صحيفة المثقف

وقاحة عنصرية ...!!

 مخجلة لكل من يصنف نفسه مع الجنس البشري. إن مجرد النظر لإنسان، أي كان دينه أو قوميته، نظرة أثنية دونية، عدا أنها يجب أن تذكر الشعب اليهودي بحقبة تاريخية رهيبة في تاريخه، هي عقلية أقل ما توصف به أنها لا تليق أن تصدر عن مسؤول في سلطة يفترض أنها ترعى (رسميا على الأقل) بقسم من ميزانيتها المجتمع العربي في إسرائيل. بكلمات أخرى : أطياس بتصريحه وضع نفسه ووزارته ليس فقط ضد الحقوق الأولية لمواطنين في إسرائيل، من المفروض أنهم متساوي الحقوق (حسب القانون على الأقل)  إنما بخانة لا تخجل مروجي الفكر الفاشي ومنفذي السياسات الفاشية .

  العرب كما  يفهم من تنظير أطياس، مجرمون معتدون  لأنهم يشكلون أكثر من نصف سكان الجليل، وهذا  يجعل فرائص الوزير وسائر  العنصريين في إسرائيل ترتعد . بالطبع لا ننتظر من وزارة أطياس أي مشروع إسكاني للعرب ... وليس من الصعب أن نعرف إلى أين ستذهب أموال وزارته ...

تخيلوا لو صرح وزير فرنسي آن الفرنسيين مرعوبين من سيطرة اليهود على البنوك الفرنسية .. أو تصريح أمريكي يقول أن عدد اليهود في الكونغرس يفوق نسبة اليهود في الولايات المتحدة . أو بريطاني مسؤول يشتكي من ارتفاع نسبة الولادة لدى  اليهود البريطانيين . أو بلجيكي يقول انه يرفض أن يسكن في حي يسكنه اليهود .  هل كان الإعلام، اليهودي وغير اليهودي (الإنساني، الليبرالي، الديمقراطي،والعقلاني)  ... سيعرف الهدوء أو الصمت  قبل أن يطير صاحب التصريح العنصري؟ هل كان المسؤول، وليكن من يكون ... يصمد في منصبه يوما اضافيا؟ إلا في إسرائيل التي تدعي القلق من العنصرية،  وتصاب بالهستيريا من كل همسة عنصرية من الأغيار ضد اليهود حتى لو حدث ذلك في دولة نائية معزولة وربما لا يقطنها اليهود . أما عندما يكون الموضوع العرب في إسرائيل، نسمع العجب العجاب من كبار القوم ومن صغارهم، وتتعزز مكانة  العنصري الدوري،  ويصبح نجما سياسيا وتلفزيونيا .. شيء يثير القيء  .

والسؤال المقلق، ليس ظهور عنصري آخر، لا جديد في ذلك ... إنما أين إعلامنا العربي المحلي والإعلام الهائل للفضائيات العربية؟!

 تصريح عنصري منفلت وحقير ضد العرب لا ينشر كما يليق في وسائل الإعلام العربية (اتركونا من الإعلام العالمي، الذي لا يتحرك ما دام أصحاب الألم صامتين). هذا لا يهم "الجزيرة" مثلا لأنه يضر بصديقة  قطر . الفضائيات العربية ملتهية حتى أذنيها بخزعبلات هرطقية واعجازات وهمية  وفتاوي  تليق لعصر الحجر  .

 لا أبالغ أن تصريح أطياس بالغ الخطورة، رغم أن لا جديد تحت الشمس في عنصرية  أجهزة الدولة وشخصياتها .. والأخطر أن يواصل المفضوحين في عنصريتهم  الجلوس  على كرسي الوزارة وكأن ما تفوهوا به  مسألة عادية، تعودنا عليها. ونحن .. أعني  قادتنا، بارك الله فيهم .. نرد على تفوهات وزير مسؤول، بتصريحات نارية، تضعنا في نفس مستوى الوزير .. هو أهاننا ونحن لا نوفر اهاناتنا ضده  . عاشت الديمقراطية وأدام الله عز زعمائنا، هكذا نتعلم دروس التياسة وليس السياسة!!

وفي اليوم الثاني عندما يرى حماسة نوابنا في الرد يضيف لعنصريته بعدا جديدا . يدعو، لا فض فوه إلى حصر العرب وعزلهم عن اليهود (في محميات؟).. وطبعا من شروط الديمقراطية اليهودية في إسرائيل أن يضمن لهم أماكن للعبادة .. وتنتهي مشكلة الخطر العربي على الجليل !!

وطبعا قريحتنا جاهزة  للرد على التفاصيل العنصرية الجديدة ...

مثل هذه التصريحات، أو أقل منها بمليون درجة اقامت ضغطا ضد وصول الزعيم اليميني النمساوي هايدر، في وقته ..  إلى رئاسة الوزارة .. وتقيم ضجيجا في مختلف دول العالم لدرجة تضطر الحكومات صاغرة إلى إعلان استنكارها للعنصرية ضد قبر وضد نصب حجري شوهه مختل عقليا .

الحجر له مشاعر وله حقوق، الإنسان الفلسطيني، حتى في حساب الإعلام العربي لا مشاعر له ولا حقوق، والتشاطر عليه  يجري بصمت مريب . أمامنا حالة يمكن تطويرها سياسيا إلى حملة إدانة لعنصرية النظام كله، ما دام أشباه أطياس يشكلون المركب الأساسي في السلطة الإسرائيلية. عنصرية الوزراء في حكومة نتنياهو فاقت كل حدود المنطق الأخلاقي البسيط، المفروض أن يشكل بندا أساسيا في كل سلطة، المفروض أن الوزير مسؤول عن كلامه وعاقل، ولا يمثل نفسه، أنما يمثل الدولة التي ينتمي اليها، وقيمها ونهجها ... 

ما المنطق في الصمت الإعلامي، وعدم اتخاذ خطوات قانونية، للانفلات الهمجي المتكرر  لوزراء هذه الحكومة، ولأعضاء كنيست من الإئتلاف، ضد مجموعة بشرية محرومة من حقوق أولية كثيرة؟ كيف لا نوصل هذه التصريحات إلى كل فضائيات العالم وبكل اللغات؟ أين تختفي فضائياتنا الشاطرة التي تعطي منصة لمجموعات جهادية متطرفة في العالم العربي من القاعدة إلى فتح الإسلام، ولكنها تنام صاغرة عن حقوق الشعوب العربية وعلى رأسها الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل؟

نسي الوزير أطياس أن العرب الذين يخاف من سيطرتهم على الجليل، لا يملكون أكثر من 3.5% من أرضهم في كل البلاد . الدولة  "غير العنصرية " صادرت أراضيهم  لأنهم عرب، ودائرة أملاك الغائبين تسيطر على أملاك الغائبين، أرضهم ومنازلهم وسائر أملاكهم ( وبعضهم حاضر وحي في وطنه وقرب أرضه وبيته  ولكنه يعتبر قانونيا غائب عن وطنه لأنه لم يسجل في السجل الأول للمواطنين ). وهناك دائرة أموال متروكة... لدرجة أني اعتقد أن الشعب الفلسطيني يجب أن يسجل اسمه في كتاب جينيس كأكثر شعب من شعوب الأرض أبقى وراءه "أموالا متروكة" ليجيء "اطياس" وربعه من المغرب العربي والسفاح غولدشتاين من أمريكا وليبرمان من أوروبا،  ليجمعوا  هذه الأموال المتروكة ويضعوها "بالحفظ والصيانة" بأيديهم ... ويذموا  أصحابها صبحا ومساء، ويخافون من سيطرتهم الوهمية على أرضهم المصادرة، ويبنون ويشيدون للغرباء عن الجليل ويمنحوهم أراض بمساحات شاسعة مصادرة من البلدات العربية المحيطة وخنقها جغرافيا، وإعلامنا العربي الفضائي الذي يحتل الصدارة يحافظ على صمت مشين يفضح حقيقته !!

من "تمسكوا" ببعض أموالهم، وببقايا وطن ... صاروا في زمن الترللي الإسرائيلي  خطراً اثنياً، وجرثومة بشرية يجب قمعها وحصرها، وتهجيرها إذا أمكن.. وبديمقراطية ... ضيقوا عليهم يهربون . وهل من تضييق أصعب من سنوات الضياع الأولى، وقمع الحكم العسكري وتعسف كل أجهزة السلطة؟!

إذا عبرنا تلك السنوات السوداء سنعبر أطياس وليبرمان وباقي الشلة المأفونة.

اجل ديمقراطية... وزير الأمن الداخلي يصفنا بـ "العربوشيم"- أي العرب القذرين. وزير آخر يريد أن يسلبنا حقوق مواطنتنا ويربطها بخدمة عسكرية أو مدينة (شخصيا لست ضد فكرة الخدمة المدنية في مجتمعنا وبين أهلنا وفي قضايا الصحة والتعليم والسلطات المحلية والعجزة وتطبيق قوانين العمل، ولكني ضد أي خدمة كانت بظل القهر العنصري والتعالي الإثني). منفلت آخر يريد أن يعلمنا تاريخ ارض إسرائيل والصهيونية ... كأنه تنقصنا المعرفة الفكرية والتطبيقية، وإننا  نستطيع أن نقدم بهذا التاريخ الهولاكي شهادات دكتوراه ودراسات تؤهلنا لألقاب البروفسورة. وأطياس بات يخاف على  "ورثة الدولة" من "الأموال المتروكة" التي يعيش أصحابها  جريمة اغتصابها المستمرة كل ساعة وكل يوم خلال العقود الستة الماضية.

قرأت تعليقات أعضاء الكنيست العرب، وأصبت بعسر الفهم. هل يظنون أن زوبعة الاستنكار تكفي لصد هلوسة العنصريين؟! وصحفي نحترمه ونحبه يكتب أن "العرب لن يتزحزحوا من الجليل". هل حقاً نحتاج إلى مثل هذا التأكيد؟ ألا يحمل هذا التأكيد في مضمونه أسئلة الشك؟!

ما أردت أن اسمعه موقف مغاير تماماً.

يا جماهيرنا العربية داخل إسرائيل...

البحر من وراءكم وأشباه "اطياس" من يمينكم  وأشباه ليبرمان من يساركم.

وما لكم إلا التقدم للأمام...أمامكم بلدات جميلة أقيمت على "أملاككم المتروكة" والمصادرة والمغتصبة. تكونون بلا شرف إذا التزمتم بحدود بلداتكم المحاصرة بمعسكرات جيش وكيبوتسات ومستوطنات.

اندفعوا إلى كل الاتجاهات... اشتروا واشتروا واشتروا (بالمناسبة يجب إقامة صندوق وطني للدعم) كل البلدات المقامة على أراضيكم هي بلداتكم، حتى لو سميت بما لا يليق بلسانكم العربي.

على شعبنا في الناصرة أن يرى بالناصرة العليا أو "نتسرات عيليت" باسمها الرسمي، الامتداد الجغرافي الطبيعي لمدينة ناصرة المسيح- هذه لنا وتلك لنا الحق في السكن فيها أيضا. نحن لا نريد أن نطرد أحدا. ولكنه حقنا المشروع في اختيار مكان السكن، وهذا أقرته المحكمة العليا، ونحن نتقيد بحرفية القانون .

نقسم إننا لا نكره احد...نريد أن نعيش بحب وتفاهم مع إخواننا اليهود  في البلدات المقامة على أراضينا. ثقافتنا ثقافة إنسانية، نرفض العنصرية ضدنا، ونرفض إن نكون عنصريين، حتى في ردنا على العنصريين  .

 على شعبنا في سخنين أن يرى بمسغاف المقامة على أرضه، وسائر المستوطنات والبلدات حوله امتداده الطبيعي والإنساني...اجل انظروا إلى الإمام واندفعوا...

على شعبنا في الشاغور أن يحول كرمئيل إلى مدينة مشتركة تعيش بتآخي يهودي عربي، هذا التآخي  الذي يرعب  اطياس.. ويرعبه كل طفل عربي جديد يطل على الحياة  .

نحن لا نريد طرد احد. ولكن لن نسمح لأحد إن يطردنا، صدقوني إن الخدمات في البلدات الجديدة أفضل وأرقى وأنظف من بلدياتكم المفلسة ... فهيا إلى الإمام. مسيرة الإلف ميل تبدأ بخطوة واحدة.

 

نبيل عودة

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1108  الثلاثاء  14/07/2009)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم