صحيفة المثقف

أو نشوز وهذا ماالم يتمتع به كبار الشعراء فقد لاحظنا أن هناك من المحترفين من يخطيء في المزج بين بحرين متقاربين في الدائرة العروضية لكن حساسية سالم العالية تستشعر ذلك بسهولة ويسر، وهو على تمكنه من الشعر العمودي إلا أنه يكتب الشعر الحر ويؤمن بالتجديد ويرفض الاتباع والتقليد.

لقد تجاهل أنصاف المتعلمين المهيمنين على الساحة الثقافية زمن النظام السابق الشاعر سالما القريني لاسباب كثيرة لاتخفى وكنت آمل أن يأخذ هذا الشاعر موقعه بعد التغيير لكن الشرذمة التي حلت بعد مجموعة الأميين في العهد المقبوركانت أكثر سوءا وضبابية وأمية فبقي هذا الشاعر معتكفا لايحبذ نشر شعره حتى التقيته في زيارتي للبصرة العام الماضي وطلبت منه أن يزودني ببعض قصائده بخاصة القصائد التي كتبها في سبعينيات القرن الماضي ونشر بعضها في صحيفة كويتية كانت تشرف عليها ابنة أخيه الشاعرة الكويتية المعروفة جنة القريني وقبل ايام وصلت إلي عبر الإنترنت بعض قصائده وها أنا أقف عند إحداها وهي قصيدة الحلاج.

المقال:

يؤمن الشاعر أن الصورة الشعرية يجب أن تكون جديدة وأن تتحلى في التشبيه  الاستعارة وهي ركن أساس من أركان القصيدة،حداثة التركيب هي الجديد المبتكر الذي تحمله القصيدة  وهذا لايعني بتاتا أن نهمل التراث إننا يمكن أن نستند إلى التراث عبر إسقاطاته المتنوعة الغنية الخصبة فنبتكر معاني لم يسبقنا إليها الجيل الذي قبلنا .

 وإذا تمعنا في صور قصيدة الحلاج واستعاراتها فسوف نجد التماثل التالي:

العالم: شخص مريض مصاب بداء الرئة.والوحيد الصحيح السليم هو الحلاج فهو فكر سليم والدنيا فكر مريض جاء ذلك عبر استعارة مرض ذات الرئة للعالم مجتمعا في حين جعل الشاعر الحلاج وهو مفرد يقابل الناس أو العالم.

الغريب: لايحمل الغريب معنى سلبيا. الحلاج غريب والصوت المقدس يقول: طوبى للغرباء.والدين سيعود غريبا والحسين عليه السلام غريب، فالقريب هو النقي هو الصافي الحر البعيد عن الشوائب بالتالي هو الصحيح.

اللؤم: حول الشاعر الحرص الشديد إلى قوة مدمرة هدامة تتمثل بالسوط.حالة فردية يمكن أن تلتبس بعموميات.

الحياء يستحم: استعارة غير تقليدية.

الحلاج هو الطوفان. الطوفان مدمر من حيث المعنى السلبي لكن الطوفان يصبح هو الحلاج فيتحول إلى معنى إيجابي اجتماعي عام يدمر في المجتمع والإنسان نزعاته الشريرةمثلما حدث من طوفان زمن نوح " ع" السلام حين عُدَّت السلالة الناجية بعد الطوفان هي العالم الجديد فكأن طوفان الحلاج أو كأن الحلاج الطوفان هو الخالق لما كا د  يموت.

القدر يساوي الانسان حيث الفرد هو صانع قدره الايجابي.

الليل حيوان يتكور. هذه صورة تستند إلى صورة قديمة. يقول امرؤ القيس:

فقلت له لما تمطى بصلبه  وأردف اعجازا وناء بكلكل

يشبّه الشاعر امرؤ القيس الليل بحيوان ضخم يتمطى له عدة اعجاز ويتمطى أي يطول وقد قلنا إن الشاعر يستند في بعض المشاهد إلى تراثه لكنه لايتقيد بالصورة القديمة فلا يبقي منها إلا هيكلها العام مستفيدا من إسقاطاتها الجمالية والتاريخية غير أن التأمل في الاستعارة ذاتها يضعنا أمام مفترق طرق بين الحجاج الباحث عن الحقيقة وامريء القيس الباحث عن الثأر عبر الليل الطويل.

الشهادة: هي امرأة تصطلي أي تطلب نارا تلك النار تتمثلفي  ثلاث دوائر هي الدم والثأر والفتنة.

الحق: إنه يُستَـَنطـَق فهو متهم وشاهد في الوقت نفسه.

الرشد: رجل يبيع ، استعارة استندت إلى المعنى الروحي المقدس في قصة يوسف عليه السلام يوم باعه إخوته بثمن بخس وبئر يوسف هو القرار الذي لمح إليه الشاعر في ختام قصيدته.

الخاتمه:

 هذه نماذج من استعارات الشاعر المبدع سالم القريني التي يجدها القاريء الكريم في نصه التالي الذي يحمل عنوان الحلاج، فليس هذا فحسب بل لي وقفات أخر مع قصائده التي اطلعت عليها مؤخرا فأعادتني إلى اجواء السبعينيات وعالم التنومة الواعي المثقف الجميل.

قصي الشيخ عسكر