صحيفة المثقف

هل أصبحت حركة فتح كالهرة التي تأكل أولادها .. قراءة في تصريحات الأخ أبو اللطف

 وكان الحديث يدور حول تصفيته الجسدية، ولا شك أن إدارة بوش لم تكن تمانع بالأمر لان الرئيس بوش سبق الإسرائيليين بالإيعاز بالتخلص من عرفات وذلك في خطابه يوم 24/6/2002 حيث طالب بضرورة البحث عن قيادة فلسطينية جديدة، ولا شك أن هذه المرحلة شهدت حملة شرسة ضد أبو عمار من داخل البيت الفلسطيني بل ومن تيار داخل حركة فتح عمل على تحميله كل أخطاء السلطة وتشويه صورته واغتياله سياسيا تمهيدا لتمرير اغتياله جسديا دون ضجيج، وهذا التيار أحاط آنذاك بالأخ أبو مازن وما زال ووظفه ووظف نهجه السلمي ورغبته بالحفاظ على خيار التسوية لدرجة بات وكأن تحالفا استراتيجيا بين هؤلاء المتسلقين والمتآمرين والأخ أبو مازن وهو ما حذرنا منه قبل أيام في مقالنا المعنون(ما وراء استهداف الرئاسة الفلسطينية)، حتى حركة حماس كانت معنية بالتخلص من سلطة أبو عمار، أيضا هذه المرحلة شهدت تخاذلا إن لم يكن تآمرا عربيا على أبو عمار تجلى من خلال رفض القمة العربية التي عُقدت في بيروت 27-28 مارس 2002 أن يلقي أبو عمار المحاصَر بالمقاطعة خطابا عبر الهاتف.

إذن، أطراف عديدة كانت معنية بالتخلص من الرئيس أبو عمار سياسيا وإسرائيل كانت لا تخفي رغبتها بالتخلص منه جسديا والتقارير الطبية التي صدرت عن المستشفى العسكري في باريس حيث كان يُعالج الرئيس لم تستبعد موته بالسم وتصريحات طبيبه الخاص الأردني أشرف الكرد كانت واضحة في أن الرئيس مات مسموما، المصريون والتونسيون والفرنسيون والأمريكيون وقيادات فلسطينية يعلمون هذه الحقيقة...، ولكن هل يملك السيد أبو اللطف وثائق تؤكد ما ذهب إليه من مشاركة الرئيس أبو مازن شخصيا في قتل أبو عمار؟ ولماذا هذا التوقيت بالضبط ليصرح بما يعرفه منذ خمس سنوات؟.

 

لأننا نحترم كل قياداتنا الوطنية التي قادت العمل الوطني طوال خمسة عقود، فنحن نحترم الأخ أبو اللطف، ونحترمه أيضا على مواقفه السياسية المعارضة للانحرافات في نهج السلطة وتداعيات اتفاقات أوسلو، حتى وإن كنا نأخذ عليه عدم فعل أي شيء طوال خمسة عشر عاما لتوظيف نهجه وتواجده في الخارج لاستنهاض جماهير حركة فتح والشعب الفلسطيني في الخارج لتشكل خط رجعة إذا ما انهارت السلطة كليا في الداخل وإذا ما عجزت حركة فتح في الداخل عن القيام بمهامها، ونحترم الأخ أبو اللطف لأننا نحترم التعددية التي هي أهم الفضائل السياسية لحركة فتح، وكنا نراهن أن تواجده وجماعته في المؤتمر السادس لحركة فتح سيكون فرصة لتصليب موقف الحركة ولملمة الحالة الفتحاوية وتفويت الفرصة على إسرائيل وغيرها ممن يتعجلون إطلاق رصاصة الرحمة على حركة فتح وبالتالي على المشروع الوطني الفلسطيني، كنا وما زلنا نراهن على الأخ أبو اللطف كما نراهن على الأخ أبو مازن لأنهما آخر من تبقى من رجالات الثورة الحريصين على المشروع الوطني والمؤمنين به بعد أن غيَّب الموت أو المرض رفاقهم على الدرب.

 لسنا في وارد توجيه أي اتهامات للأخ أبو اللطف أو التقليل من مكانته أو التشكيك برجاحة عقله، ولكن ليسمح لنا الأخ أبو اللطف بالقول ليس هكذا ينُهي القادة الكبار حياتهم السياسية، وليس هكذا يتم الدفاع عن دم الراحل أبو عمار وعن نهجه والمبادئ التي آمن بها والتي أودعها أمانة عند حركة فتح وقادتها وعلى رأسهم أبو مازن وأبو اللطف.اعتراضنا ليس على فتح الأخ أبو اللطف ملف اغتيال أبو عمار فهذا ما نريده ويريده كل فلسطيني وقد كتبنا أكثر من مرة حول ضرورة التحقيق بوفاة أبو عمار وكشف الأيادي الفلسطينية الآثمة التي شاركت بالجريمة وهي أياد تكاد غالبية الشعب الفلسطيني تعرفها، اعتراضنا ينصب على الزج باسم الرئيس أبو مازن بهذه الجريمة وفي هذا الوقت بالذات، وزعم الأخ أبو اللطف بأنه يملك (وثائق) حول الموضوع، ويا ليته يملك وثائق حقيقية حتى تنكشف الحقيقة ويرتاح الشعب الفلسطيني من عذابات الإحساس بالإهانة لمقتل رئيسه دون دليل قاطع على القاتل.

 لو أن الأخ أبو اللطف كشف ما لديه من وثائق أو اتهامات عند توصله بها ربما ما تم اغتيال الرئيس أو على الأقل لسارت أمور السلطة بشكل مغاير كعدم صيرورة أبو مازن رئيسا بدعم أبو اللطف نفسه، ولكن الإدلاء بهذه التصريحات وبهذا الوقت يجعل حركة فتح كالهرة التي تأكل أولادها كما تم وصف الثورة الفرنسية في زمن روبسبير واليعاقبة. أن تأتي هذه الاتهامات بعد أيام من مباشرة إسرائيل تغيير أسماء المدن والقرى الفلسطينية في إطار تطبيق رؤيتها ليهودية الدولة، وفي خضم حركية سياسية حول التسوية تحتاج لوحدة وقوة الموقف الفلسطيني، وفي خضم جولات حوار وطني يُعتبر نجاحه مدخلا لا بد منه للمصالحة ولإعادة الاعتبار للمشروع الوطني، أيضا فبل أيام من الموعد المحدد لعقد المؤتمر السادس للحركة، إنما يؤشر على أن الأخ أبو اللطف يهدف لإرباك الساحة الفلسطينية وحاله حال شمشون الذي قال (علىَّ وعلى أعدائي)، لأن تصريحاته ستؤثر سلبا على كل هذه الملفات الخطيرة لأن حركة فتح هي الطرف الرئيس في كل هذه الملفات، والشخص المتهم باغتيال الرئيس أبو عمار هو أبو مازن رئيس حركة فتح ورئيس السلطة ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية.

المنهج العلمي في تحليل ما قاله الأخ أبو اللطف وما سمح للصحافة بتصويره ونشره حتى الآن يقول بأن ما لدى أبو اللطف لا تعتبر وثائق بالمفهوم العلمي للوثيقة، فما عرضته قناة الجزيرة وتناقلته وكالات الأنباء هو كلام أو حوار مطبوع على أوراق عادية وهي أوراق غير مروسة (غير رسمية)وبلا أختام أو تواقيع بل إنها ليست محاضر جلسات بل ملخص لما يفترض أنها محاضر جلسات كما قرأنا في أعلى أول صفحة من الأوراق المعروضة عبر قناة الجزيرة.لا نريد أن نعيد تساؤلات طرحها آخرون حول عدم دقة التواريخ وكيفية وصول (الوثائق) لأبي اللطف وسبب صمته طوال هذه السنوات الخ؟ولكن ما نعرفه وما تعلمناه في السياسة أن الوثيقة هي مستند رسمي صادر عن جهة رسمية ممهورة بتواقيع وأختام، أو تكون مكتوبة بخط اليد وخط اليد ينوب عن التوقيع في تأكيد صحة الوثيقة و المسؤولية عن محتواها، يضاف لذلك أنه لم نعرف عبر التاريخ أن رؤساء دول ومسئولين كبار يخططون لاغتيال رئيس دولة ويتركون محاضر اجتماع حول الموضوع! فأمور أقل قيمة لا يُكشف عنها إلا بعد ربع قرن أو أكثر حتى وإن كان كل العالم يشك بوجود المخطط أو المؤامرة.ثم كيف يمكن لمؤامرة بهذا الحجم ويوجد عليها دلائل مكتوبة ويرسلها الراحل أبو عمار للسيد فاروق قدومي، لا تُرفق برسالة من الراحل أبو عمار للسيد فاروق قدومي يشرح فيها المؤامرة ويطلب منه اتخاذ ما يلزم من إجراءات لكشف هذه المؤامرة أو يطلب منه إطلاع دول العالم والمنظمات الدولية على الموضوع ؟وأخيرا وليسمح لنا الأخ أبو اللطف بذلك، أليس الصمت على الموضوع واستمرار تعاملكم مع القتلة المفترضين(الرئيس أبو مازن و دحلان) قد يوحي بوجود مساومات بينكم وبين هؤلاء طوال خمس سنوات وأنكم حاولتم الحصول على ثمن السكوت –ليس مصالح شخصية فانتم أسمى من ذلك، بل مواقف ومواقع سياسية-وعندما لم تحصلوا على كل ما تريدونه فجرتم ما تعتقدون أنها قنبلة ستطيح بالجميع؟.

الأخ أبو اللطف

كان أمامكم طريق أخر للتأثير على مجريات مؤتمر حركة فتح، وهو أن تحضروا و معكم كل من يشارككم الرأي والموقف لمؤتمر حركة فتح في بيت لحم لتقولوا ما تريدون وتدافعوا عن مواقفكم وتكشفوا كل الأخطاء والتجاوزات بما في ذلك المتآمرين على اغتيال الزعيم أبو عمار، هذه الخطوة ستحرج كل المتخاذلين وكل الذين يريدون مصادرة حركة فتح وحرفها عن مسارها، وهي خطوة سترفع من معنويات المترددين والمحبطين سواء نجحتم في فرض نهجكم أم فشلتم، أما القول إن هذه الخطوة تتعارض مع قراركم بعدم الدخول لفلسطين ما دام الاحتلال موجودا وأن ذلك يعتبر اعترافا بشرعية الاحتلال، فهو قول يحتاج لإعادة نظر من سيادتكم، فليس كل المتواجدين على ارض فلسطين مفرِطين بالحقوق الوطنية، فالشهداء الذين سقطوا داخل فلسطين وعدد الأسرى والجرحى خلال سنوات سلطة أوسلو لا يقلون عن عدد الذين سقطوا ما قبل أوسلو، أيضا ليست إمكانيات الدفاع عن الحقوق الوطنية من الخارج اليوم أفضل منها في الداخل، كما أن الراحل أبو عمار الذي تدافعون عنه اليوم كان يعيش في الداخل واغتاله الصهاينة لأن نضاله وهو في الداخل كان لا يقل تأثيرا عليهم من نضاله وهو في الخارج، أما الخوف من تعرض إسرائيل لكم ولغيركم من المعارضين لنهج أوسلو فهو أمر وارد ولكن ألم تغتال إسرائيل العديد من القادة في الداخل من كل الفصائل خلال سنوات أوسلو ؟عليه يمكنكم اعتبار دخولكم للداخل من اجل إنقاذ حركة فتح عملية استشهادية إن حاولت إسرائيل التعرض لكم.

وأخيرا فإن ما صرح به الأخ أبو اللطف لن يقربنا من الكشف عن حقيقة اغتيال أبو عمار ولكنه بالمقابل زاد من أزمة حركة فتح وأساء لنا جميعا كفلسطينيين بما فينا الأخ الكبير أبو اللطف نفسه.ومع ذلك نتمنى أن تؤدي هذه الضجة لإبقاء ملف اغتيال أبو عمار مفتوحا، وان يعيد الأخ أبو مازن النظر بتحالفاته الداخلية فهو اليوم يدفع ثمن هذه التحالفات.

 

 د. إبراهيم أبراش

[email protected]

‏20‏/07‏/2009

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1114  الاثنين 20/07/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم