صحيفة المثقف

سائق التاكسي / عبد الرضا عليّ

مشاركة ً في إحياء ذكرى ارتحاله، وتحفيزاً لإنصافه قاصّاً وشاعراً وإنساناً .علماً أنّ الكتاب قد طبع في بيروت سنة 2009م*.

*****

 

بعد أيام قلائل تحلُّ الذكرى الثانية عشرة على رحيل قاص وروائي كبير ساهم على نحو بارز في الحياة الأدبيّة العربيّة، وظلَّ شخصيّاً منزوياً وراء الكواليس مبتعداً عمّا يلوث قامته الإبداعيّة، أو يشيؤها بفعل الحاجة، أو لقمة العيش الضاغطة، فلقد أصرّ على مقاومة الحصار، وتفتيت ما يمكن تفتيتهُ من جداره بيديه المقاومتين، فعمل سائق أجرة (تاكسي) وهو ابن الستة والخمسين عاماً حتى آخر يوم من أيام حياته في آب?¹? سنة 1996م, كي يوفر لعائلته لقمةً نظيفة تغيظ الحصار اللئيم، وتسعدهُ شخصيّاً.

"إنه موسى كريدي" المولود في النجف عام 1940م، أحد أدبائنا اللامعين في العراق، ففضلاً عن كونه قاصاً مبدعاً، فهو شاعرٌ أيضاً، ومقالي، وفيما يأتي شيء عن ترجمته ومواقفه:

نشأ وترعرع في النجف "في أسرة متوسطة الحال" وأكمل فيها دراسته الثانوية، وعندها انتقل إلى بغداد لينتظم دارساً في كليّة الآداب التي تخرّج فيها سنة (1964-1965) حاملاً بكالوريوس في اللغة العربيّة، فمكنتهُ هذه الشهادة من العمل مدرساً للغة العربية من 1965م حتى سنة 1970، حيث انتقل للعمل في وزارة الثقافة والإعلام بعدها. علماً أنه تولى رئاسة تحرير مجلة الكلمة التي أسسها مع الكاتب حميد المطبعي بداءةً من سنة 1968م، وحتى سنة 1974، وقد تولت هذه المجلّة التبشير بالأدب الستيني ورعاية الأدباء الستينيين حدّ المبالغة في أوصافهم، وقد نشر فيها: سامي مهدي، وحميد سعيد، وعبد الرحمن الربيعي، وعبد الأمير معلّة، وسعدي يوسف، ومحمدّ مبارك، وغيرهم.

عمل موسى كريدي مديراً عاماً بالوكالة لدار الشؤون الثقافية مدّة من الزمن، وكان منضبطاً في العمل الإداري، يرفضُ التهاون، أو التقصير، ظناً منهُ أنّ الوزارة ستكرمهُ فتثبتُهُ مديراً عاماً بالأصالة، لكن الوزارة اختارت غيره فحزَّ ذلك في نفسه، وكانت أول بادرة أشعرته بالإحباط.

نشر عدة دراساتٍ ومقالات في الأدب، والنقد، والثقافة العامة، وهذه الدراساتُ تشكل علامات مهمة في تأسيس الموجة الستينيّة التي ينضوي تحت جناحيها باعتزاز.

بدأ موسى كريدي شاعراً في أوائل الستينيّات حين نشر عدّة قصائد في عدد من الصحف المحليّة، إلاّ أنه اتجه نحو كتابة القصة القصيرة حتى عُرف بها كاتباً  قصصياً منذ منتصف الستينيّات، وكانت أول قصة نشرت لهُ في عام 1964م، في جريدة "الأنباء الجديدة" البغدادية.

ومن المفارقات الحريّة بالذكر أنّ القاص الذي ابتعد عن الشعر ما يقربُ من ربع قرن عاد إليه بعد منتصف الثمانينيّات، لاسيما الشعر الحر، فقد كان ينشر ما لا يقل عن قصيدة في الشهر في الصحف البغدادية لاسيما جريدة " الجمهورية" غير أنّ هذا لم يمنعه من كتابة قصائد نثر، كما  لم تمنعه حماسته لقصائد النثر من العودة إلى كتابة القصيدة العموديّة، لكن بإطار جديد.

نشر موسى كريدي نتاجه الإبداعي في الصحف والمجلات العراقية والعربية منها: الكلمة، والآداب، والأقلام,، والأديب المعاصر، والمثقف العربي، وألف باء، وقد تناول نتاجه الأدبي عدد من النقاد بينهم: د. عليّ جواد الطاهر، وفاضل ثامر، وياسين النصيّر، وشجاع العاني.

وفي سنة 1989م أُختيرت قصتُهُ " شمس وفنارات ليل وأرجوحة" التي نُشرت في جريدة الجمهورية (صفحة آفاق) في عدد يوم السبت 21/7/1984م، لتكون ضمن الكتاب المنهجي الموسوم بـ " في النقد الأدبي الحديث منطلقات وتطبيقات" لجامعة الموصل، وقد أنيطت بي مهمة تحليلها فنياّ، علماً أنّ الكتاب مشترك بيني وبين د. فائق مصطفى، وحين قرأ القاص التحليل نوّه به في إحدى مقابلاته الصحفيّة، وكاد ينسى ما هو فيه من إحباط، أو نسيه فعلاً مدةً من الزمن.

تولى كريدي رئاسة تحرير سلسلة الموسوعة الصغيرة منذ عام 1978، حتى وفاته، وهذه السلسلة تصدرها دار الشؤون الثقافية، في وزارة الثقافة والإعلام (بغداد)، وهي تتناول مختلف العلوم والفنون والآداب، لكنه لم يكن ينشر لأصدقائه فيها ما يعرضون عليه من نتاجهم إلاّ النزر اليسير، لأنه كان يخاف على نفسه من تقولات المنافقين، لذلك كانت السلسلة قريبة من الأكاديميين بعيدة عن المبدعين بحساب النسب.

كان قصير القامة، وكان يُسعد إذا ما رافقه مبدع قصير مثله، لذلك حين كان يتردد على المقاهي الأدبيّة أول عهده في النشر كان لايُرى إلاّ وعبد الأمير معلّة معه، لاسيما في جمعيّة الكتاب والمؤلفين,، لأنّ معلّة كان قصيراً هو الآخر، ويشكو من الأمر نفسه، وإذا تغيّب عنه عبد الأمير، فإنّ حميد المطبعي هو المرافق، لكونه القصير الثالث،أو القرين المخلص. لموسى كريدي مؤلفات عديدة تم طبعها، منها:

1-   أصوات في المدينة (قصص) بيروت 1968م.

2-   خطوات المسافر نحو الموت (قصص) النجف 1970م.

3-   غرف نصف مضاءة ط 1،1979م،ط2،1986م.

4-   فضاءات الروح،بغداد 1986م.

5-   الوهم والكتابة(مقالات نقدية)،1989م.

وقد ذكر لي أعمالاً مخطوطة منها:

6-   موت الببغاء (شعر).

7-   منزل في ضاحية (قصص).

8-   رواية.

 

رحم الله موسى كريدي الذي توقف قلبه عن الخفقان في ليلة من ليالي آب?²? الشديد الحرارة سنة 1996م, حين علم أنّ عائلته لم تعد تملك نقوداً لشراء عشاء تلك الليلة، وأنها باتت تتضور جوعاً، ولعلهُ لم يكنْ آخر ضحايا الحصار.

 

..........................

الهوامش

(1) و(2) وفقاً لما ذكره حسين سرمك نقلاً عن (مهدي عيسى الصقر) فإنّ وفاته كانت في 21 تموز،1996م، وليس كما جاء في كتابي من أنّها كانت في آب،لهذا أعتذرُ.

 

* - للاطلاع

في ذكرى رحيل المبدع (موسى كريدي): هل تنبأ موسى كريدي بموته؟ / حسين سرمك حسن

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1540 السبت 09/10/2010)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم