صحيفة المثقف

هل سيكون مؤتمر حركة فتح سببا في إعاقة المصالحة الوطنية والتسوية السياسية؟

الانقلاب نفسه أهم عوائق المصالحة الوطنية حيث كان الرئيس أبو مازن يقول لا حوار مع الانقلابيين،و عندما تم تجاوز هذا العائق بتخلي الرئيس وحركة فتح عن هذا الشرط، ظهر ملف المعتقلين كنبت شيطاني،حيث لم يكن موجودا بداية الحوار، وأصبحت قضية المعتقلين أهم عوائق المصالحة كما تقول حركة حماس- بات الاشتعال والانشغال ببعض العشرات من المعتقلين في السجون الفلسطينية يفوق الاهتمام بأحد عشر آلف أسير في السجون الإسرائيلية- ثم أصبحت المصالحة مرتهنة بأوضاع حركة فتح وبما سيتمخض عنه مؤتمر حركة فتح في بين لحم من نتائج،ولم تخف حركة حماس شكوكها حول الصفة التمثيلية لمن يفاوضونها في القاهرة،حتى أطراف من فتح نفسها كانت ترغب بتأجيل المصالحة لما بعد مؤتمر الحركة وهذا ما جرى.فتح الضعيفة والمنقسمة على ذاتها والتي تدور شكوك حول بعض قياداتها ،لا يمكنها أن تكون طرفا قويا ومقنعا على طاولة الحوار،فتح الضعيفة غير القادرة على استنهاض نفسها لن تكون قادرة على أن تكون شريكا قويا ومحترما في أية حكومة وحدة وطنية ،ولن تكون مؤهلة لاستنهاض وقيادة منظمة التحرير ولن تكون قادرة على الفوز بالانتخابات حتى وإن تم الاتفاق على النظام الانتخابي،وعليه كان هناك شبه توافق على تأجيل المصالحة الوطنية – بالرغم من أن معيقاتها ليست فلسطينية فقط- حتى يتم عقد مؤتمر فتح وتستعيد الحركة عافيتها.

ولكن ،هل بعد تصريحات السيد القدومي و انقسام حركة فتح حتى قبل أن ينعقد المؤتمر- فاروق القدومي ليس شخصا بل يمثل تيارا داخل حركة فتح- ومع الصعوبات التي قد تحوُّل دون حضور العديد من أعضاء المؤتمر من خارج الوطن أو من القطاع،هل سينعقد المؤتمر في موعده؟ وفي حالة انعقاده هل ستخرج حركة فتح مبرأة من عيوبها وبما يؤكد تمسكها بالثوابت الوطنية الأمر الذي قد يدفع عملية المصالحة الوطنية للأمام ؟أم سنكون أمام حركة فتح جديدة متماهية مع السلطة وقاطعة الصلة مع تاريخها النضالي؟،وماذا لو لم ينعقد المؤتمر في موعده؟.

 لا شك أن مؤتمر فتح السادس في حالة انعقاده سيشكل منعطفا مصيريا ليس فقط بالنسبة للحركة بل للقضية الوطنية برمتها لأنه لأول مرة مطلوب من حركة فتح مؤسِسَة وقائدة المشروع الوطني أن تتخذ مواقف واضحة تجاه قضايا ناورت حولها طويلا تمس قضايا مصيرية، أهمها الموقف من المقاومة المسلحة والموقف من مشروع التسوية والمفاوضات والسلطة، وكيفية معالجة الانقسام بين غزة والضفة .الموقف من هذه القضايا سيعيد ترتيب العلاقات الفتحاوية الداخلية والعلاقات بين فتح وبقية القوى السياسية الفلسطينية أيضا علاقة فتح بالمحيط العربي والإسلامي وهي العلاقة التي تضررت كثيرا خلال سنوات السلطة.

ولذا فإن القول بوجود محاولات لمصادرة حركة فتح وحرفها عن مسارها التحرري الوطني من خلال التأثير على مجريات عقد المؤتمر السادس أو العمل على تأجيله كلام صحيح، ولذا كنا نتمنى من الأخ أبو اللطف وكل الحريصين على الحركة الحضور للمؤتمر ليدلوا بما لديهم من وجهات النظر وليدافعوا عنها ،هذا سيكون أفضل من التهرب من الحضور وترك الساحة لمن يعتبرهم أبو اللطف غير أمناء على حركة فتح.ما أقدم عليه الأخ أبو اللطف سيؤدي لأحد الأمرين:إما عدم انعقاد المؤتمر وهذا لن يكون لصالح حركة فتح ولا لصالح المصالحة الوطنية،وإما أن ينعقد المؤتمر بمن حضر وهذا معناه سيطرة من ينتقدهم القدومي على الحركة مما سيؤدي أيضا لإضعاف الحركة وانشقاقها و قد تجد حركة حماس في ذلك مبررا لإفشال المصالحة الوطنية.ومن هنا يمكننا الربط بين ما يجري داخل حركة فتح وعلى حركة فتح  من جانب و تعثر ملف المصالحة الوطنية من جانب آخر وبطبيعة الحال فإن تعثر ملف المصالحة سيؤدي لتعثر عملية السلام والتسوية السياسية.

 

تساؤلات ومؤشرات مقلقة تطل برأسها على أبواب المؤتمر تستدعي التوقف نظرا لأنها تثير شكوكا حول انعقاد المؤتمر وحول نتائجه إن انعقد:

أولا:الإنفاق الكبير للمال من بعض النافذين المتنطعين للوصول للمركزية.إن كان شراء الأصوات بالمال مفهوما لأنه معمول به في كل الانتخابات فإن استعمال المال في انتخابات داخلية لحركة تحرر وطني يسئ للحركة وخصوصا أننا نعلم أن من يملكون المال ليسوا المناضلين والشرفاء بل الذين تلوثوا بالفساد واغتنوا بمال السلطة وبالمال الذي يتدفق عليهم من جهات غير حريصة على حركة فتح ولا على المصلحة الوطنية.والملاحظ أن نفس الشخصيات التي وظفت المال لتفوز بالانتخابات التشريعية هي نفسها التي تنفق المال في كل الأقاليم حتى خارج الوطن لتصل لمركزية الحركة أو توجه الأمور كما تريد،وهؤلاء كانوا وراء فساد السلطة وحالة الانفلات الأمني في القطاع ومسئولون عن تسليم قطاع غزة لحركة حماس وهم الذين تدور شبهات حول تورطهم باغتيال الراحل ياسر عرفات.

ثالثا: ما يتعارض مع القوانين والأعراف أن يتم الإعلان عن قوائم رسمية لأسماء مرشحين لعضوية اللجنة المركزية والمجلس الثوري قبل أن يتم الانتهاء من تثبيت العضوية،هذا إجراء غير قانوني ويجب إلغاء كل الترشيحات لحين الانتهاء من تثبيت العضوية وتعميمها رسميا.

رابعا: الأخطر من ذلك هو أن يترشح مسئولون كبار في السلطة لعضوية اللجنة المركزية أو المجلس الثوري،هذا معناه تأكيد التداخل ما بين السلطة واستحقاقاتها وبين حركة فتح كحركة تحرر وطني،أيضا معناه توظيف المنصب لابتزاز الأعضاء للحصول على أصواتهم،ولذا على من يرغب بالترشح للجنة المركزية أن يستقيل من أي عمل في السلطة وخصوصا إن كان وزيرا أو مسئولا أمنيا.فكيف يمكن لوزير في السلطة أو مسئولا أمنيا أن يوفق ما بين التزامه بحركة فتح والتي يقولون بأن المؤتمر سيؤكد على التمسك بالثوابت الوطنية وبالمقاومة –تصريحات السيد رفيق النتشة- ،وبين التزامه بتعهدات واتفاقات تلتزم بها السلطة سواء مع إسرائيل أو مع الرباعية؟حتى على مستوى الرئاسة يجب إعادة النظر بالجمع بين رئاسة السلطة ورئاسة حركة فتح بعد أن أثبتت التجربة خطورة هذا الجمع- وهو موضوع تمت مناقشته داخل فتح مطولا- اللهم إلا إذا كان مشروع السلطة هو مشروع حركة فتح وحكومة السلطة هي حكومة حركة فتح،وفي هذه الحالة على حركة فتح الخروج من حالة التردد وأن تعترف بأن حكومة دكتور فياض حكومتها أو تُشكل فتح الحكومة وبالتالي تتحمل كامل المسؤولية عن السلطة وممارساتها.

وأخيرا علينا ملاحظة ما يلي:كانت إسرائيل السبب في تعثر مسلسل السلام وهي التي هيأت الظروف للانقسام وفصل غزة عن الضفة من خلال خطة شارون للانفصال أحادي الجانب من غزة وكانت السبب في حصار غزة...أما اليوم فقد أخرجت إسرائيل نفسها من المعادلة بحيث بات الأمر يبدو وكأن الوضع الداخلي الفلسطيني و خصوصا الوضع الفتحاوي هو السبب في تعثر المصالحة و تعثر المصالحة سبب في تعثر التسوية وفي ديمومة حالة الانقسام! .هل الأمر عفوي أم إنها أمور مخطط لها؟ إنه وضع يستحق التوقف والتفكير.

 

د. إبراهيم أبراش

[email protected]

الرباط: ‏25 ‏/07‏/2009

      

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1119  السبت 25/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم