صحيفة المثقف

عقدة الأجنبي

 أولئك الذين لم يقدموا جهدا كبيرا في استشراف مستقبلها، ولم يكلفوا أنفسهم حتى مجرد عناء قراءة مباشرة لواقعها المشؤوم، الذين يعتقدون جازمين أن تخطي ما تعيشه الرياضة عامة، و كرة القدم خاصة، من نحس وأزمات، كرفع الكفاءة و الفعالية أو البحث عن حلول لمشاكل انخفاض الإنتاجية والمردودية. لا يتأتى في نظرهم المريض بعقدة "الأجنبي" إلا عن طريق التعاقد مع أي مدرب أجنبي، حتى ولو كان من "جوطية وخرذة" الضفة الأخرى، ولو تخطى عقده الخمسين وكلف مالا كثيرا، المهم عندهم أن يكون أجنبيا، لأن "مغني حيهم لا يطرب" كما يقال، والمدرب الأجانب يمتلك جميع العصي السحرية. 

 لسنا هنا للتحسر والتفجع على منجزات فاتتنا وكان بلإمكان إنجازها على يد منتخب وطني كان من المفروض أن يكون قويا، لولا بقاء البيئة الإدارية على عاداتها القديمة التي ترسخت في ثنايا المؤسسة الرياضية وعبثية المدرب الأجنبي واستهتاره رغم أجنبيته. فالأمر أكبر بكثير من تحسر على شيء كان عليه أن لا يفوتنا لكنه قد فات.. ومثل هذه الخسارة يمكننا تحملها أو حتى تعويضها، وقد تحملنا أقبح منها في السابق من الأيام.. لكن الحسرة والألم من السقوط في وهم النجاح، ونتيجة اللهاث وراء النتائج السريعة والإختيارات السلبية للقرارات الطائشة التي لا تفيد إلا المصالح الذاتية لمجموعات ضيقة متلاعبة بالدوائر الرسمية والجهات الحكومية، التي حولت الرياضة في البلاد إلى آلة تأكل بعضها بعضا في حروب وصراعات داخلية خفية، إن هدأت حينا، جعلوها تعاود الكرة أحايين كثيرة، فأضاعت عقودا على الرياضة الوطنية فرصا وعقودا من الزمان في عالم محكوم بسباق اللحظة والثانية.

ومن المؤكد أن كل الإشكاليات التي عرفها رياضتنا، تقع على عملية الاختيار التي غابت عنها معايير الكفاءة والفعالية، حيث وضع الانتقاء الخاطء، الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، الذي يخضع بالأساس إلى عدة أسباب غير محسوبة العواقب، تكون الرياضة الوطنية هي الضحية الأولى فيها.

والأعجب في هذا و ذلك، انه بمجر ما تولى المدرب الفرنسي المُقال منصبه الحساس كمدرب للمنتخب الوطني المغربي الذي لا يستحقه، ولم يمنح له لأجل مهاراته الخارقة، ولا لسيرته الذاتية المتميزة، بدت منه ومند الوهلة الأولى تصرفاته وسلوكياته وتعامله مع الرياضيين مخالفة للمطلوب في كل مدرب محنك يحترم نفسه-وكأنه مدعوم أو مسنود من جهة ما-، حيث حمل معه نوعا من النرجسية المرضية الخطيرة التي تصل بالإنسان إلى الطريق المسدود مع من حوله، فتحول لمخلوق عنيف طاغية متجرد حتى من الابتسامة والكلمة الطيبة. لا يقدر على ضبط مشاعره وانفعالاته ولا يتقن أبسط مهارات وقدرات التواصل، ما أوقع في مآزق مع الرياضيين والصحافة الوطنية والأجنبية أيضا. فقد كان يؤمن بأنه على حق دوماً، بل كان يصرح أنه هو الحق وقوله الحق وفعله الحق و ينطق باسم إله كرة القدم وأنه مؤتمن عليها في الأرض وربما حتى في السماء.

مدرب كهذا، هو مدرب خطير جداً على نفسه وعلى غيره من الفرق التي يدربها، ولا يفوقه خطراً إلا الذين تعاقدوا معه بشروطه الخيالية التي لا يقبلها أي عاقل. و توحي -بشروطها غير العقلانية، وإن كانت سليمة- على أنها مقابل مصالح ذاتية لهذا الشخص أو ذلك، لأن التعاقد مع من لا يستوعبون حجم المسؤولية ولا يقدرونها كأمانة كبيرة والتزام بحقوق الرياضة والرياضيين، هي خيانة و ضرب من الحمق يشجع الشكوك والتناقضات ويطرح التساؤلات الضخمة الكبيرة المحيرة، ويحتم على أصحاب المناصب العليا والوظائف السامية القائمين على المؤسسات الرياضة وادارتها في وطننا الكريم، والذين غاب عن أذهانهم وحساباتهم -أثناء توقيع انتداب "المدرب المخلوع"- أهمية أخلاقيات الاختيار وما يجب أن تشملة من الشروط والقيم والمبادئ الرفيعة تلزم الذي سيتولى تدريب المنتخب الوطني، والتي خلت منها وثيقة التعاقد، خطأً أو عمداً لا احد يدري، حسب بعض وسائل الإعلام. ولكن المعروف والملموس والذي يُرى جليا، هو انتشار نسبت الفساد في الإدارات المتعددة وانخفاض مستوى الخدمات الرياضية المقدمة وضعف التوجهات التنموية وتذمر المواطن ويأسه وتوتر العلاقات الشخصية بين القائمبن علىالرياضة والصحافة والجمهور.

 واقع مريض يؤكد للأسف أن كرة القدم المغربية خسرت وستخسر الكثير من الطاقات والجهود بإهمالها أهل الكفاءات الوطنية العالية، بسبب تجنبها المعايير الموضوعية في عمليات الاختيار المجانبة لقيم الأخلاق والمنطق السليم،  ما دفع بالعقلاء لفسخ عقدة المدرب الفرنسي رغم "أجنبيته" قبل انتهاء المدة، وهو اعتراف صريح على فشله في إهداء المغاربة البهجة الخالصة والحماسة المتقدة، بعد أن صعب عليه إنجاز ما كان منتظرا منه. لكن من أدى ثمن تهور المسؤولين على سوء اختيارهم غير الموفق، لاشك أنه الوطن والرياضة حيث لم يسبق أبدا في بلادنا أن سئل أو عوقب مسؤول بسبب اختياره لبعض الموظفين، رغم ما تفجر من قضايا خطيرة بسبب ذلك، فلا يحاسب من اختار أو رشح أو زكى أو منح النفوذ لمرتكبي الخروقات وحتى الجرائم في حق هذا الشعب، والأمثلة تملأ الجرائد وتبثها وسائل الإعلام يوميا.

فلا يمكن لكرة القدم أن تعلوا وتسموا و أن يبدع الرياضيون، إلا بالحب والانتماء للوطن والاهتمام بالعنصر البشري، فبهما وحدهما تعيش الرياضة وتنمو، فإذا هي تخلت عنهما راغبة أو مكرهة فهي ميتة لا محالة؛ وهي حقيقة لا يختلف اثان حولها ولا تحتاج إلى دليل يثبت صحتها، لأن العنصر البشري من أهم مقومات نجاح وازدهارالرياضة في أي بلاد من بلدان الدنيا، وكمل هو معروف فالإنسان بطبيعته جسد وروح وعقل وقلب. جسد يمثل الجانب المادي، وروح تمثل الجانب المعنوي، وعقل يمثل الجانب الفكري وأخيراً القلب الذي يمثل الجانب العاطفي والاجتماعي. وإهمال جانب من هذه الجوانب يؤثر سلبا على أداء الرياضيين فيصابون بالإحباط وتقل الكفاءة وفعالية وينعكس ذلك على الرياضة بكاملها. لذا يرى البعض أن ملف الإنتاجية الرياضية يستلزم حواراً وطنياً جاداً باعتبار أن هذا الملف هو تحدي رئيسي في عملية تنمية الرياضة المستقبلية.

 

حميد طولست

 [email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1105  السبت  11/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم