صحيفة المثقف

أسجد يا ولدي في مرابع ابتهال الروح

ترى موقع خطاها بعد أن يطغى القنوط على مشاعرها، واليأس من رحمة الله بسبب المعاصي فيشتمل صاحبها على غضب الله ليس لأنه عصى أو أخطا فكل ابن أنثى خطاء وإنما لأنه يأس من رحمة الله ومن عفوه وهو من يقول عنه الله عز وجل (ما غضبت على أحدٍ كغضبي على عبدٍ أتى معصية فتعاظمت عليه في جنب عفوي) وحينما يهرب هذا اليائس،إلى أين يريد الذهاب؟ النجاة ليست في الهرب من الله حيث لا مكان من دون الله، النجاة بالهرب إلى الله  وقد أوحى الله لداود النبي: ( يا داود لو يعلم المدبرون عني شوقي لعودتهم ورغبتي في توبتهم لذابــوا شوقاً إلي.. يا داود هذه رغبتي في المدبرين عني فكيف محبتي في المقبلين علي)

يا ولدي نحن أولا وأخيرا من صنع يدي الله، ومن يا ترى أحن من هذه اليد علينا وهي التي تنادينا ( ابن آدم خلقتك بيدي وربيتك بنعمتي وأنت تخالفني وتعصاني فإذا رجعت إلي تبت عليك فمن أين تجد إلهاً مثلي وأنا الغفور الرحيم ) ولذا آمن الجاهل قبل العالم أن في عدالة الله وحدها النجاة لأن الله هو العدل المطلق ورحمته تسع كل الوجود وتفيض (جاء أعرابي إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، من يحاسب الخلق يوم القيامة؟  فقال الرسول: (الله) فقال الأعرابي: الله بنفسه؟ فقال النبي: الله بنفسه. فضحك الأعرابي وقال: اللهم لك الحمد. فقال النبي: لم الابتسام يا أعرابي؟ قال: يا رسول الله، إن الكريم إذا قدر عفا وإذا حاسب سامح. فقال النبي: فقه الأعرابي)

 وإذا كانت التجارة مع الناس تحتاج إلى رأسمال كبير وحملة وفعلة وعبيد ودواب وسفر طويل ومخاطر جمة فإن التجارة مع الله لا تحتاج منك يا ولدي إلا أن تفهم بأن الله يستحي منك لأنك عبده وليس كما تستحي أنت منه أو لا تستحي لأنك عصيته يقول الله عز وجل (إني لأجدني أستحي من عبدي يرفع إلي يديه يقول يا رب يا رب فأردهما فتقول الملائكة إلهنا إنه ليس أهلاً لتغفر له، فأقول ولكني أهل التقوى وأهل المغفرة، أشهدكم إني قد غفرت لعبدي) وقد جاء عن حياء الله سبحانه تقريعا للذين يبخلون أن يمدوا أيدهم إليه (عبدي أخرجتك من العدم إلى الوجود وجعلت لك السمع والبصر والفؤاد،عبدي أسترك ولا تخشاني، أذكرك وأنت تنساني، أستحي منك وأنت لا تستحي مني. من أعظم مني جوداً، ومن ذا الذي يقرع بابي فلم أفتح له ومن ذا الذي يسألني ولم أعطيه. أبخيل أنا فيبخل علي عبدي)

إن كل ما تحتاجه يا ولدي من عدة هو أن تخلص وتنزه نيتك لله وحده، وترفع يدك بالدعاء إليه فقد جاء في الحديث: (إنه إذا رفع العبد يديه للسماء وهو عاص فيقول يا رب فتحجب الملائكة صوته، فيكررها يا رب فتحجب الملائكة صوته، فيكررها يا رب فتحجب الملائكة صوته فيكررها في الرابعة، فيقول الله عز وجل إلى متى تحجبون صوت عبدي عني؟ لبيك عبدي، لبيك عبدي، لبيك عبدي، لبيك عبدي) ذلك لأن الله سبحانه يحب يا ولدي أن يسمع أنين توجعك ندما من ذنب اقترفته أكثر من حبه لسماع تسبيح المرائين في المساجد، وقد جاء في الحديث إنه عند معصية آدم في الجنة ناداه الله سبحانه (يا آدم ذنب تذل به إلينا أحب إلينا من طاعة تتراءى بها علينا، يا آدم أنين المذنبين أحب إلينا من تسبيح المرائيين)

 فكن يا ولدي عند الطاعة والخطأ من أصحاب النفوس التي ترنو إلى حيث تأمل أنها ستجد رحمة الله لكي تبتهل عند عتبات رجائها حيث تعزف أوتار القلب نشيد الأمل وترفرف بلابل الفرح في سماء الرجاء وتأتي الأماني بشكل دفقات نورانية من كلمات لها وقع السحر على الضمائر وصعقة الكهرباء على النفوس حيث لا ينقطع الأمل ولا ينتهي الرجاء وترتاح النفوس المتعبة وهي تسمع نداء الخالق العظيم  (يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر)

يا بني إن هربت من الله من ذنب اقترفته أو خطيئة ارتكبتها فأهرب إليه، ففي الهروب إليه النجاة

ولا تستحي من عظيم ذنبك، ولكن استحي أن تكرره، وإن أجبرتك الحياة على تكراره فلا تخشى طلب العفو من الله، لا تستعظم جرمك فعفو الله اكبر، ولا تهتم وتغتم من كثرة مخالفاتك فما عند الله من خير لا ينفد. فأسجد يا ولدي في مرابع ابتهال الروح وخلص نفسك من أدران الهموم .. والله المستعان

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1109  الاربعاء 15/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم