صحيفة المثقف

تفسير سورة فاتحة الكتاب... الاسم

دون امتلاك المقدرة التي يتصف بها، فههنا قد تسقط المسميات على الرغم من ظهور رمزيتها التي تتلاشى مقابل الأصل الذي تحقق لدى صاحب الاسم الحقيقي بغض النظر عن المشتركات اللفظية بينه وبين المجموعة التي أشرنا لها، ولهذا تجد أصحاب الجاه من الناس يحاولون ايجاد بعض العوائق بينهم وبين من يسمى باسمائهم وإن كان المسمى من نفس العائلة، أما ما تراه متبعاً لدى بعض الناس في امتداد التسمية ما هو إلا تقليد للأصل لئلا يندثر ذكر اسم صاحبه على مر الزمن، دون النظر إلى الاستحقاق اللاحق الذي يكون وريثه قد اتصف به.

 

من هنا يظهر أن الاسم لا يتعدى إلى أكثر من التشريف المتبع أو المعتاد عليه بين الناس، حتى أخذ هذا النهج طرقاَ أخرى أصبحت كالتقليد المتبع في كثير من الحضارات والمجتمعات التي تضع اسماء الأشراف على بعض الأماكن المهمة وذلك تيمناً ببقاء صاحب الاسم وإن كان غائباً، ولهذا فإن الذي يراد من الاسم لا بد أن يأخذ السمات المبينة للمعنى، دون المعنى الذي يطلق عليه اسماً خارجياً عن الصفة التي يتصف بها، ومن هنا نجد أن الحق تبارك وتعالى يوبخ من يعبد الأصنام بقوله: (أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين) الأعراف 71. أي أن هذه الأسماء لا تحمل مصاديقاً حقيقية إلا في مخيلتكم، وبناءً على هذا كان التوسع في الأسماء لا ينظر إليه من جهة الإضافات المعنوية للمسمى عندما يمتد إلى أكثر من ذلك، حتى تجد أن الأوصاف الفعلية للأشياء لا يشار إلى حقائقها إلا بذكر الأسماء التي تمتلك الجامعية المثلى بين علميتها وما يتطابق منها مع الواقع الخارجي، كما في قوله تعالى: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) النجم 27.

 

وبهذا تظهر النكتة في قوله تعالى: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) الصف 6. أي أن صفة الأحمدية هي الصفة الملازمة له، فكان الاسم ناطقاً بالمعنى والعكس هو الصحيح أيضاً، وأقرب شاهداً لهذا المثال قوله تعالى: (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمياً) مريم 7. أي لم نجعل له مثيلاً في الاتجاه الذي سيتخذه أو نوع الحياة التي سوف يحياها، وهذا الوجه هو الأقرب والأمثل لتطابق الاسم مع المسمى ولا يراد من قوله: (لم نجعل له من قبل سمياً) بمعنى شريكاً في الاسم اللفظي، لأن هذا من باب العبث الذي ينزه عنه كلام الحق سبحانه، وما يؤيد ذلك قوله تعالى: (رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً) مريم 65. أي هل تعلم له شريكاً في الربوبية يستحق العبادة، وبهذا يظهر أن الاسم هو العلامة الدالة على المسمى حال اتصافه بتلك الصفة التي تكون تابعة له مبينة لاسمه، كما في قوله تعالى: (ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) الحجرات 11.

 

من هنا نعلم أن ابتداء سورة فاتحة الكتاب بـ (اسم الله) يدل على التوجه السليم الذي يرشد الناس إلى الابتداء بـ (اسم الله) وهذا الترتيب يجعل اسم الله تعالى مقدماً في جميع الأعمال التي يقوم بها الإنسان، كالذبح والأكل الذي بينه تعالى بقوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين) الأنعام 118. ثم شدد الأمر بقوله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) الأنعام 121. وكذلك يأمرنا الله تعالى أن نذكر اسمه عند القراءة، كما في قوله: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) العلق 1. فإن قيل: هل يراد من ذكر اسم الله تعالى اللفظ عند البدء في عمل ما؟ أقول: لا يراد من ذلك اللفظ إلا ما يخرجه الدليل، وانما يراد استحضار التوجه، كما مبين في قوله تعالى: (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والأصال ولا تكن من الغافلين) الأعراف 205. ولهذا فإن الخشوع والانقطاع يفضي بالإنسان إلى ذكر الله تعالى في نفسه مما يجعل التوجه يأخذ مجراه الطبيعي المحصن بواسطة الاسم الذي تتفرع عليه مقدمات التزكية، كما في قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى***وذكر اسم ربه فصلى) الأعلى 14-15.

 

من هنا يتحصل أن النتائج التي تبدأ مقدماتها بـ (اسم الله) قد أخذت السبل الموصلة إلى بر الأمان، كما يظهر ذلك من قوله تعالى: (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم) هود 41. وأنت خبير بأن هذه المقدمة كانت نتيجتها قوله تعالى: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) هود 48. وأقرب مثالاً إلى ذلك ما جرى لملكة سبأ من الكتاب الذي ألقي إليها من سليمان (عليه السلام) حيث كانت مقدماته تشير إلى الابتداء بـ (اسم الله) كما في قوله تعالى: (قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم***إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) النمل 29-30. وكما هو مبين فإن نتائج هذا الابتداء الذي كتبه سليمان جعلت ملكة سبأ تعلن اسلامها مع سليمان لله رب العالمين، كما في قوله تعالى: (قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) النمل 44.

 

  * من كتابنا: القادم على غير مثال

   عبدالله بدر اسكندر المالكي

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1496 الاربعاء 25/08/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم