صحيفة المثقف

لغة الشعر وآليات الإبداع ثانية ً / عبد الرضا عليّ

إيماناً منّي أنّ الناس أحرار في ما يعتقدون، أو يقولون، أو يكتبون، سواء أكان ذلك متّفقاً مع ما أؤمن به، أم مختلفاً عنه،  ولم أشترك في نقاش أيّةِ قضيّةٍ إلّا إذا دُعيتُ إليها ولم أتمكّن من التخلّص من الدعوة الكريمة، أمّا إذا قرأتُ ما يشي بالبعد عن الصواب المعرفي، فإنّ ما تعلّمته من أساتذتي يفرض عليّ تنبيه كاتبه كي يتلافى ذلك الخطأ، أو يصوّب الهنات التي وقع فيها أثناء نشوة الكتابة وتدفقها، وهذا ما فعلته حين قرأتُ دراسة الدكتور عدنان الظاهر الموسومة بـ (لغة الشعر وآليات الإبداع)...لكنّ ما وجدته في بعض ردّه يجانب الحقيقة، لذلك سأناقش ما جاء في ردّه من قضايا أراها حريّة بالمناقشة:

أولاً – حين قرأتُ الدراسة ظننتُ أنّ أحد المعقّبين أو المتداخلين سينبه الأستاذ الباحث إلى ما في البحث من هنات، لاسيّما في قضيّة الخلل العروضي في كتابة أحد أبيات المتنبّي، فضلاً عمّا ورد في البحث من قضايا تستدعي المناقشة،  وتحديداً في قوله أنّ المتنبّي تمكن (من وضع الأساس الأول لقصيدة نثر زمننا المعاصر) وانتظرتُ عدّة أيّام، لكنّ أحداً من المعقبين الأفاضل لم يشر إلى ذلك، فوجدتني مضطرّاً لكتابة تعقيبي قبل رفع الموضوع من الصفحة الأولى إلى الأرشيف.

ثانياَ – شكراً للدكتور عدنان الظاهر على اعترافه بالخلل العروضي وقوله:" أصبت فيما يخص مطلع قصيدة المتنبي......" وذلك من شيم الفرسان النبلاء.

ثالثاً – لم أقوّل الأستاذ الباحث ما لم يقله، وكنتُ أضع الفقرات التي أناقشها من كلامه بين قوسين مستعيناً بالاستنساخ الآلي(كوبي) في ما دوّنه شخصيّاً، اتّقاءً لما قد أقع فيه من خطأ كتابي عند النقل فيما لو قمتُ بإعادة كتابة تلك الفقرات، أمّا كلامي فقد أوردته دون تحامل، لكنّ فيه عتب الناقد ليس إلّا!.، ولا يحمل أيّة ضغينة، ولستُ أقول ذلك رياءً،  أو تزلّفاً، أو خشية من أحد غير الله ما دامت نيّتي حسنة.

رابعاً – قال الدكتور عدنان في ردّه " أفلَم تجد أموراً أخرى كثيرة جيّدة أو مبتكرة في هذا البحث الطويل[طويلٌ له دون البحور فضائلُ...] تستحق شيئاً من اهتمامك قارئاً وناقداً  لتعرضها أمام القرّاء والتأريخ وضميرك سويّةً مع خلتَ وظننتَ من نقاط وضعتها موضع السلب؟ حكّمْ أخي ضميرك فهو المحامي والوكيل ."  وأجيبه: إنّ ضميري هو الذي كان وراء الجمل الآتية التي قلتها في تعقيبي:

1 – " أهنئكم على دراستكم القيّمة هذه، متمنّياً لكم التوفيق الدائم في دراساتكم القادمة، راجياً أن يتّسع  صدركم لبعض ملاحظاتي التي لا تقدح بجهدكم"

2 – " إنّ التفاتتكم كانت ذكيّة في الإشارة إلى الإيقاع الداخلي..."

3 – " ومع أنّ لكم فضلاً في هذا الاجتهاد،  إلّا أنّنا نرى غير ذلك "

4 – "  مع تقديري لما بذلتموه من جهد في هذه الدراسة،  ولعلّ ملاحظاتي كما ألمعتُ لن تقدح ببحثكم القيّم هذا."

فماذا يريد أو يطمح الكاتب من ضميري أكثر من هذا؟  ثمّ أين الابتكار الذي أشار إليه؟

خامساً – في شرحه لبيت المتنبي:

أجابَ دمعي وما الداعي سوى طلَل ِ

دَعَا فَلَبّاهُ قبلَ الركبِ والإبل ِ

قال ما نصّه " فيسرع الدمع منسكبا حتى قبل تجهيز ركب ومعدات السفر" واختلافي معه كان في هذه الفقرة تحديدا (قبل تجهيز ركب ومعدّات السفر)، ولتوضيح ذلك لابدَّ من قراءة الأبيات الخاصّة بالبكاء والأصحاب معاً وهي:

أجاب دمعي وما الداعي سوى طللِ

دعا فلباه قبل الركبِ والإبلِ

 

ظللتُ بين أصيحابي أكفكفهُ

وظلَّ يسفحُ بين العُذرِ والعذلِ

 

أشكو النوى ولهم من عبرتي عجبٌ

كذاكَ كنت ُ وما أشكو سوى الكلِلِ

 

والأبيات تشرح نفسها بنفسها، فالمتنبي يقول: إنّ طلل أحبّته الدارس قد استدعى بكاءه قبل أصحابه وقبل الإبل التي تعرف ذلك الطلل جيداً وتبكي عليه حين تصله (دعا فلباه قبل الركب والإبل) فاستجابت أدمعه لذلك الاستدعاء وظلّت تسيلُ،  فكان يكفكف الدمع تلافياً من أن يلام من أصحابه، لكنّ الدمع ظلّ جاريا ً لا يبالي بلومهم،  أو عذرهم، في حين ظلّ أصحابه يتعجبون من بكائه للفراق، مع أنّ عبرته كانت كذلك تجري يوم كانت محبوبته بقربه ولا يحجبها عنه غير الستور، فكيف والآن قد حجبها عنه البعد؟ .

سادساً – شارك (قارئ عايد سعيد) في التعليق على تعقيبي متخذاً اسماً مستعاراً كما هو واضح، فعلّقت ُ على تعليقه قائلاً : "أخي الكريم.. تعقيبك مبني على المغالطة للأسف " وبعد أن ناقشته في مغالطاته قلتُ له في آخر التعليق : " ومع أنّني  أراك جانبت الصواب، إلّا أنّني أحترم رأيك، فأنتَ حرٌّ في الذي تراه، لكنّني أقولُ لك هامساً ً بصوتٍ عال : إنّكّ تقنّعتَ باسمٍ آخر، وتحدّثتَ من وراء قناع " لكنّ الدكتور عدنان جعل من هذا القناع قناعينِ، (وكلاهما واحد)  فجعل الأول من النابهين، وجعل الثاني على الرأس والعين(هكذا) قائلاً مرّةً : " أشار إلى هذا أحد القراء النابهين   الكرام الذين علّقوا على مداخلتك في المثقف "  وقال في أخرى : " إنتبه سيّدٌ معلّق آخر فردّكَ بالضبط كما أردت ُ أنا، فجهده مشكور وسعيه على الرأس والعين "  أفليس هذا تدليساً من عدنان الظاهر حين يجعل من مقنّعٍ مقنّعين؟ ألا يجعلني أشكّ فأقول لهما معاً: "إنّكما واحدٌ ليس غير! "

   ومع أنّني أحترم الرأي الآخر، وأدافع عن حريّة الناس في ما يعتقدون  ويكتبون، إلّا أنّني أضمّ صوتي إلى صوت رئيس تحرير المثقف الأستاذ ماجد الغرباوي في ضرورة إلغاء تعليقات المقنّعين، وأن يصار إلى معرفة أسماء الباحثين مقرونةً بإيميلاتهم وصورهم على نحوٍ لا لبس فيه، فقد ولّى عهد جمهوريّة الخوف، والأسماء المستعارة، وبدأ عهد الحريّة بالسطوع والتجلّي.

سابعاً – لقد حرصت ُ (كما ألمعت ُ) على تنصيص أقوال الكاتب قبل أن أناقشه فيها، كي لا يظنّ أحد  أنّني أقوّله ما لم يقله، ورغبة ً في تمكين القارئ المنصف من الموازنة بين الرأيين، لهذا فقوله : " إنّ المتنبي كان في هذا البيت وأمثاله قد سبق زمانه   بعشرات القرون فتمكن من وضع الأساس الأول لقصيدة نثر زمننا المعاصر مكتشفا سحر تأثير آليات التلغيز السوريالي والتقديم والتأخير والتلاعب في أماكن الحروف في الكلمات وأماكن الكلمات في الجمل." هو الذي دعاني أن أقول له:  "إنّ الشطط كان واضحاً،  بل كان جوراً على  احمد بن الحسين " وللأسف لم أرَ معقّباً ً التفت إلى هذا الرأي الذي يجعل المتنبي واضعاً الأساس الأول لقصيدة نثر زمننا .

   أخيراً...هل يريد مني الدكتور الظاهر أن أستمرىء هذا الجور، وأسكت ابتغاء مرضاته فأكون كريماً؟ إذاً فلنقرأ على الأمانة والحيدة الموضوعيّة السلام.

مع اعتزازي بجهود الأستاذ الكبيرة، وتمنياتي له بالعمر المديد، مقرونةً بتحيّاتي.

 

عبد الرضا عليّ

 

.....................

للاطلاع

رد على تعليقات الأخ الدكتور عبد الرضا علي في موقع المثقف / د. عدنان الظاهر

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1515 الاثنين 13/09/2010)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم