صحيفة المثقف

العرب واسكندنافيا في التاريخ والعلاقات العامة / قصي الشيخ عسكر

 اللغة المجرية والتركية وتعد السويدية لغة البلد الثانية1  لذلك سيقتصر بحثنا على الدول الاسكندنافية البحتة ونعني بها السويد والنرويج والدنمارك.

ويبدو أن الحياة ظهرت متأخرة على الارض السكندنافية بسبب برودة الجو،فقد كانت تلك البقعة مغطاة بالجليد إلى 8300 سنة قبل الميلاد2  . لقد بدأ الثلج بالذوبان قبل 14000 إذ وجدت آثار للحياة قبل 12000 سنة من الآن . إن الحرارة والبرودة تغيرتا قليلا حيث يمكن القول إن الثلجة انحسر عن الرقعة الاسكندنافية حوالي12000 سنة قبل الميلادفي ذلك الوقت الذي وُجِد فيه صيادوا غزال الرنة . إن هذا الزمن زمن المستنقعات أو الأهوار " Magle mose tiden "3  بعبارة أخرى إن الحضارة الاسكندنافية تأخرت عن الحضارات السامية والعربية التي ظهرت في الشام وبلاد الرافدين والجزيرة العربية.


العصر               حضارة اسكندنافيا                         الامم الأخرى

4000 ق. م            عصر الصيد                         الزراعة عند العرب

4000- 2000        حجري + زراعة      بناء الاهرام في مصر والزقورات في بلاد مابين النهرين

1000 ق. م            البرونزي                    حضارة بني إسرائيل في الشرق

خلال الميلاد          حديدي                          حضارة روما " هيلاس "

مابعد الميلاد          فايكنج                         حضارة بيزنطة ثم الخلافة العربية الاسلامية في بغداد


إن العصر الذهبي للنشاط السياسي والاقتصادي والدبلوماسي الاسكندنافي العربي تمثل خلال سيطرة القراصنة على البلاد، أي قبل قيام أي نوع من الحكم المركزي عام 936 زمن الملك كورم4 ، ثم الملك هارالد بلو تان الذي توفي عام 5859  ، ففي عام 765 استقبلت بغداد زمن المنصور بعثة صغيرة من القراصنة، وأرسل كارل الكبير مرتين من قبله مبعوثا إلى هارون الرشيد خلال عامي 798 و801.كان هدف البعثة بالدرجة الأولى التنسيق مع بغداد في التعاون المشترك ضد حكومة بيزنطة وشملت المباحثات قضية التعامل التجاري6 ، وفي عام 921 أرسل الخليفة في بغداد مبعوثا دبلوماسيا إلى فيرستين ماوراء فولغا البلغار، وقد قابل المبعوث في طريق عودته ردا من الشماليين سكان الشمال وكان من أعضاء تلك البعثة ابن فضلان7 ، ونتيجة لهذا التطور اتسعت حركة القراصنة حيث اتجهوا عبر الانهار الروسية، فوصلوا إلى البحر الاسود وكانت لهم اتصالات مع شعوب تلك المنطقة وعبر قزوين وصلوا إلى بغداد عاصمة الخلافة8  .

712-qusaأما الطريق الآخر فكان عبر بحر الشمال والسواحل البرتغالية الاسبانية ثم سواحل الاندلس في المتوسط إذ وصل القراصنة إلى القدس وبغداد9 ، ومما لاشك فيه أن العلاقة التجارية بين الجانبين أوجدت نوعا من التقارب كان من نتائجه جهود الباحث العربي عبد الله بن خرداذبة في كتابه " المسالك والممالك " حيث نشر عن الشماليين الذين التقاهم في الانهار الروسية وكانوا يسمون " أرغوس "10 ، ومن الذين وصفوا الاسكندنافين وصفا دقيقا الرحالة ابن فضلان فشمل وصفه على قصره طول الفايكنج وشكلهم وصفات نسائهم والأسلحة والمواد التي يتاجرون بها . ويعتز الباحثون بهذا الوصف كثيرا . إذ يرون أن الاسكندنافيين عرفوا جزءاً من تاريخهم وعاداتهم عن طريق الوصف الذي سجله عن أسلافهم ابن فضلان ومن الجدير ذكره أن العملة العربية كانت من أهم النقود التي يتداولها القراصنة خلال تعاملهم التجاري حيث عثر على الكثير من القطع النقدية العربية في أراضي كل من السويد والنرويج والدنمارك11، وكان هؤلاء القوم يحفرون عليها اسماء بعض من آلهتهم فقط لكي يتم تمييزها عن النقود التي يتداولها الناس في بلاد الشرق وتكاد العملة العربية الاسلامية تكون هي الشائعة والمتداولة في كل المجتمعات الاسكندنافية خلال تلك الفترة إن لم نقل العملة الوحيدة، وهذا إن يدل على شيء فإنما يشير إلى أن رقعة اسكندنافيا لم تكن تملك معامل لسك العملات فتستورد العملات العربية للتدوال مع حفر اسماء الآلهة عليها جنب اسم الجلالة أو اسم النبي محمد " ص" أو جنب اسم الخليفة الذي ضرب هذا النقد في زمنه ليميز القراصنة عملتهم، والشواهد التي تدل على ذلك النشاط العربي الاسلامي المؤثر في الحياة الاسكندنافية والذي تدل عليه الآثار التي عثر عليها في الأراضي الاسكندنافية، وعرضت في المتاحف ومنها النماذج التالية:

استورد القراصنة الاسكندنافيون كميات كبيرة من الفضة من الشرق عامة والعالم الاسلامي بصفة خاصة. الفضة كانت في اشكال مختلفة منها اساور غاية في الدقة بعض تلك الاساور وجدت في مدينة " فايلة " في الدنمارك ويميل المؤرخون إلى أن كثيرا من التجار المسلمين كانوا يأتون إلى البلدان الاسكندنافية ومعهم مثل تلك الإسوارات للتعامل بها أي هناك حركة من قبل العالم الاسلامي باتجاه اسكندنافيا هدفها تجاري لكنها سرعان ما تركت اثرها الجمالي، إضافة إلى تاثيرها الاقتصادي، وكان التجار المسلمون يبتاعون الجلود الاسكندنافية مقابل قطع الفضة .

العثور على كنز من النقود الفضية والذهبية في مدينة "هون" بالنرويج يرجع تاريخه إلى عام 975 بعض نقود الكنز عربية وبعضها بيزنطية  والأخرى فارسية .

712-qusaa

أما عرب الأندلس فكثيرا ماكانوا يقومون بزيارات إلى اسكندنافيا . الشاعر الغزال من ضمن الذين زاروا الدنمارك مبعوثا من قبل الخليفة عبد الرحمن في مهمة أشبه بالسفارة، ومما يؤسف له أننا لم نعرف طبيعة المهمة التي كلف بها الشاعر من قبل الخليفة إلى ملك الدنمارك12 ، لكننا يمكن أن نعرف قوة القراصنة الحقيقية وطريقة تعاملهم الدبلوماسية من وصف الغزال الذي يعتز به الدنماركيون أنفسهم، فالملك الدنماركي كان يجلس في مقره وقد كان بنى مدخل غرفته على شكل درج ذي سقف واطيء حتى يضطر أي شخص يأتي إليه للانحناء أمامه لكن الشاعر الغزال لم تنطل عليه اللعبة، فأدار ظهره وبدأ ينزل الدرج  بهذه الصورة لأن الدين الاسلامي كان يمنع المسلمين من الانحناء للوثنيين، وبهذا السلوك تفادى الغزال ازمة كان يمكن أن تقع بين الدولتينن وقد أعجب بسلوكه ملك القراصنة الذي انبهر بذكاء الدبلوماسية الأندلسية13  .

ويحق لنا أن نقول إذا كانت الخلافة العباسية تجذب الأوروبيين بصفتها تمثل مركز الثقل السياسي للحاضرة الإسلامية، فإن الدولة العربية في الأندلس كان لها أثر كبير في نشر الثقافة العربية الاسلامية باتجاه أوروبا الغربية ودول الشمال. كانت البعثات الدينية خاصة بعد اعتناق الشعوب الاسكندنافية الدين المسيحي وتحولها عن الوثنية تتجه إلى الأندلس ليطلع القسس على اللغة العربية وعلوم القرآن  حتى يفهموا القرآن الكريم، أو يتزوّدوا من العلوم والمعارف التي كانت تقدمها جامعات الأندلس وقتذاك، وسواء كان طالب البعثة راغبا في دراسة اللاهوت وعلوم القرآن أو العلوم الأخرى كالطب والهندسة  وغيرهما من العلوم فإن عليه بالضرورة أن يعرف اللغة العربية لأنها لغة التعليم الرسمية في الأندلس .

لكن بعد سقوط الأندلس أحست شعوب أوروبا، ومنها الاسكندنافيون بفراغ تام، كانوا بحاجة إلى جامعات تدرس الطب والعلوم الأخرى، وكانوا بحاجة ايضا إلى أن يعرفوا العربية لكي يترجموا تلك الكتب من اصولها، إضافة إلى ذلك أنهم مازالوا بحاجة إلى دراسة اللاهوت والدين الاسلامي، ويبدو أن الاسكندنافيين انتبهوا إلى حالة الفراغ الجديدة، فتأسس قسم الاستشراق في كوبنهاغن على أساس لاهوتي بعد سقوط الاندلس باثنتي عشرة سنة14، وفي السويد تأسس قسم الاستشراق في جامعة " أوبسالة " وبعدها في جامعة " لون " حيث تأسست الجامعة في هذه المدينة عام 151666  .

بعد عصر الفايكنج بدأت الشعوب الاسكندنافية تكون ممالكها، فتشكلت مملكة السويد أواخر القرن الرابع عشر الميلادي16 ، وتأخر استقلال النرويج عن السويد إلى عام 1905 والذي يعنينا هو أن العلاقة الأقوى بين العرب أو المسلمين والاسكندنافيين كانت زمن الفايكنج حيث شملت رقعتهم جزءا من السويد والدنمارك والنرويج وشمال ألمانيا وبعضا من سواحل أوروبا الشمالية  ولم يدخل المسلمون في حروب مع الاسكندنافيين ماعدا تحالف المسلمين التتار مع البولنديين في حربهم سنتي 1649 و 1668 ضد السويد التي كادت تهزم في الحرب17 ، لكن الحدث المهم كان في عام 1751 حين وقعت المغرب مع الدنمارك اتفاقية التعاون والتبادل التجاري ثم أعقبتها في القرن التاسع عشر اتفاقيات أخرى ويبدو أن سوء الأحوال المناخية كانت تدفع الدنماركيين إلى إعطاء الأولوية للمعاهدات التجارية مع المغرب18  لكن على الرغم من عمق العلاقة بين البلدين إلا إن المغرب لم يفتتح له سفارة في كوبنهاغن إلا في عام 1967.

بغض النظر عن تلك العلاقة التجارية السياسية القديمة  فإننا نستطيع أن نعد أيضا جهود الاسكندنافيين الذين حاولوا فهم التاريخ العربي والتعرف على المجتمع العربي ومن هؤلاء الرحالة " كارستن نيبور " الذي بدأ رحلته إلى الشرق في الرابع من كانون الثاني عام19  1761، فكتب وصفا غنيا عن بلاد العرب والمدن العربية مثل القاهرة وجدة وغيرهما .

أما إذا أردنا أن نتحدث عن القرن العشرين فيمكن أن نقول إن هناك موضوعين أساسيين تمحورت حولهما العلاقات العربية الاسكندنافية وهما موضوع الهجرة الاقتصادية والهجرة السياسية.

فيما يخص الهجرة بدأ العرب يتوجهون إلى اسكندنافيا بدءأً من ستينيات القرن الماضي حينذاك كان العمل سبباً في دفع العمال المغاربة والعرب الآخرين إلى التوجه نحو الدول الاسكندنافية بخاصة الدنمارك ومثلت هجرة العمال أعلى ذروتها عام 1968،اما الهجرة الثانية فكانت نزوح موجات من عرب شمال إفريقيا و من العراقيين واللبنانين لأسباب سياسية وإنسانية إذ بدأت تلك الهجرة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي ومن الواضح أن ازدياد عدد المهاجرين رافقه تأسيسهم نواديهم الثقافية والاجتماعية والدينية ومؤسساتهم التربوية التي لقيت دعما ماديا ومعنويا من قبل المؤسسات في الدول الاسكندنافية، وكان لهذه المؤسسات أثرها الواضح في تطور قضايا التبادل الثقاني والاجتماعي بين المغتربين العرب والاسكندنافيين، وكان وضع اللاجئين العرب حافزا للدنماركيين نحو الاهتمام باللغة العربية ودراسة الدين الاسلامي بصورة وفرقه المذهبية والفلسفية.¨

 

............................

هوامش

1-  المسلمون في أوروبا ، علي المنتصر الكتاني، دار إدريس للتأليف والترجمة والنشر ، من دون ذكر سنة الطبع 1/281.

2-  G.E.C Redigeret af Kjarviff Hellsen og Ole Tuyven, Gasforlag, Kobenhavn.1988,p38

3-  Palle Lauring , Danmarks historie, Forum , k?benhavn.1979, ,p11/14.

4-   Palle Lauring , Danmarks konge, K?benhavn, 1990, p13.

  Danmarks konge p, 15

5-  Thorkild Ramskov, danmarks Historie, politiken forlag, 1969, 2/67-68

6-  Carl og esben Harding S?rensen, Gyldendal,1979, p 61

7-  Offe Hart Vig Larsen ,Vikinges religion og livcsanskuelse,Akademisk forlag, 1984,p 11-16

8-  Offe Hart Vig p 11-17

9-  Thorkild Ramskov:Danmarks historie2/284-289

10-  يمكن مشاهدة  هذه العملات في متحف كوبنهاغن الشهير والمتاحف الاسكندنافية الأخرى.

11-   Thorkild Ramskov:Danmarks historie2/290-291

12-  كتب الرحلات وصفية ، قصي الشيخ عسكر ، جريدة الشرق الأوسط اللندنية ، العدد 6771، 12/6/1997

13- " والمقال في الجريدة ملخص للموضوع الذي بدأت كتابته عام 1991 "

14-  مقابلة لم تنشر بعد مع المستشرق القس سينوغورد استاذ اللغة العربية في معهد الاستشراق الدنماركي معهد كارستن نيبور.

15-  Utibildning Vid , lunds universitet,1955,p5

16-  علي المنتصر الكتاني ، سبق ذكره ، 1/287

17-  نفسه 287

18-  قصي الشيخ عسكر ، المهاجرون المغاربة وجهودهم في تحقيق هويتهم الاسلامية، جريدة الشرق الأوسط

19-  Thorkild Hansen. Det lykkelig Arabian. Gyldendal:1974,p9

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1565 الاربعاء 03 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم