صحيفة المثقف

الانفتاح والانغلاق وأثره على ولادة الحركات الدينية الحديثة

عادة ما تكون معدة سلفا من قبل جهات أخرى لتطبيقها في أجواء التبدل الذي تتعمد الأطراف الصانعة للمشاريع أن يترافق مع الفوضى الخلاقة التي تتعمد بثها بين أفراد المجتمع لتساهم مع التبدل في إشغال الشعب بأمور ثانوية تلهيه عن الانتباه للأمر الحقيقي الذي تريد هذه الأجندات تمريره.

وعلى سبيل المثال نجد أن المذهب الشيعي انغلق على نفسه زمنا طويلا بسبب الحصار الذي فرضه عليه الحكام ووعاظ السلاطين وافتائيو القصور الملكية ومعممو السلطة ، وقد ساهم هذا الانغلاق شبه الكلي  وصعوبة التواصل بين قيادته وقاعدته وتدخل الأطراف الأخرى لدعم مجاميع خاصة منه وتقريبها إلى مجالس الحكام ، أدى هذا الانغلاق إلى تفرقه إلى طوائف وفرق كثيرة  لا يوجد وجه مقارنة بين كثرة عددها وقلة عدد فرق المذاهب الأخرى التي كانت بالمقابل تعيش عصر انفتاح مقنن ومنظم وفق سياقات التعاون بين رجل الدين ورجل الدولة.

 ولم يتوقف هذا التشتت والتصدع إلا بتحول الحصار التاريخي الجائر إلى ضغط متوازن محدود الحرية ولكنه غير قابل للانفجار وهي الحالة التي عاش المذهب أجوائها قرونا عديدة، ومع قساوتها وآلامها ساعدت هذه الحالة في توحيد المذهب ولم كلمة أهله تحت راية قيادته الدينية التي كانت تحضى بالكثير من التقدير والاحترام.

لكن مع التحول المفاجيء من حالة الضغط والتبعية إلى حالة الانفتاح والمساهمة في القيادة دون المرور بمرحلة التكيف الطبيعية التي ممكن أن تمتص حالة الانبهار والمفاجأة عادت التصدعات والانهيارات لتحدث بشكل أوسع مما كانت عليه في زمن الانغلاق. فشهدنا بعد عام 2003 تكرر ظهور حركات شيعية خاصة  ذات أسماء رنانة ومشاريع تبدو كبيرة جدا بعضها تبدو مسالمة وبعضها الآخر تنضوي أطروحتها على كثير من العدوانية والشراسة. وقد نجحت هذه الدعوات بشقيها العنيف والمسالم في بناء قواعد جماهيرية لا يستهان بعديدها وعدتها وبدأت تضخ إلى الساحة الشعبية مشاريع مختلفة الثقافة فبدا بعضها ناضجا بما يكفي لكسب مجاميع من المثقفين والمتعلمين وبدا بعضها الآخر قريبا من الكفر والشرك.

وكأي تنظيم جديد أو دعوة جديدة وجدت هذه الدعوات قبولا من بعض الشباب وحتى كبار السن من حملة الدين التقليدي ووجدت بالمقابل رفضا شديدا. بل ووجدت في تعاملنا معها تقصيرا عظيما  فمن التجاهل الكامل إلى دعوات تركها تعمل على حريتها احتراما لما يسمى بحرية المعتقد والدين التي أقر بعضها الدستور الجديد وتطالب بها منظمات حقوق الإنسان إلى دعوات مساندتها ودعمها ودعوة الناس للإيمان بها إلى تكفيرها وتجويز قتل أتباعها. لكن على العموم كان تعاملنا معها أسيرا لنمطية التعامل البيني الموروث الذي يتضمن الكثير من القسوة والتسرع  والتطرف أيضا.

 هذا الإجراء غير العقلاني يبدو بعيدا عن الأساليب العلمية المتبعة في العالم كله فالعالم المتحضر لا يترك المشكلة حتى يكتمل نموها وتصبح منافسا شديدا لكي يواجهها بل يفضل اعتراضها في طريق صيرورتها وهي مرحلة تنطوي على كثير من الضعف وعدم التركيز وسهولة التفكيك تشترك في تسهيل مهمة إنهائها.

أما على مستوى المؤسسات والمرجعيات والحكومات فلم نسمع مثلا أن المؤسسة الدينية قد خططت لبناء مشروع علمي يأخذ على عاتقه التصدي لهذه الحركات في بداية ظهورها لتجنيب الشباب غوايتها ، كما لم نسمع أنها استغلت وسائل الإعلام الحديثة لعمل تغطية إعلامية مكثفة تفضح من خلالها أهداف هذه الجماعات وتكذب أطراحاتها ودعواتها وتفضح الرجال الذين يقفون وراء إنشائها وهم عادة من داخل صفوف المؤسسة الدينية.

كما لم نسمع شيئا عن قيام الأجهزة الأمنية الحكومية بالبحث عن خلفيات مؤسسيها وقادتها ومعرفة علاقاتهم الخارجية والداخلية ومصادر دعمهم وتمويلهم وأهدافهم ونواياهم وارتباطاتهم ونشر ذلك بالصورة والصوت مدعوما بالوثائق التي لا تقبل التكذيب.

ولم نسمع أن أي من الأحزاب الدينية على كثرتها وتنوع أطروحاتها قد قام بالاتصال بها أو بالمسئولين عنها للتقصي عن نواياها التي يهمه بالتأكيد معرفتها لأنها تهمة كحزب أولا وكجزء من المذهب ثانيا. ولذا ظلت تتوالد وتتكاثر بأسماء ومسميات كثيرة وغريبة وتدخل في نزاعات دموية مع هذا الجانب أو ذاك بل ومع الأجهزة الأمنية أيضا وتتفنن في توجيه الطعون للآخرين.

إننا مع منح الحريات الشخصية والفكرية ونرفض عودة الأساليب القمعية التي عانينا منها الكثير ولكن يجب أن لا تتعارض هذه الحريات مع   مباديء ديننا أو وحدة وسلامة عراقنا وشعبنا.

ونحن مع دعاة التجديد الحريصين على الوجود الديني والوطني ولكننا نرفض استغلال الانفتاح للترويج لفكر ديني أو مجتمعي يتعارض مع ثوابتنا.

ونحن مع تأسيس الأحزاب والجمعيات  ولكننا نرفض بشدة أن يؤسس لحزب أو لجماعة تريد تقطيع أوصال الدين أو الوطن.

ونحن مع حقوق الإنسان ولكننا ضد من يريد امتهان كرامة الإنسان واستغفاله والضحك على ذقنه وخداعه وتجنيده لخدمة أجندات تخريبية.

لذا يجب أن نتحمل جميعنا مسئوليتنا الدينية والوطنية وأن نسارع للتعامل مع هذه الحركات الدينية بحذر شديد وعلمية وعقائدية وإخلاص لكي نساهم بدعم الصالح منها وإيقاف الطالح عند حدوده قبل أن يشارك في  إحداث فاجعة جديدة للعراق العزيز تضاف إلى فواجعنا الكبيرة. 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1111  الجمعة 17/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم