صحيفة المثقف

رأس المالكي ورماح الآخرين

تغدقها أنظمة لأمة جعلت من المالكي هدفها الأول، ومجاميع من الإرهابيين والبعثيين والمجرمين وكلّ من هو على استعداد لممارسة العنف، تسندها قوى سياسية خارجية وداخلية لاحدّ لها ، ترفع عقيرتها بصراخ هستيري يصمّ الآذان وتهدد العراقيين بويلات أين منها ويلات هولاكو أو مذابح تيمورلنك .

كنت أعتقد انها جزء من ضرورات اللعبة السياسية حتى لو تخللتها أنهار من الدمّ، فالمالكي بدأت خطورته بالظهور حالما سعى بشكل علني الى انتزاع استقلالية القرار العراقي من التأثيرات الخارجية، ذلك مادقّ أجراس الخطر في كافة دول الجوار من دون استثناء، وكانت النسبة الأكبر للأجراس الأكثر ضجيجاً هي في سوريا البلد الذي مازال يحكمه نظام العبث، وهي دولة تعادل ثلث العراق مساحة ( 180000 كلم 2)  وبعدد سكان لايزيد كثيراً عن نصف سكان العراق (17مليون نسمة)، فيما موازنتها السنوية تبلغ بالكاد 16مليار دولار، أي حوالي ربع موازنة العراق الحالية، أما التنوع السكاني فيها فيتكون من سنّة ودروز وعلويين وأكراد وأرمن ومسيحيين واسماعيليين وشراكسة، بمعنى انها لاتقل في تنوع مجتمعها عن العراق مع فارق جوهري ان مكونات العراق باتت تستطيع التعبير عن نفسها بطريقة ديمقراطية، فيما تقسر المكونات السورية على طاعة حكم الحزب الواحد الذي يعتمد أساساً على أجهزة مخابراته .

وعلى هذه المعطيات وقفت سوريا التي تغصّ بطموحاتها لتكون دولة اقليمية كبرى، تبحث عن امتداد إستراتيجي ومدى حيوي، كان طوق الحصار عليها يكاد يكون كاملاً، بعد ان فقدت بنسبة كبيرة مجالها الحيوي الوحيد في لبنان – وان استطاعت فعل ذلك سياسياً بواسطة قوى محلية لبنانية - .

لكن العراق ليس لبنان، وبالتالي فالحسابات معه تقوم على مرتكزين: الخوف من تأثيراته عليها، ومحاولة اختراقه كي يستمر فيه الإضطراب .

تلك استراتيجية رسمها حافظ الأسد منذ تسلمه السلطة بانقلاب عسكري عام  1970، وقد جسدها واقعاً بعد توقيع العراق على اتفاقية الجزائر عام 1975 حيث بدا المشهد يومها ان العراق مقبل على استقرار داخلي سينعكس سلباً على أمن سوريا-  وقد وضح ذلك  بعد أزمة نهر الفرات الشهيرة وتهديد العراق لسوريا بغزو عسكري لإزالة سدودها - فقد شجعت سوريا جلال طالباني على الإستمرار في الثورة المسلحة وزودته بالسلاح والدعم اللوجستي (1).

لقد أشرفت المخابرات السورية على المجموعات المسلحة التابعة للجود (الجبهة الوطنية الديمقراطية) والجوقد (الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية) - لاحظوا كلمة ديمقراطية تحت الرعاية السورية / القذافية  (2)  وبالمناسبة فهي مشابهة للجبهة التي أعلنت في دمشق الشهر الحالي التي رفعت صورة صدام حسين وشعارات الثأر لشهيد الأمة مع دعمها لأبي حمزة (اياد علاوي)  وأركان قائمته ..

إذاً هذه هي الدولة الاولى المعادية للمالكي حدّ الجنون، والتي سربت معلومات بسرقة مياه نهر دجلة بالتعاون مع إمارة الكويت التي حجزت في الوقت عينه الطائرة العراقية في لندن وأوقفت مدير الخطوط الجوية العراقية بحجة التعويضات التي بلغت ارقاماً فلكية قد تشتري ثلاث جزر كل منها بحجم الكويت .

 ثم تنفتح أبواب جهنم، إيران تطالب بتعويضات تبلغ تريليون دولار لاغير، سبقتها مصر بنصف مليار لتعويض العمال المصريين، أما السعودية، فتحركاتها ومواقفها أكبر من ان تخفى.

كلّ ذلك مفهوم وقد يكون غير مستغرب، فالمالكي والعراق الذي يراه، ينبغي أن يركع أو يُقطع، بعمليات الإرهاب أو باصوات ومواقف (العراقية) المثقلة بالتزامات إقليمية ومحلية لاتترك لها المجال بالإيفاء سوى الوصول الى السلطة بأي ثمن .

لكن مابال بعض (المثقفين) الذين يحملون للمالكي حقداً لامثيل له، رغم انه لم يطالهم بسوء .

لم تشهد انتخابات في الدنيا – على حدّ علمي – كلّ تلك الأكاذيب والتسريبات والأخبارالملفقة التي وصلت الى عظام بعض السياسيين ناهيك بألسنتهم، أما بعض الإعلاميين، فقد لاتكفي لغة لوصف سلوكياتهم .

أي إنسان سوي لم يفقد عقله ويدخل حقل الهستيريا – أو فوبيا المالكي - سيرى مقدار الخطورة في أن تنهض الروح الوطنية في العراق ، فذلك سيقّوّض خططاً إستراتيجية وضعتها دول الجوار على إعتبار ان العراق سيبقى مقتسماً بينها ضمن حصص معقولة لكل منها ومراكز نفوذ مضمونة، كذلك مقدار التهديد الكارثي الذي يحمله مشروع كهذا على قوى محلية ربطت مصالحها بمقدار ما تؤديه من خدمات للخارج، ولما كانت تلك القوى قد شكلتّ شبكات عنكبوتية دخلت في مفاصل الحياة العراقية، ولكي يسوغ بعض الإعلاميين والسياسيين والمثقفين لنفسه مايفعل، فهو يحاول ان يخلط موضوع الدفاع عن مصالحه الشخصية بايجاد المثالب عن المالكي، وكلما شعر بتهديد قد يكشف حقيقية دوافعه، ازداد هستيريا وحقداً في مواقف جنونية بما فيها اضطراره للكذب والتلفيق المفضوحين .

الخلاصة، ان السيوف التي تحيط بعنق المالكي، لم يحدث ان تجمعت حول عنق أحد عبر تاريخ هذه الأمة، وإذا كان رأس صاحب الثورة الأعظم في الأمة قد حمل على أسّنة الرماح في طريقه الى قصر يزيد في الشام، فلمن سيحمل رأس المالكي؟ ليزيد الشام أم يزيد الحجاز؟ ومن سيلعب دور شمر ابن ذي الجوشن وشبث ابن ربعي؟ ومن سيكون ابن زياد؟؟؟ (3)

أين الغرابة في ذلك؟ فإذا كان يهوذا الأسخريوطي قد باع السيد المسيح باثني عشر درهماً من الفضة ، فمابالك بملايين الدولارات لمن يبيع العراق ومعه المالكي؟ أليس التاريخ يكرر نفسه؟  .

 

 

 (1): (( عندما تأسس الاتحاد الوطني، كان هناك دعم ليبي وسوري، الدعم الليبي كان مادياً ( اموالاً ) والسوري عسكرياً، كان بالتدريب والتسليح حيث كان لنا معسكران في سورية واحد قرب دمشق والثاني قرب القامشلي، وفي بعض الاحيان دعمتنا سوريا بالمال الى جانب السلاح المجاني )) راجع كتاب – من ذاكرة المام ( جلال الطالباني ) – معد فياض – المركز العربي الكردي للحوار –حلقة نشرت في 19/ 8/ 2009

(2) : في أواخر عام 1983، شارك الكاتب شخصياً ببعض نشاطات الجوقد

 التي تشكلت برعاية سورية ليبية وتكونت من حزب البعث ( قيادة قطر العراق – جناح فوزي الراوي ) – الاتحاد الوطني الكردستاني – الحركة الاشتراكية العربية - جناح جواد دوش– الحزب الاشتراكي – وغيرهم – وكانت لهم مجموعات مسلحة في القامشلي تعمل بإشراف المخابرات السورية حيث تقوم باصطحاب االمجموعات  الى الحدود العراقية / منطقة سنجار / ليقوموا من هناك بأعمال مسلحة ضد القوات العراقية، بما فيها نصب الكمائن والعودة بعدها الى الاراضي السورية، وأذكر من عناصرالمخابرات السورية (أحمد باكثير) الذي قدمه لنا مسؤول البعث في القطاع (أحمد ذنون – أبو مدين) بصفته الرسمية هكذا: اعرفكم على السيد أحمد باكثير من المخابرات السورية .

كان ذلك بحضور جواد الدوش أمين عام الحركة الاشتراكية آنذاك،  والمهندس تحسين  الذي كان يحاول اختراع جهاز يوفر الطاقة الكهربائية من الرياح، فخرجت  مع تحسين ونحن نقول: اليوم يعرفوننا على مخابرات سورية وليس من المستغرب غداً ان يقوموا بتعريفنا على مخابرات إسرائيلية أو أمريكية .

تذكرت هذه الأحداث وأنا اتابع ماتقوم به المخابرات السورية من اشراف ودعم للعنف في العراق بعد التغيير عام 2003.

(3) لاأقصد هنا المقارنة بين شخصية  الإمام الشهيد وشخصية المالكي، إنما قصدت الظواهر العامة والعداوات  المحيطة، في رمزية الإيحاء .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1404 السبت 15/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم