صحيفة المثقف

حديث النتائج – أندلس (العراقية) وبغداد الآخرين / علي السعدي

في اليوم الأول لإعلان نتائج الإنتخابات النيابية لعام 2010، ظهرت بوادر ليست بالقليلة على ان علاوي قد (إحترق) سياسياً لحظة الدخول في ذلك الفوز الملتبس بمشروعه كما في حيثياته، لكن الرجل وأركان قائمته، احتفلوا بنصرهم حتى الثمالة .

ان تحصل قوى سياسية على ذلك الدعم الذي جمع قوى دولية واقليمية كبرى في مواقعها كما في تأثيراتها على الوضع العراقي، وبمظلة واسعة تمتد من أمريكا بما تعنيه، الى السعودية بما تمثله، مروراً بسوريا والأردن والكويت ومصر ودول الخليج، فذلك كفيل بإدارة رأس ايما سياسي ومنعه من ثم عن رؤية المشهد المحيط بكليته، لذا فلاغرابة ان تتحول حساباته: من الإحتمال الممكن، الى اليقين المؤكد، ما يجعل سلوكياته منشدّة لاعتبارإن لا أحد بإمكانه الوقوف أمام ترؤسه للحكومة وإدارة الدولة وفقاً لما وضعه من برنامج،لكن مالم يكن في الحسبان، ان نقاط القوة التي استند إليها، قد تتحول هي ذاتها الى عبء كبير يمنعه من اكتساب حلفاء من داخل الكتل الأخرى .

كانت (العراقية) مثقلة بالتزامات تجاه الداعمين الإقليمين والدوليين لن تستطيع الإيفاء بها، والا أثقل العراق بدوره فيما لايحتمله، كما ان تلك الإلتزامات تتطلب إجراء تغيير جذري في المعادلة الداخلية التي قامت عليها الحياة السياسية بعد 2005 - تاريخ أول انتخابات نيابية - وهو ما كان يحمل في طياته عودة الى أوضاع تطلب الخروج منها تضحيات كبيرة .

 وعلى ذلك وقفت (العراقية) عند تخوم فوزها الضئيل الذي جعلها تتمترس خلف ماأطلقت عليه حقهّا الدستوري، من دون ان تأخذ في الإعتبار ان ذلك الحقّ لايمكن تجسيده واقعاً من دون المرور بالآليات الدستورية المتبعة – انتخاب رئاسة المجلس ورئيس الجمهورية ومن ثم تكليف الكتلة الأكبر- ما يعني الإتفاق أولاً على توزيع المناصب واضطرار الآخرين للتنازل عمّا ضمنه لهم الدستور في حقهم بالمنافسة على تشكيل الأكثرية .

لم تتمكن (العراقية) من إقناع أيّاً من القوى السياسية بأهمية مشروعها – أو عدم خطورته على الأقل – لكنها بقيت ترفع شعار (كلفونا أولاً) من دون ان تقدم ما يشفع لها بذلك .

الأداء السياسي والخطاب الإعلامي الذي قدمته (العراقية)، كان يصيب غالبية العراقيين بالتشاؤم، نظراً لكثرة ما فيه من لغة حملت الكثير من الوعيد وبمفردات بدت نافرة وحادّة لم تفسح في المجال أمام نوع من المرونة التي تتطلبها اللعبة الديمقراطية، كان شعورها بالقوة طاغياً لامهادنة فيه ولا ثغرة لأية احتمالات قد تفضي اليها التفاعلات السياسية، ذلك ماتعاونت عليه مجموعة من العوامل كان أهمها :

- الضغط الخارجي متعدد الأوجه والمنطلقات، الذي كان يدفع

(العراقية) الى عدم التهاون وتضييع فرصتها التي قد لاتتكرر .

- غياب الرؤية الاستراتيجية التي تشكف ان (قوة) العراقية متضخمة في حقيقتها، كما انها ليست ثابتة أو مضمونة في استمرارها، خاصة انها تأتي - بمعظمها - من دول لها مصالحها الخاصة، وبالتالي لايمكن ل(العراقية) ان تكون خياراً وحيداً في بلد حيوي مثل العراق .

- اللغة الخشنة المتعالية التي استخدمتها (العراقية) أو بعض الناطقين باسمها أو المقربين منها، تشابهت في الكثير من مفاصلها مع تلك اللغة التي يستخدمها الإعلام العربي في تناوله للأوضاع العراقية، وهي لغة طالما طعنت بانتماء الجزء الأكبر من العراقيين واتهمته بالتبعية الى دولة إقليمية تبعاً للمشترك المذهبي، وقد برز ذلك في الإتهامات التي وجهت الى التحالف الوطني مثلاً، انه مجرد صنيعة إيرانية، لقد وقعت (العراقية) في المطّبات ذاتها حينما استخدمت ذلك الخطاب المستعاد من عهود سابقة بكل دمويتها وعنفها، ماجعل السؤال يطرح عند الآخرين: اذا كنت تشكك في وطنيتي، فكيف تريد ان أشاركك؟؟

- الحديث الطاغي عن (التغيير) القادم والحساب الذي ينتظر الكثيرين وماشابه، ما جعل الإحتمالات تنفتح على هوّة بلاقرار، اذ بالإمكان اختلاق أيما تهمة لأيما شخص، خاصة بعد ان ظهر ذلك جلياً في توجهات الإعلام الموالي لـ (العراقية) الذي لجأ الى بعض الأحداث المفبركة في تناوله شخصيات وقوى سياسية بعينها، كما تم تداول مثل هذه الإتهامات على لسان بعض أعضاء من (العراقية،) في وقت تولوا فيه الدفاع المبالغ فيه عن بعض ممن إلقي القبض عليهم بتهم الإرهاب .

أيّا كان المشروع الذي كانت تحمله (العراقية) ومقدارإخلاصه لوطنيته، الا ان التعبير عنه لم يكن موفقاً، بل أدى الى نتيجة معاكسة، لقد ظهرت (العراقية) بأنها مصدر التوتر الأكثر بروزاً وسط ميدان يفترض ان تسود فيه لغة الحوا ر، وكانت تلك مؤشرات كافية لتبيان ان (العراقية) لن تستطيع اكتساب الحلفاء لتشكل معهم الحكومة المقبلة – كانت تضرب تحت الحزام في لعبة يفترض انها تتمتع بروح رياضية – كما ان قادتها أنفسهم عاشوا تحت هاجس تهديدات القوى المتطرفة التي حاولت تصفية كل من شعرت بتهاونه أو اقترابه من القوى الأخرى .

الحصيلة من كلّ ذلك، ان (العراقية) اضطرت الى القبول بأقل مما عرض عليها في البداية، كما انها أثارت جرّاء ذلك، إستياءاً بين ناخبيها واعضائها قد تكون له آثارلاتبشر بالايجاب .

ما يمكن استخلاصه، ان (العراقية) ربما كسبت بعض حاضرها، لكنها قد تخسر مستقبلها ككتلة، حيث ظهرت أعراض التفكك وعدم الإنسجام بدرجة تشير الى انها لن تعود الى ماكانت عليه، سواء في أوضاعها الداخلية، أو في دعمها الخارجي .

في المقابل، لم تكن النتائج التفاوضية ل(دولة القانون) مرضية، إذ انها ارتكبت مجموعة من الحسابات، الخاطئة في بعضها وغير الدقيقة في بعضها الآخر .

كان المالكي قلقاً ومتوتراً، فالعملية السياسية تسير على رمال متحركة، لاشىء يمكن الركون اليه ولاحسابات يمكنها ان تثبت صوابيتها وسط هذه الأجواء الملبدة والمتغيرة ، حيث بدا على الجميع مظهر الإستعداد للمساومة أو الإستجابة للضغوط أو الإغراءات القادمة من كلّ الجهات، وكلها تتفق أو لاتمانع – بشكل أو بآخر – على إزاحته، فكان لابد من تقطيع المرحلة حتى ولو بتنازلات ستحدّ كثيراً من انطلاقته، بل وقد تثقل حركته وتدفعه الى أوضاع ليست مريحة، وإذا كان الناخبون قد اختاروه في هذه المرحلة لمواقفه وتحدياته، فإنهم ينتظرون منه خدمات وانجازات لن يعذروا عدم نجاحه في تقديمها .

 ان امكانية (الإنقلاب) في شعبيته يبدو وراداً - بل ومرجحاً - إذا لم يقدم مايشفع له بذلك - انجازات واضحة وملموسة – لاتترك مجالاً للتأويل والتبرير، لكن البوادرعلى ذلك لم تحمل الكثير من مضامين التفاؤل، فما وقع به علاوي في إثقال حركته بالتزاماته الخارجية، وقع به المالكي بالتزاماته الداخلية .

لابد ان المالكي يعرف جيداً ان القوى المحيطة به ليست مقتنعة بما يريد، لكنها حصلت منه على ماتريد، وهكذا إتبّع الرجل القاعدة القائلة (ان لم يكن ماتريد، فأرد مايكون)، الا ان الثمن اللازم لن يكون هيناً .

الصدريون بدأوا بقضم بعض رئاسة مجالس المحافظات، فبدأ التذمريغزو قلاع المالكي، أثمان (العراقية) لم تدفع بعد، وهي ستحاصره الى الحدّ الذي قد يضيق بالتعامل معه، أما الكرد، فبدأت (الجوائز) بالظهور – إنتشار مكثف للأسايش والبيشمركة في كركوك من دون موافقة رسمية- .

كانت المؤشرات الأولية لما بعد الإنتخابات، تشي بإن الكرد سيكونون بموقف أقل قوة مما كانوا عليه، فهم قد وقفوا عند حدود المرتبة الرابعة بين الفائزين، وقد أبدوا قلقهم من أية إمكانية للتقارب بين (العراقية) ودولة القانون، لكن (الحماقات) السياسية التي ارتكبتها بقية الأطراف، جعلت تحفزهم مجدياً، بل وصائباً .

عوامل كثيرة خدمت القوى الكردية ووضعتهم في موقع أركان الحلّ ومركز الثقل، كان أهمها غياب العقل الاستراتيجي وسوء الحسابات عند القوائم الثلاث حيث ظهرقادتها بإنهم أشبه ب(ملوك طوائف) يتصارعون على أندلس لم تحدد معالمها بعد، فيما وقف القادة الكرد يراقبون المشهد بإنتظار ان (يفحط) هؤلاء من المناكفة فيأتون اليهم طائعين، ومن حسن حظّ الكرد،انهم كانواعموماً خارج الإستهداف طوال السنوات الماضية، وهو ماجعلهم بمنأى عن الجزء الأكبر والأهم من الإضطراب الأمني والسياسي الذي انهمك به الآخرون – في الغالب - ضد بعضهم البعض .

في لعبة كنا نلعبها أيام الطفولة نردد من خلالها (يا صيبعي وزهم وزهم، وآنا أحجزهم)، وهي تشير على ان لايتدخل اللاعب بين المتخاصمين بشكل مباشر في البداية، بل يحاول الإشارة الى كل منهم بإصبعه من بعيد على أمل ان يزدادوا خصاماً، ثم يتدخل في اللحظة المناسبة للصلح بينهم حسب شروطه .

لم نكن نتصور ان هذه اللعبة ستجد طريقها للظهورفي سياسة تحدد مصير العراق، لقد رأيناها على شكل (فيلم) ينظرفيه قائد بارع من مكان مرتفع الى خصمين يتطاحنان في معركة لاهوادة فيها، فيستنزفان قواهما معاً غير آبهين بخصم محتمل يحتفظ بكامل قوته بل وينوع في مصادرها ويوسع إمكاناتها .

 وهكذا فاز القادة الكرد بما لم تكن النتائج تؤهلهم له، رئاسة الجمهورية برمزيتها وصورتها، ودورهم الحاسم – أو فضلهم – على المالكي في دفعه نحو رئاسة الوزراء، إضافة الى تحكمهم بمفاتيح اللعبة – بل وأبوابها كذلك- .

كانت (رقعة الشطرنج) تغوص في الضبابية، وبالتالي لم تتح للاعبين في ختام اللعبة الا مجالاً للرؤية في مفاصل ضيقة، ظهرت بالنسبة لكل منهم على الشكل التالي :

-     المالكي : تقطيع المرحلة

-     العراقية : شىء أفضل من لاشىء

-     المجلس : التأخر ولا الغياب

-     الصدريون : لعبنا وكسبنا

-     الكرد : البطولة والكأس

ولتبيان الموقف أعلاه يمكن القول ان المالكي وبعد ان أيقن بأن لامجال أمامه للتقدم، سعى بكل جهده للمحافظة على القديم، أملاً بتحسين شروط اللعبة مع المواصلة في زحزحة العوائق، سواء ماهو موجود منها، أو ماقد تفرزه الوقائع اللاحقة.

 لكن الواضح انه سيسير بين حدّين، وفوق ذلك بقدمين مثقلتين، ما يتطلب منه بذل جهد يتجاوز ما قدمه في المرحلة الماضية، وبالتالي عليه ان يتوقع في كلّ خطوة لغم، وفي كل زاوية خصم.

كان بإمكانه ان يتجنب الكثير من تلك القيود لو أدار معركته التفاوضية بثقة أكبر وحسابات أكثر دقة، وفيها: ان عليه التوقف قليلاً بعد الأشهر الأولى من المفاوضات وجسّ نبض اللاعبين لتركهم من ثم يصلون الى العقبات بأنفسهم ،وهي تشير الى ان (الائتلاف) ليس باستطاعته التسليم ل(العراقية) بتشكيل الحكومة لأكثر من سبب وحيثية، كذلك الكرد الذين يخشون من عودة البعث بشعاراته القومية التي تجعلهم يشعرون بالتوتروالقلق حيال التعاون مع (العراقية) بتوجهاتها ومشروعها الإشكالي،وبالتالي فهم يفضلون شخصاً مثل المالكي جرّبوه وعرفوه وأعدّوا أنفسهم للتعاطي معه ضمن صيغ معقولة عموماً.

تلك هي المعطيات التي كان ينبغي على المالكي أخذها بنظر الإعتبار، لكن ذلك كان يتطلب كسر حاجز(الخوف) من الرمال المتحركة ومايمكن ان يعدّه الخصوم وداعموهم، الذين نجحوا بإثارة تلك الخشية عند الرجل وفريقه، ما دفعه الى تقديم تنازلات ليست بالقليلة من أجل ضمان البقاء على سدة الحكم – ولو مقيداً – المفارقة ان أولئك الخصوم لم يستفيدوا كثيراً مما أثاروه، بل جير لغيرهم .

قد يكون الصدريون قد فرحوا بما حققوه، لكنهم يتحملون جزءاً مما آلت اليه النتائج، فالخطوط الحمراء والإشتراطات التي رفعوها بداية، جعلت العملية التفاوضية تختنق وطرفي التحالف

(دولة القانون والائتلاف) يرهقان بعضهما من دون مسوغات لاسبيل لتجاوزها، بدليل انهم وافقوا لاحقاًعلى مارفضوه بداية بقوة وعناد، ولايبرر ذلك حصولهم على بعض المكاسب الخاصة، فإن كانوا قد (ربحوا) في ذلك على الصعيد الكتلوي (كصدريين) فإنهم بالمقابل (خسروا) على الصعيد الوطني في انهم تسببوا بإرهاق في مسار العملية السياسية ومايمكن ان تؤدي اليه تلك القيود التي وضعت على الحكومة ورئيسها في المحصلة العامة .

اما المجلس الأعلى، فقد كان الخاسر في الحالتين، عناد في البداية ورضوخ في النهاية، فلا حقق بداية ولا استفاد من نهاية .

وهكذا تجمعت الظروف والمعطيات التي صبّت جميعها في صالح الطرف الكردي لتجعله الأقوى سياسياً رغم انه الأضعف انتخابياً، المفارقة الأخرى ان المبادرة السعودية جاءت في توقيتها لتخدم الكرد وتسرّع من الموافقة على ماطرحوه من شروط في ورقة ال19 بنداً، مع المكافأة في منصب رئيس الجمهورية الذين سبق لهم التلويح بالتنازل عنه، لكنهم أصروا عليه حينما لمسوا مقدار قوتهم، بعد ان فتح (بازار) التسابق لكسبهم .

كان التعاون مع شخصية مثل جلال الطالباني تمتاز بسلاستها ودماثة أخلاقها، هو أفضل للمالكي من شخصية إشكالية – سلوكاً وتوجهات - كطارق الهاشمي مثلاً، الذي قد يتسبب بأزمة دستورية في حال انتخابه رئيساً للجمهورية – كأن يرفض تكليف المالكي بتشكيل الحكومة- ذلك في الحسابات الخاصة ، اما في الجانب الوطني، فكانت القراءة السياسية تشير الى ان المرحلة المقبلة تتطلب في رئاسة الجمهورية شخصية على شاكلة الهاشمي، فقد أثبتت التجربة ان رئيس الجمهورية في العراق ليس منصباً بروتوكلياً وحسب، بل هو رمز السيادة وحارس الدستور، وهناك الكثير من المهام – خاصة الخارجية منها – التي عليه التحرك للمساهمة في إنجازها، منها ترميم علاقة العراق مع العرب، صحيح ان شخصية مثل الهاشمي، قد تبدو مقلقة في إمكانية بروز خطاب متناقض مع توجهات الحكومة، لكن جلال الطالباني قد لايقل إشكالية في ذلك وان من منظوروأسلوب مختلف ولأسباب مغايرة، ثم الفارق في المرونة الحركية بين الرجلين، حيث يقف الطالباني على أعتاب مرحلة عمرية صعبة قد لاتتيح له القيام بما يتلاءم وثقل مهامه الرئاسية في مرحلة دقيقة وحساسة من تاريخ العراق .

لاشك ان لكل من الإختيارين ايجابياته وسلبياته، وهذه هي طبيعة السياسة حيث لاشىء يمكن الحسم فيه بشكل مطلق، لكن كان من الصعب أخفاء ان اختيار الطالباني رئيساً للجمهورية، جاء بمثابة تسوية ليست مقنعة بحيثياتها السياسية وبالتالي فقد تكون إخراجاً مرحلياً حكمته الظروف ، صحيح ان منصب رئاسة الجمهورية لم يكن موضع تركيز أو عقدة طوال الأشهر التي سبقت الوصول الى الحلّ، حيث تمحورت العقد بأكملها حول رئاسة الوزراء،لذا جاء الدخول اليه سلساً عموماً، لكن تبدو في الأفق مؤشرات على ان طارق الهاشمي (أو صالح المطلك) قد يكون هو الرئيس الفعلي عملياً في المرحلة القادمة نظراً لما سيكون عليه واقع المهام الرئاسية من متطلبات وايقاعات - .

الخلاصة مما تقدم، ان الدروس المستقاة من (التراج/ كوميديا ) العراقية ، لاشك ستكون عميقة وبليغة الدلالة، وهي تشير ان العقل العربي مازال يعاني قصوراً مزمناً في البناء الإستراتيجي، وبالتالي فهو مايزال يعمل وفق آليات الحدث الآني وردات الفعل، فهل هي مصادفة ان يرفض العرب قرار التقسيم عام 48، ثم يعودون للمموافقة – بل والمطالبة - بأقل منه ، ويرفض الفلسطينيون عرض الدولة على 80% من أراضي 67، ثم يوافقون على أقل من ذلك بعدها؟ ويرفض المصريون عروض الانسحاب من سيناء من دون شروط قبل حرب 73، ثم يوافقون على جزء من سيناء منزوع السلاح؟ وهاهي (العراقية) توافق على أقل مما عرض عليها في البداية، ويوافق المجلس الأعلى على ما رفضه، ثم هل من الغرابة ان أية دولة عربية لا تملك مشروعاً استراتيجياً واضح المعالم أسوة بالمشروع التركي أو الإيراني أو الإسرائيلي مثلاً؟

 الفرصة ماتزال متوافرة أمام القوى العراقية لتجاوز ذلك الخلل البنيوي، لكن المشكلة انهم لن يحاولوا التعلمّ واستخلاص العبر، بل يهنئون أنفسهم بما حققوه، ويعتبرونه إنجازاً جديراً بالثناء .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1577 الاثنين 15 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم