صحيفة المثقف

الهوية، أمازيغي قــح

والتي يطلق عليها السوسيولوجيون "الهوية" وهي مكون أساس للشخصية، فردية كانت أو جماعية، والتي لا يمكن أبدا التمويه والعبث بها أو تزويرها أو نكرانها. ومن العسير أن نتصور شعبا بدون هوية، أو نقتنع بما زعمه داريوس شايغان أنها "صورة مغلوطة للذات ". فالهوية تتضمن ما يميز جماعة أو مجتمع عن جماعة أومجتمع آخر. وهي كما أكدت الدراسات السوسيولوجية، أن لكل جماعة أو أمة، مجموعة من الخصائص والمميزات الاجتماعية والنفسية والمعيشية والتاريخية المتماثلة التي تعبّر عن كيان ينصهر فيه قوم منسجمون ومتشابهون بتأثير تلك الخصائص والسلوكيات التي تجمعهم، وتنعكس على مجموع الأفكار التي يؤمنون بها والقناعات الفكرية التي يأخذون بها.

 

فمهما حاولنا أو جربنا، فسببقى الأمازيغ هم الأمازيغ، مغاربة يعشقون بلدهم بإمكانياته المحدودة وآفاقها المحددة، ورموزه التليدة، ومقدساتها العتيدة، وعاداتها العريقة، وأعرافها العديدة، وآفاقها المحددة، وطقوسها المختلفة التي ليست من عمل فرد واحد أو مجموعة معينة، أو مجرد تنظير في ندوات مغلقة أو توافق بين عدد من المتخصصين، كما أنها ليست أفكار آنية مرتبطة بالسياسات الفانية، ولا قصص لها بداية سرعان ما تفضي إلى خواتم هزلية أو درامية.  لا، فهي انتساب لمعتقدات وقيم ومعايير باقية بكل تفاصيلها، متجذرة في أعمق الحضارات الإنسانية، لم يلفها النسيان ولم يلحقها الاندثار، لأن المغاربة الذين اعتنقوها لم يسمحوا للغرب وعولمته، ولا للشرق وماضويته، أن يمسخ لغتهم وثقافتهم، أعيادهم ومواسمهم، مآتمهم وأعراسهم، وكل ما ترسب مورثوههم من مفاهيم بدائية، ومعتقدات تراثية، وأساطير خرافية انتقلت إليهم عبر قرون وأجيال أثرت على ردات أفعالهم وأثرت في سلوكاتهم، فشكلت جزءا جليا وأسياسيا من شخصيتهم الفردية والجماعية، التي لا يمكن أن يستشعر قيمتها إلا من مارسها خلال الأسماء الأصيلة غير المجلوبة، كميسنسا ويوجورتا وحمو وأمناي وعسو وإبراهيم ويطو وتيتريت ورحيمو وتابوهوت. وتذوقها في أطعمتهم اللذيذة التي دوخت الدنيا بنكهة أركان في الطواجين الطينية وكسكس البلبول وعصيدت الدرة والزميتة وأزنبو وتاغُولا. وتدثر بألبستهم الفراقية الأنيقة، الصامدة والمتطورة، جلباب وبلغة، محصور وسلها.

الهوية الامازيغية منحة إلآهية سخية يفتخر بها الأمازيغ ويخافون غيابها، وهو خوف ليس مدنيا، وإنما هو خوف أولي بدائي من الانقراض يشترك فيه الإنسان مع غيره من المخلوقات، لأن ذهاب الهوية انقراض بلا موت. وقد صدق أبو القاسم الشابي رسول إرادة الحياة حين قال:

وللشعوب حياة حينا وحينا فناء          

واليأس موت ولكن موت يثير الشقاء

والجد للشعب روح توحي إليه الهناء

فان تولت تصدت حياته للبلاء

ومهما كان الأمر فالهوية الأمازيغ المغربية، لا تعني-كما يدعي الحاقدين- التقوقع والانغلاق على الذات و على التراث والثبات عليه ورفض التغيّر والتطوّر الذي لا يقود إلا إلى التعفن والاندثار والموت، لأنها ليست كياناً دائم الثابات والجمود، نشأ هكذا دفعة واحدة إلى أبد الآبدين، أُستُلم من الأسلاف دون تغيير ويُسلم بأمانة للأخلاف دون تصرّف. فالتغيير فيها حتمية وضرورة حياتية، لكنه لا يعني أبدا التخلي عنها. فالشعوب التي تغيرت في ثقافاتها لم تفقد هوياتها. فلماذا يعتقد نفر من ساستنا الأكارم أن الهوية الأمازيغية ريشة في مهب الريح؟ لا تقبل أي تطوير أو تجديد ولا تصمد عند أي تغيير؟! فالتجديد يا سادة، يجب أن يكون فعلا إراديا ينبع من الوعي بضرورته، يشارك فيه المجتمع بكامله، وتتولى شرائحه المتعددة عملية التغيير بعد إيعادة قراءتها(الهوية) بعقلانية على ضوء العناصر الأساسية المكونة لها، والمشَكلة من ثقافة الدفاع عن الأرض ومقاومة الأجنبي من أخل الكرامة والإنسان وقيم الحرية وثقافة التعايش والوئام المطلق بين أبناء الأمة والتمسك بالتاريخ وحضارة الأجداد، وقيم الشهادة والتضحية في مصارعة الدخيل والمستعبد.

 فما يطلبه بعض السياسيين لهوية الأمازيغ من تغيير، هو أمر مرتبط بأهداف استراتيجية سياسية معروفة دوافعها وخلفياتها وأهدافها وسياقاتها، وإن تفنن واضعوها في تغليفها بأقنعة فلسفة "حتمية التغيير". فالتغيير الخارجي القمعي الابتزازي الارتجالي مرفوض لما يؤدي إليه من تدمير للهوية لا إلى إحيائها..

 

حميد طولست

 [email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1097  الجمعة 03/07/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم