صحيفة المثقف

نعم ... لحكومة عراقية تفرضها الأمم المتحدة.../ علي ألأسدي

إن رئيس الجمهورية يتحمل مسئولية استثنائية في تردي الوضع، لأنه لم يتخذ الموقف الضروري الذي يحتمه عليه دستور البلاد، لانهاء حالة ما كان يجب أن نصل اليها أصلا، بسبب افراطه في مجاملة زعماء القوائم الانتخابية على حساب الدستور والمصلحة العليا للبلاد. وبسبب ذلك تعيش البلاد حالة عدم اليقين، مما سمح للقوى الخارجية تكثيف تدخلاتها لحرف تطورات الوضع بالاتجاه الذي يخدم مصالحها . كان المتوقع من رئيس الجمهورية أن يتحلى بالشجاعة ويخرج عن صمته المهادن الذي لا يتلائم أبدا مع ما وصلت اليه الحالة السياسية، ويتخذ القرار الحاسم المستند إلى الشرعية الدستورية، فالوضع الأمني الهش يزداد هشاشة مع توتر الأوضاع في الأعظمية الذي تحاول القوى السوداء المعادية للشعب استغلاله لاشعال فتنة طائفية.

 الكل يتساءل مالذي منع رئيس الجمهورية من استخدام صلاحياته لدعوة مجلس النواب لانتخاب رئاسته وبالاصرار على انجاز ذلك خلال المدة القانونية التي كفلها الدستور. وفي حالة أعيد انتخابه لمنصبه الحالي يكون طبيعيا أن يطلب من زعيم القائمة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب بتشكيل الحكومة الجديدة، ومع استنفاذ المكلف المدة القانونية دون أن ينجح في تشكيل الحكومة، يقوم الرئيس بتكليف زعيم القائمة التي تليه بعدد مقاعدها في مجلس النواب. لهذا فان تشكيل الحكومة الجديدة أمام احجام رئيس الجمهورية عن اتخاذ الموقف الحازم  لم يعد ممكنا،  فرئيس الحكومة الحالية يصر على البقاء في السلطة برغم خسارة قائمته في الانتخابات، وبرغم اعتراض القوائم الانتخابية الكبرى بما فيها القائمة الشيعية التي يمثلها الحكيم. إن سبب التأخر في تشكيل الحكومة هو المناورة التي قام بها زعيم قائمة دولة القانون بالاتحاد مع قائمة التحالف الوطني بتشكيل ما سمي بالكتلة البرلمانية الأكبر، وهو أمركان ينبغي الوقوف ضده لتعارضه مع الأصول الديمقراطية وأعرافها السائدة في العالم. لقد كان السكوت عن تلك المناورة قد سجل سابقة خطيرة في التجربة الديمقراطية العراقية، ولعل من السابق لأوانه تقدير الضرر الذي ستسببه للعملية الديمقراطية مستقبلا . لقد كان واضحا أن السيد زعيم قائمة دولة القانون أراد بها قطع الطريق على القائمة العراقية وبالأخص السيد علاوي من تسلم رئاسة الحكومة من بعده.

استمرار حالة عدم اليقين في من سيشكل الحكومة الجديدة سيشجع القوى الارهابية على تكثيف جهودها للقيام بمزيد من أعمال التخريب والقتل ومن ثم الافلات بيسر من يد العدالة، مستغلة تفشي الفساد الاداري والمالي في غالبية المؤسسات الأمنية والسجون العراقية والأمريكية. وأقرب الأمثلة وأحدثها فضيحة هروب قيادات مهمة في تنظيم القاعدة الأرهابية من سجن بوكا بعد رشوة مدير السجن المعين من قبل القوات الأمريكية. ورغم عظم الحدث فقد تجاهلته السلطات وكأنه أمرا عاديا، في وقت يتوجب محاكمة مسئولين كبارا في الدولة وتوجيه اللوم إلى رئاسة الحكومة فيما حصل.هذا اضافة إلى أن التلاعب بالمال العام قد بلغ حدودا كارثية، بحيث أصبح حديث المقاهي في بغداد والمدن الرئيسية، فاللصوص يتعاملون مع الحالة السياسية الراهنة كفرصة ذهبية، كتلك التي سنحت لهم إبان فترة الفوضى التي عاشتها البلاد قبيل الغزو الأمريكي والأشهر التي تلته، والتي لم يجري لحد اليوم كشف حساب الخسائر التي تعرضت لها مؤسسات الدولة وممتلكاتها المدنية والعسكرية.

لقد التزم الكثير من مثقفينا الصمت عن ما يجري، متيمنين بالقول الشعبي المأثور " السكوت من ذهب " فكم من قناطير الذهب سيجلبه لهم سكوتهم عن المأساة العراقية. يعبر كثيرون عن مخاوفهم من أن يتسلم السيد أياد علاوي رئاسة الحكومة الجديدة لكونه أحد قادة البعثيين السابقين، اذ يرون فيه مجرد جسر لعبور البعث إلى السلطة من جديد والاستئثار بها تمهيدا لاقامة ديكتاتورية صدامية بدون صدام. أن مثل هذه المخاوف مبالغ فيها إلى حد كبير،مع العلم أن الرجل قد أكد مرارا وتكرارا أنه سيقود حكومة شراكة وطنية لا يستثني منها القوى السياسية الأخرى، وقد يكون المالكي أحد أركانها الأساسيين اذا ما واقف على ذلك، اضافة إلى ممثلي التحالف الوطني والتحالف الكردستاني. مع علم الكثيرين أنه من المستحيل على قائمة علاوي تشكيل حكومة لوحدها، فما تحوزه من المقاعد البرلمانية لا يمنحها هذا الحق، ومن غير المؤكد أن يستطيع تشكيل الحكومة اذا لم يضمن مشاركة بقية القوائم الانتخابية في حكومته، وبنتيجة ذلك قد يعاد تكليف دولة القانون بتشكيل الحكومة الجديدة. وحتى لو نجح السيد علاوي بتشكيل الحكومة فان القوى السياسية الأخرى المشاركة له في مسئولية ادارة الحكم لا يمكن أن تتسامح معه اذا حاول الخروج عن الاجماع الوطني والدستور وتساهل مع تنامي حزب البعث من جديد. واذا ما التزم المشاركون في حكومته بالدستور وقاموا بدورهم الرقابي كما يجب،  فلن يمر البعثيون بسلام إلى مفاصل الدولة كيفما يطيب لهم. إنها حجة واهية، واذا ما تعاملنا بعين الشك هذه مع كل القوى السياسية الأخرى، فسنكون قد ساهمنا بخلق ديكتاتور الضرورة والاقتدار برغبتنا وتشجيعنا، وخولناه قيادتنا كالخراف باعتباره القائد الأجدر بنحرنا كما فعلها صداما من قبل.

 

واذا ما عجز السياسيون عن التوصل إلى حلول وسط لتسمية رئيس الحكومة القادمة خلال أيام وليس أسابيع، فلا مفر من الاعتراف بعجزنا عن ادارة شئون حياتنا السياسية، وما علينا إلا دعوة الآخرين لمساعدتنا. فالبعض ذهب طالبا النجدة من مصر، وهي التي تنتظر من ينقذها من رجل مريض وعاجز، والبعض يتحاور مع ايران الدولة التي تقود شعبها إلى  بأس المصير، والبعض الآخر يتوجه بأنظاره صوب سوريا والأردن والسعودية، مما يثبت أن من يتصدرون المسرح السياسي العراقي أناس لم يبلغوا سن الرشد، وربما لن يبلغوه أبدا اذا ما استمروا في طلب ا الحكمة من غير أهلها. أمام هذه اللوحة المزرية المضحكة /المبكية علينا تسليم قيادة الدولة لتلك الدول بدون قيد أو شرط فنحن أضعف من أن نحكم أنفسنا بأنفسنا. وفي هذه الحالة فان دعوة الأمم المتحدة للمساعدة في اختيار رئيس لحكومتنا أو كل حكومتنا هو الأقرب إلى مصلحة العراقيين من الارتماء في الاحضان العربية والاسلامية النتنة.

 

علي ألأسدي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1477 الاربعاء 04/08/2010)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم