صحيفة المثقف

أمير الغال وأمير البنغال (2) سايكولوجيا الخواصّ ومواقف العوام / علي السعدي

 ناهيك بأن يساهم في صنع مرحلة استثنائية لبلد كالعراق.

ميزتان اختلفتا بين الإبن الشاب والأب المحنك، كان الأب قليل الكلام بصفة عامة، لم يسمع عنه مهاجمته لأحد وتجنب الخصومات بشكل ملفت، حتى عندما تعرضت مقرات المجلس لهجوم من قبل جيش المهدي يومها، أمتص الضربة بحكمة وهدوء، وعلى هذه المواقف، جعل الرجل من نفسه وتنظيمه، بمثابة ترمومتر العملية السياسية والرافعة التي إتكأت عليها الكثير من مشاريع بناء الدولة الجديدة، كذلك فإنه كان عضوًا فاعلاً في مجلس النواب، دائم الحضور ومساهماً في كلّ كبيرة وصغيرة .

بعكسه كان الإبن، لا أحد ينكر عليه قدراته الخطابية بلغة سلسة وبلاغة لافتة، لذا حاول تجيير هذه الخاصية وتوظيفها في بناء خطاب حاول من خلاله ثلب خصومه والرفع من مواقع تنظيمه وشخصه، لكن لم يلاحظ عليه قدرة مميزة على إستيعاب المرحلة بكل تعقيداتها وبالتالي رسم استراتيجات سياسية بارعة تستطيع الخروج من عنق الزجاجة، وربما سيذكر المؤرخون انه كان واحداً من الأسباب التي أوقعت المجلس في مايشبه المأزق السياسي – كما أوردنا آنفاً -.

ورغم( ترفعه) عن الترشح الى عضوية المجلس النيابي، الا انه في واقع الأمر يلعب دوراً محورياً أكثر مما يمارسه قادة المجلس مجتمعين، وبالتالي يعطي انطباعاً بإبوة مرجعية يفرضها على نوابه في نسخة مصغرة عن (ولاية فقيه) غير معلنة .

لغة الأرقام في الديمقراطيات، تكون هي الحاسمة، إذ تتحدد من خلالها الأحجام السياسية ومواقع التأثير في كل مرحلة، وعليه فلاغرابة أن تتراجع قوى وتتقدم أخرى، فيحاول المتقدم تعزيز مواقعه بتنفيذ برامجه، فيما يسعى المتراجع الى إجراء مراجعة شاملة لمواقفه وخطابه لينهض من جديد، تلك سلوكيات يحددها إحترام مطلق لصوت الناخب واعتباره تالياً، المصدر الوحيد للشرعية .

عرفت الشورى في الإسلام بانها تقتصر على أهل الحل والربط أو مجتمع النخبة – اقتصرت في البداية على أهل بدر ثم على ستة من كبار الصحابة كما أوصى الخليفة الراشدي الثاني – بعدها تطورت الشورى ً لتشمل آخرين، لكنها لم تصل الى إلزامية أجرائها في الأمة كلها .

وفي أثينا – التي عرفت أولى الديمقراطيات – كان التصويت يقتصر على المواطنين الأحرار – وهم سكان أثينا الأصليين – كما نسجت الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، على المنوال ذاته حينما لم تعط حقّ التصويت الا ضمن شروط محددة ينبغي ان تتوفر في الناخب، وفي كلّ ذلك حرمت النساء وشرائح كبيرة من المجتمع من حقّ المشاركة في الاقتراع العام الذي يفرز القيادات الشرعية وفق لعدد مانالته من الأصوات .

في العراق، يفترض اننا نمارس الديمقراطية وفق آخر ماوصلت اليه، اي حقّ جميع البالغين من ذكور وأناث، المشاركة في الاقتراع، لكن وضح ان تلك المقولات بقيت بإطارها المجرد، فقد أظهرت مواقف القوى الدينو / سياسية، بانها تفضل الديمقراطية على شكلها القديم، وبالتالي اعتبار ان من انتخبهم فقط، هم مجتمع النخبة وأهل الحل والربط، أما من انتخب غيرهم، فمجرد عوام قد لاتعني أصواتهم شيئاً محدداً لذا يمكن تجاوزها وأهمال اعدادها في تحديد الأحجام السياسية، وهو ماقد يفسر إصرار زعيم المجلس (عمار الحكيم) مطالبة المالكي بالتنحي، من دون الأخذ بنظر الإعتبار مقدار ماناله الأخير وقائمته من أصوات .

مثال ذلك واضح في بلد مجاور، إذ لايحتاج المرجع الأعلى الى أصوات الناس ليكون صاحب الكلمة العليا في الدولة الايرانية، بل انه يضع الرئيس المنتخب تحت وصايته وامرته، مايعني أن المشروعية الدينو / سياسية، هي الأساس، وتلك لاتأتي من أصوات الناخبين بالضرورة .

وفي مقابل المرجعية (الدينو/سياسية ) التي استند اليها طرفا الائتلاف الوطني - المجلس / الحكيم من جهة، والتيار الصدري / مقتدى من جهة أخرى، وقف المالكي ولائحته – دولة القانون – مجرداً من تلك المعادلة، رغم انه حاول التخفيف من وطأة تلك الثنائية المنافسة باستقطاب نجل مرجع آخر – الشهيد الصدر الأول – جعفر الصدر، الا ان الأخير لم يرث والده في دور سياسي كما فعل نظيريه –عمار الحكيم ومقتدى الصدر – لذا بقي بصفة (نائباً عن دولة القانون) ليس إلا .

حاول الحكيم الأبن ان يتجاوز صفة (أمير الغال) في علاقته مع المالكي، فتلك صفة تحولت الى رمزية لا حاكمية فعلية، وعليه أراد تطبيق صفة القائد الخامنئي، فيما يترك للمالكي صفة أحمدي نجاد في أحسن تقدير.

لكن المفارقة، ان عمار الحكيم، لايستطيع ممارسة تلك الصفة – القائد المرجعي – سوى مع شخصين فقط هما على التوالي : مرشح المجلس الأعلى – عادل عبد المهدي أو سواه – الذي في حال نجاح مساعي دفعه الى تشكيل الحكومة- وان على احتمال بعيد – فسوف يتاح وبشكل فعلي ممارسة دور وصائي على شخصية رئيس الوزراء كما يفعل الآن مع قيادات المجلس، تلك هي الحالة الأكثر نموذجية .

أما الاحتمال الثاني فيكمن في الزام المالكي القبول ان يُعامل كما يعامل مرشح المجلس، لكن ولما كانت نظرة المالكي تختلف عن اعتبار المرجعية الدينو/ سياسية هي الأساس على حساب أصوات الناخبين، وبالتالي رفض موضوع العلاقة بين طرفين وفق معادلة (قائد مرجعي ورئيس منتخب)، لذا سرعان ما اصطدمت النظريتان درجة الافتراق .

هنا وقف الحكيم الإبن أمام المفترق الصعب، إذ تضيق خياراته بشكل مطرد، فتسليمه برئاسة علاوي للحكومة المقبلة، سيجعل الحكيم مجرد زعيم لكتلة نيابية صغيرة قد تمنح وزراتين أو ثلاثة، وبالتالي تجهض اية محاولة للخروج الى دور آخر قد يكون متاحاً خارج علاوي وقائمته، لكنه معدوم تماماً مع الأخير لطبيعة القوى السياسية والإجتماعية والاقليمية استطراداً التي تعتمد عليها القائمة العراقية وزعيمها، حيث لا اعتراف بدور خارج نطاق السياسية الايديلوجية البراغماتية المجردة .

ما الحل إذا؟؟؟ وهل سيكمل المجلس المغامرة ويرمي بآخر أسهمه على طريقة الميتادور؟

 

------- يتبع

الحلقة القادمة: الصدريون – البديل أم الإستبدال ؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1470 الثلاثاء 27/07/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم