكانات يوفرها العراق، بعد ان منحتهم أصوات الناخبين الثقة بتحريك قلاع العراق وجنوده وأحصنته وقطعه النشطة الأخرى، لهزم الخصوم ابتداء من محاولات فرض الاجندات الخارجية على القرار العراقي، مروراً بالارهاب ومفاعليه الداخلية، وصولاً الى تحديات بناء دولة حيوية متطورة تستطيع توفير وسائل العيش والخدمات لشعبها وحفظ أمنه واستقلاله .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1383 الجمعة 23/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم