صحيفة المثقف

جميل صدقي الزهاوي شاعر الحريّة / شوقي مسلماني

ولا شيء! تلميذي معروف الرصافي ينظم شعراً أحسن منه!". غير أن معارك الزهاوي وهو من طلائع نهضة الأدب العربي في القرن العشرين، والمولود في بغداد سنة 1863 والمتوفّي فيها سنة 1936 وله دواوين شعر ومؤلّفات منها "دواوين الزهاوي" و"الظواهر الطبيعيّة والفلكيّة" و"الخيل وسباتها" و"الدفع العام" لم تكن كلّها من هذا النوع، فكان المعروف عنه انتصاره للحريّة ومواجهته للحكّام الجائرين وللتخلّف على الصعد كافّة ... حتى كتب فيه طه حسين: "لم يكن الزهاوي شاعر العربيّة فحسب ولا شاعر العراق بل شاعر مصر وغيرها من الأقطار ... لقد كان شاعر العقل ... وكان معرّي هذا العصر ... ولكنه المعرّي الذي اتّصل بأوروبا وتسلّح بالعلم". سوى أنّ "معرّي هذا العصر" قلّما أدركه الغرب الإنكليزي منه بالتحديد. لكن لم يعدم وهو الذي كلّما ينهض بما تركه من مخزون أدبي وثقافي واسع وعميق مَنْ يقدّمه أيضاً للقارئ الإنكليزي ... وهذا ما فعله الجامعي فراس مسّوح إبن الدكتور مفيد مسّوح صاحب الكتاب الضخم عن مسرح الرحابنة وأيقونته السيّدة فيروز الموسوم "جماليّات الإبداع الرحباني" حيث وضع أطروحته لجامعة مالبورن الأستراليّة عن جميل صدقي الشهير بالزهاوي العراقي الكردي الأصل الذي يرجع نسبه إلى أسرة بابان من الأسر المشهورة في شمال العراق وكان جدّه قد هاجر إلى "زهاو" الإيرانيّة وقطن فيها عدّة سنوات. وتنقل الروايات أن الزهاوي كان في شبابه يُلقّب بالطائش "لإيغاله في اللهو" وكان في كهولته يُلقّب بالجريء "لمقاومته الإستبداد" وأطلقوا عليه في شيخوخته إسم الزنديق "لمجاهرته بآرائه الفلسفيّة".

ويُسجِّل فراس مسّوح في أطروحته أنّ الزهاوي كان منحازاً للعلم والتجارب العلميّة وقارئ لداروين صاحب "أصل الأنواع" ويدعو لتأسيس مدارس من أجل تعليم الفتيات كما كان ضدّ الحجاب ويحرّض ليكون للمرأة دور في المجتمع علميّاً وسياسيّاً مثلما هي عليه في أوروبّا ... وبذلك كان يتحدّى الأسس الدينيّة التي كانت سائدة. والمعروف بأنّ الزهاوي اتّقن الفارسيّة صبيّاً وترجم "رباعيّات الخيام" وعمل أستاذاً للفلسفة في الجامعة الملكيّة وأستاذاً للآداب العربيّة في دار الفنون وله في الفلسفة "الكائنات" وفي الأفلاك وسيرها "أجمل ما رأيت" وفي النثر "الجاذبيّة وتعليلها" وفي الشعر "ديوان الزهاوي" المطبوع عدّة مرّات و"الكلام المنظوم" و"رباعيّات الزهاوي" وهذا طُبِع في بيروت سنة 1928 و"اللباب" ... وفيها كلّها كان حديثاً في النظرة والفكر والمنهج. غير أنّ أطروحة مسّوح الواعد بجرأته لسلوكه الدرب الوعرة وتصدّيه لأثر جليل محورها اندفاعة الزهاوي الموسومة: "ثورة في الجحيم" وهي قائمة على 433 بيتاً ترجمها فراس ذاته إلى الإنكليزيّة باجتهاد لقي استحسان الأساتذة المشرفين.

و"ثورة في الجحيم" كما في الأطروحة تتميّز بالجرأة التي كانت هدف الزهاوي وهي ملحمة فيها من نسق "رسالة الغفران" للمعرّي و"الكوميديا الإلهيّة" لدانتي واستعارات من القرآن الكريم حول النعيم والجحيم. وفيها أنّه يموت ويأتيه الملكان وبعد أسئلة يستنتجان أنّه كافر ... ويؤخذ إلى الفردوس لكي يعاين ما سيُحرَم منه ثمّ يؤخذ إلى النار فيراها مكتظّة بالعلماء والمفكّرين والفلاسفة ومنهم المعرّي والمتنبّي وتشارلز داروين ... وذاته يصغي في النار ذاتها لخطبة يلقيها سقراط وقصيدة يلقيها الخيّام وأخرى يلقيها الحلاّج فيها من ألم الصوفيين وثالثة يلقيها أبو العلاء المعرّي في أهل النار محرّضاً على النار التي هي ليست لهم ومسائلاً الثوابت في آن معاً.

"جميل صدقي الزهاوي شاعر الحريّة" هذا هو إسم الأطروحة التي نأمل أن تُنقَل إلى العربيّة بالجودة ذاتها التي هي عليها.

 

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1498 الجمعة 27/08/2010)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم