صحيفة المثقف

عن أمير الغال وأمير البنغال في العراق الجديد .. القوى الدينو/ سياسية ومواقف الدفع نحو الهاوية (1)

به في تلك البلاد حينما كانت بريطانيا امبراطورية لاتغيب عنها الشمس .

 ورغم ان تينك البلدين – بلجيكا وفرنسا – قد تحررتا من النفوذ البريطاني منذ امد بعيد، وان بريطانيا ذاتها قد تحولت الى بلد يدورفي فلك قوة عظمى اسمها امريكا، وان التاج البريطاني أصبح مجرد رمز شكلي يملك ولايحكم، بل وصل الامر به ان يتذمر البريطانيون من رواتب أفراده وبذخهم، الا ان لقب " امير الغال " مازال يطلق على ولي العهد الأمير تشارلز فيما اقتصرت " الغال " في واقع الأمر على امارة صغيرة اسمها ويلز .

أما بلاد البنغال، فهي المعروفة اليوم بإسم " بنغلادش " وكانت جزءا من الهند التي اعتبرت في أزمنة سالفة " درة التاج البريطاني "، وبالتالي فحاكم الهند ورغم حصوله على لقب " نائب الملك " الا انه يبقى في مرتبة أدنى من " أمير الغال " بإعتبارالأخير ملكاً مؤجلاً .

في العراق، تراجع وبشكل واضح، نفوذ بعض القوى السياسية بقيادتها الدينية كالمجلس الأعلى، الذي أظهرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة انه لم يحصل على أصوات تزيد كثيراً عن نصف ماكان له في المجلس النيابي السابق، ولما لم يكن هناك من معنى آخر للديمقراطية سوى الإقرار بحكم الأكثرية، لذا كان المنطق يقتضي من قيادة المجلس الأعلى ان يقرّ بتلك الحقيقة ويراجع منطلقات خطابه وحيثيات مواقفه ليرى الأسباب الحقيقية لتراجعه .

الا ان ذلك ياتي من عقليات ديمقراطية في العادة، وهو ما لم يتشكل بعد عند الكثير من القوى السياسية العراقية ومنها المجلس الأعلى، إذ أظهرالمجمل في حركته السياسية بعد الإنتخابات، انها تنطلق من عقلية " الوصائية " .

في رصد لحركة (المجلس) منذ انتخابات عام 2005، يلاحظ التراجع المطرد في موقعه وشعبيته، ففي إنتخابات مجالس المحافظات مطلع عام 2009، وضح ذلك بشكل دراماتيكي، فبعد ان كان يسيطر على مجالس عشر محافظات بما فيها بغداد، جاءت الإنتخابات المذكورة، ليخرج المجلس منها صفر اليدين حيث حلت لوائح المالكي في المركز الأول مكتسحة مواقع المجلس الأعلى جميعها تقريباً .

ثم جاءت الإنتخابات البرلمانية في السابع من آذار 2010، لتمنح المجلس 17 عشر مقعداً بتراجع 13 مقعداً عن حصته السابقة في الائتلاف الوطني الموحد البالغة 30 مقعداً.

وعلى هذا، وجد المجلس الأعلى نفسه في موقف حرج، ففي داخل الائتلاف، هناك منافسه الرئيس على امتداد المراحل الماضية – التيار الصدري - الذي حصد 40 مقعداً بتطور مثير رغم ماتلقاه من ضربات، مايجعله صاحب الكلمة الراجحة داخل الائتلاف الوطني .

في الجهة المقابلة وقف المالكي بمقاعده الـ89 وشعبيته الطاغية التي جعلته في المركز الأول بين الفائزين بتسمياتهم الخاصة وبفارق كبير عن أقرب المنافسين – (حصل المالكي في بغداد على 640 الف صوت، فيما جاء علاوي بالمركز الثاني بمايقارب من 420 الف صوت)، اما أعلى مرشح للمجلس، فقد كان وزير المالية بيان جبر (باقر جبر صولاغ ) الذي حصل على مايقرب من 80 ألف صوت .

ذلك يعني بلغة الأرقام، ان المجلس الأعلى ليس في وضع يؤهله للمنافسة على المناصب السيادية ناهيك بأن يكون له الصوت الحاسم في العملية السياسية، لكن الحركة النشطة التي قام بها رئيسه عمار الحكيم، جعلت وسائل الإعلام تصفه بأنه زعيم الائتلاف الوطني، وقد راجت كلمة (الائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم) في الكثير من وسائل الإعلام العراقية والعربية - سواء تعمداً أم سياقاً - ما جعل المجلس الأعلى يشعر بنوع من الرضا عن نفسه لاتباعه سياسة وضعته في هذا الموقع، لكنه لم يدرك ان ذلك كان موقعاً لا يأتي في معنى طبيعي أي انه خارج الواقع الفعلي، لذا دفع بطموحاته حدها الأقصى ليقدم من ثم مرشحه الى رئاسة الوزراء – أو يوحي به على وجه أدقّ - .

كان المجلس الأعلى يدرك ان مناوراته لن يكتب لها النجاح، فمن داخل الائتلاف، تشير كافة الحسابات السياسية ان التيار الصدري ليس بوارد الإقرار بمرشج يقدمه المجلس الأعلى، فلا شيء يبرر ذلك قطعاً، لامن حيث أحقيته في عدد المقاعد، ولا في أرجحية المرشح (المجلسي) على غيره .

اما في الكتل الأخرى، فلا ائتلاف دولة القانون ولا العراقية، بوارد التفكير بقبول مرشح من هذا النوع، الكتلة الوحيدة التي يمكن ان تجاري المجلس الأعلى ربما، هي (الكردستانية) وهو مايشكل إجمالي مقاعد لاتزيد عن 74 نائبا (17 للمجلس و57 للكردستاني) إذاً فتلك مناورة محكومة بالإنكشاف .

في المقابل، لايستطيع المجلس ان يقرّ للمالكي برئاسة الوزراء لأن من شأن ذلك ان يجعل شعبية المجلس في مستويات كارثية كما تؤكده المعطيات السابقة والحسابات اللاحقة، إذ سيتحرك المالكي بقوة لتشكيل مقومات الدولة مجتاحا في طريقه قواعد المجلس الذي سيقف عاجزاً عن وقف إندفاعة المالكي بعد ان عجز عن ذلك طوال السنوات الماضية.

هذا المأزق الأول الذي يحاصر المجلس ويمسك بخناقة، أما تحالفه مع علاوي، فسيعني الإقرار بحكم الأخير وقائمته (العراقية) التي شملت بعض قياداتها إجراءات المساءلة والعدالة، وهي القرارات التي أيدها المجلس عند صدورها لأنها أصلاً مشروع إنبثق من داخل الائتلاف وبمباركته، كذلك فإن القائمة العراقية هي ذاتها التي صرح بعض أركانها علناً بأن حزب البعث هو أشرف ظاهرة شهدها العراق – كما ورد على لسان صالح المطلك وظافر العاني مثلا- وبالتالي فتحالف المجلس معها، يعني إستفزازا للقاعدة الشعبية التي يستند اليها والتي طالما طيبّ خواطرها بحديثه عن (أبناء المقابر الجماعية) ما يهدد بخسارته للكثير من قواعده ويضعه بموقع من تخلى عن شعاراته وأهدافه، كذلك لن يجد تبريرات كافية لرفضه المالكي (بكل مايعنيه) وقبوله بعلاوي (بكل مايعنيه كذلك) .

وهكذا حوصر المجلس في زوايا حرجة حيث وضعته التطورات أمام خيارات أحلاها مرّ، لذا لا سبيل أمامه سوى مواصلة الهروب الى الأمام وصولاّ الى حافة الهاوية، تحت شعار " إن لم أربح، فلن أجعل غيري يربح" .

الطرف الآخر في القوى الدينو/سياسية، كان التيار الصدري، فالصدريون هم الطرف الثاني – بعد العراقية – الذي شحن إستفادته من الانتخابات حدّها الأقصى، فالكثير من الحسابات تشير ان ماحصلت عليه (العراقية) ليس مرشحا للتكرار، لقد وضعت تحت تصرف الأخيرة إمكانيات مادية واعلامية ودعم اقليمي ودولي ما لايمكن ان يتوفر لقوى أخرى ليس في العراق وحده، بل في المنطقة برمتها، تلك هي الأوقات الحاسمة التي تحدد مصير العراق لعقود مقبلة، ولما كانت محورية الموضوع العراقي لابد ستلقي بتأثيراتها على المنطقة عموماً، لذا حشدت الأطراف العربية / التركية مدعومة أمريكيا، كل قواها لتسجيل سبق لعلاوي وقائمته .

في المقابل، إتبّع الصدريون تكتياً إنتخابياً ذكياً جعلهم يحصدون الفوائد من أصوات بقية قوى الائتلاف بما فيها المجلس الأعلى وبالتالي تجييرها لصالحهم، ما جعلهم في مركز الثقل بالنسبة للائتلاف، وقد كان واضحاً انهم اصحاب الصوت الأعلى قياسا بالمجلس وزعيمه، لذا كان التساؤل عند الكثير من المراقبين، عن أساب تسليم الصدريين بقيادة المجلس الأعلى للائتلاف الوطني كما ظهر عليه المشهد قبل التحرك الأخير لزعيم التيار مقتدى الصدر، الذي ما ان تحرك، حتى بان التوتر على المجلس الأعلى حيث بدا وكانه عاد الى حجمه الحقيقي داخل الائتلاف، لأن كلمته تقف عند جدار الصدريين ولا تتجاوزه .

 

------ يتبع

الحلقة القادمة : سايكولوجيا الخواصّ وحسابات العوام .

(أمراء) في ميزان التكليف .

    

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1469 الاثنين 26/07/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم