صحيفة المثقف

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. عبد الرضا علي (7)

 

سامي العامري: شاعر / المانيا: الأستاذ الناقد الخبير د. عبد الرضا علي باعتبارك شاهداً ومشاركاً متميزاً وفاعلاً في الثقافة العربية والعراقية على الخصوص وتطوراتها في فترة النصف قرن الأخيرة سيما في مضمار الشعر ونقده أود أن أطرح عليكم عدة أسئلة تلوح لي كثيرة الأهمية وبعضها قد طُرح كثيراً في السابق:

س64 – سامي العامري: ظل الكثير من مثقفينا في السابق يرددون أن سبب أزمة الثقافة والشعر تتمثل في قبضة النظام السابق الحديدية على كل مفاصل الحياة وتسخير الثقافة والشعر لخدمة مآربه وقد انهار النظام منذ سنوات والأزمة مازالت على أوجها بل وأخذت أبعاداً خطيرة حيث صرنا مثلاً نشهد بؤراً وتكتلات واستقطابات هي ليست أقل سوءاً من الأحزاب السياسية السابقة والحالية حيث الكلٌّ يدعي بأنه يمثل المرحلة الجديدة ...

ما هو تقييمكم للمآل الذي وصلت إليه الثقافة والشعر لدينا وما هي بعض أسبابه الرئيسية التي لا يعجب البعض التحدث عنها ؟

ج64 - السامق في الشاعريّة، وسادن اللغة سامي العامري أحييك ، وأحبّ ُ أن أشير إلى أنّني حاولتُ أن أدلو بدلوي في هذا المضمار الذي أثاره سؤالكم الكبير المحيّر الذي لا يمكن أن يجيب عليه فرد كما أظن، إنّما ورشة عمل، أو ندوة علميّة يُشارك فيها أساطين الأدب والثقافة والإعلام، كي نصل إلى نتائج مرضية يوافق عليها معظم المشاركين.

 ومع هذا فسبق لي أن كتبتُ عن هذا الموضوع، وحاولتُ أن أشخّص ما رأته باصرتي من زاويتها، لذلك أرجو عفوكِ في أن أعود إليه لأثبته هنا، فقد يكون فيه بعض صوابٍ ، وإلّا فهو اجتهاد المخطئ، على أنّني سأستكمل ما يتعلّق بباقي السؤال بعد هذه العودة التي قلتُ فيها:

 

 

 

" ليس سهلا ً على أيِّ باحثٍ في مثلِ هذه الدقائق العجلى أنْ يؤصّلَ القولَ في واقع ِالمثقّفِ العراقيِّ بين زمني الطغيانِ، والحريّة، لاعتباراتٍ عديدةٍ أوّلها: أنَّ رأيَ الفردِ لن يكونَ قادراً على الإحاطةِ بكلِّ المشهدِ الثقافي الذي كان، والمشهدِ الذي هو كائنٌ الآنَ، فضلاً عن أنَّ الزوايا التي ينظرُ إليها باحثٌ ما، قد تختلفُ عن الزوايا التي ينظرُ إليها باحثٌ آخرُ، وثانيها: أنَّ دراسةَ َ هذا الواقع دراسة ً حصيفة ًوالوصول بها إلى نتائجَ سليمة ٍهي أقربُ إلى العملِ المؤسَّسيّ منهُ إلى الفرديِّ، لكونهِ يتطلّب الحصول على وثائقِ الثقافةِ زمنَ الطغيانِ، وتحليلها، وتأشير ما ترتبَ عليها بعد ذلك من ظواهرَ انعكست على الإنسانِ، والحياةِ، والأ داءِ الثقافي وثالثها: تعدُّدُ التابواتِ الثقافيّةِ الجديدةِ التي منحتْ نفسها سلطاتٍ رقابيةً خارجَ سلطةِ الدولةِ، ومؤسّساتِها الديمقراطيّةِ، وشكّلتْ عبئا ً جديدا ً على واقع المثقفِ العراقيِّ في زمنِ الحريّةِ الجديد.

 ومع هذا فيمكنُ إجمالُ أهمِّ الملامح ِالتي تمَّ تأشيرُها في كلِّ واقع ٍ وفقا ً لمنطلقاتنا التي كوّنت رؤية من شأنِها صياغة َ قراءة استقرائيّة ٍفي الواقعين.

 * * *

 

(1) واقعُ الثقافة ِ العراقيِّة ِ زمن َ الطغيان:

عطّلتْ ثقافة ُ الطغيانِ عقلَ العراقيِّ زمنا ً ليس بالقصيرِ، وجعلتْهُ يستمرىء طروحاتها المرّة َ إمّا بالخوفِ ، وإما بما كان يديفهُ من كذبٍ معسول ٍبشعارات ٍاشتراكيّة ٍعجيبة ٍ، تلكَ الاشتراكية التي جعلتِ معظمَ العراقيينَ يشتركونَ في الجوع ِوالخوف، وجعلتْ الطاغية وولديهِ يشتركون في ثروةِ العراقِ، وفي قصور ٍ أشبهُ ما تكونُ بالأساطيرِ، أو بـ (إرمَ ذات ِالعماد.)

إنَّ ثقافة َالطغيان ِلا يمكنُ أنْ تسمحَ لغير ِ مروّجيها بالظهور ِ، أو الانتشار الإعلاميِّ، أو الكتابةِ في حقول الحريّةِ، وبناءِ الإنسانِ، والقيم ِالروحيّة ِ، لأنَّ من شأنِ هكذا كتاباتٍ إثارةَ الوعي ِ، وتحفيزَ الناسِ على رفض ِ واقع ِ تلكَ الثقافةِ المسخ ِ التي روّجتْ لعبادةِ الفردِ، و تفنّنتْ في تعظيم ِ الطاغيةِ من خللِ أجهزةٍ إعلاميّة مخابراتيّة ٍ جعلتِ الثقافة َحكرا ً لمن يؤمنُ بمنهجهم الشموليَّ، ويؤدّي ماعليه من فروض ٍإنشائيّة ٍ فيما تقترحهُ وزارةُ الإعلام ِ، ومنظّمتُها السريّة.

 لقد صارَ لزاما ً(زمنَ الطغيان) على من يريد أنْ يعملَ في دارِ الإذاعةِ أو التلفزةِ ، أو المؤسّساتِ الثقافيّةِ الأخرى أنْ يُثبِتَ للقائمينَ عليها حُسنَ سلوكهِ الثقافيِّ الذي ينحصرُ بالانتماء إلى حزبِ البعثِ، ومنظمتهِ السريّةِ، وإسهامهِ في جوقتهِ الدعائيّةِ، وتعظيمهِ للقائدِ الضرورةِ بالشعرِ، أو الكتابةِ، أو الفنون التشكيليّةِ، أوالرقص .

 أما العملُ بالدوريّاتِ( الصحف والمجلّات ) أو المؤسّساتِ الفنّيّةِ الأخرى كـ(دار الشؤون الثقافيّةِ العامّةِ) ومديريّةِ المسارح ِ، والفرقةِ القوميّةِ للفنون الشعبيّةِ، فإنَّ قرار التبعيثِ قد فعّلَ فيها، وسرعان ما نُقلَ منها من نُقلَ، أو أحيلَ على التقاعدِ من أحيلَ، أو هربَ منها من هربَ.

لقد أُهينَ الشعرُ في(جمهوريّةِ الخوفِ) ومُرّغتْ وجوهُ صانعيهِ في الوحلِ في حضور ِمهندسِ ثقافةِ القتلِ الجماعيّ الذي ما انفكَّ ملوّحا ًللشعراءِ بالعصا والجزرةِ، فتدافعت ْ بعضُ الأرانبِ مذعورةً من العصا، مستسيغة ًالجزرةَ، وتزاحمتْ في القضمِ، والصياح ِ، والطحنِ، وزايد بعضُها الآخر في تعظيم ِالطاغيةِ، حتى أوصلهُ الأمرُ إلى جعلهِ قرينا ً للنبيِّ محمّدٍ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) في قوله:

 " إنّا أعطيناكَ الكوثر، والشانئُ شانئكَ الأبتر "

دونَ اكتراثٍ للدينِ، أو العرفِ الاجتماعي .

 ولاغُروَ في ذلكَ، لأنّ وزيرَ إعلامِ النظام ِالسابق ِ لطيف نصيّف جاسم قد عمِلَ ليلَ نهارَ لترويج ِ تلك الأفكارِ، والتلويح ِباستخدام ِأخطر ِتُهم ِالتهديدِ والوعيد ِ، وإلصاقها بمن لايستجيبُ لتلك الأفكار ِ.

ولعلَّ قصيدةَ شفيقِ الكمالي اللاميّة َفي تهنئة ِصدّام عندَ احتلالهِ لمدينة ديزفول (الإيرانية) قد فاقت كلّ قصائد ِالتقديسِ، وتعدَّى في وصفه ِ كلَّ النواميسِ، أو الحدود ِ، إذ نزّه صدّاما ً عن البشر ِ، وجعله ُ شبيها ً بالخالق ِ(أستغفر الله) عظمة ً، ورفعة ً، وجلالا ً دونَ اكتراثٍ للذات ِ الإلهيّة، أو القيم ِ السماويّةِ، متباهيا ً أنه ُ كتبها ساعة ِدخول ِ(ديزفول) التي يسميها بـ(ديزفال) اضطرارا ً لضرورة ِ التقفية، وممّا بقي في الذهن ِمنها:

 " عليهم قد دخلنا ديزفال ِ "

 " هزمنا الفرسَ ضربا ً بالنِعال ِ "

 ثُمّ ينتهي بوصف ِ صدّام ٍ قائلا ً:

 " كوجه ِالله ِ يرفلُ بالجلال"

 

 كانَ البعثيّيونَ قد أدركوا (بعدَ نجاح ِانقلابهم سنةَ 1968م، وسيطرتهم كليّا ًعلى مقادير ِالبلادِ في 30 تموز/ يوليو ) أهمّيّة َالمثقف ِ، ودورهِ الإعلاميِّ الخطير ِفي تثبيتِ منهجهم الاستبداديِّ الشموليِّ، وتكريسه ِلإقامةِ نظام ِالحزبِ الواحدِ القائم ِعلى تصفيةِ الآخرينَ: أحزابا ً، ومؤسّساتٍ نقابية ً، ونُخَبا ً، ومناضلين َ.

ولم يستثنوا أحدا ً، وإنْ تركوا المستقلّين َ في ذيلِ قائمتهم التصفويّةِ ؛ وكانتْ أولى خطواتِهم العمليّةِ أنْ ربطوا جهازي الإذاعةِ والتلفزةِ بالقصْر ِ، وقادةِ النظام ِ مباشرة ً، فشكّلوا لجانا ًعديدةً لكتابةِ التعليقاتِ السياسيّةِ، والمراقبةِ الإعلاميّةِ، والتحكّم ِبالأخبار ِ، وفحص ِ النصوص ِالفنيّة ِ، والثقافيّةِ، والعلميّةِ، والأفلام ِ، والأغانيَ، وما كانَ في تلكَ الدائرةِ من برامج َ مسموعة ٍ، أومرئيّة ٍ.

أمّا وكالةُ الأنباء ِالعراقيّة التي يُفترضُ فيها إيصالُ أخبار ِالعالم ِإلى الشعبِ، وجعلهِ عارفا ً بما يجري حولهُ، فقد أضحتْ بوقا ًلإيصالِ أصواتهم الناعقةِ إلى العالم ِ، وجهازا ً للإشادةِ بإنجازاتهمِ السياسيّة ِ، ودورهِم في القضايا القوميّةِ المصيريّةِ(على حدِّ زعمهم )، ومهاجمةِ من لايرتضي

توجّههم الشموليّ ذاك .

 وقد لعِبتْ وزارةُ الإعلامِ، ووزارةُ الثقافةِ سواءٌ أكانَ ذلكَ في عهد ِ

اندماج ِالوزارتينِ، أم في عهد ِانشطارهما أخطرَ الأدوار ِ وأعتاها في

الترويج ِ لسياسةِ القمع ِ، ومحاربةِ القوى الوطنيّةِ، والدينيّةِ، والتحريض ِ

على مراقبةِ المتبرّمين َ، وفرض ِ ثقافة ِ الطغيانِ، والقمع ِ، وتكريس ِ

الدكتاتوريّةِ، وتقديمها على طبق ٍ من جَزَر ٍ، لتحقيقِ أهداف ِطاغية ٍ مهووسٍ بالنرجسيّةِ، والتعالي، والغطرسةِ، وكرهِ الآخرين َ الذينَ لا ينساقونَ وراءَ إغراءاتِ منظّمتهِ الحزبيّةِ، فاندفعَ أزلامُ النظام ِ، ومثقّفوهُ إلى ترويج ِتلكَ الثقافة ِ، وإشاعتِها إعلاميّا ًعن طريقِ ما تمتلكهُ الدولةُ من

مؤسّسات ٍمرئيّة ٍ ومسموعة.

لقد ربطوا كلَّ شيء بالطاغيةِ: فالانقلابُ قام به صدّامُ، لذا فهو القائدُ الضرورةُ، وتقدمُ العمرانِ كان بوحي ٍمن صدامٍ، فهو إذا ً باني مجدَ العراقِ، وإعلانُ الحربِ على إيرانَ كان إعلانا ًعلى محاربةِ المجوسِ، لذا فهو بطلُ القادسيّةِ الجديدةِ، وغزو الكويتِ وسرقةُ خزينِها النقدي كان استجابة لنداء ٍ تدليسيٍّ، لذا فهو طارد قارون الكويتِ ليس غيرا .

 

 

 

 وعلى نحو ذلك رُبِط َ كُلُّ شيءٍ باسمهِ، وصارتْ كلُّ المشاريعِ ِ المستقبليّةِ

التي يُرادُ لها الموافقة أن تُقرنَ باسمهِ وحدهُ لاشريكَ له مثل: مدينةُ صدّام، ومطارُ صدّام، وكليّة ُطبِّ صدّام، ومركزُ صدام للفنونِ، وقاعة ُ صدام للاحتفالات الكبرى، ونهرُ صدام العظيم، وجامعةُ صدام للعلوم الإنسانية، وجسرُ صدام الكبير ِ، وهلمَّ جرّا.

 

 غيرَ أنَّ نرجسيّة َ الطاغيةِ ظلّتْ عطشى إلى لون ٍ آخرَ من ثقافة ِالطغيانِ، يروّي الغريزةَ، ويضخّمُ الذاتَ، ويبيّضُ تأريخها الأسودَ الحافلَ بالإجرام ِ.  ولتحقيق ِ رغبته ِ تلك، وجعلها مشروعة ً عمل على استغفال ِالبكر ِ، وطه ياسين رمضان، وأقنعهما بضرورةِ قيام ِ قصّاصينَ حزبيينَ بكتابة ِ السِير ِ النضاليّة ِلقادة ِ انقلاب ِسنةِ 1968م، حصرا ً، فبلعا الطعم َ، واستمرءا الغفلة َفرحا ًباقتراحه ِ، فتمَّ استدعاءُ ثلاثة ٍ من القصّاصينَ خُصّصتْ لهم ساعات ٍ معيّنة ً في الأسبوع ِ، يلتقي فيها القاصُ بالشخصيّةِ المعيّنة ِليسجل َ سيرتها الحزبيّة َ، ودورها في الانقلاب ِ، ثمّ يقومُ بإعادة ِ صياغتها فنيّا ً، ودفعِها إلى النشر ِ لتُصبحَ مادّة ًدعائيّة ً وثائقيّة .

 

وتفعيلا ًلاقتراحه ِ بدأ العملُ، فعقد البكرُعدّةَ لقاءات ٍ مع القاصّ الذي كُلّفَ بكتابةِ سيرتهِ، ومثلهُ فعلَ طه ياسين رمضان .

أما صدام فقد خصَّ الشاعرَ عبد الأمير معلّة بذلك الشرفِ، لكنّهُ طلب َمنهُ التركيزَ على دورهِ في محاولةِ اغتيالِ الزعيم ِ الوطنيّ عبد الكريم قاسم فقط، وجعلِ هذا الجزءِ من السيرةِ صالحا ً لأنْ يكونَ (بعدئذ ٍ) فيلما ً روائيّا يُعرضُ في دور ِالعرض ِفي جميع ِأنحاءِ العالم ِ ؛ فكانَ من نتيجة ِ تلك َ اللقاءاتِ صدورُ روايةِ معلّة (الأيام الطويلة) بأجزائها الثلاثةِ، وتحويلها إلى فيلم ٍ سينمائيٍّ ظهرَ فيهِ البطلُ مجرما ً مُلاحقا ً من الشرطة ِليس غيرا.

أمّا سيرةُ صدّام الذاتيّة ُالمفبركة ُ، وتأريخهُ الأسودُ فقد عُهدَ بهما إلى كُتّاب ٍعرب ٍ معروفينَ ليقوموا بتبييضِها، وتجميلِها على وفقِ ما يريدُ، فكتبَ أميرُ اسكندر ( صدام حسين مناضلا ًومفكّرا ًوإنسانا ً) وكتب كريم بقردوني ( لعنة وطن ) واغتنم فؤاد مطر الفرصة َفأدلى بدلوه هو الآخرُ، وصارت الأقلامُ العربيّة ُ تُشترى بالمال ِ، والشققِ، والسيّارات ِالفارهة ِ، وقد ذكر الأستاذ حسن العلويّ في (دولة الاستعارة القوميّة) ما نصَّهُ:

" إنَّ كاتبا ً عراقيّا ً لن يحظى بما حظيَ به كاتبٌ عربيٌّ وضع كتابا ً في باريس عن صدّام حسين، فاشترى لهُ فيلا في العاصمة ِ الفرنسيّة، وخصّصَ لهُ راتبا ًمدى الحياة ِلايقلُّ عن سبعةِ آلافِ دولار، وتعهّد َ لهُ، ولعائلتهِ بدفع أجور ِ الدراسةِ، والعلاج ِ، وأجور ِالسفر . وهو الآن يعيشُ هناكَ بمستوى قد يفوقُ مستوياتِ الكثير ِمن السفراء العرب . "

 ويبدو أنَّ البكرَ أدركَ الغفلة َبعد ظهور ِالأيّام ِالطويلة ِ، والكتب ِالأخرى فطوى صفحة َالسيرة ِ، ورغبَ عنها . ولم يجدْ كاتبُ سيرة ِ رمضان ما يغريهِ فيها على كتابة ِعمل ٍدراميّ ، لأنها تدورُ على اجتماعات ِ رمضان، ونقلهِ للحزبيينَ إلى العاصمة ِ من بقيّة ِالمحافظات ِ فقط .

 ومع أنَّ الطاغية َ اهتمَّ بجوقة ِ المشيدينَ المنشدينَ من الشعراء، والكتاب ِ والمطربينَ، وغيرِهم، وأغدقَ على بعضِهم من العطايا ما أغدقَ، فإنّ احتلالهُ للكويت ِقد جرّ البلادَ إلى الهاويةِ، فاستغلَّ مئات ٌ من المثقفين َ الفوضى التي سادتْ، وخرجوا من العراق ِبحثا ًعن المنافي التي يمكنُ أنْ تستضيفهم، أو يجدوا فيها الأمانَ، أو لقمة َالعيشِ الكريم ِ، فما كان من دولةِ اللاقانون إلا أنْ أصدرتْ لائحة ً شاملة ً قسّمت الأدباءَ، والكتّاب َ، والأكاديميينَ العراقيينَ َالمقيمين َفي الخارج ِإلى فئات ٍ ثلاث: ألأولى ضمّت الأدباء َالذينَ غادروا (بحثا ً عن العمل) وعددهم 194، والثانية ضمّتْ الذين ( َظلّتْ مواقفهم متأرجحة ً) وعددُهم 38، والثالثة ضمّت  175مثقّفا ً وصفتهم بأنّهم (مرتدّون) كان َ كاتبُ هذه السطورَ من ضمنِ المرتدّينَ فعلا ًعلى دولةِ المنظّمةِ السريّةِ القمعيّةِ الظالمةِ .

 غيرَ أنَّ اللافتَ في الأمر ِأنَّ الصحيفة َالتي نشرت اللائحة َ كانت صحيفة َ(الزوراء) الأسبوعيّة ِ الناطقة باسم ِنقابة ِالصحفيينَ العراقيينَ في عددها(164) الصادر ِيومَ الخميس ِ27 تموز سنة َ 2000م، التي يرأسُ مجلسَ إدارتها عدي صدّام حسين !...؟

 ومن المفارقات ِالحريّة ِبالذكر ِهنا أنّ جريدةَ الزمان حينَ أعادت نشرَ اللائحةِ في عددها(688) الصادر ِفي 1| 8|2000م َوضعت اسم سعد البزّاز أول قائمةِ المرتدّينَ بدلا ً من أمل الجبوريّ، في حين كان ترتيبُه الخامس َوالستين ِفي تلكَ القائمةِ.!..؟

 

(2) واقعُ الثقافة ِ العراقيَّة ِ زمن َالحريّة ِ:

 مضت سبعةُ ُأعوام ٍ ونيّفٌ من الأشهر ِعلى رحيل ِ الطغيان ِ وثقافته ِ،  وهي وأن كانت في الأربعةِ الأولى منها أسيرةً للوضع ِالأمنيّ المضطرب ِ فإنّ ماتحقّقَ فيها من إنجازات ٍ ثقافيّة ٍ كانَ كبيرا ً، فقد تنفّسَ المثقّفُ، والثقافة ُ لأوّلِ مرّة ٍ عبيرَ الحريّة ِ، وشذاها العَاطر ِ، وصدحت فيها أقلام ُالمثقّفينَ المظلومين َبأنغام ِ الخلاص ِمن الاستبداد ِ، والدكتاتوريّةِ، والقمع ِ دونما خوف ٍ من زائر ِالفجر ِالذي أرعبَ الجميع َ. وقد تمَّ كشف ُالحجاب ِ عن الثقافة ِ الحقيقيّة ِالمغيّبة ِقسرا ً في كلِّ جوانبِها الإبداعية ِ، فعادَ صانعُ الإبداع ِإلى حقله ِ بفاعليّة ٍ واقتدار ٍ، فصدحَ الشاعرُ بعيدا ً عن أيِّ شرطيٍّ يُحصي عليهِ أنفاسَهُ، كما تغنّى الشعرُ بنبوءته ِ ورؤاه من جديد ٍ فتلقّفت المطابعُ عشرات ِالدواوين ِ، والمجموعات ِالشعريّةِ، وأقيمتْ مئات ُ الأماسي والصباحيّاتِ والمسابقاتِ الشعريّةِ التي دلّت على وعي ٍ الشعراءِ بحقِّ الاختلاف، في الأشكال ِالفنيّةِ، والمضامينِ الفكريّة ِ على حدٍّ سواء.

 

 كانَ العراقيّونَ محرومين َ من أبسطِ وسائل ِالثقافةِ المقروءةِ، والمرئيّةِ وكانت الممنوعاتُ الجزئيّة ُ أوسعَ من الممنوعات ِ الكلّيّةِ، وأكبر َمنها، فلا صحافة َغيرُ صحافةِ السلطةِ، وهي لاتتجاوزُ أصابع َ اليد ِ الواحدة ِ، ولافضائيّاتٍ غيرُ الفضائيّتينِ: العراقيّةِ لصاحبها صدّام حسين، والشبابِ لصاحبِها عديّ صدام حسين، ولاهواتفَ محمولة َ غير الثابتةِ المراقبة ِ ، ولا أجهزة َ أنترنيت، ولا مجلّات ٍ، ولاكتب َجديدةً غير ما تطبعهُ دارُ الشؤون ِالثقافيّة ِ عن ثقافةِ الحربِ في القصّةِ، والشعر ِ وتزييف ِكتابةِ التاريخ ِ، وغيرها، ولا..ولا..

 أما صحافة ُالزمن ِالجديدِ، فقد جاوزت المئة َ والخمسين َدوريّة ً، وتتمتعُ بحريّةِ النشر ِدونَ أيّةِ رقابةٍ من أجهزةِ الدولةِ التنفيذيّةِ، وقد خَصّصتْ معظمُها صفحات ٍللثقافةِ، والإبداع ِ، والمنطلقاتِ النقديّةِ التي تُحرِّكُ ماءَ البُركةِ، وتناقشُ السائد َ بجُرأة ٍ دونَ خوف ٍ من التابوات ِ التي ترفضُ التجديدِ بحجّةِ المحافظة ِعلى أصالةِ القديم ِ، فضلاً عن أنَّ هذه الصحافة َمتعدّدةُ الألوان ِوالمناحي: في الأفكار ِ، والرؤى، والتحاليل ِ والمناهج ِ .

 وإذا كان العراقيُّونَ قد حُرموا من الإنترنت زمن َ الطاغيةِ، فإنَّهم اليومَ تفنّنوا في الإفادة ِمنهُ، فإنْ كانَ البيتُ خلوا ً منهُ ، فدوائرُهم، وكلِّياتِهم، ومقاهي الإنترنت لاتخلو منهُ، وهم يناقشونَ عبرَهُ الآخرينَ في ما يعتقدونَ بأهميّتهِ، وما يتطلّعونَ إلى تحقيقهِ في مستقبلِهم الشخصي، ومستقبل ِ وطنهم الديمقراطي الاتحادي الموحّدِ؛ ولعلَّ ما أسّسهُ بعضهم من المواقع ِالالكترونية ِالعديدةِ ماشجَّعَ المثقفينَ الشباب َعلى نشر ِإسهاماتهم الإبداعيّةِ، وتجاربهم الجديدةِ، ومنطلقا تهم الفكريّةِ بكلِّ سهولة ٍ، ويسر ٍ.

  أمّا الفضائيّاتُ العراقيّة ُ في زمنِ الحريّةِ، فهي بالعشرات ِ، فإذا كانت الأحزابُ، والحركاتُ السياسيّةُ قد وجدتْ مسوِّغا ًإعلاميّا ً لإقامتِها بدعوى نشر ِمناهِجها، لإقناع ِالناسِ بما تطمحُ إلى تحقيقهِ من أهداف ٍ، فإنَّ بعضَها الآخر َ قد ارتبط َ بدول ٍ، ومافياتٍ لإجهاض ِ العمليّةِ السياسيّةِ علنا ً، لكنَّهُ يُغطي على أهدافه ِغير ِالمعلنةِ بكثرةِ البرامج ِ الثقافيّة ِ، وتكريمِ بعض ِ الفنّانينَ، وإنتاج ِبعض ِالمسلسلاتِ الدراميّةِ من بابِ ذرِّ الرماد ِ بالعيون، فضلا ً عن فضائيّات ٍشخصيّة ٍ جرتْ مجرى مواقع ِ الانترنيت الخاصّة ِ .

ولمّا كانَ هدفُ هذا المحور ِ تأصيلَ القولِ في واقع ِالثقافةِ زمنَ الحريّةِ، فإنَّ المنهجَ الموضوعيّ يُوجبُ ذكرَ ماعلى هذا الواقع ِمن ملاحظات ٍسلبيّةٍ مثلما ذكِرتْ إيجابيّاتهُ، ولعلَّ أولى الملاحظات ِ التي سُجِّلتْ هنا أنَّ الدولة َلم تُعرْللمسرح ِاهتماما ً يُذكرُ، ولم ترع َ المسرحيينَ العراقيينَ كما ينبغي، فهاجرَ معظمُهم إلى دول ِالجوار ِبحثا ً عن مأوىً آمن ٍ، (بعدَ أنْ تمكّنت قوى الظلام ِ من اغتيال ِ بعضهم)، و رغبة ًفي الحصول ِعلى لقمةِ عيش ٍ كريم ٍ.

ولعلَّ المحاصصة َ الطائفيّة َالتي سلّمت الوزارةَ إلى شخص ٍإرهابيٍّ كانت واحدة ًمن أسباب ِ هجرتهم، ويبدو أنَّ المقولة َالمشهورةَ (المسرحُ مدرسة ُ الشعب ) وقولة َستانسلافسكي: "أعطني مسرحا ً وخبزا ً أعطِكَ شعبا ً مثقفا ً " لم تعُودا مجديتين ِ!

 أما التشكيليّون والموسيقيون َ الذينَ يتفنّنون َ في جعل الحياة مستساغة فليسوا بأحسن َحال ٍمن الممثلين َ، ناهيكَ عمّا يتعرّضُ له ُالصحفيّونَ من ضير ٍ، وعنت ِ، وهمُ الذين َ قدّموا أكثرمن مئتين ِوسبعين َ شهيدا ً.

 ومع أنَّ ما ذكرَ يؤشرُ ملاحظ َ سلبيّة ًعلى واقع ِ الثقافة ِ زمنَ الحريّةِ ، فإنَّ هذه الملاحظ َ لاتقدحُ به ِ أبدا ً، لأنّ معالجتها ميسورة ٌ، فضلا ً عن أنَّ هذا التحوّلَ قد مضى سريعا ً في تحقيق ِ منجزهِ الانقلابي ثقافيّا ً في كلِّ مكان ٍ، خذ (على سبيل ِالمثال ِ) الإحصائيّة َالتي أجرتها مؤسّسة ُالقلم ِ الأخضر ِالثقافيّة ِ، ونشرتها جريدةُ البيان العراقيّة ُفي عددها الثاني والأربعين يوم الأحد 27/7/2008 عن الواقع ِ الثقافي لمحافظة ِالنجف ِ، فهي تعطينا مؤشرا ًدقيقا ً عن هذا التحوّل ِالجديد، ففي النجفِ الأشرفِ أكثرُ من 50 مكتبة ً تجاريّة ً، و20 مكتبة ًخاصة ً، و56 مطبعة ً، و30 دوريّة ً. أمّا عددُ الكتبِ المطبوعة ِفي الشهر ِ الواحد ِ فهي من 50 إلى75 عنوانا ً، فضلا ً عمّا يدخلُ سوقَ كتبها من خارج ِ العراق ِ من دور ِ النشر ِ اللبنانيّةِ، والإيرانيّةِ، والكويتيّةِ، والسوريّةِ، والأردنيّةِ ، وغيرها من أسفار ٍ، أفلا يكفي هذا مؤشّرا ًعلى أنَّ الحياة َ الثقافيّة َ في العراق ِ الجديد ِ قد عَبَرَتْ من فضاء ِالقيد ِإلى فضاء ِ الحريّة ِ على نحو ٍ لا يختلفُ فيهِ منصفان ِ؟ "

 أما تقييمنا للمآل التي وصلت إليها الثقافة والشعر عندنا، فلعلها لا تخرج عن دائرة القلق، لأنّ شارعنا اليوم لم يعد يؤمن بالثقافة لكثرة ما يمر به من عذابات، تبدأ بانعدام الخدمات وتنتهي بالخوف من المجهول الذي يأتي به الإرهاب التكفيري ومن يشايعه، لأن معظم السياسيين إن لم نقل جميعهم لا يؤمنون بأهميّة الثقافة في بناء الإنسان ، فضلاً عن أنّ العاصفة التي حدثت العام 2003 قد مكّنت أصحاب المفاهيم الظلاميّة من ركوب الموجة باسم حماية المقدس، وهيمنتهم على الشارع، غير أنّ المثقف الجاد سيستمر في تشخيص الخطأ حتى يتم تجاوزه، ولعلّه هو الذي سيقدم لنا بعض مفاتيح التغيير.

 

س66: سامي العامري:ما مدى بطلان ادعاء الكثيرين ممن يمارسون كتابة (قصيدة النثر) بأن ما يكتبونه ينتمي للشعر وما يرددونه من انطوائه على موسيقى داخلية والتباس تسمية هذا النوع من الأدب , وأستشهدُ هنا بقول رائد هذا اللون الأدبي وهو الكاتب الكبير الراحل محمد الماغوط حيث قال قبل رحيله بفترة قصيرة: (لا يضرُّني إنْ لم يطلقوا عليَّ شاعراً فليقولوا عني كاتب نصوص) ؟

ج 66: التغيير نحو الأحسن سمة الحضارة والإبداع المتجدد، والأمة التي لا تتطوّر يستغرقها الجهل والظلام، ولكن هذا التطوّر يجب أن يكون سليماً في المقدمات ليخلص في النهاية إلى نتائج سليمة، أي لا بدَّ أن يبدأ اللاحق من حيثُ انتهى السابق، لا أن يكون منبتّاً عن جذوره ، طارئاً على التحديث، فقصيدة النثر المتميّزة (التي أميل إلى تسميتها بالنص المفتوح) تطوّرت عن قصيدة الشعر الحر(التفعيلي) وقصيدة الشعر الحر تطوّرت عن قصيدة الشطرين، وعلى وفق هذا فالقابضون على جمرة قصيدة النثر هم أولئك الذين عرفوا الإيقاع الموسيقي جيداً، وحين وجدوه يعيق تحقيق بعض انطلاقاتهم التعبيريّة لجأوا إلى قصيدة النثر المنفلتة من عقال التقنين الوزني، ولم يذكر أحدٌ منهم أنّها جليلة، أو الأولى، فلسنا في سباق مارثوني.

 لو تأمل هؤلاء قليلاً في الأغاني التي يترنمون بها ، فهل هي نصوصٌ مفتوحة كتبها من لا يعرفُ الإيقاع، وغناها من لا يملك أذناً موسيقيّة، ولا يجيد الألحان الموقّعة؟ أما دروا "أنَّ الكون مبنيّ بناءً موسيقياً " على حد تعبير فيثاغورس؟ تعالوا نأخذ أغنية يا طير لفيروز مثالاً على الشجن الذي فيها، أليس مردّه إلى إيقاع الرجز الذي كتب السيّاب عليه أجمل قصائده لا سيّما أنشودة المطر؟وإليكم تقطيع أغنية( يا طير) لتتأكدوا:

 ياطير يا طاير على اطراف الدني   مستفعلن مستفعلن مستفعلن

 لو فيك تحكي للحبايب شو بِني      مستفعلن مستفعلن مستفعلن

 روح اسألن عليّ وليفو مش معو    مستفعلن مستفعلن مستفعلن

 مجروح بجروح الهوى شوب ينفعو مستفعلن مستفعلن مستفعلن

 وتعن على بالو ليالي الولدني        مستفعلن مستفعلن مستفعلن

 

س67: سامي العامري: النقد الشعري والأدبي والمحسوبيات هذه من أكثر الآفات المتفشية في ثقافتنا خطورة وتخريبيةً ثم هناك ظاهرة تسير على التوازي معها وهي ظاهرة خلق نقاد من العدم بنفس السهولة التي يتم فيها خلق (الشعراء) فبتنا نرى اليوم في سمائنا جوقة واسعة من الأسماء التي تنتسب للنقد، وهم في حقيقتهم حشد من الدجالين ومن بين ما يفضحهم هو هرولتهم إلى الأسماء المعروفة لتكيل لها المديح ثم تأتيك بمصطلحات نقدية من مدارس أوروبية تطعِّم بها كتاباتهم السطحية أو المكرورة أو تلتفت برطانة للتبشير بكتابات فقيرة إبداعياً وفكرياً وليس من حافز وراء ذلك إلا لأن وراء هذه النصوص إمرأة يتوددن إليها تارة وتارةً بسبب الصداقات وحقوق ذوي القربى !

ج 67: أخي سامي...لقد شخصت المشكلة وأشرتَ إلى حوافزها بوضوح، وليس ذلك وقفاً على من سموا شعراء الغفلة، أو نقاد الاستنبات المصنوع على الموائد، إنّما هناك أساتذة جامعيون حصلوا على شهاداتهم بوسائل غير شريفة لا يجيدون غير كتابة التقارير في زمن تخريب الثقافة أيام جمهوريّة الخوف، ولا يجيدون غير التملق في زمن الحريّة، وشاءت الظروف أن أزامل بعضهم، وأطّلع على بعض مشاركاتهم الأدبيّة، فوجدتهم متحايلين مدعين غير أمينين، يمتازون بأفواه ملأى بالكذب والتدليس، ولعلّ ما أشرت إليه من حافز التودد إلى بعضهنّ ما يعيبُ النقد المجامل وصانعيه لوقوعه في دائرة المداهنة والتزلّف.

 

س68: سامي العامري: ما هي الفروقات الحاسمة برأيكم بين أعلام النقد الشعري العراقي مثلاً خلال ستينيات وسبعينيات القرن الفائت وبين نقد اليوم ؟

ج68: في ستينيّات القرن الماضي ارتبط النقد بالأكاديميين ، وكانوا يصدرون عن معارف تنظيريّة كوّنتها المناهج التي توافروا عليها في جامعاتهم، فالطاهر كان قد تخرّج في السوربون، وداود سلوم في ألمانيا، وعناد غزوان في بريطانيا، ثمّ التحق بهم جلال الخياط من بريطانيا، فضلاً عن المتخرّجين في مصر، ولا بدّ من ذكر نازك الملائكة وإن لم تكن قد أصبحت أستاذة جامعيّة بعد، لأنّ كتابها قضايا الشعر المعاصر قد رأى النور سنة 1962، مع أن معظم مقالاته قد تمّ نشرها في الدوريات العربيّة قبل ذلك، أما في السبعينيّات فلم تقتصر الحركة النقدية على الأكاديميين، إنّما شاركهم الأدباء المثقفون بفاعليّة واضحة، فمن الأكاديميين كان عبد الإله أحمد، وعلي عباس علوان، وعمر الطالب، وغيرهم، ومن الأدباء المثقفين كان عبد الجبار عباس، ومحمّد مبارك، وعبد الجبار داود البصري، وفاضل ثامر، وياسين النصيّر وغيرهم.

 أمّا الثمانينيون فقد كانوا كثيرين تميّز منهم حاتم الصكَر، ومحسن أطيمش، ومالك المطّلبي، ومحمد حسين الأعرجي ، و عبد الإله الصائغ، وصالح هويدي، وعبد الله ابراهيم، وغيرهم، وقد حصل معظمهم على شهادات دراسيّة عليا ، وأصبحوا أساتذة جامعيين، وجلهم شعراء من العقد الستيني تحوّلوا نقاداً في بداءة الثمانينيات وبعدها.

 وقد استمرّ الجميع في عطائهم النقدي وفقاً لمنطلقاتهم، ومناهجهم التي يصدرون عنها، فكان بعضهم انطباعيّاً واضحاً، بينما كان بعضهم الآخر يغلّبُ الواقعيّة الديالكتيكيّة أو نظرية صراع الطبقات على تحليل الواقع الأدبي، ولا تعدم من يميل إلى النظرة التكامليّة في اشتغاله النقدي.

 أما اليوم ففي الساحة النقديّة كثيرون، لعلّ أبرزهم حسين سرمك ، وعلي حسن الفواز، وقصي الشيخ عسكر، و ورود الموسوي، ومشتاق عباس معن، وسلام كاظم فرج، وجعفر كمال، وغيرهم.

 أما ما يميّز النقد الستيني عن نقد اليوم ، فإنّ الستينيين كانوا مقلين (باستثناء الطاهر ونازك الملائكة)، وإن كانوا قلّة، لكنّ قليلهم كثير بحساب المرحلة والتقنية وتطور المعارف، ووجود الرقيب ، في حين لم يستفد نقدنا الجديد كما ينبغي من فضاء الحريّة الذي تمتع به بعد 2003، ولا من التقنية التي قدمتها الحضارة لخلق الباهر المنتظر في التنظير والتطبيق الذي يقع على الشباب حاملي جذوة النار، ولعلّ ذلك سيظهر في قابل الأيام.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1498 الجمعة 27/08/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم