صحيفة المثقف

قراءات في المنهج: لماذا يتجاهل الناقد الكبير الدكتور عبد الرضا علي الأدباء الشباب؟

فأردت أن أعرف رأي أستاذنا الدكتور عبد الرضا علي الأمر الذي دفعني إلى أن أتصل به هاتفيا  الاسبوع الماضي فوجدت أنّ  رأيه يكاد يتطابق مع ما سأذكره في السطور التالية.

 

المعنى الأول

 لنفرض أن هناك من يريد أن يصبح أستاذا في الرياضيات بلا شك يجب عليه أن يعرف تماما جدول الضرب وهنا تكمن المأساة عند الشباب المعاصرين لأنهم أول مايباشرونه  هو أن يكتبوا قصيدة النثر ولنفرض مجددا أن العروض هو الأساس وقصيدة العمود هي المبتدأ مثلما جدول الضرب هو المبتدأ في الرياضيات ذاك يعني أن البداية خطأ. إن قصيدة النثر تمثل القمة وتعتمد على الموسيقى الداخلية فكيف يمكن لشاعر أن يحتك بها من دون أن يكون له:

تجارب ناجحة في العروض وقصيدة العمود

تجارب ناجحة في الشعر الحر

معرفة على الأقل ببعض الموسيقى " كان الأعشى يسمى صناجة العرب "

معرفة على الأقل بلغة ثانية أو الإلمام على الاقل ببعض جماليات لغة أخرى غير العربية." وأنا أعذر الأدباء العراقيين زمن الحصار لكن  بعد التغيير ومرور خمس سنوات يستطيع أي فرد أن يحصل مجانا على برامج صوتية لتعلم أية لغة كانت "

استلهام  وحفظ لنماذج كثيرة من التراث العربي ك الشعر الجاهلي ، عصر صدر الإسلام  العصر الأموي والعباسي ، التجارب الحديثة، وإلا مامعنى أن تقترف كاتبة ما أو كاتب ما أكثر من عشرين خطأ نحويا على امتداد بضعة صفحات ثم نطلق على هذه الكاتبة خليفة نازك أو على هذا الكاتب خليفة السياب؟

  وأنا أذكر عندما بدأت كتابة الشعر وعرضت شعري على أستاذي  المرحوم محمد جواد جلال وهو ناقد ولغوي كبير نصحني أن أبدأ  بالعمود وعندما دخلت الجامعة  كان هناك بعض اساتذتنا الكبار مثل الدكتور زهير غازي زاهد والدكتور زاهد العزي ونازك الملائكة والدكتور جعفر آل ياسين  ينصحوننا قبل أن نبدأ بالحر أن نكتب في العمود تجارب ناجحة لأن الحر برأيهم أصعب وقد رأيت بنفسي  وأنا أكتب عن الشاعر المرحوم الدكتور مصطفى جمال الدين موضوعا لمعجم البابطين قصيدة  كتبها من نوع الشعر الحر لكنه شطبها وألغاها تماما ولم يجرب المحاولة ثانية مع العلم أن الدكتور مصفى كان شاعرا متمكنا في الشعر العمودي.

في هذا المجال أذكّر الشاب الأديب بأنّ أدونيس كتب قصيدة النثر وأبدع فيها بعد أن كانت له تجارب ناجحة في العمودي والحر.

السياب قبل أن يكتب الحر كانت له تجارب في الشعر العمودي.

وهناك الكثير من المبدعين غير هذين العملاقين.

 الآن يحق لنا أن نطرح هذا السؤال: ماهو عدد الشعراء الشباب ممن يكتبون قصيدة النثر من له تجارب ناجحة في العمود والحر؟

 

المعنى الثاني

قبل خمسة أعوام اتصل بي البروفيسور صالح عضيمة من جامعة السوربون قسم اللغة العربية وطلب مني أن أبعث بشعري إليه لأنه يروم أن يكلف أحد طلابه بكتابة أطروحة دكتوراه عن الشعر العراقي العربي في المهجر حينها أتصلت بكثير من الشباب وطلبت منهم أن يتعاونوا معي في إبراز نتاجاتهم أو أن يزودوني بها لكي أبعثها أنا على نفقتي فلم يحدث أي تجاوب بصورة واسعة ويبدو أن بعضهم كان يتردد لكون تجربته التي ينشرها لم تكن ناضجة لتطبق عليها المناهج الأكاديمية، أما التجربة الأخرى   فألخصها في أني  حصلت من موقع النور على العناوين الألكترونية لأكثر من خمسين أديبا وأديبة عراقيين وعربا وبعثت لهؤلاء ببعض نتاجاتي  لكي اطلع على آرائهم فأزيل بهذا حاجزا بين جيلين فلم يصلني أي رد من أي أديب في حين أجابت على رسائلي باهتمام سيدتان فاضلتان هما الأديبة ظمياء الربيعي والسيدة الأديبة رشا فاضل فقط .

  هذا يعني أن الأدباء الشباب يفضلون التعاون مع المقالات السريعة أي أن تكون لهم علاقة مباشرة بمحرري الصحف اليومية الذين يطرون على نتاجاتهم. إنَ ما ينشر في الصحف ليس بنقد بل هو لمحات أو خواطر قد تحوي وجهات نظر ثم إن كثيرا ممن يطلقون على أنفسهم نقادا ليسوا بنقاد تحركهم أغراضهم ومنافعهم الشخصية ليكتب أحدهم عن فلانة فيصفها بأنها  خليفة عاتكة الخزرجي لأن فلانة تحتل منصبا ما ولعلها توجه إليه دعوة لحضور المهرجان القادم أو يكتب عن فلان الذي يكلف بتدوين اسماء المدعوين للحفل الأدبي الآتي وهكذا...

  أخي العزيز الفاضل  صاحب السؤال إن ناقدا كبيرا متواضعا مثل الدكتور عبد الرضا علي له بريد ألكتروني معروف يمكن لاي أديب أن يستنسخه ويبعث إليه ببعض نتاجاته ولاأظنه يرغب عن الكتابة وإسداء النصح واسوق لك مثلا على تواضعه هو  إني كنت مدعوا في أحد المهرجانات العام  الماضي في لندن وعندما أنهيت قراءة قصائدي وجلست رأيت رجلا وقورا يتقدم إلي ويحييني وإذا به الدكتور عبد الرضا علي الذي قرأت له واستفدت من آرائه ، والمفروض أن أسعى أنا إليه لأنه ناقد بل شيخ النقاد في الوطن العربي ولأنه أكبر مني سنا بعشر سنوات أطال الله  في عمره ولاأظن أن شخصا مثله لايرد على أديب يبعث له بنتاجه فهو متواضع والتواضع صفة من صفات العلماء.

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم ا. د. عبد الرضا علي من: 17 / 8 / 2010)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم