صحيفة المثقف

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. عبد الرضا علي (9)

 

س77: سردار محمد سعيد / اديب وكاتب / الهند: الأستاذ الدكتور عبد الرضا: أسالك لننهل من أكاديميتك وبصفتك الناقد الرصين المعروف، هل تجد أن اكتشاف نظرية نقدية تنسجم ومتطلبات واقع الشعر اليوم بات ضرورة؟

ج 77: المنطلقات التنظيريّة لا توضع سلفاً ويُطلب من الشعراء الانسجام معها تغييراً لواقعهم الشعري الراهن، إنّما تجيء بعد أن يقدمَ شاعرٌ أو مجموعة شعراء ملهمين أسلوباً شعريّاً جديداً يكون مغايراً للسائد عن درايةٍ وفهمٍ واعيين، بحيث تكون نماذجه (أو نماذجهم) التطبيقيّة تنسجم مع دعوته التنظيريّة في الابتداع، على أن يتّصف بالمقدرة على إقناع أكثريّة المؤمنين بالتطوّر والتحديث، لاسيّما الشعراء بتلك الفرضيّة ، وإيمانهم بمنطلقاتها المبنيّة على مقدمات سليمة.

إنّ النظريّة تشبه مقدمة أي كتاب يُراد تأليفه، فهي لا تُكتب إلّا بعد أن ينتهي المؤلف من وضعه، فيقوم بكتابتها ذاكراً مبرّرات التأليف ، وعارضاً فصول خطته، منبهاً إلى النتائج التي ستقف عليها فصول الكتاب تباعاً.

وحبذا ياسيّدي أن نجد من يبتدع لنا نظريّة ً جديدة في قابل ما تبقّى من عمرنا، كما ابتدع الروّاد الشعر الحر الذي تختلف تفاعيل أشطره عدداً، كما تختلف ضروبه أنواعاً.

 

س78: سردار محمد سعيد: هل تتفق معي في ان المبادئ الأساسية والمفاهيم التقليدية مهمة في العمل الفني الشعري ومنها ينطلق الشاعر إلى التحديث أسلوبا أو تقنية ؟

ج 78: نعم أتفقُ معكم في ذلك، فالمبادئ الأساسيّة هي الجذور المعرفيّة لثقافة الأمّة، وعن طريق هذه الجذور يجري توريق الأغصان وتنميتها، فالشجرة التي يتم حرق جذورها تذبل وتموت، والزارع الجيّد يُعنى بالتربة جيداً ليحقق شروط الإنبات الجيّد لجذور شجرته التي ستكون وارفة الظلال، لهذا أدعو الشعراء الناشئين إلى الاهتمام بجذور تراثهم، ومعرفة ما فيه من حالات الإبداع والتجلّي والسمو، ورفض حالات العقم والانقضاض عليها، لأنها لا تسمح بالابتداع ، أوالتجديد، أو الابتكار.

 

س79: سردار محمد سعيد: استطاع القدماء من النقاد من شيوخنا المعروفين أمثال الجرجاني والجاحظ أن يضعوا نظريات نقدية منسجمة مع الواقع الشعري في حينه، وكانت نظريات إبداعية متطورة مع عصرها واليوم صارت تراثا، والسؤال هو: هل أن هذه النظريات لا زالت ممكنة الاستشهاد بها في الجوانب الأساسية من شعر العمود المعاصر؟

ج 79: حين شرح المرزوقي (ديوان الحماسة ) لأبي تمّام الطائي أعتمد على ذوقه الأدبي المرهف( كما يقول النقاد) فضلاً عن درايته الشاملة في علوم العربيّة، وخبرته الواسعة في تمحيص الشعر وتحليله ونقده، لذلك كان شرحه تبييناً للمعاني واستقرائها، وتوضيحاً لما غمض منها وما وضح. لكنّ النقلة ّ الكبرى كانت في قدرته التنظيريّة التي تأتت في مقدمته النقديّة الرصينة المقنعة التي ناقش بها أعقد قضايا الأدب لاسيّما مفهومه لـ" عمود الشعر " الذي فصّل فيه القول، وأصّله، بحيث أفاد منه جل النقاد الذين جاؤا بعده.

ولدقة تأصيله فقد ظل مصطلح "عمود الشعر " تعريفاً متداولاً حتى يومنا هذا، على الرغم من أنّ نازك الملائكة قد ابتدعت مصطلح " شعر الشطرين" بديلاً عنه، واستخدمته في تنظيرها النقديّ.

وهو دليل على أنّ النظريّات الأساسيّة لهذا الشعر لا تزال حيّة، ويمكن الاستشهاد بها في الجوانب الأساسيّة من شعر العمود المعاصر كما أزعم.

 

س80: سردار محمد سعيد: كيف يمكن للشاعر شد المتلقي وجذبه؟ هل اسم الشاعر مهم للمتلقي؟ وهل يمكن من خلاله فقط الحكم على نتاج الشاعر مثلما هو الحال في التعليقات التي نقرأ؟

ج 80: يمكن للشاعر أن يشدّ المتلقي ويجذبه إذا كان نصّه مدهشاً، ومثيراً، ومبتدعاً، ومخالفاً للسائد.

أمّا اسم الشاعر لاسيّما إذا كان قد قطع من عمر الإبداع زمناً طويلاً فلعلّه يتركُ أثراً قويّاً في قرائه، فيحرصون على متابعة ما ينشرُ من جديده على المواقع الثقافيّة، وهنا لابدّ من التنبّه إلى ما يحدثُ من بعض الصغار الباحثين عن الشهرة من الإشادة بنصوصهم من خلل أسماء مستعارة يتقنعون بها ويجعلونها تشيد بقصائدهم، وتكيل المديح الكاذب لهم، وتجعل إنتاجهم الفج عظيما، وقد يعمدُ بعضهم (وهذا ما لاحظته شخصيّا) في بعض المواقع التي تحصي عدد قراء النص إلى تضخيم عدد قرائه خلال ساعتين إلى المئات، وقد اتّصلتُ بصديق شاعر وسألته عن كيفيّة وصول عدد قراء هذا الشاعر الصغير إلى هذا الرقم بهذه العُجالة، فأفهمني طريقة الضغط على صفحته مئات المرّات خلال دقائق معدودات، وبذلك يوهمون القراء بكثرة متابعيكم كذباً، لكنّ هذا التدليس قد انطلى على البسطاء حصراً، أمّا المثقفون فإنّ حياءهم يمنعهم من كشف تلك الأسماء، وإذاعة ما تفعل بين الناس، إلى جانب قيام آخرين بالتعليق المجاني على النصوص المنشورة من غير إدراك حقيقي لشأو النص، وفهم فلسفته، ولو جمعتَ هذه التعليقات، وبوّبتها، لوجدتَ أنّ بعضهم يستخدمُ جملاً معيّنة يوزعها بين من يعلق عليهم، أمّا إذا كان النص لشاعرة من الشواعر فحدّث ولا حرج، فالنص عظيم، وباهر، وجليل، ومذهل، ووووو وباربا الشاطر أعظم ساحر....إلخ.

 

س81: سردار محمد سعيد: هل للألفاظ الأهمية الأولى في قصيدة النثر، أم المعاني، وهل لهما علاقة بموسيقى القصيد؟

تحياتي لك سيدي آملا الحصول على كم معرفي وعلمي وشكري الأجزل

ج 81: فلسفة النص هي الأساس في قصيدة النثر، وهذه الفلسفة، أو الفكرة لا تتأتّى إذا أعطى النص نفسه لقارئه بسهولةٍ ويسر، إنّما لا بدّ من تعبٍ وكدِّ ذهنٍ للوصول إلى كشف حجابه، أي لابدِّ من غموضٍ شفاف غير مبهم يجعل القارىء الجاد راضياً عمّا فيه من إدهاش حقيقي، أو عواطف تبقى في ذهن متلقيها أطول مدّةٍ ممكنة، أو خيال مولّدٍ جميل، ولا يأتي ذلك إلّا من خلال تمكّنٍ لغوي حريص على صلة الفقرة بالفقرة لتكوين البناء العام للنسيج الذي يحمل المعنى المراد إيصاله.

مع تحيّاتي للأستاذ المبدع سردار محمّد سعيد كاتباً وشاعراً.

 

س82: مصطفى المهاجر: شاعر وكاتب / استراليا: ما هي أسس و مقومات العملية النقدية؟

ج 82: أخي الشاعر الكبير مصطفى المهاجر...سؤالكَ الحصيف هذا من أهم المفاتيح المعرفيّة لمن يريد أن يفهم نظرية النقد وشروط الناقد، وقد تنبّهتُ إليه قبل عشرين سنة، ووضعته في فصل من كتاب نقدي شاركتُ به د.فائق مصطفى، ولاتساعه سألخّص هذه الشروط وأركّز الإجابة فأقول: مثلما يُشترطُ في المبدع أن يكون لديه استعداد فطري (موهبة) واكتساب معرفي(ثقافة)، يُشترطُ في الناقد أن يكون موهوباً، إذ تقوم موهبته على حسن التذوّق، وقوة الملاحظة، والفهم الجيّد للنصوص، وتحليلها وتقويمها، فيما يقوم اكتسابه على مؤهلات تزداد مع مرور الزمن، يدخل فيها معرفة خصائص الأمّة وتراثها، ولغتها وتاريخها وإنجازاتها في حقول الحضارة والعلوم الإنسانيّة، مع ضرورة الإلمام بعلم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس إلماماً يقي الزلل، ويجنب الخطأ،،، ودراية مقبولة في ما كان حقله علميّاً صرفا، مع مواكبة لحركة النقد، ومعرفة جديدها وصرعاتها المفتعلة، فضلاً عن ثقافة عامة تزداد بمرور الأيام، وتحصّنُ صاحبها من الوقوع في الخطأ أو زلل القول والحكم، إلى جانب إدامة قراءة النصوص الإبداعيّة، وتفحّصها، والتصدّي لها تطبيقاً، لامتلاك الأدوات النقديّة وإكمالها، وصولاً إلى تقديم شخصيّة صاحبها من خلل لغته الخاصة، وأسلوبه المميّز.

ومهمة النقد تكمن في كونه يخدم أطراف العمليّة النقديّة برمّتها، ونعني بها:

1 – القارىء(المتلقي)

2 – المبدع (المنشىء)

3 – الأثر الإبداعي (سواء أكان شعراً أم سرداً)

فخدمته للقارىء تتجلّى في ما يختار له من نصوص حريّة بالقراءة والتحليل، فيصبح الناقد دليلاً للمتلقي في الوصول إلى خزائن لم يكن يعرف الوصول إليها لولا إرشاد الدليل. أمّا الخدمة التي يقدمها النقد للمبدع فتتجلّى في تقريب صاحب الأثر(المنشئ) من القراء، بعد أن يشير إلى إنجازه محللاً مفسّراً مقوّماً، ليعطي فيه رأياً حصيفاً كوّنته دربتُه وممارستُه التطبيقيّة الواعية، فيكشف للقارئ مواطن التفرّد في هذا المبدع أو ذاك، ويُشير إلى إنجازه، ويقف على أسرار لم تكن واضحة ً حتى للمبدع نفسه أحياناً. أما خدمة النقد للأثر الإبداعي(الشعري أو السردي) فتتأتّى حين تجعلُ الأحكامُ النقديّةُ المنشئينَ يلتفتون إلى مواطن القوّة التي يكتشفها الناقد فيطوّرونها في أعمالهم اللاحقة، كما يتخلّون عمّا فيها من أمورٍ هي في غير صالح الإبداع.

 

س83: مصطفى المهاجر: كيف تؤثر العلاقات الشخصية بين طرفي العملية النقدية؟ وماهي حقيقة الشللية في الأدب والنقد؟ وما مدى تأثير ها السلبي على مصداقية النقد؟

ج 83: الناقد الموضوعي لا تؤثر فيه العلاقات الشخصيّة إلى الحد الذي يفقد فيه أمانته، وموضوعيّته، لكنّني لا أنزّه هذه العلاقات تنزيهاً كاملاً، فهي نسبيّة بين ناقد وآخر، والقارئ الجاد يُدرك ما وراء الأكمة حين يكون مطّلعاً على الوشائج التي تربط بين طرفي العمليّة النقديّة، أو الأسباب التي تدعو كاتباً ما إلى اختيار نصّ ٍ معين ٍ لمبدعٍ ما، دون بقيّة نصوصه الكثيرة في الإشادة، وهو بالتأكيد دليل على أنَّ في النص موضوعاً فكرياً، أو سياسياً، أو عاطفياً ينسجم مع أفكاره ويستدعي الكتابة والإشادة والتبجيل.أمّا الشلليّة في الأدب والنقد فلا تتضح إلّا في الأزمات، حيث يبدأ التضامن بينهم على أشدّه، بينما هم (في حقيقة أمرهم) نرجسيّون متحاسدون يحزنون أشدّ الحزن إذا أشيد بزيد، وتمّ تكريم عمرو من غير أن يُشاد بهم أو أن يكرّموا. فالشلة الناشئة من مدّعي كتابة قصيدة النثر ممن ليسوا من القابضين على جذوتها لا يُحبذون أن يأتي الناقد على ذكر قصيدة النثر بغير التبجيل والإشادة، وجعلها صاحبة القدح المعلّى في الإبداع، لشعورهم أنّ آراء الناقد في هذا المصطلح قد يسحب البساط من تحتِ أقدامهم التي لم تقف على أرض تراثيّة صلبة، فيتّهمون الناقد بالتخلّف، والتحجّر، وعدم الإيمان بالتطوّر الحتمي للفنون، لاسيّما القوليّة، فيتضامنون في الإساءة إلى الناقد، ويتبرّمون ممّن يُعطيه الحق، مع أنّ ما يكتبه بعضهم لا يرقى إلى الكلام المفيد، وليس إلى الإبداع الذي يدّعونه. إنّ هذه الشلليّة إذا كانت تقوم على المبدأ الشعبي (شيّلني وأشيّلك) فهي وبالٌ على الثقافة والنقد، أمّا إن كانت من أجل خير الفضاء الثقافي فأهلاً بها......يحضرني بهذه المناسبة عن الحديث عن الشلليّة أنّ هزيمة العرب في الخامس من حزيران 1967 م، أفرزت شللاً عديدة تفسر سبب الهزيمة، فبعض هذه الشلل كانت تقول:إنّ الجنس هو أحد أسباب هزيمة الخامس من حزيران، والثانية تقول: إنّ أم كلثوم هي أحد أسباب هزيمة الخامس من حزيران، والثالثة تقول: إنّ الشعر العمودي هو أحد أسباب هزيمة الخامس من حزيران....الخ، لكنّ المفارقة كانت في أحد المهرجانات الشعريّة التي أقيمت في قاعة ساطع الحصري في كليّة التربية

في بغداد بعد النكسة، فحين أعتلى المنصّة أحد الشعراء بعد عددٍ من شعراء العمود الذين ألهبوا القاعة حماساً، صاح بأعلى صوته: (الشعر العمودي أحد أسباب نكسة الخامس من حزيران، فامسحوا جباهكم من طين الشعر العمودي) ومعنى كلامه أنّ الشعراء إذا تركوا الشعر العمودي، ونظموا على أسلوب الشعر الحر فستتحقق نبوءته بالنصر، ونتجاوز الهزيمة ! !!

يا سلام!.

 

 

س84: مصطفى المهاجر: كيف ينظر الدكتور عبد الرضا الى تعدد المواهب اللافت للنظر لدى بعض الكتاب، فهم شعراء و ناثرون و كتّاب قصة ورواية و كتّاب مسرحيون...الخ ...الخ؟ و هل من الممكن أن يكون مثل هؤلاء مبدعين في جميع ما يكتبون؟

ج 84 : ظاهرة المبدع الشامل على حجمها المحدود جديرة بالإشادة والإكبار، فهي تؤشّر اقتداراً على تعدّد الاستعداد الفطري، وهذه الشموليّة تختلف نسبيّاً، وتتنوّع، فبعضهم يجمع بين الشاعريّة السامقة، والنقد الحصيف، والترجمة الحاذقة، وفن الرسم، كما في حالتي أدونيس، وفوزي كريم وغيرهما، لكنّ الأول لا يجلّي (حاليّا) إلّا في الشعر، بعد أن كان يجلّي في الشعر والنقد معاً، بينما الثاني يجلي في الشعر والنقد ليس غيرا. وبعضهم يجمع بين كتابة الرواية والقصة القصيرة، وقصيدة النثر، والفن التشكيلي، وكتابة المقالة الصحفيّة، كما في حالة عبد الرحمن مجيد الربيعي، وغيره، لكنّه لا يجلّي إلّا في العمل السردي وكتابة المقالة الصحفيّة فقط، وبعضهم الآخر يجمع بين كتابة الشعر، وفن السرد القصصي أو المسرحي، والمقالة الصحفيّة، كما في حالة الكثيرين ومنهم يوسف الصائغ و عبد الرزاق الربيعي، ورشا فاضل، ووفاء عبد الرزاق، وغيرهم، وتتفاوت نسب تجليهم وفقاً لنوع المنتَج، فمرّةً يتجلّى لديهم الشعر، وفي أخرى السرد، . وبعضهم الآخر يجمع بين كتابة الشعر( سواء أكان شعر الشطرين، أم التفعيلي، أم قصيدة النثر) والفن التشكيلي، كما في حالة صادق الصائغ وصالح الطائي ومحمّد الخطاط، ونوال الغانم، وغيرهم .

وليس من شك أنّ تعدّد زوايا الإبداع يؤثّرُ على الاستعداد الفطري الأساس، وقد يأخذُ شيئاً من تجليه.

 

س85: مصطفى المهاجر: كيف يمكن تفسير التجاهل الواضح و الفاضح لشعراء عراقيين كبار كالجواهري العظيم و النواب الرائع و مصطفى جمال الدين، من قبل النقاد العرب عموما، بل و حتى العراقيين؟!!! أطال الله عمر أستاذنا الجليل في صحة وعافية و سلامة من دين، و نفع بعلمه الواسع الأجيال، مع خالص شكري و امتناني لكم و للمثقف و لراعيها الأستاذ الغرباوي و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

مصطفى المهاجر

ج 85: كان ذلك بسبب ما أشاعه إعلام جمهوريّة الخوف بين النقّاد العراقيين والعرب من أنّ الملاحقة أو المساءلة ستطال من يجرؤ من العراقيين على الإشادة بالجواهري أ و النواب أ ومصطفى جمال الدين أوالبياتي وغيرهم من المغضوب عليهم، لاسيّما بعد نشوب الحرب العراقيّة الإيرانيّة، أمّا العرب، فكانوا يخشون من قطع الجزرة عنهم لو أنّهم خالفوا التوجّه الإعلامي المطلوب، وكانت جوقة النافخين في بوق الطغيان هي التي تزوّدهم بالممنوع فيضربون عنه الصفح ، والمرغوب فيتداولونه، لذلك ظلَّ هؤلاء المنافقون حريصين على الحصول على هبات القائد الضرورة حين يحضرون المهرجانات والمؤتمرات الأدبيّة، ولا يعكّرون مزاج المنظّمة السريّة بما يجعلهم موضع ريبةٍ وشك يمنع عنهم الدعوات، وامتيازات النشر والمكافآت.

وللتدليل على جبروت جمهوريّة الخوف أورد الحادثة الآتية: حين كان أستاذي الدكتور عناد غزوان (طيب الله ثراه) أستاذاً زائراً لدى جامعة صنعاء سنة 1997م، دعتنا جامعة عدن لمناقشة رسالة ماجستير وسمت بــ" الصورة في شعر لطفي جعفر أمان " وكانت من إعداد الطالب عبد الكريم أسعد قحطان، وقبل سفرنا بأسبوع إلى عدن ارتحل الجواهري الكبير إلى عالم الخلد في 27/7/1997م، فاتصلت سكرتارية فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في عدن بي وطلبت أن أشترك مع الدكتور عناد غزوان في الحديث عن الجواهري في أمسية تقام بعد المناقشة في المركز الثقافي اليمني في كريتر، وحين فاتحتُ أستاذي عناد غزوان وافق ورحّب بالفكرة، فأعلنت سكرتاريّة الاتحاد فرع عدن عن الأمسية، وانتشر الخبر في صنعاء، لكنّني فوجئتُ قبل يومين من السفر بزيارة أستاذي لي في شقتي في السكن الجامعي في صنعاء طالباً منّي مهاتفة سكرتاريّة اتحاد الأدباء في عدن وإعلامهم باعتذار الدكتور عناد عن المشاركة في الأمسية، وإخبارهم أن الأستاذ مريض، لأنّ العمليّة الجراحية التي أجراها لا تسمح له بإلقاء المحاضرة، وحين سألته عن السبب الحقيقي أجابني أنّ زائراً من الأساتذة العراقيين قد نبهه إلى أنّ النظام الدكتاتوري في العراق سيعرّضه للمساءلة عند انتهاء الاستضافة، وربّما ستفسّر المحاضرة بمعارضة الأستاذ لتوجه النظام القاضي بعدم السماح بذكر الجواهري بعد أن أسقطت جمهوريّة الخوف الجنسيّة عنه، وهكذا تحاشى أستاذي ما قد تجرّه عليه مشاركته في أمسية تحيي ذكرى شاعر العرب الأكبر في مدينة عدن التي أحبّها وأحبته، ويبدو أنّ العدنيين فهموا الأمر، فاكتفوا بمحاضرتي التي قدّمني فيها، وأدارها الأديب السوداني الدكتور مبارك حسن الخليفة، ونُشرت في جريدة (14 أكتوبر) بتاريخ 10/8/1997م، مع بعض الصور التي تظهر أستاذي جالساً يستمعُ إلى تلميذه محاضراً.

مع تحيّاتي وتقديري لأخي الشاعر الكبير مصطفى المهاجر.

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم ا. د. عبد الرضا علي من: 17 / 8 / 2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم