صحيفة المثقف

كيف صار الديك استا ؟!

 " الديوك عادة تعمل مع أكثر من عشرين دجاجة بالمعدل، ويستحق الديك مقابل هذا الجهد ان يحرر في الطبيعة، حين يصبح ثقيل الهمة، وغير قادر على تثبيت نفسه فوق ظهر دجاجة."

 

وبعد تفكير أضاف: "ربما لتحريره في الطبيعة فوائد جمة تجنى، بأن يكون سفيرا فوق العادة، وداعية في مديح نظام الخممة وأصحابها، والتستر على جشعهم، مما قد يحول الخممة الى مطلب نفوس الكثير من الديوك البرية التي يشتهي لحمها الانسان، فتكون الفائدة مضاعفة، في اللحوم، وفي ادخال جينات جديدة وتحسين النوع الدجاجي وانعكاس ذلك على نوعية البيض وحجمه وطعمه وكميته، ورفع القيمة الغذائية للحم الدجاج، وارتفاع اسهم الدجاج في بورصة اللحوم ".

المهم ان يقتنع أصحاب الخممة بأن تحرير الديوك الى الطبيعة، بعد استنفاذ قواها، سيكون تفكيرا سياسيا ابداعيا ضمن رؤية مستقبلية سليمة، وقد يطرح الموضوع للتصويت في الهيئة التشريعية، ضمانا للتنفيذ، وعدم ابقاء الموضوع ضمن الأخلاقيات المتقلبة لأصحاب الخممة .

التحرير في الطبيعة اقتراح عبقري . كان الديك الفصيح راضيا عن أفكاره . مثلا تستطيع الديوك المحررة ان تغري ديك النيص بهجر مغارته واللجوء الى خم دجاج . واغراء ديوك البط البري .. وديوك الحبش البري ... وتخيلوا هذه الحركة المباركة، تتقدم الديوك للإنضمام للخممة، وتجر وراءها قوافلا من الأناث قليلات العقل، اللواتي سيصير لحمهن فخر الموائد، وبيضهن وجبة افطار دسمة .. وتكثر دعوات الطعام مما يسهل تقدم أصحاب الخممة والمقربين اليهم في المناصب البلدية والحزبية ووظائف الدولة، وربما يصبح أحدهم، مع انه حمار .. رئيسا لتحرير صحيفة أوحاملا لعصا الزعيم، والمسألة هنا لا تتعلق بالعقل والذكاء والقدرات، انما بموهبة معرفة رغبات الزعيم أو القابض على كيس المال .

"الفائدة هنا عظيمة "، قال الديك الفصيح لنفسه. وأضاف : " أهم ما فيها ان الديوك تصبح معفية من التعرض للذبح والمعط والطبخ والألتهام ".

 

بعض الدجاجات كن يتهامسن ان الديك الفصيح منذ بان عجزه، ازدادت فلسفته وثرثرته . وواحدة تجرأت وقالت بعدم اكتراث انه : " يغطي على قصوره بطول لسانه " وأخرى قالت : " وضع مكانه ديك شاب يحرث ويدرس لبطرس ... يقوم بكل أشغاله وتسجل باسم الديك الفصيح ". وقالت واحدة تبدو من اللعوبات : " ديوك الجيران تتطاول على دجاجاته، ويظن صاحب الخم ان الديك بألف خير .. ما شاء الله ".

ورغم قصورات الديك الفصيح، الا انه يتلقى الدعم من ديوك حلفاء،يأتون جماعات جماعات لمبايعته رئيسا لمجلس الديوك والتقاط الصور بقربه حتى لا تبقى زلاتهم السابقة عالقة بهم مدى الحياة. رغم انه معروف للجميع، بان الديك الفصيح سينتدب من يحل محله في رئاسة مجلس الديوك أيضا . وعقبت دجاجة وقحة انها تتوقع ان: " ينافس الديك الفصيح على منصب سكرتير عام الأمم المتحدة واذا فاز به يعين من يدير بإسمه شؤون ديوك العالم البشرية .. وليس شؤون الديوك الدجاجية فقط " !!

 تلك الدجاجة الوقحة كسرت ساقها بحادثة عمل فسارع صاحب الخم الى ذبحها .

كان الديك، الى جانب ما يشغل وقته القليل، اذا أخذنا بالحساب ساعات اليقظة، هو اقرار مسودة قرار تؤكد مكانته، وبذهنه أن هذه المكانة لا تقل عن مكانة أي صاحب فخامة أو جلالة. بصراحة ليس أقل من صفة ملك . وهذا يمنع ان يتعالى علية القواريط أو يعترضوا على رغباته التي بدونها : "هو لن يكون هو نفسه". وبالتالي يا ويل الجماهير التي تقاقي، عندها لن تنفعها حتى مقاقاتها .  كان، مثل كل ُمتوج، يريد الطاعة والإخلاص لتعاليمه. كانت الديوك الشابة فخورة بديكها

الفصيح وتسحج وهي تصفق بجناحيها مولدة تيارات هوائية منعشة للديك الفصيح لانه علمها :" ان الديوك لا تبيض .. وأن البيض هو واجب وطني للدجاج لمنع انتشار الجوع ".

في عصر أحد الأيام، وعلى غير العادة ... حدثت حركة حول مهجع الديك، في ساعات كان من المفروض ان يقضيها نائما . "استيقظ الديك " انطلق صوت بعض الدجاجات .. منبها الى ضرورة الاستعداد لاستقبال الديك بما يليق بمكانته . ولكن الديك جلس مثقلا من الإرهاق في مكانه، رغم ان "تعبه من كثرة الراحة " كما همست دجاجة ملثمة حتى لا يصير بها ما صار بغيرها من حوادث عمل أو نفوق لأسباب مجهولة . وبسرعة وقف الى جانبه المفوض بادارة الخم باسمه .

 

أجال الديك الفصيح ببصره في وجوه الدجاجات والديوك الصغار حوله وسألهم بدون مقدمات :

- هل تعرفون من هو الملك الحقيقي في الخم ؟

- انت هو الملك .. انت يا ديك الديوك ..

 كان الرد جماعيا وبصوت واحد. ولكنه لم يهتز، ولم يتأثر . فهو يعرف مكانته .قال لهم مستاء:

- السؤال ليس شخصيا يا غبيات متغنجات ...

- اذن ما القصد يا رئيسنا؟

تنحنح . أمسكته قحة قوية، كادت تكتم أنفاسه ..انتظرت الدجاجات بفارغ الصبر خروج روحه والتخلص من هذا الموقف الحرج أمامه وأمام أسئلته الغريبة. . ولكنه أخذ نفسا طويلا وواصل:

- قصدي من هو الملك في أجسادنا يا شاطرات ؟

قلن بتردد وببعض الحياء :

- الملك هو ما يملكه الديوك ونفتقده نحن الدجاجات؟

ضحك بسعادة مما خفف وطأة التوتر وعلت الابتسامات الفرحة على وجوه الدجاجات .

- ايضا تملكن ما نشتهيه نحن الديوك ولا تطيب لنا الحياة بدونه ؟

- اذن تساوينا !!

سارعت الى القول دجاجة نضرة .

- طب الجرة على ُتمها بتطلع الدجاجة لأمها ... يعني غبية بنت غبية .

 

فاصيبت المسكينة بالصدمة والرعب على مصيرها.. والندم لتسرعها بالإفصاح عما فهمته . وشعر الدجاج انه أمام معضلة صعبة، قد تكلف المتفوهين أو المتفوهات بما لا يتلاءم مع فكر الديك الرئيس ثمنا رهيبا . حتى منفذ أعمال الرئيس آثر الصمت ورسم ابتسامة مدعي الفهم على شفتيه، و"هو مش فاهم أيضا " همست دجاجة لصاحبتها .

- يا سيداتي اللواتي لا تنفعن الا للركوب والبيض، في جسم كل منا، ذكورا واناثا لا فرق، ملك لا يمكن معارضته .

- وهل يوجد ملك غير سعادتك ؟

وانطلق صوت منفذ أعمال الرئيس على غير عادته :

- أبدا .. أبدا .. أبدا

- أصمت .. انت أيضا لا تفهم شيئا !!هل تريد ان أصنفك مع قليلات العقل؟!

وساد صمت ثقيل. كسرته دجاجة بخوف وتردد:

- اذن يا رئيسنا هل يوجد في جسمي ملك ؟!

ضحك الديك الفصيح وقح :

- بالطبع هناك ملك .. ولدى كل دجاجة وديك ملك ولدى صاحب الخم ملك ولدى زعيم الحزب ملك .. وحتى لو كانت دجاجة مشوهة لديها ملك ...

- كيف يجوز ذلك .. لم نسمع ان في الدجاجات ملوكا ؟

- سأشرح الموضوع ... لكل دجاجة أو ديك أو بشر .. رأس فيه عقل .. وفيه عينان وفيه فم وأنف وكلها حيوية لكل واحد منا .. ولكل منا قلب ينبض، ورئات تضح الهواء ومعدة تهضم واست تفرغ ...فمن هو الملك من بين الأعضاء التي ذكرتها؟

وتعالت الاجابات بحماس :

- الرأس هو الملك

- العقل هو الملك

- القلب هو الملك

- العينان هما الملك

- المعدة هي الملك

- الرئتان هما الملك

 

ورفع الديك الفصيح يده باشارة أعادت الصمت . وأعطى لكل مجموعة ان تفسر لماذا تعتقد ان الطرف الذي اختارته هو الملك .. والديك الفصيح يستمع بصمت ويبتسم من غباء دجاجاته . اشاربيده فصمتن.وقال بهدوء :

 - الإست هي الملك !!

وارتفعت الضحكات وصرخات الإحتجاج

- الإست ؟!

- أجل الإست هو الملك !!

- انه أقذر عضو فينا يا رئيسنا ؟

- ومع ذلك هو الملك .

تجرأت دجاجة وهتفت:

- كيف يمكن أن نقبل بذلك .. نرفض ان نعترف بالإست ملكا.

- لنفرض انه الآن وقت الطعام .. عقلكم يستوعب ان أجسامكم تحتاج للطعام ولا يعترض . قلبكم لا دخل له .. ينبض بالحياة .. ورغم قيمته العليا في الجسم الدجاجي أو البشري، الا انه ليس الملك . والمعدة تتلقى ما تلتهمون .. وتهضمه .. تأخذ ما يفيد أجسامكم .. وماذا بعد ؟!

- الإست تخرج الفضلات !!

- لنفرض أن الاست أضربت ولن تخرج الفضلات ...

- لايمكن .. سننفجر ..

- اذن الاست لن تخرج الفضلات حتى تحصل على اعترافكم انها الملك ...؟

- ...

 

- لماذا سيطر الصمت عليكن يا ثرثارات؟

- الإست ؟!.. هذا أمر غير معقول.

- هل باستطاعتكن الصوم لكل الحياة .. لا يمكن .. ستأكلون، ولكن الإست أغلقت بابها بالمفتاح ولن تخرج حتى حبة رمل .. الا بعد ان تعترفوا انها الملك ... ما العمل ؟

أجابوا بأصوات مهمومة ومتألمة :

- سنعترف صاغرين انها الملك ..

- اذن الإست هي الملك .. وانا است هذا الخم .. هل تفهمون معنى كلامي؟

- وانطلقت الدبكة باشارة من منفذ أعمال الرئيس:

- عاشت الإست .. عاش الملك !!

 

نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1120  الاحد 26/07/2009)

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم