صحيفة المثقف

قناديل البكاء على كتف الوطن .. دراسة نقدية في شعر يحيى السماوي

 ولاتظطرب دلاؤه عند النهر حسرة وتاثرا بغيره انه شاعر مطبوع مسكون بالشعر حتى في الحلم يكتب شعرا فالقصيدة السماوية المنسوبة ليحيى تدل على قوة شاعرية   وكم اود ان اطلق عليها سمة الملحمة التي تتسم بالحديث عن الابطال وتعتمد الخيال وتصور بطولة المحاربين وتحكي قصص الاحداث وهذه كلها من ميزات قصيدة السماوي فله بطل ثابت معني هو العراق وله مكان مرسوم هو السماوة وله ابطال كثر منهم التويجري استاذه لكنها لاتمجد شخصا بل وطنا وسرديتها مقاسة بالالم والحزن الذي يلف اعماقه وتندرج كلها تحت موصوفات مرئية لاخيال فيهاوخطب واقعية وتغرق في تشبيهات رائعة واخيلة تنبعث من شاعر عملاق حقا مطبوع على قول الشعر بل محترف وممتهن فسبكه يعجز الوصف فيه وذكرياته تتحدث عن ضياع اكيد وغربة مفروضة عليه واذا كان للعرب في الجاهلية ملاحم عن معارك ومواقف وبطولات فالشاعر الحديث له ملاحمه التي ابلى بها بلاء حسنا مميزا فكيف اقول الفرزدق وانسى ابن الرومي في نكبات البصرة على يد الزنج وقد فصل الفجيعة التي حلت في البصرة والان السماوي يفصل الفجيعة التي حلت بالعراق كله

وربما انطلق من قول الدكتور عبده بدوي في وصف المطولات ليست مجرد ترانيم دينية وتاريخا للاحداث (حين نقراها قراءة متاملة نرى فيها العديد من الاسقاطات على الحكم والحكام والمسار العام يركز على عدد من القضايا التي تقول نحن سادة لامستعبدين وان لنا حضارة قديمة لاتهون)

من هنا انطلق مع

1//هذه خيمتي فاين الوطن وانتقي قلائد راقية منها:

اضعتك ياعراق فلا اراني

سابصر فيك قومي والمغاني

وقد كنت الفتى المصداح لكن

تعطل بعد تشريد لساني

فلم يتعطل لسان الشاعر بل ازداد قوة ولهيبا وصراخا في عنق الزجاجةولذا تجده معتذرا مرة اخرى يقول:

رثيتك ياعراق كما رثاني

غدي فاعذر لساني عن بياني

لقد صار العراق ابي وامي

وزادي والسراج وشمعداني

كفى طهرا لهذا العشق اني

عقدت على محبته قراني

فماذا يريد العراق من يحيى غير هذا

الاصرار وعقد القران الحقيقي بمحبة الوطن وهل من شيء اكبر من الوطن ولكنه يطلب ويوشر على الجرح ويشخص الداء قائلا:

هزوا سيوف الحق ثائرة

تفق الغلال ويعمر السهل

وقد اعترف بضياع الوطن وخسا رته ولاجرم الا الحكام قائلا:

وخسرت بدء يفاعتي وطنا

قد كنت فيه مجنح الفكر

ان كنت في العشاق مبتدا

فهواه يااختاه لي خبري

والشمس تعد واحدة من عجائب الوطن بلهيبها الحارق بسواده المفتعل:

ما للعراق الفحل ذل فما

غضبت به الانهار والحجر

بالامس كان سلال عافية

خضراء ينعس حولها النظر

ولكنه مهجري لايبحث عن المال والراحة ابدا مادام العراق يحتضر ويبرر ونحن لانحتاج الى ذلك قائلا:

انا ماهرقت العمر مغتربا

كي تستريح على يدي الدرر

نعم ايها الشاعر الاصيل لن ترضيك الدرر ولن تقبل الابسعادة اهل السماوة الفقراءوانت القائل:

ماذا سيسعدني وذا وطني

يشقى وماء فراته شرر

ولن يبكي على العراق غير الشاعر الاصيل كيحيى وهو القائل:

انا اول الباكين دمعي احرف

وصدى نحيبي في القصيد شعور

غنيت والنيران تشرب من دمي

وغفوت والشوك الممض سرير

اي صدق ابهى من هذات واي وفاء للعراق والشاعر ينام على سرير الحرمان والغربةفان طبعه مثل السماوة الصابرة على الفقر وا لضيم يقول:

لي طبع صحراء السماوة لم تخن

شرف الرمال اذا استبد هجير

وعلى حد علمي المتواضع ان قصيدة خذني اليك من اروع ماكتب السماوي في مجموعته هذه خيمتي ولكن الوطن يبخل عليه بخيمة وهذه شاعريته الفذة فلو كان سيف الدولة موجودا الان لقدم اليه بناء كاملا من الذهب ولكن الزمن ليس للشعراء بل للجهلاء والسراق لنعم الوطن

وما اعتذارياته من العراق الا وفاء دائما لاينقطع في قوله:

عذرا حبيبي ياعراق فما الهوى

لولاك هل غصن بغير جذور

وما اروع هذه الصورة الجديدة للسماوي ولاول مرة في الشعر العربي كله وليس العراقي قوله

اني دفنتك في خلاصة خافقي

فبعثت حيا في حقول سطوري

هذا هو الشعر ايها الشعراء اللاشعراء فتكتبون الخواطر البائسة وتسمونه شعرا

وكم وقفت بغداد في شعره اميرة وهو يخاطبها بصفاء :

غربت يابغداد عنك فشرقت

روحي وكلتا حالتي تغرب

انا طفلك الممسوس حرزي نخلة

 أالام لو اني بحبك اطنب

شدت الى رحم العراق مشيمتي

واليه لا لابي وامي انسب

لافض فوك ايها العملاق السماوي نعم ان مشيمتك مشدودة بالعراق دلالة اصالتك وانت تعترف بالخيانة لو خنت العراق وانتميت لغيره قولك:

قد خنت طهر ابي وامي والهوى

لو انني لمشردي اتحبب

هذا هو المعروف عنك ايها العراقي الشريف والشاعر الفحل ولا اريد منك ان تياس حيث قلت في خيمتك

اين السماوة اين قشلتها

وحبيبة قد زانها الخفر

لي ناقة فيها ولي جمل

وعلى سطور كتابها فكر

ثم تعود في مجموعتك تاخرت دهرا علي ثم تعود للسماوة رافضا بدون شعور تلك الارض التي شردت اليها قائلا:

تلك الديار علام اعبدها

لاناقتي فيها ولاجملي

اما الطيور فغير سابحة

فكانها شدت الى جبل

ايقاعات ساحرة ونفس شعري رائدومازال ليلك غير مكتمل بدون العراق

ستون عاما في مجرته

ليلي وبدري غير مكتمل

مولاي يانخل الفرات اما

للعدل في واديك من امل

نعم ابحث عن الامل احرق شموع الانتظار لفجر جديدوانت المنتظر تقول:

احلى الاماني ان ارى وطني

حرا وقومي دونما كلل

لقد صدقت الدكتورة الشاعرة والناقدة فاطمة القرني حين وصفت الشاعر السماوي(لاعجب في ان تتداخل هاتان الكينونتان الى حد التماهي في تجربة استثنائية التشظي بعمق ومرارة التجربة العراقية)نعم ان السماوي يتماهى حبا وتضحية في فداء وطنه على البعد بتجربة مميزة واقول بحق ان السماوي يحيى خليفة الفرزدق قديما والجواهري حديثا بعيدا عن الالقاب

-----------------------------------------------

 

2- نقوش على جذع نخلة

البداية من الثقة المطلقة بالوطن فهو لاينثر الورود للمحتل قائلا:

حاشاك تنثر للغزاة ورودا

فلقد خلقت كما النخيل عنيدا

نعم هكذا يثق الشاعر الصاد ق بوطنه اخر الانفاس والنخل شاهدهوتزداد الثقة عندما يجد العرق ولودا للشرفاء في قوله:

خسيء الغزاة فما العراق بعاقر

عقم الزمان زمايزال ولودا

ويبين السبب الذي حدا بالعراق لهذا الغزو قائلا:

والله ماوطا الغزاة ترابنا

لو اننا نتهجد التلمودا

وكم تجد الشاعر مرتبطا باجزاء الوطن وروافده الكبرى الفرات وبابل وسومر والرصافة والسماوة قدحته ومهيمنته الشعرية

تجد الفرات يسيل من مقلي

دمعا فاشربه على جلد

انا بابل وانا حرائقها

ورمادها وشريدها الابدي

والسومري الطفل انسج من

عشب الضفاف وزهرها بردي

وانا الرصافةبات يوحشها

جسر الهوى حيث الزمان ردي

وانا السماوة حيث نخلتها

سعف وعذق غير منتضد

 

هذه قدرة الشاعر السماوي على ربط الاجزاء المتناثرة مع بعضها

وكم يبلغ بنا العجب حينما يعجب ويقسم الشاعر بالعراق قائلا:

الله ما احلى العراق وان بدا

متقرح الانهار والواحات

على حد قول السياب حتى الظلام الي اجمل في العراق

ويرجع لتراث ليلى العامرية حين مرضت بالعراق قائلا:

ان المريضة في العراق عراقة

اما الطبيب فمبضع الشهوات

ومن اقسى غيرالذي يخون وطنه في قوله:

 

مالعجب لو خان الفواد ضلوعه

ان الذي خان العراق عراقي

هذا دمي يانخل مص رفيفه

فلقد رايتك ضاميءالاعذاق

ومن هذه الشذرات السريعة من بحر شعري اسمه يحيى اجد الاوزان الشعرية ليست قوالب يصب فيها ابداعه وانما هي اوعية للمعاني تتلاعب بين يديه كما يشاء وقد رقص العروض في شعره رقص السنابل في عاصفة هادئة اما القوافي فقد انحنت للسماوي فلا تكاد قافية لم تجلس على مائدته متمكنا مسيطرا عليها فهو بحق ملك للقوافي الرائعةضمن فاعلية نفسية مؤثرة فالذي يقرا البيت الاول يلزم بعنان الثاني والثالث وهكذا فلابيت شعر غير محبب لديه اما الايقاع فمن مظاهره الموسيقية بتكرار بعض الاحرف بتنغيم رائع وسيطرة على اللغة سيطرة تامة ان الشاعر مختص في لغته ومهذب في شاعريته ومبدع في ايقاعه ولو نهض الخليل من نومه لقال للسماوي اشكرك اشكرك على ايقاعك وعدم زحافك ايها الشاعر الفحل

اما البديع بكل فنونه فقد عقد صداقة بلاغية مع السماوي فلا تكاد تقرا بيتا الاواعطاك بلاغة وفصاحة وهو جدير باختصاصه العلمي حيث تخرج من اداب بغداد عام 1974

وكيف لي ان اختصر شاعرا كبيرا بصفحات قليلة وهو نشيد عراقي يعيش في ضمير الشرفاءفاعتذر من الشاعر اولا لحراثتي في ظلام الليل وحطبي المهشم في صواري الريح فان سكت لساني وعجز قلمي ومات نقدي لايلومني احد فالسماوي شاعر اكبر من نقدي وشعري واقول هيهات ان يسبح الانسان في النهر مرتين

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1456 الثلاثاء 13/07/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم