صحيفة المثقف

حركة العدل والمساواة السودانية مسمار جحا الذي زرعه المستعمرون في البلدان العربية

 الحركة والاضطراب كما ويبدو وهادئا منسيا مغطى بالأتربة والصدأ في بلدان أخرى ولكنه على كل حال ثابت في مكانه ولا يحتاج إلى جهد جهيد لكي تزال الأتربة عنه لتعود له حيويته ونشاطه.ولذا أصبحت هذه المسامير سيوفا مسلطة على رؤوس الحكام العرب والشعوب العربية لا يدرون متى تهتز يد الجلاد لتطيح بهذا الرأس أو ذاك دون اعتبار لمباديء الخلة والصداقة وحفلات الأنس والطرب والركوع حتى تلامس الأذقان التراب

حركة المسمار تتوافق عادة مع حالة القطر السياسية والاجتماعية فإذا كان القطر هادئا ومطيعا ومنفذا لأوامر السادة الكبار ومستجيبا لطلباتهم المعقولة وغير المعقولة يهدأ المسمار أيضا ولا يظهر في العلن بل لا يكاد يشعر به أحد، أما إذا كان القطر حركا ومشاكسا وقليل الطاعة ومعترضا ومتذمرا فإن المسمار يهتز بشكل عنيف تهتز معه أرض القطر كلها ولا يهدأ إلا بعد تقديم التنازلات والركوع للسادة وتقبيل الأيادي والأرجل وإذا كانت المعصية كبيرة قد يحتاج الأمر إلى تقبيل المؤخرات أيضا.

بعض المسامير تحولت إلى لعبة تشبه لعبة الجزرة والعصا يمسكه السيد بيد ويمسك باليد الأخرى بنودا واتفاقيات وأوامر وطلبات فإما أن تتم الموافقة غير المشروطة عليها وإما أن يحرك السيد المسمار لتلتهب الأرض تحت أقدام القائد المنصور فلا يجد ما يتقي به حرارة لهيبها وشدة ألمها إلا الجلوس في خيمة صفوان.

المسمار موجود وظاهر للعيان في العراق وسوريا ومصر وفلسطين والسودان والمغرب العربي والجزيرة العربية والدول العربية الأفريقية، وقد تحرك في أغلب هذه المناطق خلال الخمسين سنة الماضية أكثر من مرة وأوقع أكثر من مأساة ومصيبة ولكن أولي الأمر لا يتعضون  خصوصا أولئك الذين أهتز المسمار في بلدانهم مرات ومرات.

وعلى المدى القريب المحصور في الحقبة من 1980 ولغاية هذا التاريخ أهتز المسمار في العراق مرات عدة فأوصلنا إلى ما نحن عليه ولا زال يهتز بعنف، تهزه يد من حديد ليصل ريح وأثر اهتزازه إلى دول الجوار العراقي التي هي ليست على وفاق مع السيد الكبير منذرا ومتوعدا بأن حالها لن يكون أفضل من حالنا إذا لم تسارع لتقديم الطاعة والولاء. وأهتز في السودان مرات كثيرة ولا زال يهتز بشدة منذرا دول جوار السودان بالويل والثبور

فالسودان التي تحررت من الاستعمار سنة 1956 لم تشهد استقرارا حقيقيا منذ ذلك التاريخ ولحد الآن ولاسيما أن رئيس البلاد عمر أحمد البشير الذي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري مطلوب اليوم للعدالة الدولية التي تسعى لاستقدامه أمام المحكمة المختصة.فمنذ بدايات فترة التحرير وأقسام مختلفة من الأرض السودانية تعج بالمتمردين والانشقاقيين وكان تمرد الضابط الجنوبي جورج قارا نق أخطر هذه التمردات ولم ينته إلا بعد أن حصل الجنوب على الحكم الذاتي الذي يبدو وكأنه انفصال أكثر من كونه حكما ذاتيا، والحكم الذاتي للجنوب لم ينه المشكلة التي طالما عادت للاندلاع مع كل حدث أو خلاف مع المركز مهما كان بسيطا، كما أن الحالة الجنوبية السودانية تشبه كثيرا حالة إقليم كردستان العراقية حتى أن أطروحات الطرفين تكاد تتشابه بشكل كبير وأهمها الرغبة بالانفصال والسعي الجدي له.

كذلك يعاني السودان من مشاكل كبيرة بين الأديان ومشاكل عرقية أخرى ومشاكل بين الإسلاميين والعلمانيين وكأنها صورة طبق الأصل عن الصورة العراقية الحالية. الفرق الوحيد أن جريمة الرئيس العراقي كانت أكبر كثيرا من جريمة عمر البشير ولذلك جاء السيد الكبير لقتله بينما أصدر أوامره لأعوانه الصغار باستقدام البشير أمام المحكمة ليلاقي جزاءه غير العادل.

العجيب أن أي من المسئولين العرب الكبار لم يحاول التعاون مع شعبه لكي يجتمعا سوية على قلع المسمار من مكانه وإلقائه بوجه السيد ولذا سيبقى المسمار وسيبقى معه التهديد وتبقى المصائب تترى على رؤوس العرب المساكين 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1129  الثلاثاء 04/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم